
تحقيق : السعادة
القرارات الأُسرية تحتاج إلى المشاركة والمشاورة والحكمة؛ فهي ليس حكراً لأحد الزوجين كي نبني أُسرة ناجحة سعيدة يجب أن تكون قائمة على الحب والتفاهم والتوازن؛ فمِن خلالِها تستطيعُ الأسرةُ أنْ تَشُقَّ طريقَها بأمانٍ؛ خاصة إذا كانت تلك القرارات صائبة قائمة على النقاشِ والحوارِ والأخذِ والعطاءِ بعيداً عن التفرد بقرارِ أحد الزوجينِ؛ مراعية مصلحة الأسرة والوصول بها إلى بر الأمان .
تقول سماح زيتونية، (43) عاماً:”أصبحت المرأة مكانةٌ وتأثيرٌ على الزوجِ؛ فالتفاهمُ والتوازنُ بينَ الرجلِ والمرأةِ طغَى على العلاقاتِ الأسريةِ؛ لأنّ المرأةَ موجودةٌ مُعظمَ الوقتِ في البيتِ ومع أولادِها؛ فأصبحتْ تتحمّلُ كاملَ المسؤوليةِ في القراراتِ الأسريةِ، تقولُ:” كثيراً من القراراتِ أتّخِذُها.. وبعدَها أُخبِرُ زوجي.. فهو يثِقُ بقُدرتي.. ولأنني قائمةٌ بكُلِّ أمورِ البيتِ في فترةِ غيابِه في عملِه؛ فلا أجدُ منه أيَّ اعتراضٍ “.
قرارات مشتركة
محاسن الحايك، “29” عاماً، تقول:”القرارات الأسرية مشترَكةٌ بينَ الأزواجِ؛ فهي ليست تَحكُّماً وتفرُّداً لشخصٍ مُعيّن على حسابِ شخصٍ آخَرَ، معظمُ القراراتِ يتمُّ مناقشتُها بيني وبين زوجي؛ حسبَ ما يَخدمُ مصلحةَ الأسرةِ، وأحياناً كثيرةً يأخذُ زوجي رأيِّي في الكثيرِ من المواقفِ؛ من بابِ أنه يجدُ عندي القدرةَ على المعرفةِ بالكثيرِ من المواقفِ، وفي الغالبِ يكونُ رأيِّي على صوابٍ، وتقديري للأمورِ يأتي حسبَ توَقُّعاتي.
بينما داليا الحاج لا تحبُّ أنْ تشاركَ في اتّخاذِ القراراتِ الأسريةِ؛ فهي تتركُ الأمرَ لزوجِها، فتقولُ:”الرجلُ هو صاحبُ القرارِ في الأسرةِ، حيثُ اعتادتْ المرأةُ على الأخذِ برأيِّ الرجلِ؛ لخَوفِها من عواقبِ الأمورِ؛ ولأنها لم تَعتَدْ على تَحمُّلِ المسؤوليةِ، وحتى لو حاولتُ أنْ أفرضَ قراري؛ أجدُ اعتراضاً من زوجي؛ وهذا يعودُ لطبيعةِ الرجلِ، والعاداتِ والتقاليدِ؛ حيثُ يصبحُ الرجلُ محكوماً في منظورِ أهلِه والمجتمعِ! وهذا الشيءُ الذي لا يَقبلُه زوجُها حسبِ رأيِّها .
أما صهير عبد 45 عاماً لا تَخطو خُطوةً إلّا بأمرٍ من زوجِها؛ فهو لا يسمحُ لها باتّخاذِ أيِّ قرارٍ؛ وهو دائماً ما يُشعِرُها بالضيقِ، ويُقلّلُ من مكانتِها، فتقولَ:”تعوّدتُ على قراراتِ زوجي؛ التي يتّخِذُها دونَ عِلمي! وكثيراً ما أتفاجأُ بقراراتٍ اتّخذَها دونَ مشورتي! وحينَ أُراجِعُه يقولُ: ليس من شأنِك.. !لا تتدَخّلي..! فكان سبباً لخلقِ المشاكلِ بينَنا، ومع الوقتِ أصبحتُ أتعوّدُ على طباعِه؛ فهو يرى أنّ المرأةَ ليستْ صاحبةَ قرارٍ!
