لا تَجعلوهم يُقرّروا عنكم!
يُحكَى أنَّ رجلًا ارتكبَ جُرمًا؛ فحَكمَ عليه القاضي أنْ يختارَ عقوبةً من بينِ ثلاثِ عقوباتٍ، الأولى: أنْ يَأكلَ مِائةَ بصلةٍ، أمَا الثانية: أنْ يُجلدَ مِائةَ جلدةٍ، والثالثة: أنْ يَدفعَ مِائةَ دينارٍ.
احتارَ الرجلُ، ولم يتمكنْ المسكينُ من اختيارِ العقوبةِ المناسبةِ التي يطيقُها؛ فذهبَ ليُشاوِرَ زوجتَه في الأمرِ؛ فقالتْ له زوجتُه: “البصل ابن عم العسل، يأكله كبار السّن وإنْ أكثروا منه فلا بأس”، فاختارَ المسكينُ البصلَ، فما كاد يأكلُ البصلةَ الرابعةَ والستينَ؛ حتى جحظتْ عيناهُ؛ وأعلنَ عَجزَه عن المتابَعةِ.
فقالتْ له زوجتُه مرّةً ثانيةً: اسمعْ، ما دُمتَ لا تستطيعُ أكلَ البصلِ؛ فوَجعُ ساعةٍ ولا وجعُ كلِّ ساعةٍ، فوافقَ الرجلُ على جَلدِه مِائةَ جلدةٍ متتاليةٍ؛ فجيء بالجّلاد؛ وبدأَ يعدُّ الجلداتِ واحدةً تِلوَ الأخرى، وصار الرجلُ يتلوَّى من شدّةِ الجَلدِ؛ لكنْ ما كادَ يتلقَّى الجلدةَ الثانيةَ والسبعينَ؛ حتى ارتجفتْ رُكبتاهُ؛ وأصبحَ يصيحٌ “كفى كفى”، لم أعُدْ أتحمّلُ هذا العذابَ!
فلم يَعدْ له خيارٌ بعدَها، فلَملَم ما بقيَ من كرامتِه، وفتحَ محفظتَه؛ ودفعَ المائةَ دينارٍ نقدًا.يضعُ كثيرٌ من الناسِ أنفسَهم في مواقفَ محرجةٍ؛ لسببٍ بسيطٍ وهو أنهم لا يؤمنونَ بقناعاتِهم؛ وإنما يتأثرونَ برؤَى غيرهم حتى لو كانت خاطئةً، كأنهم لا يمتلكونَ ثقةً في أنفسِهم، فيتبنّونَ آراءَ الناسِ؛ ويتركونَ قناعاتِهم، فتكونُ النتيجةُ الحتميةُ أنهم هم وحدَهم من يدفعونَ الثمنَ غاليًا ومضاعفًا.
دائماً الإنسانُ هو الأقدرُ على تحديدِ احتياجاتِه، ومعرفةِ حدودِه وقدراتِه، وهو الأفهمُ من غيرِه فيما يحبُّ ويكرهُ، فلا تتركوا للنّاسِ يُحبّون عنكم، أو يُبغِضُون عنكم، بل ينبغي علينا جميعاً أنْ نتصالحَ مع أنفسِنا وأنْ نقرّرَ عن أنفسِنا، ولا نتركَ حياتَنا رهينةً في أيادي الآخَرين، كما فعلَ صاحبُنا حينما ابتلعَ الطُعمَ بأكلِ البصلِ، وبتَحمُّلِ الجَلْدِ؛ ثُم دفعِ المائةِ دينارٍ..