Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
عينك على الوطن

جبلُ النارِ تضعُ بَصمتَها في كلِّ مدينةٍ

الأخوانِ "الترتير" رائدا صناعةِ الأهِلَّةِ والمَآذنِ في فلسطينَ

 

تقرير : السعادة

في شارعِ الساقيةِ، وسطَ نابلس جبلِ النارِ؛ تقفُ ” سَمكرةُ الإخلاصِ” بكُلِّ شموخٍ منذُ عامِ (1968)؛ كواحدةٍ من الأماكنِ الرائدةِ في صناعةِ الأَهِلّةِ والمآذِنِ، وبعضِ منتَجاتِ الصاجِ التي فرضتْها تطوّرُ الحياةِ واحتياجاتُه.

تعودُ مُلكيةُ الورشةِ للحاجِّ سليم الترتير “أبو السعيد”، الذي كان صاحبَ فكرةِ إنشائها، وجلبِ معداتِها؛ ثُم كان الشخصَ صاحبَ البصماتِ الأكبرِ في كلِّ مساجدِ الضفةِ الغربيةِ، فالحاجةُ إلى المنتَجِ كبيرةٌ؛ لاسيّما أنّ الورشةَ تنفرِدُ بهذهِ الصنعةِ دونَ سِواها في فلسطينَ.

الشقيقانِ “سعيد، ويوسف الترتير”؛ تَوأمانِ في العملِ؛ لا في العمرِ؛ فهُما شبيهانِ وشقيقانِ ورفيقانِ منذُ (35) عامًا في مهنةٍ فريدةٍ ووحيدةٍ، وصارا رائدَينِ في صناعةِ الأهِلّةِ والمآذنِ وقبابِ المساجدِ؛ في مِهنةٍ ورِثاها عن والدِهما.

وحدةٌ معماريةٌ

ظهرتْ الحاجةُ إلى المئذنةِ في الجوامعِ والمساجدِ والزوايا؛ منذُ بزوغِ فجرِ الإسلامِ العظيمِ، فالنبيُّ _صلى الله عليه وسلم_ كان يأمرُ “بلالَ بنَ رباح” ليَصعدَ فوقَ المسجدِ ويؤذّنَ، ويُجمِعُ مؤرِّخو المسلمينَ على أنّ المآذنَ ظهرتْ في عصرِ الدولةِ الأمويةِ؛ وبرزتْ بأشكالِها المختلفةِ كشَواهدَ دالّةٍ على إسلاميةِ الأماكنِ، وحضارةِ الإسلامِ في كلِّ بقاعِ العالمِ.

تُعَرّفُ الدراساتُ الهندسيةُ المئذنةَ؛ بـأنها وحدةٌ معماريةٌ رأسيةُ البناءِ، ودليلٌ على مكانِ العبادةِ “المسجد”، وهي مُنطلقُ الأذانِ؛ لإعلامِ الناسِ بدخولِ أوقاتِ الصلاةِ، ففي كلِّ ناحيةٍ من أحياءِ المُدنِ وحاراتِها وشوارِعها، وفي البوادي؛ ترتفعُ المآذنُ راياتٍ تُخبِرُ كلَّ عابرٍ أنّ هنا مكاناً تُقامُ فيه شعيرةُ الصلواتِ الخمسِ.

ومعَ مرورِ الوقتِ؛ أصبحتْ جزءًا من فنونِ العمارةِ الإسلاميةِ؛ وأصبحتْ تُصمَّمُ وتُنفَّذُ بأعلى المساجدِ؛ وتختلفُ في ارتفاعاتِها من مسجدٍ لآخَرَ؛ وأشكالٍ مختلفةٍ ما بينَ مُدوّرةٍ، ومُضلّعةٍ ومربّعةٍ؛ كما تتناسبُ قاعدتُها مع ارتفاعِها؛ ويوجدُ بداخلِها سُلّمٌ يَصعدُ عليه المؤذنُ لرفعِ الآذانِ.

وعن أصلِ المهنةِ وخامتِها يقولُ سعيد لـ “السعادة”:” هي فنُّ العملِ بالصاجِ (الصفيح) المَعدَني؛ سواءٌ كان المَعدنُ من النحاسِ أَم من الستانلس ستيل؛ الذي يُعدُّ الأكثرَ طلبًا لديمومةِ لمَعانِه؛ وتَحمُّلِه عواملَ الطبيعةِ المختلفةَ، وتطويعِه بما يخدمُ الشكلَ المُرادَ صُنعُه؛ مئذنةً كانت أَم هلالًا أُم قبّةً.

نقوشٌ وزخارفُ

أمّا حولَ عمليةِ التصنيعِ، فيقولُ الأخوانِ: إنها تمرُّ بمراحلَ عِدّة؛ أهمُّها القصُّ  ثُم الثَنيُ، واللفُّ، والنقشُ، (الزخرفة)، انتهاءً بالِّلحامِ، ثُم الدقُّ بواسطةِ ماكينةٍ خاصةٍ بذلكَ؛ تَجمعُ أجزاءَ القطعةِ المرادِ صنعُها؛ وتلحمُ ثانيةً بلحامِ الأكسجينِ.

ويضيفُ: إنّ آليةَ التصنيعِ “يدويةٌ”؛ وذلكَ لِيُسرِها في التعاملِ مع الصاجِ؛ منوّهًا أنّ الورشةَ تحتوي على( 7) آلاتٍ؛ جلبَها والدي من “يوغسلافيا” منذُ أنشأَ الورشةَ؛ ولا تزالُ تعملُ حتى الآنَ بكاملِ طاقتِها؛ ولم يَتغيّرْ أيٌّ من معالمِ المحلِّ أو معدّاتِه” حتى اليومَ !

وهذه الآلاتُ هي المثنى بشِقَيهِ الصغيرِ والكبيرِ، والملفُ (لسحبِ الصاجِ)، وآلةُ الكورنيشِ (النقشُ والزخرفةُ)، ولحَّامُ الدقِّ، والمقصُّ، ولحَّامُ الأكسجينِ، وكلُّها يدويةٌ وليستْ كهربائيةً؛ وهي أكثرُ أمنًا وراحةً لهما؛ ولهذا فهُما يرفضانِ استبدالَها بأخرى حديثةٍ.

ويتابعُ: هناكَ أدواتٌ أخرى كثيرةٌ عمرُها من عمرِ المعملِ؛ مِثلَ المقابضِ (الكمّاشات)، والمَقصّاتِ، والمَطارقِ الخشبيةِ المستخدَمةِ في تصحيحِ الصاجِ، والمطارقِ الحديديةِ التي باتت غيرَ صالحةٍ للعملِ من كثرةِ الاستخدامِ؛ إذْ قُمنا بتحويلِها إلى نوعٍ من الديكورِ يحتلُّ واجهةَ الورشةِ.

ويواصلُ الأَخوانِ حديثَهما وعملَهما في إنجازِ مئذنةٍ بالقولِ: بعدَ التصنيعِ يكونُ التركيبُ؛ وهذه المرحلةُ مقسّمةٌ بينَ مكانَينِ؛ أحدُهما داخلَ الورشةِ؛ عبرَ تجهيزِ المئذنةِ المكوّنةِ من ماسورةٍ وأطباقٍ دائريةٍ من الصاجِ؛ تتوسّطُ المئذنةَ مع الهلالِ المُزيَّنِ بعبارةِ بالتوحيدِ؛ ثُم نَنتقلُ بعدَ ذلك إلى داخلِ المسجدِ؛ لتركيبِها بشكلِها النهائي الذي يراهُ الناسُ من الخارجِ.

وبحسبِ “الترتير”؛ تتنوعُ المآذنُ والقبابُ والأهِلّةُ في الشكلِ والحجمِ، فأصغَرُ الأهِلَّةِ مترٌ ونِصفُ المترِ؛ وأكبرُها يبلغُ حتى (4 – 6) أمتارِ؛ كالهلالِ الذي صنَعاهُ لمئذنةِ أحدِ المساجدِ ببلدةِ سلواد، شمالي مدينة رام الله (وسط الضفة الغربية)، وتوصَفُ بأنها أطولُ المآذنِ في الضفةِ؛ أمّا أكبرُ القبابِ فكان قطرُها (12) مترًا؛ وارتفاعُها (6) أمتارٍ، أُعِدّتْ لمسجدٍ في قريةِ “معاوية” داخلَ أراضِ فلسطينَ المحتلةِ عامَ (1948).

التفرُّدُ والإنتاجُ

يتبادلُ الشقيقانِ الأدوارَ بحسبِ ميولِ وإتقانِ كلِّ واحدٍ منهما لِجزئياتِ العملِ؛ “فسعيدٌ” يبرعُ في القصِّ والتركيبِ، أمّا “يوسف” فيبرعُ في النقشِ والزخرفةِ على الصاجِ بأنواعِها المختلفةِ، زخرفةِ الضرسِ والجُلِّ والخطِّ المائلِ والمنفوخِ، وهناك نقشُ البقلاوةِ أيضًا”؛ وكلُّها تُضفي صبغةً جماليةً على العملِ.

ولمّا كان لكُلِّ عصرٍ ما يناسِبُه؛ فلم تقتصرْ صناعاتُ الحاج “سليم الترتير”_ بعدَ إنشائهِ “سمكرةِ الإخلاصِ” على المآذنِ والأهلِّةِ والقبابِ وحدَها؛ فقد صنعَ الأواني المنزليةَ من الصاجِ، والمكاييلَ (إبريقَ تعبئةِ الكاز)، وأدواتِ الاستحمامِ من الطاسةِ والسخّانِ؛ إضافةً إلى خزاناتِ الماءِ، وكلُّها تكادُ تَتلاشَى، فاتَّجهَ الشقيقانِ لصناعةِ المَدافي ومداخنِ البيوتِ، وكانونِ النارِ.

ما من مكانٍ في فلسطينَ؛ إلّا وتركتْ فيه عائلةُ “الترتير” بصمتَها؛ وتفرّدتْ بصناعتِها؛ وأنتجتْ مئاتٍ من المصنوعاتِ؛ وهو ما توثِّقُه جدرانُ المعملِ الذي تَعلوهُ صوَرُ مصنوعاتِهم، وأماكنُ تركيبِها.

يُذكَرُ أنّ محافظةَ “نابلس”  ثالثُ محافظةٍ فلسطينيةٍ تنتشرُ فيها المساجدُ؛ فهي تضمُ فوقَ (300) مسجدٍ؛ بعضُها عُمريٌّ قديمٌ، وأخرى على الطرازِ العثماني، وأغلبُها حديثُ البناءِ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى