أجواءٌ رمضانيةٌ في القدسِ والضفةِ تحتفلُ بقدومِ رمضانَ

تحقيق : السعادة
يَطُلُّ شهرُ رمضانَ في القدسِ والضفةِ ببهجةٍ مختلفةٍ؛ على الرغمِ من الظروفِ الاقتصاديةِ الصعبةِ التي يعيشُونها؛ إلا أنهم يؤدّونَ عاداتِ وتقاليدَ الشهرِ الكريمِ دونَ تغييرٍ جَوهريٍّ عن السنواتِ السابقةِ؛ ليُحافظوا على إرثٍ تَركَه الأجدادُ والآباءُ خلفَهم؛ فيَحمِلُ رجالُ اليومِ المشعلِ؛ ويحافظوا على قُدسيةِ وروحانيةِ هذا الشهرِ الذي يَنطلقُ من القدسِ، وعلى زينةِ البلدةِ القديمةِ، والأسواقِ التاريخيةِ، والأبوابِ السَّميكةِ التي تحيطُ بواحدةٍ من أهمِّ مُدنِ العالمِ المحتلّةِ، ولا يختلفُ الوضعُ في الضفةِ الغربيةِ؛ حيثُ صعوبةُ تحصيلِ لُقمةِ العيشِ؛ ورغمَ ذلكَ هناكَ عاداتٌ يحافظُ عليها الضفَّوِيُّونَ والمَقدسيونَ .
تحتفظُ كلُّ مدينةٍ فلسطينيةٍ بعاداتِ وتقاليدَ شهرِ رمضانَ التي تتميَّزُ بخصوصياتِها؛ لكنَّ الاحتلالَ يُعيقُ عملَ المسحراتي الذي ينطلقُ في ساعاتِ الفجرِ في مدينةِ القدسِ لإيقاظِ الصائمينَ؛ لِتناوُلِ طعامِ السحورِ؛ مُعلِّلاً أنَّ في ذلكَ إزعاجًا للمستوطنينَ، كما يعيقُ أحيانًا رفعَ الأذانِ للصلواتِ؛ ويطالبُ بخَفضِ إيقاعِ وصوتِ سمّاعاتِ مَآذنِ المساجدِ.
تتميزُ مدينةُ القدسِ عن سائرِ مُدنِ العالمِ بوجودِ مدفعِ رمضانَ؛ الذي ينطلقُ إيذانًا بإعلانِ انتهاءِ الصيامِ يوميًا؛ ويَتِمُ إطلاقُه في أولِ أيامِ العيدِ؛ كتقليدٍ تَختصُّ به مدينةُ القدسِ.
ويَتِمُ في القدسِ _كسائرِ المُدنِ الفلسطينيةِ_ تقديمُ موائدِ الرحمنِ في الأقصى، وفي غيرِه من الأماكنِ لمساعدةِ الفقراءِ؛ لكنّ العادةَ التي يَشتركُ فيها الجميعُ؛ هي الالتفافُ حولَ سُفرةِ رمضانَ لجميعِ أفرادِ العائلةِ؛ وهو الأمرُ الذي يزيدُ من الُّلحمةِ والنسيجِ الأُسري والاجتماعي؛ وصولًا إلى نهايةِ الشهرِ الكريمِ، وتحضيرُ كعكِ العيدِ الذي تشتهرُ به فلسطينُ.
استقبالٌ خاصٌّ
عادةً ما تَراهُنَّ يَمضينَ الساعاتِ الطوالَ استباقًا للشهرِ؛ وهُنَّ يُحضِّرنَ “المَؤونةَ” الخاصةَ به من طعامٍ، ومُستلزماتِ، وحلوياتٍ، ومكسَّراتٍ، ومخلَّلاتٍ، ومكابيسَ مختلفةٍ.
“أُم إبراهيم الخليلي”، في منتصفِ الأربعينياتِ، من مدينةِ طول كرم،تقولُ :”برغمِ التغييراتِ التي طرأتْ على طبيعةِ مجتمعِنا؛ إلاّ أننا ما زلنا متمسِّكينَ بعاداتٍ وتقاليدَ حُفرتْ في ذاكرتِنا منذُ أنْ كُنّا أطفالاً، والآنَ نحن نُطبِّقُها في بيوتِنا ومع أبنائنا! فيَبقَى لرمضانَ رَونَقُه الخاصُّ، ويَجمعُنا مرّتينِ في اليومِ؛ برغمِ انشغالِ زوجي والأبناءِ؛ إلاّ أنّ له حُرمتَه “.
وتضيفُ :”فهو يقرِّبُنا من اللهِ؛ بالتسبيحِ والإكثارِ من قراءةِ القرآنِ، وصلاةِ الجماعةِ في المسجدِ، والتصدُّقِ على المحتاجينَ؛ فتَشعرُ براحةٍ نفسيةٍ وأنتَ تشجِّعُ أبناءَك على تَفقُّدِ الأقرباءِ والجيرانِ المحتاجين “.
ويشاركُ زوجُها “أبو إبراهيم”_ في أوائلِ الخمسينياتِ، ويعملُ تاجراً_ “السعادةَ” في الحديثِ قائلاً:”في هذا الشهرِ نشعرُ بأنفُسِنا وعطائنا… فمَشاغلُ الحياةِ تُبعِدُنا نوعًا ما عن مُحِبِّينا وأقربائنا؛ لذلكَ في هذا الشهرِ أَحرِصُ على التجمُّعِ يوميًّا أنا وأُسرتي، ونَزورُ الأقرباءَ والجيرانَ، كما أحرِصُ على تقديمِ هديةٍ بسيطةٍ من الحلوياتِ النابُلسيةِ؛ فهي عادةٌ وَرِثتُها عن والدِي .
ويُتابعُ :” في هذا الشهرِ، عندَ اقترابِ موعدِ الإفطارِ؛ نُنهي أعمالَنا؛ ونَتوجَّهُ إلي البيتِ، ونُهَيِّئُ أنفُسَنا “أنا وأبنائي” لصلاةِ المغربِ، ومن ثَمَّ العودةِ للإفطارِ والتسامرِ مع أبنائي.
وعن أكثرِ الأصنافِ التي يَرغبُ “أبو إبراهيم” أنْ تكونَ على سُفرةِ “رمضان” تقولُ :”طبقُ شوربةِ “الفريكة” باللحمِ الضاني، والتبّولةِ، ومتبّل الباذنجان الحرّاق، وعصيرُ قمرِ الدِّين والتمرِ هِندي؛ هذه أصنافٌ يجبُّ أنْ لا تُغادِرَ السفرةَ الرمضانيةَ؛ وإلاّ نكونُ قد خرقْنا القوانينَ _عن زوجي_!! .
وبحسبِ “أحلام بيك”، في بدايةِ الثلاثينياتِ، من قضاءِ “جِنين” تعملُ مُدرِّسةً..، ترى أنه برغمِ وجودِ اختلافٍ بينَ الأجيالِ؛ إلاّ أنه لا تَزالُ جذورُ “رمضانَ” متأصِّلةً بكُلِّ فلسطينيّ، فتقولُ بِلَكنَتِها المُميَّزة :” عندما تزوجتُ وانتقلتُ إلي بيتٍ جديدٍ؛ وجدتُ نفسي أُطبِّقُ عاداتِ وتقاليدَ “أُمي” تلقائيًّا؛ وخاصةً في المواسمِ (كَرمضانَ والعيدِ)؛ ما يُجدِّدُ عندَنا الحياةَ، ويُلقي عليها نوعًا من التغيُّرِ والتمسُّكِ أكثرَ بهذه العاداتِ، فمثلاً، عندَنا في “جنين” نقومُ بتَبادلِ أصنافٍ من المأكولاتِ والحلوياتِ بين الجاراتِ والسلفاتِ بشكلٍ يوميّ، كما نُقيمُ في وسطِ الشهرِ “عزومةَ” جاراتٍ؛حيثُ تقومُ كلُّ واحدةٍ مِنا بطبخِ أكلةٍ رئيسةٍ، وصنفِ حلوٍّ، ونجتمعُ في باحةِ أحدِ المنازلِ مع أزواجِنا وأبنائنا، ونُقيمُ صلاةَ المغربِ والعشاءِ والتراويحِ جماعةً، ونستمعُ لدروسٍ دينيةٍ خاصةٍ بصِلةِ الأرحامِ، أو فضلِ التسبيحِ والاستغفارِ، وفضلِ التصدُّقِ، فتُحْيِي فينا هذه الدروسُ الحماسةَ وحُبَّ التعمُقِ والتعلّقِ بدِينِنا .
ومن جانبٍ آخَرَ؛ ترى أنه لا ضَيرَ من الاهتمامِ بالتقاليدِ الرمضانيةِ؛ وإنْ لم تكنْ مرتبطةً بالدِّينِ، ما دامتْ لا تُسيءُ له، ولا تَنتقِصُ من حُرمةِ الشهرِ الكريمِ، وتقولُ “للسعادة”: “أتذكَّرُ طفولتي مع كلِّ عملٍ من تقاليدِ “رمضان”؛ يقومُ به أطفالي خلالَ هذا الشهرِ، فنحن نَتوارَثُ تلكَ العاداتِ، وهي أيضًا تُعبِّرُ عن التصاقِنا بالإسلامِ، واهتمامِنا بشهرِ رمضانَ”.
وانتقلتْ “السعادة” إلى “سلفيت”؛ لتستمعَ للحاجّة “أم رياض(60) عامًا، تقولُ:”أجمَلُ لحظةٍ أنتَظِرُها ؛ هي عند اجتماعِ أبنائي، وزوجاتِهم، وأحفادي، وزوجي على مائدةٍ كبيرةٍ؛ كلُّ واحدٍ يجلسُ في مكانِه؛ يسبِّحونَ ويستغفرونَ؛ ينتظرونَ الأذانَ ومدفعَ الإفطار؛ لتَتعالَى الأصواتُ عندَ سماعِ (اللهُ أكبرُ) ويبدأونَ في تناولِ العصائرِ والأكلِ… لحظاتٌ تُدخِلُ في نفوسِنا السعادةَ؛ برغمِ مرارةِ الاحتلالِ، ومُحاولتِه طمسَ هذه العاداتِ في بيوتٍ كثيرةٍ؛ تأصّلتْ فيها هذه العاداتُ، فكثيرًا ما كُنا على مائدةِ الإفطارِ، لنَجدَ المستوطنينَ يداهِمونَ بيتَنا؛ ويَنظرونَ إلينا باستغرابٍ!! لعددِ الأفرادِ وكميةِ الطعامِ!! ولكنْ ما يَغيظُهم هو عدمُ تَحرُّكِ أحدٍ فينا، ومواصلتُنا لتناولِ الإفطارِ.
وتَروي لنا أهمَّ عاداتٍ ورِثَتْها عن والدتِها؛وهي تَفقُّدُ المساكينِ والمحتاجينَ من أبناءِ الحيِّ بشكلٍ يوميٍّ، وزيارةُ الأرحامِ، والتسامحُ فتقول:”بعد صلاةِ التراويحِ تجتمعُ الجاراتُ، ونَتوجّهُ كلَّ يومٍ إلى بيتِ، وكلُّ واحدةٍ تَجلبُ معها صنفَ حلوٍّ، أو عصيرًا أو مُكسَّراتٍ، ونبدأ بالابتهالاتِ والتسبيحِ والأذكارِ، ومن ثَمَّ تقرأ كلُّ واحدةٍ جزءًا من القرآنِ حتى نَختِمَه .
تَشابُهٌ واختلافٌ
وتَجدُ الكثيرَ من العاداتِ الرمضانيةِ ذاتِ الطابعِ المُوَحّدِ بين مختلفِ مناطقِ ومحافظاتِ الضفةِ الغربية، وتختلفُ بعضُ التفاصيلِ من مكانٍ لآخَرَ، تبَعًا لاختلافِ الظروفِ المحليةِ في كلِّ منطقةٍ.
ويُعَدُّ تلاقي الناسِ رجالاً وشيوخًا وأطفالاً في المساجدِ، واجتماعُهم في حلقاتٍ لترديدِ الذكرِ والدعاءِ والابتهالاتِ الدينيةِ عبرَ مُكبّراتِ الصوتِ من بعدِ صلاةِ العصرِ؛ من التقاليدِ الجامعةِ للفلسطينيينَ في الشهرِ العظيمِ، كما أنّ السهرَ في الليلِ بعدَ صلاةِ التراويحِ من العاداتِ الرمضانيةِ الجميلةِ؛ حيثُ تَشهدُ شوارعُ المُدنِ الرئيسةِ حركةً نشطةً، وتجوالاً شرائيًّا أكثرَ من الأيامِ العاديةِ.
