أوجاعُنا المُرَكَّبةُ
غمَرَنا بكاءٌ لم يَنتَهِ لأيامٍ متتاليةٍ على فقدِ “شيرين أبو عاقلة” ، لم يكُنْ حزنًا بِقدْرِ ما كان قهرًا مُرَكّبًا !!!
الحزنُ على الموتِ رِضا؛ ولكنَّ حزنَ المظلومِ مخلوطٌ بالعجْزِ!
يَسكُنُني أحيانًا شعورٌ بأنني مُحاربٌ يريدُ استراحةً من معاركَ طالت كثيرًا ، استراحةً للبكاءِ فقط! هل سمِعتَ عن أحدٍ يريدُ استراحةً ليبكي؟!!وهل تَعلمُ ما معنَى أنْ تكونَ كاتبًا فلسطينيًا ؟!
أنْ تكتبَ؛ يعني أنْ تَدخُلَ إلى حياةِ كلِّ شهيدٍ في كلِّ يومٍ، وتبحثَ في ركامِ منزلٍ هدَمتْهُ جرّافاتُ الاحتلالِ كلَّ يومٍ، وتواسي أُمًّا في فقدِها كلَّ يومٍ، وتنظرُ في معاني الغيابِ الحقيقِ؛ الذي يَسكنُ جسدَ أُمِّ أسيرٍ؛ وتحاولَ ما استطعتَ أنْ تنقلَ الصورةَ المدفونةَ في أعماقِ عينَيها بكُلِّ حذافيرِها!!
وبينَ الحزنِ والآخَرِ لا يُعطيكَ هذا الاحتلالُ الحقيرُ فرصةً لِتَقبلَ الفاجعةَ التي فُرضتْ عليكَ، في الطرُقاتِ والغُرف،ِ وعلى وسادةِ نومِكَ، وعلى شُرفةِ بيتِكَ، وعلى مقعدِ مكتبِكَ، وبينَ أوراقِكَ، وكُتبِكَ، ومع أولِ رشفةٍ من فنجانِ قهوتِكَ الصباحيةِ ..
نَهرُبُ من الحزنِ؛ فيَركُضُ وراءَنا؛ وكأنَّ بينَنا وبينَه عَقدًا أبَديَّا، لأنّ قصصَ فقدِنا تَتَابَعُ وكأنّها في سباقٍ، قصصًا لم تَنتَهِ منذُ سبعينَ عامًا!
اليومَ عادت ابنتي “حبيبة” _الطفلةُ ابنةُ التسعةِ أعوامٍ_ ، من المدرسةِ راكضةً تسألُني عن الصحافيةِ التي قتلَها الاحتلالُ! في اللحظةِ التي يسألُ فيها أيُّ طفلٍ في العالمِ عن موعدِ الذهابِ إلى مدينةِ المَلاهي!
بينما رأيتُ وجهَ “داليا” مُكْفَهِرًّا مُسوَّدًّا؛ وهي تعودُ من جامعتِها ثقيلةَ الخُطَى، تفكّرُ في هذا القتلِ الباردِ الذي أفقدَنا “شيرين أبو عاقلة”، ثُم تُمارِسُ الحزنَ معي كمَوروثٍ فلسطينيٍّ ينتقلُ من جيلٍ إلى جيلٍ، في الوقتِ الذي تبحثُ فيه صبيَّةٌ في عمرِها _تعيشُ في مكانٍ آخَرَ من هذا العالَمِ_ عن آخِرِ صيحاتِ الموضةِ، وأنواعِ العطورِ ومساحيقِ التجميلِ!
لكني وسطَ كلِّ هذا؛ أتأمَّلُ رحمةَ اللهِ _تعالى_ حينما قال ” إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ “
هل قرأتُم، هل سمِعتُم وعدَّ الحقِّ؟!! بغيرِ حسابٍ، بغيرِ حسابٍ..