كان لابد أن نستمع إلى الأزواج؛ فيرجع خالد العمصي؛ الزوج هو صاحب القرارارتِ الأسريةِ، فالمرأةُ عاطفيةٌ في قراراتِها، فيقولُ:”الرجلُ أكثرُ عقلانيةً في اتخاذِ القراراتِ؛ فهو له رأيُّه المختلِفُ عنها، وتفكيرُه دائماً يصُبُّ في الإطارِ العملي، والذي يقيّمُ الأمورَ بطريقةٍ صحيحةٍ بعيداً عن التأثُّرِ أوِ المقارنةِ؛ لذلكَ لا أسمحُ لزوجتي بالتدخُّلِ في أيِّ أمرٍ!
كمال أبو كويك (42) عاماً، يرى أن الزوجةَ الواعيةَ هي التي تفرضُ نفسَها في كلِّ القراراتِ، فلَو وجدَ الزوجُ زوجتَه قادرةً على التصرّفِ وتقديرِ الأمورِ؛ يتركُ لها المجالَ كي تتخذَ قراراتٍ، فالأمرُ يقومُ على المشارَكةِ والتفاهمِ بينَهما، وفي النهايةِ نحن نعيشُ من أجلِ بناءِ أُسرةٍ؛ وليس في ساحةِ حربٍ أو انفرادٍ بالقراراتِ، فالحياةُ مشترَكةٌ وتحتاجُ الى النفَسِ الطويلِ من أجلِ ديمومتِها.
في حين يعترفُ سلامة الحجار (30 )عاماً؛ أنّ زوجتَه هي صاحبةُ القراراتِ في البيتِ؛ فهي تتمتيزُ بشخصيةٍ قويةٍ، وذكاءٍ وسرعةِ بديهةٍ؛ لِذا فهو يشاوِرُها في كلِّ أمورِه _حتى في العملِ_ ليس من بابِ الضعفِ في شخصيتِه؛ ولكنه يثِقُ بقراراتِها، فدائماً تكونُ صائبةً في الاختياراتِ والتصرّفاتِ، فيقولُ:” منذُ أنْ تعرّفتُ على زوجتي؛ وجدتُ فيها الشخصيةَ القياديةَ؛ فهي مبادِرةٌ لكُلِّ شيءٍ، وتفكّرُ في المواضيعِ بشكلٍ عقلاني، وتَحسبُها بشكلٍ دقيقٍ، وفي أيِّ أمرٍ أرجِعُ لها ونناقشُه، فأصبحتُ أتركُ الكُرةَ في ملعبِها لِثقتي بها “.
ويرى أنّ القراراتِ الأسريةَ بشكلٍ عام تعودُ للرجلِ؛ لكنْ بكُلِّ تأكيدٍ للمرأةِ تأثيرٌ في قراراتِه التي تضعفُ أو تقوَى حسبَ الظروفِ المحيطةِ، وشخصيةِ كلٍّ من الطرَفينِ.
شورى وتفاهم
في حديثٍ مع دكتورةِ علمِ النفسِ “رائدة أبو عبيد”، تَعدُّ عمليةَ اتخاذِ القراراتِ جوهرَ ولُبَّ العمليةِ الإداريةِ داخلَ الأسرةِ، ويتوقفُ نجاحُ الفردِ أو الأسرةِ في إدارةِ شؤونِها ـ إلى حدٍّ كبيرٍ على مدَى سلامةِ ورُشدِ القراراتِ التي يتمُّ اتّخاذُها.
تقولُ:” يجبُ أنْ يكونَ هناكَ أسلوبُ تفاعُلٍ بينَ الوالدينِ، وعلاقتِهما مع الأبناءِ، ولا يختلفُ هذا الأسلوبُ باختلافِ المواقفِ، ويشتركُ كلٌّ من الزوجينِ في اتخاذِ القراراتِ، مِثلَ اختيارِ نوعِ تعليمِ الأبناءِ، أماكنِ التنزُّهِ، توزيعِ الأعمالِ المنزليةِ.
وتبيّنُ أنه من الطبيعي أنْ يحدُثَ تعارضٌ في الأفكارِ والآراءِ؛ ولكنه لا يهدّدُ العلاقةَ بينَهما؛ حيثُ أنّ الخلافاتِ سرعانَ ما تنتهي؛ وتُحلُّ ببساطةٍ ومرونةٍ؛ وبالتالي يسودُ جوٌّ من الشورَى والمشارَكةِ والتفاهمِ الأُسري.
