أولادُنا والإجازةِ الصيفيةِ
أخيرًا، وضعتْ الحربُ أوزارَها بينَ الأسرةِ والامتحاناتِ، وتنفَّستْ” سِت الحبايب” الصعداءَ؛ بعدما عاشتْ عامًا دراسيًّا مشدودةَ الأعصابِ؛ كأوتارِ العودِ دومًا صوتُها مرتفعٌ، تتنقلُ بينَ دفاترِ وكتبِ أولادِها؛ تأخذُ العِلمَ وتضعُه في عقولِهم” لعلَّ وعسى”، أنْ “يُبَيِّضوا وجهَها قُدام الناس”، ويرفعوا رأسَها بعدما رفعوا ضغطَها طيلةَ العامِ.
وأنْ تضعَ الحربُ أوزارَها؛ هو المُعادِلُ الموضوعي لنهايةِ العامِ الدراسي، ودخولِ الإجازةِ الصيفيةِ حَيزَ التنفيذِ؛ وهذا يضعُ الأسرةَ في اختبارٍ حقيقٍ أمامَ سؤالٍ مُهمٍّ وعظيمٍ؛” كيف سيَقضي أولادُنا الإجازةَ الصيفيةَ”؟
انطلاقًا من قولِ أميرِ المؤمنينَ “عمر بن الخطاب” رضي الله عنه: ” أولادُنا أكبادُنا تمشي على الأرضِ”؛ فإن المنطقَ السَّوِيَّ يقتضي أنْ نحافظَ على أكبادِنا، ومما أراهُ يدخلُ في هذا السياقِ؛ هو تجهيزُ خُطّةٍ تساعدُ أولادَنا في الاستفادةِ من الإجازةِ الصيفيةِ، ونعلِّمُهم ما ينفعُهم في زمانِهم؛ تطبيقًا لوصيةِ أميرِ المؤمنينَ “علي بن أبي طالب”، حينَ قال : علِّموا أولادَكم لزمانٍ غيرِ زمانِكم”.
تُرى كيف نستثمرُ الإجازةَ الصيفيةَ؟
لا بدَّ وأنَّ كلَّ أسرةٍ تعرِفُ قدراتِ وميولَ أطفالِها، وهذه المعرفةُ تُسهِلُ عمليةَ التعاملِ معهم، فمِن الأطفالِ مَن تستهويهِ الأعمالُ العقليةُ، ومنهم من تستهويهِ الأعمالُ البدَنيةُ، وهنا سأقدّمُ لكم هذه البرامجَ وفقَ نوعيةِ المادةِ المقدَّمةِ.
أولاً : برامجُ خاصةٌ بالفِتيةِ الذكورِ:
تسجيلُ الأولادِ في نَوادٍ رياضيةٍ تُناسِبُ ميولَهم وأعمارَهم، “كرة القدم، الطائرة، الجري، السباحة”.
التنسيقُ مع طبيبٍ، مهندسٍ، مُحامٍ، محاسبٍ، صاحبِ ورشةِ حدادة، أو منجرةٍ، ـو سوبر ماركت، صالونِ حلاقةٍ، محلِّ تصليحِ غسالاتٍ، ثلاجاتٍ؛ حتى يتدرّبَ ابنُكَ عندَه.
قد يقولُ قائلٌ، ألا تقضي هذه الفكرةُ على طفولةِ وبراءةِ الأولادِ مبكراً؟! إجابتي ” لا “؛ لأني لا أقصدُ تحميلَ الابنِ ما لا يَقدِرُ عليه، فالأسرةُ تعرفُ قوةَ ابنِها؛ وتبحثُ عمّا يناسِبُه؛ ثُم إنّ هدفي أنْ يكتسبَ الابنُ ما استطاعَ من التجربةِ العمليةِ؛ فمَثلاً لو ذهبَ إلى نجّارٍ؛ فليس مطلوبًا منه قضاءُ طولِ الإجازةِ عندَه، فرُبما يومانِ يكفيانِ، ولو عرفَ الابنُ نوعيةَ الخشبِ؛ ومن أيِّ دولةٍ جاءَ، ومقاساتِه وأحجامَه، فهذا شيءٌ عظيمٌ، وأسقطَ تلكَ الجُزئيّةِ على باقي المِهنِ.
ثانياً: برامجُ خاصةٌ بالفتياتِ الإناثِ:
تسجيلُ البناتِ في مراكزِ تعليمِ الحياكةِ والتطريزِ، وصناعةِ المُعَجّناتِ والمأكولاتِ، وليس بالضرورةِ أنْ تذهبَ البنتُ يوميًّا؛ وليس مطلوبًا منها أنْ تصبحَ ماهرةً خلالَ الإجازةِ ؛ بل لو اكتسبتْ أبجدِيّاتِ تلكَ الأعمالِ؛ فهذا إنجازٌ.
ثالثًا: برامجُ تَصلحُ للجِنسَينِ:
الحاسوبُ، مِثلُ الرخصةِ الدوليةِ لقيادةِ الحاسوبِ، والبرمجةِ وصناعةِ التطبيقاتِ والشبكاتِ.
برامجُ اللغةِ الإنجليزيةِ ولُغاتٍ أخرى.
برامجُ حِفظِ القرآنِ، وتعليمِ القاعدةِ النورانيةِ التي تسهِمُ في تقويةِ القراءةِ والحفظِ عندَه.
برامجُ الخطابةِ والإلقاءِ والمسرحِ، القيادةِ والإدارةِ والتنميةِ البشريةِ.
ومما سيُساعدُ الأسرةَ على تحقيقِ تلكَ البرامجِ:
تحفيزُ الابنِ عليها من خلالِ إعطاءِ مبلغٍ ماليٍّ لصاحبِ المكانِ الذي يتدرّبُ فيه ابنُهم؛ حتى يُعطيَه لابنِهم على أنه منه؛ وبذا يشعرُ الابنُ أنه تدرّبَ وأنتجَ واستحقَّ الأجرةَ.
تنظيمُ رحلةٍ شهريةٍ لمكانٍ ما؛ كَمُكافأةٍ له على الاجتهادِ.
إنّ تلكَ الأفكارَ وغيرَها كفيلةٌ بأنْ تُخرِجَ خطيّةَ أولادِنا من رقابِنا؛ حتى نَلقَى اللهَ ونحن قد قدَّمْنا لهم ما يجعلُهم أناسًا مُنتِجينَ، يُعيلونَ أنفُسَهم والآخَرينَ، ولا ينتظرونَ إعانةً من أحدٍ، فاعتَبِروا يا أولي الأولادِ.