
تحقيق: السعادة
بفارغ الصبرِ؛ ينتظر الأبناءُ الإجازة الصيفيةَ، وتتعالى الأصواتُ في جلسات عائليةٍ لكيفيةِ قضائها ما بينَ شاطئ البحرِ والمنتزَّهاتِ والزياراتِ ورحلاتِ الأصدقاءِ، ليتعالَى صوتُ أولياءِ الأمورِ بضرورةِ التذكيرِ بأهميةِ الاستفادةِ منها؛ كالتسجيلِ في مراكز حفظِ القرآنِ أو في المكتباتِ، وسطَ هذه الأصواتِ والاقتراحاتِ؛ كان “للسعادة” وقفتُها لتستمعَ لأولياءِ الأمورِ في كيفيةِ قضائهم للإجازةِ الصيفيةِ، ومدى تحقيقِ التوازنِ بينَ المتعةِ والفائدةِ، من خلالِ التحقيقِ التالي .
تسلية وإستفادة
“رنين السوسي” 35 عاماً، أمٌّ لخمسةٍ من الأبناء، لم تكن في السابقِ تهتمُ كثيراً في التخطيطِ للإجازةِ الصيفية! فكانت عشوائيةً في قضائها مع أُسرتها، ولكنْ بعد أنْ كبِرَ أبناؤها، وأصبح لكلٍّ منهم اهتمامُه وهواياتُه، صارت تفكّرُ في كيفيةِ قضاء إجازتِهم فتقول :” الأجازةُ هي فترة زمنيةٌ تعطي للإنسانِ الراحةَ والطمأنينةَ وإعادةَ الروحِ للحياةِ بعد الضغوطاتِ التي يتعرّض لها الأبناءُ، وخاصةً الامتحاناتِ التي تُرهقهم، فأستمعُ إلى آرائهم، وكيف يريدونَ أنْ يقضوها، لتكونَ إجابتُهم بين الترفيهِ والتنزُّهِ وزيارةِ بيتِ جدّتهم “.
وتضيفُ :” أوافقُ على كل طلباتِهم، مقابلَ اشتراكِهم في مراكزَ لحفظِ القرآنِ، ليحفظوا أجزاءً منه، مقابلَ قضاء الإجازةِ فيما يريدونَ، موضّحةً لهم أنّ الإجازةَ لم تكنْ للّعبِ والتنزُهِ فقط، بل يجبُ الاستفادةُ منها قدْرَ المستطاعِ بما يخدمُ دِينَهم ويميِّزُهم”.
فيما حرصتْ “أم بدر موسى” 45 عاماً، تعملُ موظّفةً، ولديها سبعةٌ من الأبناءِ؛ على تحقيقِ التوازنِ بين عملِها و إجازةِ أبنائها، حيثُ يشاركونها في وضعِ الخطةِ لقضاء الإجازةِ الصيفية، فتقول:”يَعرفُ كلُّ منهم دورَه في توزيعِ أعباءِ المنزل، وما سيقومُ به، ويتعاونون معاً، وإنْ لم يخلُ الأمرُ _أحياناً- من بعضِ المشاجراتِ بينهم، كما أتركُ لهم التخطيطَ والتحضيرَ للرحلاتِ التي يختارونَ مكانَها، وينظّمونَ جدولَ الرحلة، كما يشتركون في رحلاتِ المسجدِ، وهذا كلُّ ما أستطيعُ فِعلَه معهم، بالإضافةِ إلى متابعتِهم. أعتقدُ _جازمةً_ أنّ على أُمهاتِ اليومِ بذْلُ المزيدِ من التعبِ والجهدِ في سبيلِ تقويةِ وشائجِ الاتصالِ بأبنائهِنَّ؛ لتحصلَ على نتيجةٍ مثمِرة”.
جلسات عائلية
ويشاركُ “رامي عيد”40 عاماً، يعملُ محاسباً، زوجتَه في كيفيةِ قضاءِ الإجازةِ الصيفيةِ مع أبنائهِ، فيقول :”طوالَ العامِ أشعرُ بالرأفةِ عليهم من شِدَّةِ الأعباءِ الدراسيةِ والامتحاناتِ، وخاصةً أنهم في مدارسَ خاصةٍ، لذلك أعتمدُ أنا ووالدتُهم على عملِ برنامجٍ ترفيهيّ وثقافيّ؛ يتضمنُ جلساتٍ عائليةٍ، يتخلَّلُها قصصٌ تَحملُ العبرةَ والموعظةَ، كما أقومُ بتسجيلِهم بمركزِ القطّانِ؛ كنوعٍ من الترفيهِ العقليّ والثقافيّ، وتفريغِ طاقاتِهم، بالإضافةِ إلى الرحلاتِ العائليةِ الجماعيةِ “.
فيما يشعرُ “عيد” بالفرحِ الشديدِ؛ حين يرى الأثرَ الإيجابيَّ للإجازةِ على نفسيتِهم، وإظهارِ طاقاتِهم وإبداعِهم فيقولُ :” أسعى جاهداً للجلوسِ معهم في المساءِ، والاستماعِ إلى ما يدورُ في خلَدِهم، وهذا يبني بيني وبينَهم علاقةً قويةً، حيثُ أنني أتعاملُ معهم من بابِ الصداقةِ لهم .
فيما يحرِصُ “محمود الحايك” 38 عاماً، لديهِ أربعُ بناتٍ؛ على قضاءِ إجازةٍ صيفيةٍ ممتعةٍ ومفيدةٍ في نفسِ الوقتِ، فيقول:” الإجازةُ الصيفيةُ الماضيةُ _بحمدِ اللهِ_ أتمّتْ بنتي حفظَ عشرِ أجزاءٍ من القرآنِ، والوُسطى سبعَ أجزاءٍ، وهذا العامُ سوفَ يُكمِلنَ مواصلةَ مسيرتِهنَّ، فأحرصُ على مكافأتِهنَّ بالتنزُهِ اليومي على البحرِ، والأماكنِ العامةِ؛ للترويحِ عن أنفسِهنَّ، فالتنوُّعُ مطلوبٌ في الإجازةِ؛ ما بينَ مشاهدةِ التلفازِ لقنواتِ الأطفالِ، والزياراتِ العائليةِ والأصدقاءِ، لكسْرِ الملَلِ والروتينيةِ.
ويضيفُ :” أهمُّ شيءٍ في الإجازةِ؛ وهو التنسيقُ المُسبقُ والتنظيمُ لها، وذلك حسبَ الميزانيةِ الموجودةِ، فمنذُ بدايةِ العامِ نخصِّصُ مبلغاً خاصاً شهرياً لإجازةِ الصيفِ؛ حتى لا نُرهقَ الميزانيةَ في الصيفِ، وبذلك لا نشعرُ بضغوطاتٍ مادّيةٍ “.
تخطيط وتنظيم
تقول د. “ختام أبو عودة” مستشارة أسرية :”لابدّ من إدراكِ حقيقةٍ مُهمّةٍ ؛ أنّ قضاءَ الإجازةِ الصيفيةِ بطريقةٍ جديدةٍ فيها نوعٌ من التغييرِ؛ كي تكونَ مصدراً مُهِمّاً لشَحنِ طاقةِ كلِّ أفرادِ الأُسرة؛ حتى يتسنَّى لها العودةُ للعملِ أو الدراسةِ بنشاطٍ وحيويّة, فالإنسانُ مِثلما يحتاجُ النومَ ليُريحَ جسدَه المُنهكَ من العملِ أو الدراسةِ؛ يحتاجُ أيضاً للإجازةِ التي تتيحُ له فرصةَ الراحةِ والاسترخاءِ، وبالتالي كسْرِ الملَلِ والروتينِ, فالإجازةُ ليست إضاعةً للوقتِ والمالِ؛ كما تَعتقدُ بعضُ الأُسرِ؛ بل هي مُتعةٌ للبَدَنِ والروحِ معاً، يجبُ الاستفادةُ منها قدْرَ المستطاعِ، فلا تَضيعُ هباءً في النومِ والكسلِ”.
تحدّثتْ عن أهميةِ الإجازةِ بالنسبةِ للإنسانِ فهي تُعَدُّ مدةٌ زمنيةٌ ينتظرُها الجميعُ؛ بعدَ عَناءٍ من العملِ والدراسةِ، وذلك بعدَ عامٍ دراسيٍّ شاقٍّ، وعملٍ مُضْنٍ، لكنّ النقطةَ المُهمّةَ التي يجبُ الوقوفُ عليها؛هي في كيفيةِ استغلالِ هذه الإجازةِ بشكلٍ مفيدٍ للجميع.
وتقول:”على الأهلِ استغلالُ هذه الإجازةِ للترويحِ عن النفسِ، والشعورِ بالسعادةِ والرِّضا والراحة، “فالإنسانُ من فترةٍ لأُخرى يحتاجُ إلى راحةٍ؛ كي يريحَ نفسَه وأعصابَه من عَناءِ العملِ، وليس الهدفُ فقط منها التسليةَ والإمتاع”.وتواصلُ حديثَها:”بالرغمِ من أنّ الإجازةَ الصيفيةَ من الفتراتِ المحبَّبةِ لكلِّ أفرادِ الأُسرةِ حيثُ الراحةُ والاستجمامُ؛ إلاّ أنّ أغلبَ الأُسَرِ لا تعرفُ كيف تنظِّمُ الإجازةَ بطريقةٍ مفيدةٍ ومُمتِعةٍ، بل وفى بعضِ الأحيانِ لا يدركونَ أهميةَ التنزُّهِ في الإجازةِ، ويَعُدُّونَه نوعاً من الرفاهيةِ المُكلِفة؛ التي تَستَنزِفُ أموالَ الأُسرةِ بصورةٍ غيرِ مباشرةٍ دونَ أدنَى جَدوى”.
