مرآتي
سيّدة كل الأيام
يحضرني في هذه الأيام موقف العالم، والمجتمع، والرجال من وجود المرأة على هذا الكوكب، موقف أشبه ما يكون بمواقف مجلس الأمن، وحلف الناتو، والأمم المتحدة، والجامعة العربية!
(يوم المرأة)، ونصوص طويلة من الخطب والبيانات، هاشتاغات وحملات، جمعيات ومؤسسات، قرارات وإجازات، والكثير من الكلام منمق المظهر، فارغ المضمون، ينسِفها خبر لسيدة قُتِلت ظلماً على يد أقرب الناس إليها، ومشروع قانون من صلب الشريعة لا يزال معلّقاً في رقبة التشريع، وحوادث مجتمعية تُلزِمها بما لا يلزم وتحمّلها ما لا يُحتمل!
وينسفها قول رجلٍ كهل بعين دامعة في استطلاع رأي سريع: هي كلّ حياتي، بلسم قلبي الذي يخفق، ونور عيني الذي أبصر به، لا يصفها كلام ولا يكافئها ثمن، خذوا من عمري وأعطوها..لا تريد المرأة يوماً، تريد حياة
أوروبا “المتحضّرة”
في غمرة الأحداث الأخيرة كُشِف النقاب عن الوجه الحقيقي للقارّة العجوز الشمطاء، التي اختبأت طوال عقود خلف قناع وجه شاب جميل، ورفعت شعارات رنانة كالحرية، والتنوع، والديمقراطية، والعدالة، والمساواة، ورغم أننا نعلم حقيقة هذه اللعبة، إلا أنها طالما كانت مخفيّة عن العلن إلى حدّ كبير، وكنا على يقين أن أوروبا وجارتاها شرقاً وغرباً، لا تعترف بما تقوله إذا خرج عن إطار حدودها الجغرافية، لكن الطريقة البشعة التي انكشف بها هذا الوجه كانت مفاجئة، مع سرعة انهيار القناع عند أول حادث اعتداء من نيران صديقة، وأول اقتتال بين طرفي معسكرهم الخاص!
كل العنصرية المقيتة والازدواجية الصريحة والحقد الأعمى انفجر تحت وطأة صدمة الوعي الجمعي بحقيقة أن الحرب قد تطال (الأعراق السامية) وليس فقط سكان أفريقيا والشرق الأوسط!
كل هذا يذكرنا بماضي أوروبا وجاراتها الأسود الذي يبدو أنها نسيته أو تناسته في غمرة التحضر، بعصور الظلام في القرون الوسطى، وصنعة الحروب العالمية التي ابتدعوها ودمرت أغلب بلدانهم، بعنصرية اللون والدين داخل أصحاب الجنسية الواحدة، وإن كانوا قد نسوا كيف اكتسبوا هذا المظهر المصقول، ومن أين اكتسبوه، فإننا لم ننس، والتاريخ لم ينسَ، التاريخ الذي يبدو أن يستعد الآن ليعيد نفسه!
هيّن ليّن
كنت كلما رأيت المبتلين، ووقفت على آلام وهموم الناس، تذكرت ما أعدّ الله للصابرين منهم، ومقدار حبه لهم بأن صفاهم من ذنوبهم باستمرار، ونفى عنهم تعلقهم بالدنيا، وادّخر لهم طيباتهم للآخرة ولم يجعلهم من الذين أذهبوها في حياتهم الدنيا..
لكن مع الوقت، رأيت نوعاً آخر من المحظوظين، ليسوا بالضرورة من أصحاب البلاءات والهموم العظيمة، أشخاص سَلِسون كسلاسة حياتِهم خفيفةِ الوقع عليهم وعلى غيرهم، يمشون على الأرض هوناً، يحمدون الله على النعم التي تحفّهم، ويتقاسمونها مع من حولهم، لا يشكون اضطراباً، ولا يطغيهم استقرار، ينظرون للدنيا نظرة شاملة، تمكنهم من أن يقفوا على المعاني الكبرى، لا الأحداث الشخصية، سمحين إذا تحدثوا، سمحين إذا باعوا، أو اشتروا، يحفظون أعينهم داخل حياتهم، ولا يُعمِلون ألسنتهم إلا فيما يعنيهم، غضبهم هيّن، ورضاهم ليس باهظاً، متسعي الصدور، رقيقي القلوب..
لهؤلاء نصيب من الحب والفضل والأجر، أثبته الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في قوله: “حُرّم على النار كل هيّن ليّن سهل قريب”.