كما تَنتشرُ إضاءاتُ المنازلِ، وتَزيينُ الأبوابِ، ومَداخلِ الأحياءِ المُغلَقةِ بالأهِلّةِ والفوانيسِ المضيئةِ، ويَكثرُ استخدامُ الألعابِ الناريةِ البسيطةِ، (كالفتاش والخريس) الذي يتسابقُ الصِّبْيةُ لإشعالِه بالنارِ في مَشهدٍ جميلٍ يتكرّرُ كلَّ عامٍ.
وعلى عكسِ الحياةِ العامرةِ في المُدنِ ليلاً ونهاراً خلالَ شهرِ رمضان؛ تشهدُ قرى الضفةِ الغربيةِ هدوءًا أكبرَ؛ إذْ يَكونُ العددُ الأكبرُ من شبابِ القرى وفِتيَتِها قد ذهبوا للمُدنِ القريبةِ والمجاورةِ للحصولِ على احتياجاتِ منازلِهم نهارًا، بينما يذهبونَ للسَّمَرِ في تلكَ المُدنِ؛ حتى ساعةٍ متأخرةٍ من الليلِ؛ وهي العادةُ التي اختفتْ تقريبًا خلالَ السنواتِ الماضيةِ من عُمرِ انتفاضةِ الأقصى المبارَكِ؛ لكنها عادت للظُّهورِ مجدَّدًا مع تَحسُّنِ الظروفِ الأمنيةِ في الضفةِ الغربيةِ.
وتشتركُ الكثيرُ من مُدنِ وقُرى الضفةِ الغربية ومُخيماتِها بوجودِ المسحّراتي؛ وهو غالبًا ما يكونُ رجلاً متطوّعًا؛ يأخذُ على عاتقِه إيقاظَ الناسِ لتناولِ وجبةِ السحورِ قبلَ أذانِ الفجرِ؛ مستخدِمًا طبلتَه وصوتَه بالذّكرِ أحيانًا، والابتهالاتِ والمديحِ حينًا آخَرَ، مع ذِكرِ أسماءِ العائلاتِ بمَواويلَ.
وفي “رمضانَ” أيضًا تَكثرُ الزياراتُ بين الأهلِ؛ وخاصةً من قِبلِ الرجالِ للنساءِ من ذواتِ الأرحامِ؛ وهذه عادةٌ حميدةٌ؛ ترتبطُ بحَضِّ الإسلامِ على فِعلِ الخيرِ وصِلةِ الأرحامِ في هذا الشهرِ الكريمِ، كما تَعارفَ الفلسطينيون بينَهم على الامتناعِ عن إقامةِ الأعراسِ في شهرِ “رمضانَ” احترامًا لقُدسيتِه، ولِكَونِه شهرًا يتفرّغُ فيه الناسُ للعبادةِ والطاعاتِ.
ما لذَّ وطابَ
وتُعَدُّ أنواعُ الطعامِ الخاصةُ بشهرِ “رمضانَ” المبارَكِ من ميزاتِ أسواقِ الشهرِ الفضيلِ، ففيهِ يَكثرُ الطلبُ على شراءِ التُّمورِ بأنواعِها المختلفةِ، والمتراوحةِ في السعرِ حسبَ الجودةِ، حيثُ يَحرصُ الصائمونَ على التأسِّي بسُنةِ النبي _صلى الله عليه وسلم_ على بِدءِ إفطارِهم بتَناوُلِ التمرِ، كما يَنتشرُ باعةُ العصائرِ الطبيعيةِ، وخاصةً (الخروبَ، والسوسَ، والقصبَ، والرُّمانَ، والتمرَ الهنديَّ)؛ وهم يرتدونَ ثيابًا فلوكلورية مُزركشةً وجذابةً؛ تَتحولُ إلى أحدِ معالمِ الأسواقِ الرمضانيةِ.
وتَزدهرُ في شهرِ “رمضانَ” الحركةُ التجاريةُ، والإقبالُ على محلاتِ الحلوياتِ، بل إنّ أصحابَ مَحلاتِ الكُنافةِ النابُلسيةِ والفطيرِ؛ يَعُدُّون هذا الشهرَ موسِمَهم المميَّزَ؛ لتحقيقِ أعلى عائدٍ من الدَّخلِ؛ دونَ أنْ يؤثّرَ ذلكَ على الحلوياتِ الرمضانيةِ المعروفةِ والبسيطةِ، والتي تُحضَّر بيتيًّا أحيانًا، ويتخصّصُ بعضُ الناسِ في إعدادِها خلالَ شهرِ “رمضان” (كالعوّامة (الزنقل)، والقطايف والكُلاّج)، فيما يحرصُ أربابُ الأُسَرِ على توفيرِ أصنافٍ رمضانيةٍ خاصةٍ لوجبةِ السحورِ؛ (كالحلاوةِ، وقمر الدِّين، والمَلبَنِ بمختلفٍ أصنافِه).
وتَتناقَلُ الأجيالُ مَورثاتِها الخاصةَ بكُلِّ منطقةٍ في الضفةِ الغربيةِ على حِدَه، فمِن أقصى الجنوبِ حيثُ (الخليل، وبيت لحم)؛ تنتشرُ في رمضانَ ظاهرةُ “المَوالدِ” التي تُقامُ في المساجدِ والأحواشِ العتيقةِ؛ حيثُ يَتسابقُ الروّادُ في ترديدِ التهاليلِ والأذكارِ ومَدْحِ النبي _صلى الله عليه وسلم_ ، في مَشهدٍ جميلٍ يُدخِلُ الذِكرَ على لسانِ كلِّ مُشاركٍ بأسلوبٍ فنيٍّ جميلٍ.
عاداتٌ مميَّزةٌ
أمّا في “رام الله”، المدينةِ العصريةِ ذاتِ الغالبيةِ السكانيةِ الوافدةِ من بقيةِ المحافظاتِ، فتَبرُزُ ظاهرةُ التسوُّقِ بشكلٍ كبيرٍ، فيما يَكتظُّ الناسُ في المساجدِ بعدَ كل صلاةٍ؛ لسماعِ المواعظِ والدروسِ الدينيةِ.
وتُعَدُّ مدينةُ “نابُلس” في الشمالِ من أكثرِ المناطقِ بهجةً واحتفاءً بحلولِ الشهرِ الكريم؛ فينقلبُ نهارُها إلى مهرجانِ تسوّقٍ عامرٍ يَؤمُّه أهالي الضفةِ وفلسطينَ المحتلةِ عامَ (1948)، فيما تُشاهِدُ الدُّمَى الكبيرةَ وهي تَتجولُ وتُهدي الورودَ والهدايا للأطفالِ في الشوارعِ، ويظهرُ الفرسانُ على ظهورِ خيولِهم بين وقتٍ وآخَرَ؛
وهم يرتدونَ الثيابَ التقليديةَ المُزركَشةَ الموروثةَ من العصرِ العثماني، والشبيهةُ بالطابعِ الشامي القديمِ.
أمّا ليلاً، فتَتحولُ مدينةُ “نابلس” إلى قلعةٍ مُزدانةٍ بالأضواءِ الكثيرةِ؛ التي تَنتشرُ بألوانٍ زاهيةٍ من قِممِ جبالِها؛ حتى وسطِ البلدِ في السوقِ، جاذبةً كلَّ شخصٍ للتَجوالِ في شوارعِ المدينةِ.
وتَعُدُّ المُدنُ ذاتُ الطابَعِ الريفيّ؛ مِثلَ( طول كرم، وجنين، وقلقيلية، وسلفيت) شهرَ “رمضان” فُرصةً للولائمِ وإحياءِ السهراتِ الفنيةِ والأُمسياتِ الثقافيةِ، التي تُروِّحُ عن الصائمينَ بطُرُقٍ وأدواتٍ مختلفةٍ خلالَ الليلِ، فيما يَنتشرُ باعةُ اللحومِ المشويةِ على عرباتِهم، التي يتجمّعُ حولَها المُشترونَ؛ وقد فَرغتْ أمعاؤهم من طعامِ الإفطارِ بعدَما يتأخّرُ الوقتُ ليلاً.
وبكُلِّ الأحوالِ، يبقى “رمضانُ” هو رمضانُ!!، تَختلفُ العاداتُ فيه حينًا؛ لكنها تتشابَهُ أحيانًا كثيرةً؛ حاملةً صوَرًا من وَحدةِ المجتمعِ الفلسطينيِّ .