Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تقارير

المعركةُ على التراثِ حاميةُ الوَطيسِ؛ ولا تَقِلُّ خطورةً عن احتلالِ الأرضِ

في الذكرى الرابعةِ والسبعينَ للنكبةِ

 

تقرير : السعادة

تفريغُ الذاكرةِ الجمعيةِ الفلسطينيةِ من مخزونِها الثقافيّ والفكريّ والتراثيّ، مطلبٌ أساسٌ يُجنِّدُ فيه كيانُ الاحتلالِ كلَّ إمكاناتِه وقدراتِه لتفريغِها، لكنّ السنواتِ الطويلةَ أثبتتْ أنّ الكبارَ يعيشونَ بالذاكرةِ، والصغارَ جنودٌ في انتفاضاتٍ متلاحقةٍ، وعملياتٍ فدائيةٍ على أعتابِ الذكرى (74) للنكبةِ.

(الشكشوكةُ، والمفتولُ، والفلافلُ، والفولُ..) والكثيرُ من الأطعمةِ التي تُمثّلُ هرمَ المطبخِ الفلسطينيّ القديمِ، وجزءاً مُهِمًّا من منظومةِ التراثِ الفلسطينيّ؛ تعرّضت للتهويدِ في عمليةِ سرقةٍ وسَطوٍّ مُمَنهجةٍ من قِبلِ الكيانِ الإسرائيليّ المحتلِّ.

“الشكشوكة” واحدةٌ من الأطعمةِ الشعبيةِ الفلسطينيةِ المعروفةِ؛ التي تعرّضتْ لعمليةِ سرقةٍ واضحةٍ؛ وتتكونُ من البندورةِ المَقليةِ، والفلفلِ الحارِّ، والبصلِ؛ ثُم يُخلَطُ في منتصَفِها البيضُ مع الفلفلِ الأسودِ والملحِ والكمّونِ؛ ولها أسماءُ عِدّة؛ منها “قلايةُ البندورةِ بالبيضِ”، كما وتُعرفُ بـ “الجز مز”؛ لدَى غالبيةِ المُهجّرينَ من القرى الفلسطينيةِ.

وزارةُ سياحةِ الاحتلالِ دعتْ إلى اعتبارِ “الشكشوكة” الطبقَ الشعبيَّ الإسرائيليَّ، فوَضعتْها ضِمنَ كتابٍ للطبخِ؛ وُزِّعَ داخلَ المطاعمِ الكبرى في أوروبا؛ باعتبارِه كتابَ طبخٍ للأكلاتِ التراثيةِ الإسرائيليةِ!

الأمرُ لم يتوقفْ عند “الشكشوكة”؛ بل أيضًا تَعرّضَ “المفتولُ” الفلسطينيُّ إلى عمليةِ سرقةٍ، مُتناسيةً دولةُ الاحتلالِ أنّ “المَفتولَ “علامةٌ فلسطينيةٌ في كلِّ دولِ العالمِ منذُ عقودٍ؛ وكذلكَ الفلافلُ والفولُ والحُمّصً؛ إذْ يباعُ على مستوى أوروبا كاملةً؛ على أنها أكلةٌ إسرائيليةٌ تراثيةٌ! ولا تكتفي إسرائيلُ بذلك؛ بل بينَ الفينةِ والأخرى تُوزّعُ مطبوعاتٍ وصورًا، وتَعقدُ مهرجاناتٍ من أجلِ إثباتِ سرقتِها وتصديرِها للعالمِ.

سَطوٌ وسرقةٌ

السرقةُ والسطوُ على التراثِ لا يأتي مصادفةً؛ بل إنه نهجٌ متصلٌ مع سرقاتٍ أخرى؛ تمارِسُه دولةُ الاحتلالِ بشكلٍ منظّمٍ من أعلى المستوياتِ إلى أدناها!

