الغزياتُ مُصاباتٌ بِهَوسِ زينةِ “رمضان”؛ رغمَ سوءِ الأحوالِ الاقتصاديةِ

تقرير : السعادة
في الأعوامِ الأخيرةِ باتتْ زينةُ رمضانَ هَوسًا حقيقًا يصيبُ كلَّ البيوتِ الغزيةِ؛ وتحديدًا النساءَ اللواتي يتَعامَلْنَ مع رمضانَ موسمًا جارفًا لتغييرِ أدواتِ المطبخِ؛ وشراءِ الفوانيسِ بالأحجامِ والأشكالِ المتعدّدةِ، والأَهِلةِ، والشراشف ،ِوالإضاءاتِ المختلفةِ في شكلٍ يُمكِنُ أنْ يُقالَ عنه؛ إنه مُبتذَلٌ في ظِلِّ غيابِ الاستقرارِ الاقتصادي لغالبيةِ هذه البيوتِ.
فجَولةٌ قصيرةٌ في الأسواقِ؛ تؤكّدُ لكَ أنّ الهَوسَ بزينةِ رمضانَ؛ رفعَ منسوبَ المنافَسةِ بينَ المحلاتِ التجاريةِ إلى أعلَى سقفٍ؛ يُمكِنُ أنْ يتصوّرَه المُشتري، فقد لجأ بعضُ أصحابِ المحلاتِ المتخصِّصةِ إلى استيرادِ زينةٍ رمضانيةٍ قد يَصِلُ سِعرُها إلى مِائةِ دولارٍ أمريكيّ!
الجديدُ في عامِ (2022)، الذي نَستقبلُ فيه رمضانَ والطلبةَ على مقاعدِ الدراسةِ؛ أنّ الهَوسَ أيضًا وصلَ إلى القاعاتِ المدرسيةِ؛ حيثُ حرصتْ إداراتُها المختلفةُ على إقحامِ الأطفالِ في شراءِ وصناعةِ زينةٍ لِصفوفِهم!
مُغريةٌ وكثيرةٌ
“نور السقا”، اعتادتْ تزيينَ منزلِها قبيلَ حلولِ الشهرِ المُبارَكِ، تقولُ لـ”السعادة”: في هذا العامِ هناكَ خياراتٌ كثيرةٌ لزينةِ رمضانَ؛ منها ما هو تقليدي، ومنها ما هو عَصري أكثرَ؛ وإنْ كان بسيطًا، مبيِّنةً أنها عملتْ على تغييرِ زينتِها التقليديةِ لهذا العامِ، والتي كانت عبارةً عن وضعِ الهلالِ المُضاءِ والنجمةِ على شُرفةِ البيتِ.
تُضيفُ: قُمتُ بتصميمِ أغطيةٍ ومَفارشَ طاولاتٍ ذاتَ “نقوشٍ خياميةٍ”؛ بألوانِ الأزرقِ والأحمرِ، ووساداتٍ مَنقوشٍ عليها صوَرَ الفوانيسِ والهلالِ، وكلماتٍ تدلُّ على الاحتفالِ برمضانَ الكريمِ، ووضعتُ عليها فوانيسَ رمضانيةً صغيرةً؛ إضافةً إلى تخصيصِ زاويةٍ كاملةٍ في البيتِ؛ لوضعِ فوانيسَ كبيرةِ الحجمِ مضاءةٍ على مدارَ اليومِ.
وتتابعُ “السقا”: إنها اتّجهتْ هذا العامَ إلى تزيينِ المطبخِ بأطقمِ سُفرةٍ ذاتِ علاقةٍ برمضانَ؛ من الخشبياتِ التي تتشكّلُ على هيئةِ الأهِلةِ، والأطباقِ والنقوشِ ذاتِ الألوانِ؛ التي تَتناسَبُ مع ديكوراتِ رمضانَ وإضاءاتِه الجميلةِ، منوّهةً أنّ زينةَ رمضانَ وحدَها كلّفتْها قُرابةَ (150)دولارًا، وتُدرِكُ أنّ هذا المبلغَ مُرتفِعٌ؛ لكنها تُبرّرُ لنفسِها أنّ الجميعَ يفعلُ ما تَفعلُه.
في حين، تقولُ “أم محمد أبو جبارة”:” في كُلِّ عامٍ تزيدُ رقعةُ الزينةِ الرمضانيةِ؛ فَمُنذُ سنواتٍ بدأتُ بتَزيّينِ بيتي بحبلِ زينةٍ جَلبتُه من مصرَ حينَها؛ لكني في هذا العامِ الأمورُ تطوّرتْ للغايةِ، فبضائعُ زينةِ رمضانَ في الأسواقِ مُغريةٌ وكثيرةٌ؛ وتَشملُ كُلَّ مَناحي البيتِ.
وتُضيفُ: أعيشُ في “روف” فوقَ سطحِ إحدى البناياتِ؛ جزءٌ كبيرٌ منه أستخدِمُه كحديقةٍ وجلسةٍ في الهواءِ الطلقِ، وهذا العامُ الزينةُ من نصيبِ هذا المكانِ؛ لاسيّما أنني أستقبلُ فيه كُلَّ ضيوفِ رمضانَ، فقُمتُ بشراءِ طاولاتٍ صغيرةٍ ذاتِ نقوشٍ مزخرَفةٍ؛ أمّا الطاولةُ الكبيرةُ فَصنعتُ لها مفرشًا مزخرفًا استعدادًا لموائدِ الإفطارِ والسحورِ، مع شراءِ أباريقَ ملوّنةٍ بالأزرقِ والأحمرِ والذهبي؛ وهي ألوانُ المفارشِ لتَكونَ السفرةُ أكثرَ ابتهاجًا عن الأعوامِ الماضيةِ، ووضعتُ “حبالَ الزينةِ” التي تَحملُ الأهِلةَ الصغيرةَ والنجومَ على أشجارِ الحديقةِ.
في حين، تقولُ أم فؤاد “50 عامًا”: إنها اضطّرتْ هذا العامَ إلى شراءِ زينةِ رمضانَ على غيرِ عادتِها؛ لكنّ ما تُشاهِدُه من هَوسٍ نسائيّ لشراءِ الزينةِ عبرَ الأسواقِ والمحلاتِ التجاريةِ؛ إضافةً إلى ما تُشاهِدُ عبرَ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي؛ دفعَها للتقليدِ خاصةً في ظِلِّ طلبِ بناتِها شراءَ الزينةِ.
أسعارٌ متنوّعةٌ
وتُتابِعُ: اشتريتُ بعضَ الإضاءاتِ المختلفةِ بأشكالٍ متعدّدةٍ، وشرشفًا لطاولةِ الطعامِ، وبعضَ الفوانيسِ، والحقيقةُ أنها أضفتْ جمالاً للبيتِ؛ لم أكنْ سأَشعرُ به دونَ هذه الزينةِ؛ منوّهةً أنّ هذه الزينةَ هي أقصَى ما قد تشتريهِ؛ لأنها مؤمنةٌ أنّ جمالَ رمضانَ مُرتبطٌ بروحانيةِ الشهرِ، واستعدادِ النفسِ لصناعةِ الخيرِ والجمالِ خلالَ أيامِه الفضيلةِ، وغيرُ مُرتبطٍ بالمُطلقِ بالزينةِ؛ لكنّ الإنسانَ مُجبَرٌ في بعضِ المراحلِ على مجاراةِ مَن يَعرِفُهم.
علاء الحليمى “55 عامًا”، صاحبُ أحدِ محلاتِ بيعِ الزينةِ في سوقِ الزاويةِ بغزةَ؛ يُشيرُ إلى أنّ شهرَ رمضانَ الكريمَ بأجوائهِ الجميلةِ، ولياليهِ الطيبةِ العائليةِ؛ تُشجّعُ الناسَ على الاحتفالِ به؛ تعبيرًا عن الابتهاجِ بقدومِ هذا الضيفِ العزيزِ؛ يُقبِلُ الناسُ على شراءِ الزينةِ التي تتغيرُ في كُل عامٍ؛ من حيثُ الحداثةِ والعصريةِ والألوانِ الجذابةِ؛ إلاّ أنها تبقَى محافِظةً على روحانيةِ الشهرِ العظيمِ وطقوسِه.
ويبيّنُ “الحليمي”: إنه في هذا العامِ راجتْ أنواعٌ مختلفةٌ من الزينةِ؛ غيرُ زينةِ الهلالِ والنجمةِ؛ إذِ انتشرتْ زينةُ النقوشِ الخياميةِ والفوانيسِ بأشكالٍ عصريةٍ، ومستلزماتُ الموائدِ الرمضانيةِ من صحونٍ وأكوابٍ ذاتِ نقوشٍ مميزةٍ وعباراتٍ رمضانيةٍ، مؤكّدًا أنّ الأسعارَ متنوّعةٌ؛ بحيثُ تكونُ في متناوَلِ جميعِ الأُسرِ.
أمّا الأسعارُ، فيؤكّدُ أن الأسعارَ متفاوتةٌ، فيستطيعُ الجميعُ الاحتفالَ، وتزيينَ منازلِهم وجلساتِهم العائليةِ، وإدخالَ الفرحِ على قلوبِ الأطفالِ، مبيّنًا أنّ هناكَ زينةً تبدأُ من دولارٍ ونصفٍ، وهناكَ فوانيسُ يصلُ سِعرُها إلى مائةِ دولارٍ، منوّها أنّ في السنواتِ الماضيةَ كان شراءُ الزينةِ معتدلٌ؛ ولا يَشملُ كُل البيوتِ الغزيةِ؛ إلّا أنّ هذا العامَ هناك حالةٌ من الهَوسِ التامِّ في شراءِ الزينةِ؛ وتجديدِها وتطويرِها! بل اتّسعتْ رقعةُ ما يُمكِنُ تَزيينُه.
رواياتٌ عدّة
ويستدركُ: في السنواتِ الماضيةِ كانت الزينةُ مقتصِرةً على بعضِ حبالِ الإضاءةِ فقط؛ لكنها اليومَ تمتدُّ من الإضاءةِ إلى الأثاثِ والشراشفِ والوسائدِ؛ ثُم أدواتِ الطعامِ، ثُم أصنافُ الضيافةِ وأطباقُها، والكثيرُ الكثيرُ التي لا يُمكنُ الإلمامُ بها؛ إلّا أنّ النساءَ يُجيدونَ شراءَ جميعِها على الرغمِ من الظروفِ الصعبةِ.
وعن أصلِ زينةِ رمضانَ، بحَسبِ مُدَوَّنة “الكيدرا” المختصةِ؛ فإنّ فانوسَ رمضانَ من أهمِّ وأشهرِ رموزِ الشهرِ الجميلِ، وهو جزءٌ لا يتجزأُ من زينةِ ومظاهرِ الاحتفالِ بقدومِ الشهرِ المباركِ، ومعنَى كلمةِ “فانوس” يعودُ إلى اللغةِ الإغريقيةِ التي تَعني أحدَ وسائلِ الإضاءةِ، كما يُطلَقُ على الفانوسِ في بعضِ اللغاتِ إسمَ “فيناس”، ويذكرُ أحدُ المؤلّفينَ؛ ويُدعَى “الفيروز أبادي”؛ مؤلفُ كتابِ القاموسِ المحيطِ؛ إلى أنّ أصلَ معنَى كلمةِ “فانوس” هو (النمّام) لأنه يُظهرُ صاحبَه وسطَ الظلامِ!
وعن بدايةِ استخدامِ الفانوسِ، يوجدُ عدّةُ رواياتٍ بهذا الشأنِ منها؛ أنّ الخليفةَ الفاطمي؛ كان دائمًا ما يَخرجُ إلى الشارعِ في ليلةِ رؤيةِ هلالِ رمضانَ لاستطلاعِ الهلالِ، وكان الأطفالُ يخرجونَ معه؛ ويحملُ كلٌّ منهم فانوسًا ليُضيئوا له الطريقَ، وكانوا يتغنونَ ببعضِ الأغاني التي تعبّرُ عن فرحتِهم بقدومِ شهرِ رمضانَ.
وروايةٌ أخرى؛ وهي أنّ أحدَ الخلفاءِ الفاطميينَ أرادَ أنْ يجعلَ كُلَّ شوارعِ القاهرةِ مُضيئةً طوالَ ليالي رمضانَ؛ فأمرَ شيوخَ المساجدِ بتعليقِ فوانيسَ على كُلِّ مسجدٍ؛ وتَتمُ إضاءتُها بالشموعِ.
وفي روايةٍ أيضًا تشيرُ إلى أنه لم يكنْ يُسمحُ للنساءِ بالخروجِ؛ سِوَى في شهرِ رمضانَ؛ فكُنَّ يَخرُجنَ ويتَقدّمُ كلَّ امرأةٍ غلامٌ يحملُ فانوسًا ليُنبّهَ الرجالَ بوجودِ سيدةٍ في الطريقِ؛ حتى يَبتعدوا ويتيحوا للمرأةِ الاستمتاعَ بالخروجِ؛ ولا يراها الرجالُ في نفسِ الوقتِ، وحتى بعدَما أُتيحَ للمرأةِ الخروجُ بعدَ ذلكَ؛ ظلّتْ هذه العادةُ متأصِلةً بالأطفالِ، حيثُ كانوا يَحملونَ الفوانيسَ؛ ويطوفونَ ويُغنّونَ بها في الشوارعِ.