وأشادتْ بفعاليةِ ودورِ المرأةِ في المجتمعِ؛ فهي ركنٌ أساسٌ وفعّالٌ في المجتمعِ؛ وهي العنصرُ المؤثّرُ والفعالُ في الأسرةِ؛ فهي صاحبةُ معظمِ القراراتِ الأسريةِ وإنْ لم يكنْ يَظهرُ ذلك بشكلٍ علَنيٍّ؛ فهي مشارِكةٌ بشكلٍ مباشرٍ.
تقول:”تفكيرُ المرأةِ أعمقُ وأوسعُ؛ فهي لها نظرةٌ تحليليةٌ عميقةٌ؛ ولها حساباتٌ مختلفةٌ عن الرجالِ؛ فعقلُها لا يتوقفُ عن التفكيرِ، ولا يمرُّ عليها الموقفُ مرورَ الكرامِ، ولها رؤيةٌ مستقبليةٌ صائبةٌ، تجدُ نفسَها قادرةً على تحمُّلِ كلِّ الضغوطاتِ والأعباءِ، وتقومُ بمعظمِ الأدوارِ؛ وهذا ما يؤَهِلُها أنْ تكونَ صانعةَ القراراتِ.
تكامل أدوار
في حين يرى الأخصائي الاجتماعي “محمود منصور”، أنه لا يمكنُ التفكيرُ بأنّ المرأةَ في المجتمعِ معزولةٌ عن اتخاذِ القراراتِ في أسرتِها، وأنّ الرجلَ هو المسيطرُ، وفي يدهِ القرارُ النهائي في كلِّ ما يتعلّقُ بشؤونِ المنزلِ والأولادِ، ولا يمكنُ التأكيد أنها صاحبةُ تلكَ القراراتِ مِثل الرجلِ، وأنها تشاركُ معه في اتخاذِ أيِّ قرارٍ يخُصُّ العائلةَ؛ لكنّ ما يُمكِنُ الجزمُ به؛ أنه خلالَ السنواتِ الأخيرةِ استطاعتْ المرأةُ أنْ تصِلَ إلى مرحلةٍ من (الوَعيِّ، والتعليمِ، والاستقلالِ المادّي، والتمكينِ)؛ الأمرَ الذي يؤهِلُها لأنْ تكونَ مشارِكةً بنسبةٍ كبيرةٍ في القراراتِ الأُسريةِ؛ سواءً كان ذلكَ بشكلٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ، فصارتْ بصمتُها واضحةً في هذا المجالِ، ولاسيّما عندما أخذتْ على عاتقِها إدارةَ الأسرةِ وإعالتَها في ظِلِّ غيابِ الرجلِ المؤقتِ أو الدائمِ.
يتابعُ الأخصائي الاجتماعي حديثَه :”إنّ المرأةَ عندما تكونُ متمكِّنةً (اجتماعياً وصحياً واقتصادياً) تمتلكُ الأساسَ المَعرفي الذي يساعدُها على أنْ تأخُذَ قراراتِها الأسريةَ؛ وبذلكَ وبشكلٍ عامٍّ أصبحتْ المرأةُ مساندةً للرجلِ في كلِّ الأمورِ؛ خاصةً بسببِ الأوضاعِ التي يمرُّ بها القطاعُ الغزي؛ من حصارٍ، وأنصافِ رواتبَ، وأوضاعٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ صعبةٍ؛ ما جعلَ للمرأةِ دوراً فعالاً في مشاركةِ الرجلِ في كلِّ الأمورِ.
في حين تُحدِّثُ دكتورةُ علمِ النفسِ عن تفاصيلِ القراراتِ الأسريةِ؛ التي تساهمُ المرأةُ في المشاركةِ فيها؛ ومنها قرارُ الزواجِ واختيارِ الشريكِ، والقراراتُ المتعلقةُ بأولادِها؛ حيثُ كانت المرأةُ مشارِكةً بنسبةٍ كبيرةٍ في هذا الجانبِ، واليومَ نتيجةَ تمكينِها ومشاركتِها في الحياةِ الاقتصاديةِ والعمليةِ؛ أصبحتْ قادرةً على المشارَكةِ أكثرَ في اتّخاذِ القرارِ داخلَ وخارجَ الأسرةِ، ، وحتى تكونَ قراراتُها صائبةً؛ يجبُ أنْ تكونَ مبنيّةً على معرفةٍ واسعةِ الأُفقِ، وخياراتٍ متعدّدةٍ، ومن واجبِ المجتمعِ أنْ يساعدَ في تمكينِ المرأةِ وتدريبِها وتأهيلِها؛ حتى تكونَ قادرةً على اتخاذِ القراراتِ الصحيحةِ.