مشاركة الأبناء
وتتابعُ:”في حين تؤكدُ على ضرورةِ إشراكِ الأبناءِ عندَ تخطيطِ الأُسرةِ للإجازة؛ وذلك بوضْعِ جدولٍ حسَبَ رغباتِ وإمكاناتِ الأُسرة، مع مراعاةِ وجودِ بدائلَ، كما يجبُ إطلاعُهم على الوضعِ الاقتصاديّ، وعلى أساسِه يتِمُّ تحديدُ النفقاتِ، ومحاولةُ تقسيمِها حتى تغطّي كلَّ فترةِ الإجازة.
وتُبيِّنُ مدى فائدةِ إشراكِ الأبناءِ في التخطيطِ لها، ومعرفةِ إمكاناتِ الأُسرةِ، ومحاولةِ التكيُّفِ معها، وبالتالي عدمُ مُطالبةِ الأبِ والأمِّ بالكثيرِ من الطلباتِ المُرهِقةِ؛ التي قد تُعكِّرُ صَفوَ الإجازةِ، وبالتالي عدمُ تحقيقِ عنصرِ الراحةِ والاسترخاءِ”.
وتقول:”الإجازةُ تبقَى فرصةً ذهبيةً للتفكيرِ في إحياءِ العلاقاتِ مع العائلةِ والأصدقاءِ، وقضاءِ وقتٍ مُمتعٍ، وتحقيقِ لحظاتٍ لا تُنسَى، كما أنها فرصةٌ لتوسيعِ نطاقِ الاتصالِ مع أفرادِ العائلةِ الذين لا تَراهم إلاّ في المناسباتِ، مُشيرةً إلى أنّ العلاقاتِ الاجتماعيةَ هي خطُّ الحمايةِ الأولُ؛ تُجاهَ مواجهةِ الضغوطِ والمصاعبِ الحياتيةِ.
وتضيف:”القلوبُ تحتاجُ إلى الراحة، والنفوسُ تحتاجُ إلى شيءٍ من الاستجمام، ولكي يستفيدَ الفردُ من الإجازةِ على أفضلِ حال؛ فعليهِ تنظيمُ الوقتِ، حيثُ يكونُ هناك وقتٌ محدَّدُ للراحة، ووقتٌ آخَرُ لأداءِ هوايةٍ أو نشاطٍ مُحبَّبٍ للإنسان، وبذلك يمكنُ العودةُ إلى النشاطِ والعملِ بقدْراتٍ عاليةٍ وطاقةٍ فعّالة، وكذلك عودةُ الأبناءِ مرّةً أخرى لمقاعدِ الدراسةِ بإقبالٍ أكبَرَ، حيثُ يجبُ استغلالُ وشَغلُ كلِّ دقيقةٍ في الإجازة؛ بما لا يتعارضُ مع الأُسرة”.
وتُبيّنُ ضرورةَ تعلُّمِ أشياءٍ مفيدةٍ في الإجازةِ؛ كتشجيعِ الأبناءِ على القراءةِ من خلالِ الاشتراكِ في المكتباتِ العامةِ، أو المراكزِ التي تهتمُّ بثقافةِ الطفل، وتنميةِ المهاراتِ والهوايات: مِثلَ الرسمِ والتلوينِ والشِّعرِ والكتابةِ والإنشادِ والخطِّ العربيِّ وغيرِها، تعلُّمُ بعضِ برامجِ الكمبيوتر؛ ليكونَ جلوسُهم أمام شاشةٍ أكثرَ إفادة، وزيارةِ المواقعِ والمنتدياتِ الدينيةِ والاجتماعيةِ والسياسيةِ، كما يجبُ أنْ يمارسَ الأبناءُ التمارينَ الرياضيةَ يومياً، وحبّذا لو تمَّ الاشتراكُ في بعضِ الألعابِ الرياضيةِ بالنوادي أو مراكزِ الشبابِ،أو النوادي الصيفيةِ بالمدارس.
ولا تنسى ضرورةَ تفعيلِ العلاقاتِ الاجتماعيةِ وصِلةِ الأرحامِ من خلالِ وضْعِ جدولٍ لزيارةِ الأقاربِ؛ لتعويدِ الأبناءِ على التواصلِ مع أقربِائهم، وبالإمكانِ وضْعُ بعضِ الواجباتِ الاجتماعيةِ الأخرى، كالتعاونِ مع الجيرانِ، وزيارةُ الأصدقاءِ مع انتقائِهم صالحي، موَضِّحةً ضرورةَ الحِرصِ على أنْ تشاركَ في الخروجِ مع أبنائكَ في رحلاتٍ طويلةٍ وقصيرةٍ، وبإمكانكِ الاستفادةُ من طاقاتِ الأبناءِ في هذه الرحلاتِ، أو إعدادُ الطعامِ أو إعدادُ برنامجِ الرحلةِ، ولا تنسَ الثناءَ على جهودِهم في نهايةِ الرحلة.
برنامج إيماني
كانت وقفةُ “السعادة” مع دكتورِ الشريعةِ “عصام بدران” فتحدّثَ “للسعادة” عن البرنامجِ الإيمانيِّ الذي يمكنُ أنْ يستغِلَّه الإنسانُ_ وخاصةً الشبابَ_ خلالَ الإجازةِ الصيفيةِ لرفعِ الأَسهُمِ الإيمانيةِ، حيث يضعُ هذا البرنامجَ في ثلاثةِ مستوياتٍ: أوَلُها المستوى الفرديُّ، والمستوى الأُسري والعائليّ، وأخيراً المستوى المجتمعيُّ كَكُل.
ويرى أنه يمكنُ استغلال الوقتِ على الصعيدِ الفردي “بتحديدِ وِرْدٍ يوميٍّ لترتيلِ وتلاوةِ القرآنِ، وحفظِ بعضِ آياتِه أو سوَرِه، مع التفسيرِ وسببِ النزولِ، بالإضافةِ إلى حفظِ بعضِ الأحاديثِ النبويةِ، أو قراءةِ كتابٍ في الأخلاقِ أو العقيدةِ أو الفِقهِ؛ لاكتسابِ معارفَ ومعلوماتٍ دينيةٍ يتوجّبُ على الجميعِ أنْ يزيدَ حصّتَه منها يوماً بعدَ يومٍ”.
ويُعطي أفكاراً إضافيةً تصلُحُ لتنفيذِها خلالَ الإجازةِ الصيفيةِ؛ مِثلَ تنظيمِ زياراتٍ متكرِّرةٍ لصلةِ الأرحامِ أو الجيرانِ والأصدقاءِ، لِما لذلكَ من أثرٍ طيّبٍ في تقويةِ العلاقاتِ الاجتماعيةِ بين أفرادِ المجتمعِ المسلمِ.
وعلى مستوى الأُسرةِ والعائلة يوصِي بضرورةِ مراقبةِ الأولادِ خلالَ الإجازةِ الصيفيةِ، وإعطائِهم الاهتمامَ الكافي؛ لأنهم الجيلُ الذي سيُعيدُ حضارةَ ومجدَ الإسلامِ، مع ضرورةِ إشراكِهم في وضعِ برنامجِ النشاطاتِ لهم.
ومن تلك النشاطاتِ يرى د.”بدران” يجبُ على الأُسرةِ أنْ تكلِّفَ أبناءَها بحفظِ ما تيسَّرَ من القرآنِ، أو إلحاقِهم بالمسجدِ القريبِ من البيت، والعملِ على تهذيبِ أخلاقِهم بالنصحِ والإرشادِ وأداءِالعباداتِ في أوقاتِها أثناءَ الّلعبِ والترفيهِ؛ لترسيخِ مفهومِ إمتاعِ النفسِ باللعبِ المباح بصوَرِه المختلفةِ.
وعلى صعيدِ المجتمعِ يوصي دكتورُ الشريعةِ بضرورةِ وضْعِ برنامجِ تَواصُلٍ اجتماعيٍّ مع الجيرانِ، وتعميقِ الروابطِ بينهم بمساندةِ الفقيرِ والضعيفِ والمَدِينِ، وزيارة ِالمريضِ وحلِّ المشكلاتِ بين الناسِ والسؤالِ عنهم ومجاملتِهم في المناسبات، ويوجِّهُ حديثَه للأبِ على ضرورةِ الالتزامِ بالصلاةِ في المسجد؛ واصطحابِ الأبناءِ إلى المسجدِ؛ لتثبيتِ هذه العبادةِ في نفوسِهم، وحفظِ قدْرٍ مُعيّنٍ من القرآنِ الكريمِ يومياً؛ سواءٌ عن طريقِ حلقاتِ التحفيظِ في المسجدِ أو البيتِ، مع ضرورةِ المتابعةِ المستمرّةِ لهم.