مرآتي
زينة القلوب
بالغوا في زينة رمضان، لا بأس، اجعلوا مداخل البيوت وأزقة الحارات وجوانب الطرقات كلها تتلألأ بالأنوار، اخلقوا من الشوارع مشهداً من عالم سحري لامع..
هذا النور الذي يخطف عيوننا، ويزيد خفقات قلوبنا نحن الكبار، يفعل أضعاف ذلك في الصغار المأخوذين بكل مُبهرَج وجميل..
وتلك المشاهد التي توقظ الطفل الذي بداخلنا، تربط خط الذكريات الممتد من أول لفظة “رمضان” وأول تجربة عطش، وأول يوم كامل، وأول ركعة تراويح، وصولاً لهذا اليوم الذي نرى فيه الحب والفرح يتلألأ في أعين أطفالنا..
لنجعل كل هذا الحب والجمال ذكرى متينة في أعماق الطفولة؛ فرمضان شهر الله، وفرض الله، وهذا الحب والجمال فيض الله، وهذا الكرم واللطف والعفو أمر الله، وذلك العيد جائزة الله، وجوائزه هدية الله..
ستشعرون بسعادة غامرة وأطفالكم يؤكدون أن رمضاننا موسم أكثر بهجة وفرحاً من مواسم الشجر المزين والأضواء في الطوائف والديانات والأعراق الأخرى المختلفة، ستغدو هذه المظاهر “الشكلية” فرضاً غايته أكبر من مجرد “أجواء”، بل بناء عقيدة راسخة قائمة على حب الفروض، والتباهي بالشعائر.
“نسيك الموت”!
كان يوماً عادياً من أيام الدراسة البعيدة، التي لا أذكر منها بالطبع إلا شذرات، لكنني أذكر تماماً ما حصل في ذلك اليوم، ربما لأنه أثّر فيّ بشكل الأشكال..
اعتدت أن أكون طالبة مجتهدة، أنال تقدير وثناء المعلمين، في ذلك اليوم، كان مدرس المواد الاجتماعية ينادي أسماء الطالبات الحاصلات على “علامة كاملة”، وما ان انتهى حتى سأل إن كان قد نسي أحداً، فرفعت يدي: أنا يا أستاذ، فاعتذر مبتسماً: نسيكِ الموت!
ووسط إعجابي بنفسي إثر ذلك الإطراء، بادرت طالبة مجتهدة أخرى بحدّة: “الموت بنساش حدا”!
وسط خيبة أملي من استمرار تلك اللحظة المغرورة، وصدمة الأستاذ، ساد صمت ثقيل، ثم استمرت الحصة، واليوم، وسنوات الدراسة كلها، وذلك المشهد استمر معها كأشدّ ما يكون وضوحاً..
لم أحمله بدافع الحقد، فتلك الطالبة كانت صديقة لي، وأنا واثقة أنها لم تقصد في تلك السنّ البريئة إيذائي، وبالمناسبة حازت على مرتبة في أوائل القطاع، وهي اليوم طبيبة مميزة، بل حملته بدافع الدهشة، وأنا أوقن بصحة العبارة التي ألقتها، ويقينية حقيقتها، ومع ذلك أزعجتني..
ومع السنوات زالت الدهشة، وأنا أرى في الحياة نماذج مختلفة من منغّصي اللحظات الجميلة، وملتقطي “النكد”، ومحترفي “سمّ البدن”!
ومنك السلام
لا شعور في الكون يضاهي “السلام”، سلام النفس من العلل، والقلب من الأمراض، سلام الروح من السخط واللغط، سلام العقل وهو يوقن أنه عبد لخالق أسمى نفسه “السلام”
“سلام”.. كلمة لفظها كافٍ ليشعرك بالطمأنينة والسكون، وإلا لما جُعِلت تحية أهل الجنة، وصفتهم، وثناءهم، ومُفتَتح خطاب الخالق لهم..
وإلا لما جعل كلامنا في كل لقاء بالعظيم “السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين”، ولما جُعل دعاؤنا المتصل بعده “أنت السلام ومنك السلام”
وإلا لما كان دعاء كل خوف ووجل واضطراب “سلام قولاً من رب رحيم”، ولما كان أقرب صفات عباد الرحمن، وخير السكوت وأجمل الرد إذا خاطبهم الجاهلون فقالوا “سلاما”
وفي هذا الشهر العظيم، كانت صفة الليلة الأفضل من ألف شهر، فقط، سلاماً حتى مطلع الفجر..
اسألوا الله السلام، فهو خير ما يحوز المرء في الدنيا والآخرة..