كراكيبُ العقولِ قاتلةٌ
لما يكون في بيتنا كراكيب بضيقنا؛ وبنحاول بقدرِ المستطاع نتخلّص منها؛ وفي بعض الكراكيب ما بهون علينا نتخلّص منها! بتعِز علينا برغم عدم الاستفادة منها؛ نبقيها لمُجرد الاحتفاظ فيها لأنها من شخص قريب منّا؛ رُبما تذكّرنا بأيام جميلة؛ وبعضها بحمل ذكريات.. لكنْ مع العمر بتتكوّم وما بكون لها لازمة؛ ومع الوقت بصير لها أثر سلبي على النفس؛ وبتخلق طاقة سلبية في البيت؛ بتسحَب منه الطاقة الإيجابية، والأجواء المريحة، وبنشعر بضيق وتعكير المزاج .
ومِتل ما في كراكيب في بيوتنا؛ في كراكيب في عقولنا ونفسيتنا؛ بتتراكم مرّة على مرة؛ من موقف على موقف؛ لحتى تعمل مخزن جواة العقل وتحوَشها؛ بتكتف عقولنا عن العمل والانطلاق؛ بتخلينا عاجزين عن التواصل مع الآخَرين؛ بتخلينا في زاوية مغلقة عن المجتمع؛ بتقتل أجمل ما فينا على البطيء؛ وبتتعبنا وبتغيّر مزاجنا؛ وبتفقدنا جمال الأشياء ..
الكراكيب حصيلة أحداث وأشخاص بنخزّنهم في ذاكرتنا؛ ما عِنا ثقافة التخلّص منها؛ وما بنكتفي إنها أخدت منا ومن عمرنا وصحتنا وأجمل سنين حياتنا.. أثّرت فينا؛ وأوجعتنا.. بالعكس، إحنا بنخلّيها ساكنه داخلنا؛ لنقتل أنفسنا مرات عديدة؛ بكراكيب محفورة دون أنْ نشعر .
عجبًا لكراكيب عقولنا! كيف تؤثر فينا! وتضعنا في دائرة الماضي! وترجّعنا لمواقف نسيناها! ولكن بلَمح البصر تعود وتحضر لموقف مشابِه؛ أو لحَدث يرجعك للوراء ألف خطوة مع أشخاص تستغرب من تفكيرهم، وردات أفعالهم، ولاعتبارات كثيرة تمنع نفسك من اتّخاذ قرار، أو ردّة فعل؛ كي لا تخسرهم؛ هنا تبدأ الكراكيب العقلية تجلدك؛ ما إنت ما تعلّمت من السابق! ما استفدت من تجربة مررت فيها! ما وضعت حدّ لكيفية الردّ! كان لازم تتمالك نفسك؛ تعرف كيف ترد، هالكراكيب بتكون جوّاتنا؛ لكن ما بنتعلم منها؛ ونستفيد من وجودها في تجارب الحياة .
أحيانا كثيرة نحتاج لتخلّص من تلك الكراكيب، نحتاج أن نتقن فن الحذف من ذاكرتنا بشكل دائم، عقولنا لا تحتاج لكراكيب المواقف السيئة والمؤلمة؛ لأنها ستحوّلنا لأشخاص سلبيّين متذمّرين متشائمين؛ نرى الدنيا بالعين المعتمة؛ تُفقدنا الاستمتاع بحياتنا؛ تجعلنا أسرى لأحزاننا دون أنْ نشعر؛ وبدليل مواقف كثيرة يتغيّر مزاجنا للأسوأ؛ برغم عدم حدوث شيء؛ رُبما لسماعنا كلمة أو موقف مررنا فيه؛ ونتساءل بين أنفسنا؛ مالنا شو صار! ولكن تلقائيًا مخزون كراكيبك الداخلية يؤثر على طاقتك؛ وهذا كفيل لقلب مزاجك، وتعكير صَفوك .
علينا فعليًا أنْ نتخلصَ من كراكيب عقولِنا؛ كما نتخلصُ من كراكيب بيوتِنا؛ فالحياةُ ومسؤولياتُها وأعباؤها ومشاكلُها؛ ليس فيها مُتّسَعٌ لتجديدِ الحزنِ على المواقفِ القديمةِ؛ عندَ كلِّ ألم يصادِفُك.. ليس فيها متَّسَعٌ لنَدمٍ على ما فات.. ليس هناك وقتٌ لتعيشَ حياتَك.. لتُعطي فُرصًا؛ وتفتحُ صفحاتٍ مع الأشخاصِ الغلطِ.
الحياةُ تحتاجُ إلى فنِّ التكتيكِ، والدبلوماسيةِ في التعاملِ مع كلِّ العقولِ والمواقفِ، تحتاجُ إلى الذكاءِ الاجتماعي كثيرًا؛ لننطلقَ ونعيشَ وفقَ ما يحقّقُ الراحةَ لذواتِنا، والسعادةَ لحياتِنا؛ لنتعلّمَ أنْ نبحثَ عن الفرحِ، ونسعَى إليه كي يَطرُقَ أبوابَنا .