ما واجبُنا تُجاهَ المسجدِ الأقصى؛ في ظِلِّ المؤامراتِ والاعتداءاتِ الغاشمةِ من قِبَلِ الاحتلالِ الإسرائيلي؟

الدكتور :جمال حشاش
للمسجدِ الأقصى مَكانةٌ خاصّةٌ في الفكرِ الإسلامي، فقَدْ وَردَ ذِكرُه في القرآنِ الكريمِ؛ في سورةٍ تَحمِلُ اسمَ مُعجزةِ النبيِّ _صلى الله عليه وسلم_ وهي سورةُ الإسراءِ؛ قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} الإسراء/1؛ قال الإمام البقاعي في تفسيرِ هذه الآية: “ثُم وصفَه بما يقتضي تعظيمُه، وأنه أهلٌ للقصدِ، فقال تعالى: {الذي باركْنا} أي بما لنا من العظمةِ، بالمياهِ والأشجارِ، وبأنه مَقرُّ الأنبياءِ، ومَهبطُ الملائكةِ، ومَوطنُ العباداتِ، ومعدنُ الفواكهِ والأرزاقِ والبركاتِ {حوله} أي لأجْلِه، فما ظنُّكَ به نفسه! فهو أبلغُ من باركْنا فيه” [نظم الدرر في تناسب الآيات والسور 11/ 290].
جعلَ الإسلامُ للمسجدِ الأقصى مكانةً عظيمةً؛ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى) متَّفَقٌ عليه، وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: يا رسولَ اللهِ أفتِنا في بيتِ المَقدسِ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ) رواه ابن ماجه، فهذه الإشارةُ النبويةُ العظيمةُ؛ جعلتْ المسلمينَ يهتمونَ بالقدسِ والمسجدِ الأقصى من الفتحِ العُمَري إلى التحريرِ الصلاحي، وفي المسجدِ الأقصى آثارٌ وشواهِدُ على اهتمامِ الدولِ الإسلاميةِ من الأمويينَ والعباسيينَ والأيوبيينَ والمماليكَ والعثمانيينَ به.
يتعرّضَ المسجدُ الأقصى للظلمِ والطغيانِ والانتهاكاتِ من قِبلِ الاحتلالِ الاسرائيلي؛ وما يزالُ هذا الظلمُ مستمرًّا حتى يومِنا هذا؛ فقدْ تعرّضَ للإحراقِ، ومحاولاتِ الإغلاقِ، ومنعِ المُصلّينَ من دخولِه، والتشديدِ في دخولِه، واستباحةِ المستوطنينَ للمسجدِ الأقصى، والتضييقِ على أهلِ القدسِ، والحفرياتِ التي تجري أسفلَ المسجدِ الأقصى، ومُخططاتِ بناءِ الهيكلِ المزعومِ وغيرِ ذلكَ.
فأوَّلُ ما يجبُ على الأُمّةِ الإسلاميةِ اليومَ سلوكَه تُجاهَ المسجدِ الأقصى؛ عودتُها إلى دِينِها، فاللهُ _سبحانه وتعالى_ قد وَعدَ عبادَه المؤمنينَ بالتمكينِ والاستخلافِ في الأرضِ؛ قال اللهُ تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} ولَنا في مَدرسةِ حُجّةِ الإسلامِ الإمامِ “الغزالي” خيرُ مِثالٍ على ذلكَ، فمَدرسةُ إحياءِ علومِ الدينِ أنتجتْ جيلاً ربّانيًّا؛ خرجَ منها “نور الدين محمود، وصلاح الدين الأيوبي”.
وعودةُ الأُمةِ إلى دينِها؛ تحتاجُ إلى إنعاشِ الحركةِ العلميةِ التربويةِ الدعويةِ وإعادةِ دَورِ مجالسِ العلمِ والتربيةِ، وتركيزِ الاهتمامِ بمناهجِ التربيةِ والتعليمِ في المدارسِ والجامعاتِ، وتوجيهِ الأُسرِ والبيوتِ لِتَقومَ بواجبِها الصحيحِ، وتطويرِ وسائلِ التواصلِ مع الشبابِ في ظِلِّ الثورةِ العلميةِ والتكنولوجيةِ، وبناءِ القوةِ الاقتصاديةِ والتكنولوجيةِ والعسكريةِ للدولِ العربيةِ والإسلامية.
دَورُنا للدفاعِ عن المسجدِ الأقصى
• تعليمُ الأجيالِ فضائلَ المسجدِ الأقصى، والبطولاتِ الإسلاميةَ التي جرتْ على أرضِه، والظلمَ والاحتلالَ الذي يتعرّضُ له اليوم.
• تذكيرُ المسلمينَ في أنحاءِ العالمِ بقضايا المسجدِ الأقصى ومشكلاتِه؛ وذلكَ عبرَ المؤتمراتِ، والندواتِ، والشاشاتِ الفضائيةِ، والإذاعاتِ، ووسائلِ التواصلِ الاجتماعي.
• تعريفُ العالمِ كلِّه بما يتعرّضُ له المسجدُ الأقصى من انتهاكاتٍ.
• القيامُ بإيصالِ التبرّعاتِ الماديةِ إلى المسجدِ الأقصى، وأهلِنا في القدس؛ دعمًا لهم وتثبيتًا لصمودِهم.
• المساهمةُ في بناءِ المشاريعِ العلميةِ والتربويةِ والخيريةِ لأهلِنا في القدسِ.
• الدعاءُ بِنُصرةِ المسجدِ الأقصى، وتحريرِه، وتثبيتِ أهلِنا في القدسِ.
• أنْ يتَّحِدَ المسلمونَ من الداخلِ، امتثالاً لقولِ اللهِ تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} آل عمران/103.