Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

مرأتي

أعجوبة المخيم

بعد 74 عاماً من نشوئه منبثقاً عن النكبة، لم يزل “المخيم” ظاهرة فريدة متوحدة، لا يشبهها شيء؛ حالة خاصة من الثبات، ومنهج ثابت من الفكر، كأنه سُطّر في كتاب، ودُرّس لسكانه فرداً فرداً..

يوقن اللاجئون فيه أنهم يعيشون على “التأقيت”، وأن لفظ المخيم مرادفه الوحيد هو “العودة”..

كل شيء فيه يسلط الضوء على تلك الحقيقة: البيوت المتلاصقة التي تطور كل منها عن خيمة كانت في ذات المكان، الأزقة الضيقة، حرفا UN بالخط الأزرق على مراكز الصحة والتموين، زيّ المدرسة المخطط، وصفة “لاجئ” الملتصقة بكل شيء..

حمل المخيم حلم العودة وقام به، لا على أنقاضه، فشكّل هذا التفرّدَ الذي يترجمه عصيان انكساره، واستحالة هزيمته، وبأس رجاله..

صوت وصورة

تسكننا هذه الأرض، منذ وعينا، نتخيل أنها بلاد مثل باقي بلدان الأرض، بلا احتلال، بلا حواجز، وبلا حروب، نعيش على أمل التحرير، حتى لا نخون دماء الذين رووا التراب، وأرواح الذين غابوا وتركوها معلقة على الأبواب..

تسكننا هذه الأرض كمفهوم يعجز عقل الطفولة عن فهمه، يحمله كشيء كبير جميل مبهم بعيد، مثل الله، والجنة..

ثم نكبر، فلا نراه، ولا تتحقق الأمنيات، ويطول الانتظار، ويزداد البعد، وتأخذنا الحياة في دروب اليأس والإحباط مرة، وفي متاهات اللهو والركض تارة، وكل ما يبقى من فلسطين في مساحاتنا هو رسم على دفتر، أو خريطة على جدار، أو قطعة في قلادة..

وبعد حين، توقظ قلوبنا الواهنة وعقولنا النائمة، صرخة بندقية شاب شاركنا مستحيلات الطفولة، لكنه آمن بتحقيقها، فقام يوم وقعنا، وصَلُبَ يوم وهَنَّا، توقظنا صورة من سفح الكرمل، وسور عكا، وميناء يافا، وشاطئ البحر الميت، يوقظنا صوت في مقطع مصوّر من باحات الأقصى لتكبير أذانه وهديل حمامِه، توقظنا أضواء معلقة على باب العامود، ولوحة في مدخل الشيخ جراح..

يوقظنا لون الدم الفلسطيني مصبوغاً به مثلث العلم، وهو يتداعى من كل بقاع هذه الأرض، رغم عقود من تفريقه وتقسيمه وتشتيته وتمزيقه، يرسم مشاهد مذهلة للبطولة والثبات في وجه الدناءة والوقاحة، كأنها خرجت من كتب الحكايات، وخيالات التاريخ..

كانت تسكننا هذه الأرض صماء كحقيقة مجردة، أما اليوم فقد غدت صوتاً وصورة ورائحة، تحملنا مع أكفّ المعتكفين، وكوفية الملثمين، وهتافات المتصدّين، ودموع المشتاقين، وغضب الثائرين، وعظمة المُضحّين..

فنوقن أنه اقترب ما كنا نراه بعيداً، وقد بات اللصوص كذلك يرونه قريباً..

 أيام مثقلة

تتزاحم الأحداث في تواريخنا، فتثقل الأيام، وتغدو مساحة الشهور متخمة بالذكريات، أجندة هذه البلاد ثقيلة، ضيقة، لم يبق فيها مساحات كثيرة للتدوين في خانات الأيام، كل عام حدث جديد يقعد فوق أخيه السابق، كأنها سلسلة من الأجيال أمها النكبة، وهي أمٌ وَلود!

لم تعد الأيم فقط متخمة بالأحداث، بل أصبحت كخيط من الأحداث، تتداعى كلها في الذاكرة كلما أضفنا إلى الخانة حدثاً جديداً، وأحياناً مع كثرة التواريخ والسنوات، تتساقط بعض الذكريات القديمة في غمرة التداعي، فننسى أنها حقاً تصادف هذا اليوم، ولسان حالنا يقول:

خطَى هَجْرٍ علَى أَوجَاعِنا امْتدّتْ   مُذْ أَنْ نُفِينا إلَى الدُّنْيا مَشَيْناهَا..

تَشَابَهَتْ فِيها دَمْعاتُ خَيْمَتِنا          ولَمْ يَخْتلِفْ فِيها إلا مُسَمّاهَا..

مِنْ مَبْدإِ الجُرْحِ ما قَرّتْ لنا عَيْنٌ       كَثُرَتْ مَنافِينا حتّى نَسِينَاهَا..

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى