Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

على أي قاعدة سنحصل فاتورة حقوق النساء

شكّلتْ المرأةُ الفلسطينيةُ _ولا تزالُ_ حالةً فريدةً؛ تكاملتْ فيها الأدوارُ والأهدافُ، الأمومةُ مع الوطنيةِ، بلَوحةٍ مِدادُها الحبُّ، والعطاءُ، والتضحيةُ، والفداءُ، وجمعتْ بينَها بِحِرفيةٍ بالغةٍ، وبتوازنٍ عجيبٍ؛ حيثُ أدركتْ مبكرًا دورَها في خدمةِ مجتمعِها؛ كما أدركتْ أنّ الاحتلالَ الصهيوني هو أكبرُ عائقٍ في نهضةِ بلدِها ومجتمعِها.

حَدّدتْ أولوياتِها؛ فكانت تربيةُ الأبناءِ شُغلَها الشاغلَ؛ إيمانًا منها بأنّ غرْسَ القيمِ عندَ الأبناءِ، وتربيتَهم تربيةً صالحةً؛ مُهمّةٌ لتحقيقِ الغايةِ الكبرى؛ لبناءِ جيلٍ يكونُ عمادَ الأُمةِ للتحريرِ، وكانت مُناهضةُ، ومقاومةُ الاحتلالِ وكَنسُه، ومعالجةُ مخلّفاتِ مرحلةٍ مظلمةٍ من تاريخِ شعبِنا؛ ثانيَ هذه الأولوياتِ، فنَحَّتْ مَطالبَها الحقوقيةَ، وقضاياها الداخليةَ لِما بعدَ الاحتلالِ، وشاركتْ حتى اليومَ في كلِّ مراحلِ النضالِ الفلسطينيّ.

بعدَ قيامِ السلطةِ الفلسطينيةِ؛ اختلطتْ المفاهيمُ..، وعاشتْ المرأةُ مرحلةً من التّيهِ والجدلِ ما بينَ دولةٍ، وشِبهِ دولةٍ، ومرحلةً كبيرةً عنوانُها المطالبةُ أو الانتظارُ، فالمَطالبُ كبيرةٌ، وآلياتُ وإمكاناتُ الاستجابةِ والتنفيذِ دومًا محدودةً.

ومن هنا بدأ الفكرُ النسوي الغربي يَدقُ أبوابَها بقوةٍ عبرَ مؤسَّساتٍ جلبتْ هذا الفكرَ وأسقَطتْهُ على مجتمعِنا دونَ مراعاةٍ لثقافتِنا الحضاريةِ، ومَوروثاتِنا الاجتماعيةِ، وشريعتِنا الإسلاميةِ، وخصوصيةِ حالتِنا الفلسطينيةِ، فكانت “سيداو” وقرارُ (1325)، وقانونُ حمايةِ الأسرةِ؛ وهي مجموعةٌ من القوانينِ والمواثيقِ التي تمَّ الترويجُ لها كمُخلّصٍ للمرأةِ من عذاباتِ مجتمعٍ ذكوريّ، ونحنُ قد نتوافقُ مع بعضِ بنودِها لتَمكينِ المرأةِ، ونختلفُ مع بعضِ البنودِ الأُخرى؛ التي تَجاوزتْ الشرعَ الإسلاميّ، وطبيعةَ المرأةِ.

 إلّا أنّ هذه المؤسَّساتُ فشِلتْ في إحداثِ تغييرٍ حقيقٍ في واقعِ المرأةِ، كما فشلتْ في محاسبةِ الاحتلالِ على كلِّ جرائمِه ضدَّ المرأةِ الفلسطينيةِ، كما أنها لم تُحقّقْ انتصاراتٍ كبيرةً في فرْضِ وجودِها في مراكزِ صُنعِ القرارِ، ورغمَ الموازناتِ التي تَتدفّقُ لتمكينِ المرأةِ؛ إلّا أنَّ مشكلاتِها في تزايُدٍ.

فكان الدورُ الأسريُّ، والذي يشملُ علاقةَ المرأةِ بالأسرةِ من حيثُ الزواجِ، والإنجابِ، والتربيةِ، وإدارةِ البيتِ، وبناءِ الأسرةِ التي هي نواةُ وعمادُ المجتمعِ، من أكثرِ الأدوارِ التي تعرّضتْ للنقاشِ والجدلِ، وفي هذا المقالِ الذي يأتي في يومِ المرأةِ العالمي؛ أردْنا أنْ نوَضّحَ الأسبابَ والأفكارَ التي غذّتْ الجدَلَ حولَ هذا الدورِ الذي ينبغي أنْ يكونَ الأولويةَ في ظِلِّ ممارساتِ الاحتلالِ، واستخدامِه كافّةِ الأدواتِ لضَربِ أُسسِ المجتمعِ، وتفكيكِ روابطِه.

مع تصاعدُ الفكرِ المادي، وغلَبةِ فكرةِ الحقِّ الفردي على الحقِّ الجماعي؛ دفعتْ بعَددٍ من المفاهيمِ إلى تَحولاتٍ مختلفةٍ لمواءمةِ الرؤيةِ الجديدةِ للعلاقةِ بينَ الذاتِ والآخَرِ؛ فالمرأةُ هي ذلكَ الفردُ -لا العضوَّ- في أُسرةٍ، ومن ثَمَّ يتِمُ التركيزُ على حقوقِها؛ استنادًا إلى الحالةِ التعاقديةِ وإمعانًا فيها، من هنا بدأ ازدراءُ “الأمومة”؛ كَونَها لا تَتفِقُ مع التعاقدِ، ومن هنا كان العزوفُ عن “الإنجابِ”، أو حتى الزواجِ، والتهاونُ في الطلاقِ لصالحِ تحقيقِ الذاتِ، وحسابُ المَكاسبِ والمخاسرِ من الحياةِ الزوجيةِ.

وأصبحَ العملُ المنزليّ لا قيمةَ له؛ إلّا إذا صار بِمقابلِ..، بل واعتبارُه ظلمٌ واقعٌ على المرأةِ، وبدَتْ العلاقةُ بين الرجلِ والمرأةِ كثيرًا ما تمَ تصويرُها على أنها علاقةٌ تَناحُريةٌ.

نَتفِقُ أنّ المرأةَ كائنٌ اجتماعيٌّ مضطَّلعٌ بدَورٍ ووظيفةٍ اجتماعيةٍ؛ وهي تسعَى دائمًا لتحقيقِ قدْرٍ من العدالةِ الحقيقةِ داخلَ المجتمعِ؛ بحُيثُ تنالُ ما تطمحُ إليه كإنسانٍ من تحقيقٍ للذاتِ، والحصولِ على مكافأةٍ عادلةٍ لِما تقدّمُه من أعمالٍ.

ولكنّ تحصيلَ الحقوقِ على أيِّ قاعدةٍ؟

على قاعدةِ التراحمِ والمودّةِ؛ فإنّ العلاقاتِ بينَ البشرِ علاقةٌ إنسانيةٌ بالدرجةِ الأولى؛ فيها الكثيرُ من الأبعادِ غيرِ الماديةِ، أيْ لا تتأسّسُ على المنفعةِ الشخصيةِ وحدَها.

فالتراحمُ يبني الكثيرَ من القيمِ الأخلاقيةِ داخلَ الأسرةِ والمجتمعِ؛ كالترابطِ والتعاونِ والإيثارِ؛ وهو ما نحتاجُه لبناءِ مجتمعٍ قويٍّ قادرٍ على الصمودِ في وجهِ الاحتلالِ ومشكلاتِ الحياةِ.

إنّ انتزاعَ المرأةِ من محيطِها، والتعامُلَ مع قضاياها من مُنطلَقِ الحقِّ الفردي؛ يضربُ أُسُسَ المجتمعِ؛ لذلكَ علينا التعاملُ معها بما يَضمنُ تكامُلَ العلاقاتِ وتَوازنَ الأدوارِ.

لقد أصبحَ الاهتمامُ بدَورِ المرأةِ العاملةِ مُقابلَ إهمالِ دَورِ الأمِّ _على اعتبارِ أنّ وظيفةَ الأمومةِ، وتنشئةِ الأطفالِ، والأعمالِ المنزليةِ لا يُمكنُ حسابُها بدِقّةٍ، ولا تنالُ عليها أجرًا نقديًّ؛ فيَتمُ التعاملُ معها بِدونيةٍ.

إنّ كلَّ ما سبقَ؛ زادَ من حِدّةِ المشكلاتِ؛ فزادتْ نِسبُ الطلاقِ، وتدميرِ الأُسرِ؛ لذلكَ علينا  تعزيزُ الأدوارِ الحاليةِ للمرأةِ، وتطويرُها بما يتناسبُ مع دينِنا وحضارتِنا، وخاصةً الأُسري ، و دراسةُ احتياجاتِ النساءِ ومشكلاتِهنّ، ووضعِ الخُططِ والرؤى بناءً على هذه الدراسةِ ، و رفعِ وَعيِ المرأةِ وثقافتِها وتأهيلِها لوضعِ رؤيةٍ واضحةٍ لحَلِّ قضاياها وإدارةِ مؤسساتِها، تدريبُ النساءِ على طرُقِ حلِّ المشكلاتِ ، والإلمامِ بفِقهِ الموازناتِ ، تعزيزُ منظومةِ القيمِ التي تُكسِبُ الجهدَ التطوعيّ قيمةً؛ سواءً داخلَ الأسرةِ أو المجتمعِ ، إنشاءُ شبكاتٍ لأمانِ المرأةِ ، وتكوينُ خبراءَ في التحكيمِ لحَلِّ النزاعاتِ الأسريةِ،  تقديمُ خطابٍ إعلاميٍّ للمرأةِ؛ يُعزّزُ قِيمَ التراحمِ وأولويةِ الأسرةِ ، والشراكةِ الحقيقةِ بينَ المرأةِ والرجلِ على قاعدةِ المحبةِ والمودّةِ، وليس الندِّيةَ والصراعَ .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى