كيف نستقبلُ رمضانَ؟
رمضانُ محطةٌ من محطاتِ الحياةِ ، ونَفحةٌ من نفحاتِ اللهِ ، تتكّررُ كلَّ عامٍ؛ لنَتوقَّفَ مع ذواتِنا، ونَقفَ مع أنفُسِنا قليلاً ، ونتفكّرُ في توظيفِ تلكَ الأيامِ، وإعادةِ شَحذِ الهِمَمِ، والانطلاقَ في رمضانَ بِحُلّةٍ جديدةٍ، وهِمّةٍ عاليةٍ تتوافقُ مع خيرِ رمضانَ وبركاتِه .
كيف نستقبلُ رمضانَ ؟ وكيف نستَثمِرُ أيامَه وساعاتِه ؟سؤالٌ مُهِمٌّ ، فكَما أنّ صيامَه في شِقَّينِ ، فاستقبالَه في شِقّينِ .
فالصيامُ عن الطعامِ والمَلَذاتِ، والامتناعُ عن الشهواتِ، وضبطُ السلوكياتِ، وتهذيبُ الروحِ وتقويمُ الذاتِ ، بتَناسُقٍ رائعٍ، وتَناغُمٍ جميلٍ بينَ الجسدِ، والعقلِ، والروحِ، والقلبِ؛ لِرَسمِ منظومةٍ متكاملةٍ بينَ الإنسانِ والمجتمعِ؛ دونَ الشعورٍ بالنقصِ في أيٍّ منهما ؛ أشبَعَ الحاجاتِ بفلسفةٍ عجيبةٍ غريبةٍ بينَ طيّاتِها التناقضُ والاختلافُ؛ دُونَ إحداثٍ خَلَلٍ ؛ بل تَوازُنٍ وتكامُلٍ يَصنعُ التوافقَ الذي أشبَعَ الجسدَ؛ وحفظَ توازنَه بشيءٍ من الحرمانِ والفقدِ ، ليَشعرَ الفردُ بالاتزانِ الجسديِّ؛ بِصبرِه على الصيامِ، وامتناعِه عن شهواتٍ ومَطالبَ مادِّيةٍ تَضمَنُ نُموَّه وحيويّتَه من مأكلٍ ومشربٍ وكساءٍ .
حقيقةً، إنَّ الجسدَ يحتاجُ إلى ما يحافظُ على قوّتِه وتَماسُكِه؛ فيأتي رمضانُ ليؤَكِّدَ من جديدٍ أنَّ الإشباعَ في الحرمانِ، وأنَّ الجسدَ وِعاءٌ يَحملُ الإنسانَ بِمكوِّناتِه الثلاثةِ من “روحٍ وعقلٍ وقلبٍ”، وأنَّ حاجاتِ الجسدِ بإشباعِ الروحِ، ورَزانةِ العقلِ، وسلامةِ القلبِ .
وكذلكُ استقبالُه في شِقَّينِ مُتكامِلَينِ “جسديٌّ وماديٌّ”؛ وآخَرُ “إيمانيٌّ ومُتَجَذِّرٌ” ، فاستقبالُ رمضانَ بعيونٍ مبتسمةٍ، وقلوبٍ مُشرِقةٍ؛ يملؤها الأملُ بقدومِه، مُستبشرينَ بأيامِه .
زيّنوا بيوتَكم تمامًا كما قلوبِكم ، زيّنوا مداخلَ بيوتِكم وجدرانِها ، عيشوا مع أبنائكم شعورًا بأنَّ رمضانَ مُختلِفٌ ، وهو مَحطّةُ تغييرٍ شكليٍّ وضِمنيٍّ ، أَدخِلوا البهجةَ في قلوبِ أطفالِكم ، اجعلوا من رمضانَ ضيفًا خفيفَ الظلِّ، عميقَ المَعنَى ، اجعلوهُ محطةَ سعادةٍ .
لا تُحوِلوا رمضانَ لعِبءٍ اجتماعيٍّ، وضغطٍ ماليٍّ ونفسيّ ، فرمضانُ جميلٌ بتَفاصيلِه من ألِفِه إلى يائِه ، و بكُلِّ مَعانيهِ .
رمضانُ مَحطةُ عبادةٍ ورجاءٍ لتحقيقِ التقوَى؛ فلا تَقتلوا المَعاني؛ وتضيِّعوا العِظاتِ ، استقبِلوا رمضانَ بقلوبٍ خاشعةٍ، ونفوسٍ راضيةٍ ، وبرغبةِ وصولٍ إلى نقطةِ طموحٍ ، رمضانُ ليس شهرًا عابرًا ، أو مُجرَدَ أيامٍ وأسابيعَ ، رمضانُ قِيمةٌ ومحطةٌ ونَفحةٌ ، لا تَدَعوهُ يَمُرُّ مرورَ الكرامِ؛ بل يجبُ أنْ يمكثَ في بالذاكرةِ؛ وتبقَى مَعالمُه تَسُرُّ العينَ، وتملأُ القلبَ جمالاً ورَونقًا بهيًّا ، شهرٌ نتمنّى تكرارَهُ مراتٍ ومرّات ، فاجعلوهُ مَحطةً نتمنَّى عَودتَها سنينَ وسِنين .
رمضانُ محطّةُ تَواصلٍ وترابُطٍ ؛ فَصِلوا أرحامَكم، وتَفقّدوا أحِبتَكم ، مَن قطعَكم قبلَ مَن وَصلَكم ، لا تتعاملوا بالمِثلِ ، رمضانُ شهرُ الفضلِ وتعظيمِ الشعائرِ ، رَمِّموا ما أفسدتْ الأيامُ، وصَحِّحوا المسارَ ، بِهمّةٍ جديدةٍ، وروحٍ جميلةٍ تؤسِّسُ لمرحلةٍ قادمةٍ وخطواتٍ آتيةٍ، و لا تَقتلوا قيمةَ رمضانَ، وعَظِّموا مكانتَه، وعِيشوا لحظاتِه لعلَّكم تتَّقون .