وعن مشارَكةِ المرأةِ في القراراتِ المتعلقةِ بمستقبلِ أطفالِها؛ الأمُّ تلعبُ دوراً كبيراً في تعزيزِ المساواةِ بينَ الأطفالِ الذكورِ والإناثِ؛ نتيجةَ التوعيةِ والقوانينِ التي تدعمُ المرأةَ في هذا المجالِ، وبالفعلِ يكونُ قرارُ الأمِّ في مرحلةِ الطفولةِ نافذاً_ والأبُ يرَحِّبُ بهذا القرارِ_ لأنه يرفعُ عنه مسؤوليةَ الاهتمامِ بهذه المرحلةِ في تكوينِ الطفلِ؛ ولكنْ بعدَ هذا السنِّ يقِلُّ تأثيرُ قرارِ الأمِّ؛ بسببِ وجودِ قراراتٍ مصيريةٍ؛ كالزواجِ، وإكمالِ التعليمِ؛ وهذا لا ينفي وجودَ حالاتٍ معيّنةٍ قد يخرجُ القرارُ فيها من يدِ الأمِّ؛ حتى في مرحلةِ طفولةِ أولادِها.
اتخاذ قرار صائب
بينما أكّدَ الأخصائي الاجتماعي منصور:” المرأةُ الفلسطينيةُ اليومَ موجودةٌ في كلِّ الشرائحِ ، وفي كلِّ الأنشطةِ، وربّةُ أسرةٍ، ومعيلةٌ، وما يزيدُ من مشاركتِها في اتخاذِ القرارِ الأسري؛ هو تمكينُها أكثرَ، وتغيُّرُ النظرةِ النمطيةِ لها، والمجتمعُ بدأَ يتقبّلُ وجودَها في الكثيرِ من الأماكنِ التي لم تدخُلْها؛ وهذا يعزّزُ دورَها وقدرتَها على اتخاذِ القرارِ.
يوضّحُ: إنّ القراراتِ الأسريةَ تتعلقُ بالشخصيةِ؛ فمَن لدَيه القدرةُ على اتخاذِ القرارِ، ولدَيهِ قوةُ الشخصيةٍ وحُسنُ التصرّفٍ؛ يكونُ صاحبَ القرارِ في المشاركةِ والمناقشةِ، فالقراراتُ الأسريةُ مصيريةٌ؛ يجبُ أنْ تكونَ مدروسةً؛ إذْ يُبنَى عليها مستقبل الأسرةِ.
وتوضّح د. “أبو عبيد” أنّ المرأةَ أكثرُ فعاليةً في المجتمعِ والأسرةِ في اتخاذِ القرارِ الأسري؛ وخاصةً إذا كانت تساعدُ مالياً، ففي السنواتِ الأخيرةِ أعطتْ وسائلُ التواصلِ الاجتماعي المرأةَ مساحةَ حريةٍ ونقاشٍ أكبرَ، فأصبحتْ تعرفُ حقوقَها، وتطالبُ بها، وتدافعُ عن قراراتِها ووجودِها كعنصرٍ فاعلٍ ضِمنَ الأسرةِ؛ ويعودُ السببُ في ذلكَ إلى الوعيِّ الذي أصبحتْ المرأةُ تتمتعُ به، والذي أثّرَ بشكلٍ كبيرٍ في قدرتِها على مشاركةِ الرجلِ في اتخاذِ القرارِ الأُسري.
تضيف :”عندما تُثبِتُ المرأةُ للرجلِ وَعيَها ومسؤوليتَها وقدرتَها على اتخاذِ القراراتِ السليمةِ؛ سيضطّرُ لأنْ يأخذَ برأيِّها وقراراتِها، فكثيرٌ من النساءِ الغزياتِ هنَّ صاحباتُ القرارِ الأُسري في الكثيرِ من العائلاتِ، فالمرأةُ صاحبةُ قرارٍ في كلِّ شيءٍ .