من جانبِه قالَ الدكتور “محمد البوجي”، أستاذُ اللغةِ العربيةِ بجامعةِ الأزهرِ بغزةَ، والمُهتمُّ بالتراثِ الفلسطيني، ومؤلفُ كتابِ “التراثُ الشعبي والمواجَهةُ” الصادرِ بغزةَ منذُ عشْرةِ أعوامٍ :” إنّ إسرائيلَ تَسطو على كلِّ ما تَقعُ عليه يدُها بطريقةٍ منظمةٍ ومُمنهجةٍ؛ في محاولةٍ لصناعةِ تاريخٍ لدولتِها المزعومةِ؛ فهي سرقتْ الشيكل، والنجمةَ، والثوبَ الفلاحي، والأكلاتِ التراثيةَ المختلفةَ، والكثيرَ الكثيرَ من الكلماتِ والمُقتنَياتِ، وما زالت تعملُ بجهودِها الماكرةِ على سرقةِ الكوفيةِ الفلسطينيةِ بطرُق غيرِ مباشرةٍ.

يؤكّدُ “البوجي” على أنّ الإسرائيليينَ لا يسرقونَ فقط التراثَ الفلسطينيَّ والعربيَّ؛ بل يسرقونَ التراثَ من دولِ أخرى؛ فالشعبُ الوحيدُ الذي سجّلَ لنفسِه أربعةَ آلافٍ حكايةٍ شعبيةٍ هم الإسرائيليونَ! وهذا عددٌ كبيرٌ وخياليٌّ جداً؛ لا يمكنُ لأيِّ أُمةٍ من الأممِ أنّ تُسجّلَه.. والسببُ في ذلك أنّ اليهودَ سجّلوا معظمَ قَصصِ الأنبياءِ لهم، وأيضًا اليهودُ القادمونَ من كلِّ دولِ العالمِ؛ جاءوا بحكاياتٍ من دولِهم؛ فأصبحتْ قصصًا يهوديةً، وتمَّ تسجيلُها في المنظَّمةِ العالميةِ للتراثِ الشعبيّ “اليونسكو”!.

ويواصلُ: وعلى المؤسساتِ والحكوماتِ العربيةِ تَبَنِّي مشروعٍ قوميٍّ عربيٍّ وإسلاميٍّ؛ لحمايةِ التراثِ الفلسطينيّ من الاندثارِ والتزييفِ، وإبرازهُ للرأيِّ العامِّ العالمي عن طريقِ خطواتٍ إبداعيةٍ جديدةٍ، موضّحًا أنّ المعركةَ التراثيةَ مع الاحتلالِ حاميةُ الوَطيسِ؛ ولا تَقِلُّ خطورةً عن احتلالِ الأرضِ.

توثيقُ التراثِ

من جانبِه يقولُ المصوّرُ الصحفي “أسامة السلوادي”؛ الذي أخذَ على عاتقِه مُهمّةَ توثيقِ التراثِ من خلالِ الصورةِ، فيقولُ لـ”السعادة” في الذِّكرى الرابعةِ والسبعينَ للنكبةِ:” ما نحتاجُه حقيقةً هو تَدوينُ وتوثيقُ كلِّ فلسطينَ التاريخيةِ؛ في ظِلِّ تخَلّي دولِ العالمِ عن فلسطين، وفى ظِلِّ دعمِ الكيانِ الصهيونيّ من قِبلِ الدولِ الكبرى؛ لذا على البعضِ أنْ يترُكَ المعركةَ قليلاً؛ لنحتفظَ ونُسجّلَ كلَّ جزءٍ من التراثِ الفلسطيني.

يضيفُ: “التزويرُ والسرقةُ التي يتعرضُ لها التراثُ الفلسطينيُّ_ وتحديدًا في الفترةِ الراهنةِ_ جاءَ وِفقَ عمليةٍ ممنهَجةٍ يقومُ عليها الإسرائيليونَ منذُ زمنٍ؛ لتنسيبِ هُويةِ الأرضِ المحتلةِ للاحتلالِ؛ وهو ما يجبُ علينا _كفلسطينيينَ بشكلٍ عامٍّ، وصحفيينَ بشكلٍ خاصٍّ_ التُنبُّهُ له جيداً، فالتراثُ لا يَقِلُّ أهميةً عن الأرضِ والمقدَّساتِ.”

لا يقتصرُ مشروعي “التوثيق البصري للتراثِ الفلسطيني” على المطبوعاتِ الثلاثِ؛ فأنا أرى فيه مشروعًا وطنيًا، ما زال أمامَه الكثيرُ من الأجزاءِ، ولعلّ أهمَّها تلك الجزئيةُ المتعلقةُ بالمطبخِ الفلسطيني، والتي تعرّضتْ ولا تزالُ للعديدِ من عملياتِ السرقةِ.

ويتابعُ: توثيقُ التراثِ جزءٌ من معركتِنا مع الاحتلالِ؛ لكنه يحتاجُ إلى العديدِ من الإمكاناتِ الماديةِ والطاقاتِ البشريةِ؛ لِيَخرُجَ بِمُنتَجٍ يتناسبُ وحجمَ النتائجِ المُنتظَرَةِ، رافضًا اللجوءَ لمؤسساتِ المجتمعِ المَدَني، أو المُموِّلِ الأجنبي؛ فهو يخشى أنْ يتحوّلَ المشروعُ لمشروعٍ مشروطٍ، أو أنْ يقودَه المموِّلونَ لمكانٍ آخَرَ، فالمشروعُ _كما يراهُ صاحبُه_ مشروعٌ وطنيٌّ يجبُ أنْ يبقَى بعيدًا عن أجِنداتِ المُموِّلينَ.

كنوزٌ وآثارٌ

من جانبِه، يقولُ الكاتبُ “محسن الخزندار”: المطلوبُ للمحافظةِ على التراثِ الفلسطينيّ؛ وضْعُ برنامجٍ وطنيٍّ لمَسحِ أرضِ فلسطينَ على مستوىً عالميٍّ؛ لمعرفةِ ما تُخَبِّئُ في باطنِها من كنوزٍ وآثارٍ، وتفعيلُ دَورِ المكتباتِ الوطنيةِ على أنْ تعملَ على إعادةِ طبعِ كلِّ التراثِ الفلسطينيّ؛ من بداياتِ القرنِ التاسع عشرَ في عهدِ الانتدابِ البريطاني..  ووضْعُ الكُتّابِ الفلسطينيينَ من الروّادِ على المستوى القوميّ والعالميّ.

ويدعو “الخزندار” المؤسسةَ الرسميةَ بضرورةِ وضْعِ منهاجٍ إجباريٍّ تعليميٍّ؛ يُدرَّسُ فيه التراثُ الفلسطينيُّ من المراحلِ الأولى في التعليمِ حتى الجامعاتِ؛ مع توثيقِ الآثارِ التي سرقتْها إسرائيلُ عبرَ منظمةِ اليونسكو؛ لأنها تُعَدُّ تُراثًا عالميًّا؛ حتى يَتِمَّ إقرارُ ذلك رسميًّا؛ والعملُ على إعادةِ هذا التراثِ المسلوبِ للشعبِ الفلسطينيّ، وتأهيلُ باحثينَ أكْفَاءَ في مجالِ التاريخِ والآثارِ؛ لتكونَ دليلاً ماديًّا على السَّرْدِ التاريخيّ الفلسطينيّ، الذي يعكسُ أصالةَ هذا التاريخِ.

في حين يدعو المؤسساتِ الحقوقيةَ بضرورةِ المطالبةِ القانونيةِ _بعدَ التوثيقِ_ بعودةِ الآثارِ عبْرَ المَحاكمِ العالميةِ والهيئاتِ المختصةِ في جميعِ المناطقِ العالميةِ، وتَبَنّي مشروعِ قرارِ لجنةِ التراثِ العالميّ بمنطقةِ اليونسكو بإدانةِ إسرائيلَ؛ لعرقلةِ عملِ لجنةِ تقَصِّي الحقائقِ لدراسةِ الوضعِ من المواقعِ الأثريةِ والتاريخيةِ في الأراضي الفلسطينيةِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى