“مبادراتُ فَرزِ النُّفايات”.. سياسةٌ جديدةٌ لتقليلِ كميةِ النفاياتِ الصلبةِ في غزة

عملياتُ فرزِ النفاياتِ، وإعادةِ التدويرِ، ثقافةٌ دوليةٌ باتت مَحطَّ الدراسةِ والاهتمامِ من كافةِ المستوياتِ، وباتت تخضعُ لمَعاييرَ دقيقةٍ؛ تشرفُ عليها هيئاتٌ ومؤسّساتٌ متخصّصةٌ، ولاسيّما أنّ المخلّفاتِ تشكّلُ تهديدًا للبيئةِ؛ وتنعكسُ تداعياتُها على الحياةِ الاجتماعيةِ والصحيةِ للأفرادِ.
بلديةُ غزة تحاولُ أنْ تلتحقَ بركبِ التخلصِ من النفاياتِ بطريقةٍ سليمةٍ؛ وذلكَ من خلالِ تطبيقِها لمشروعِ فرزِ النفاياتِ؛ لكنْ ضِمنَ تَجمّعٍ سكنيٍّ بما يتلاءمُ مع إمكانياتِها.. لِذا طبقتْ المشروعَ على منطقةٍ سكنيةٍ معيّنةٍ.
ثلاثُ حاوياتٍ
داخلَ منطقةِ أبراجِ “تلِّ الهوى”؛ تشاهدُ ثلاثَ حاوياتٍ بألوانٍ مختلفةٍ؛ تَحملُ كلٌّ منها علامةً خاصةً؛ تُدلّلُ على نوعِ المحتوَى الموجودِ فيها، أمامَ كلِّ برجٍ سَكني، ومثلَها ثلاثًا بحجمٍ أصغرَ أمامَ كلِّ شقّةٍ سكنيةٍ، اللونُ الأخضرُ للنفاياتِ العضويةِ؛ مِثلَ بقايا الطعامِ، واللونُ الأزرقُ للنفاياتِ غيرِ العضويةِ؛ مِثلَ البلاستيكِ، والورقِ، والحديدِ، فيما تمَّ تخصيصُ اللونِ الأصفرِ للمخلّفاتِ التالفةِ مِثلَ الكماماتِ.
المهندسُ “أكرم طموس”؛ صاحبُ فكرةِ المبادرةِ يقولُ لـ “السعادة”:” فكرةُ المبادرةِ تقومُ على فرزِ النفاياتِ في المنازلِ والشققِ السكنيةِ، ومن ثَم إعادةُ تدويرِ النفاياتِ الصلبةِ بطريقةٍ علميةٍ خادمةٍ للبيئةِ بالدرجةِ الأولى؛ وذلك من خلالِ تصنيفِها “نوعيًا” في حاوياتٍ مخصَّصةٍ.
ويضيفُ: في البدايةِ كان البحثُ عن جهةٍ تنفّذُ المبادرةَ أمرًا مرهِقًا؛ خاصةً وأنت تُقنعُ هذه المؤسساتِ بأهميةِ النفاياتِ، وإمكانيةِ استثمارِها بشكلٍ يعودُ بالنفعِ على المواطنِ، والمجتمعِ، والبيئةِ معًا، والتي بدَورِها لم تقتنعْ بإمكانيةِ تنفيذِ الفكرةِ بشكلٍ واقعي، حتى وصلت إلى بلديةِ غزة.
في بلديةِ غزة، كان الوضعُ مختلفًا تمامًا؛ فقد وجدتْ فيها البلديةُ حلًا سحريًا للاستفادةِ من النفاياتِ؛ فخُصَّصَ مبلغُ (600) شيكل لتجربةِ الأمرِ على بُرجٍ سكني واحدٍ، ونتيجةً لبوادرِ نجاحِ الفكرةِ، أقرضتْ البلديةُ الشابَّ وفريقَه (6000) شيكل لتعميمِها على المزيدِ من الأبراجِ.
ويضيفُ: “المسألةُ لم تَخلُ من التعبِ وعملياتِ الإقناعِ، والشرحِ، والتوعيةِ للمواطنينَ من سكانِ هذه الأبراجِ؛ لإقناعِهم بالفائدةِ التي يمكنُ أنْ تعودَ عليهم حالَ نجحَ الأمرُ، إضافةً إلى متابعةِ سيرِ التنفيذِ، وهل المواطنُ يستخدمُ الحاوياتِ بشكلٍ سليمٍ أم لا؟
ولتعزيزِ قناعةِ السكانِ وتحفيزِهم للمبادرةِ؛ بدأَ الفريقُ _بالتوافقِ مع البلديةِ_ بحسابِ نقاطٍ لكُلِّ مواطنٍ يُسلّمُ النفاياتِ مفروزةً حسبَ نوعِها، وفي نهايةِ الشهرِ يتمُ احتسابُ النقاطِ، والاستفادةُ منها بتسديدِ فاتورةِ المياهِ، أو الكهرباءِ، أو حتى استلامِها بشكلٍ نقديٍّ.
في حين تبدأُ المرحلةُ الثانيةُ بتجميعِ النفاياتِ في مكبِّ اليرموكِ؛ “كلُّ نوعٍ على حِدة”؛ قبلَ أنْ يتمَّ توزيعُها حسبَ النوعِ أيضًا.
معيقاتٌ واضحةٌ
نجحَ “طمّوس” وفريقُه بتوسيعِ نطاقِ العملِ؛ بعدَ حصولِهم على تمويلٍ بقيمةِ (25) ألفَ دولار؛ إذِ امتدَّ العملُ بالفكرةِ ليشملَ (22) بُرجًا سكنيًا؛ بالإضافةِ إلى الجامعةِ الإسلاميةِ، وبلديةِ غزة، ومركزِ القطّان.
ويسعَى الشابُّ في حالِ تخطِّي المعيقاتِ التي تواجِهُ المبادرةَ، إلى تعميمِ التطبيقِ الذي يحملُ اسمَ المبادرةِ ذاته، “إذ يمكّنُ المواطنينَ من التواصلِ مع فريقِ العملِ لإرسالِ العمالِ التابعينَ للمبادرةِ، من أجلِ استلامِ النفاياتِ المفروزة”.
وبالعودةِ إلى المعيقاتِ التي تواجِهُ توسيعَ نطاقِ المبادرةِ وتعميمِها بشكلٍ أكبرَ؛ يقولُ طموس: “بعدَ عملِنا لعِدةِ شهورٍ، وخلالَ متابعتِنا لطبيعةِ النفاياتِ؛ لاحظْنا أنّ ما يعادلُ نسبةَ (70%) من نفاياتِ المنازلِ هي من النفاياتِ العضويةِ، وهي ذاتُها التي تُواجِهُنا معيقاتٌ في إعادةِ تدويرِها، في ظِلِّ افتقارِ قطاعِ غزة لأيِّ مصانعَ يُمكِنُها إعادةُ تدويرِ النفاياتِ العضويةِ، وتحويلُها إلى أسمدةٍ على سبيلِ المثالِ”.
ويرى “طمّوس” أنّ الحلَّ يكمنُ في دعمِ الحكومةِ للمصانعِ والأفرادِ المَعنيّينَ باستخدامِ النفاياتِ في صناعةِ الأسمدةِ أو الزجاجِ؛ مقابلَ وقفِ استيرادِ المنتَجاتِ المماثِلةِ؛ “وهذا بدَورِه سيُحرّكُ عجلةَ الاقتصادِ، ويجعلُنا قادرينَ على استثمارِ كلِّ النفاياتِ، وحمايةِ المواطنينَ من الآثارِ البيئيةِ والصحيةِ السيئةِ، التي تسبِّبُها مكبّاتُ النفاياتِ”.
التوعيةُ مطلوبةٌ
من جانبِها أوضحتْ رئيسُ قسمِ المبادراتِ والأنشطةِ المجتمعيةِ “أمل الحاج أحمد” ؛ أنّ البلديةَ وقّعتْ عدّةَ اتفاقياتٍ لإنجازِ مشروعِ فرزِ النفاياتِ من المصدرِ أبرزها؛ اتفاقيةُ تعاونٍ مع أبراجِ تلَّ الهوا، واتفاقيةُ تعاونٍ مع الجامعةِ الإسلاميةِ.
وبيّنتْ أنه تم أيضاً توقيعُ اتفاقيةِ توعيةٍ لسكانِ أبراجِ “صلاح خلف” شمالَ غربِ المدينةِ، والبدءِ في فرزِ النفاياتِ من المصدرِ، ودعمِ واحتضانِ مبادرةِ “سلّة بلدنا” لجمعِ وترحيلِ النفاياتِ غيرِ العضويةِ، كما تمَّ إقامةُ مخيمٍ صيفيّ توعَويّ بمشاركةِ (100) طفلٍ في منطقةِ “تلِّ الهوا” وشهدَ المخيمُ أنشطةً تثقيفيةً خاصةً بفَرزِ النفاياتِ.
وأشارت إلى تطبيقِ عمليةِ فرزِ النفاياتِ داخلَ مرافقِ البلديةِ؛ حيثُ تمَّ تنفيذُ حملةِ توعيةٍ لموظفي البلديةِ؛ لحثِّهم على فرزِ النفاياتِ داخلَ المكاتبِ، وتمَّ توزيعُ حاوياتِ الفرزِ في (15) منطقةً في المبنَى الرئيسِ، وكذلكَ تمَّ تنفيذُ أنشطةٍ ووُرَشِ عملٍ بالتعاونِ مع مؤسساتٍ مختلفةٍ تتعلقُ بفرزِ النفاياتِ.
ووفقاً لدراسةٍ تحليليةٍ أجرتْها البلديةُ على عيناتٍ من النفاياتِ المفرَزةِ؛ تبيّنَ أنّ تركيبةَ النفاياتِ تتوزعُ على النحوِ التالي؛ نسبةُ (59 %) من النفاياتِ عضويةٌ، ونسبةُ (26 %) غيرُ عضويةٍ، فيما بلغتْ الكميةُ التالفةُ نحوَ 15 %.