Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

شُكرًا “ريَّان”.. وحّدتَ قلوبَنا لنُوَحِّدَ صفَّنا

سَيلٌ عارمٌ من التعاطفِ في أرجاءِ المعمورةِ؛ إِثرَ الحادثِ المأساويِّ الذي أودَى بحياةِ الطفلِ ريّان أُورام؛ الذي سقطَ في بئرٍ “بجماعة تمروت، بنواحي شفشاون”، فقلوبُ المسلمينَ قاطبةً اجتمعتْ تبتهلُ إلى اللهِ أنْ يُسلِّمَ “ريان”، حتى تجلّتْ وحدةُ قلوبِ المؤمنينَ والألفةُ بينَهم، كيف لا وقد ألّفَ اللهُ بينَ قلوبِهم؛ ولو أُنفِقَ ما في الأرضِ جميعًا ما أُلِّفَ بينَهم، لقد وَحَّدَهم الهَمُّ والخاطرُ من أجلِ فردٍ واحدٍ؛ فتَمثَّلَ حديثُ رسولِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم: الذي يرويه النعمانُ بنُ بشير -رضي الله عنه- مرفوعاً: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى».

نَعم، رأينا كيفَ تمثّلَ وتجسَّدَ  حديثُ النبيِّ _صلّى اللُه عليه وسلّم_ بكُلِّ معانيهِ وجوانبِه  في حادثةِ الطفلِ ” ريّان”، وكيف ظهرتْ رحمةُ المؤمنينَ بعضُهم لبعضٍ، وتَواصُلُهم، وتعاونُهم، كَمثلِ الجسدِ بالنسبةِ إلى جميعِ أعضائهِ؛ إذا تأَلَّمَ منه عضوٌ  دعا بقيةَ أعضائه إلى المشارَكةِ في الهمِّ والوَجعِ، وما يَنتُجُ عنه من عدمِ النومِ، وحرارةِ الألمِ التي أصابتْ قلوبَ جميعَ المُوَحِدينَ..

نَعَم، حادثةُ “ريّان” _رَحِمَه اللهُ_ رأيّنا فيها ما هو راسخٌ في جسدِ الأُمةِ الإسلاميةِ من مشاعرَ صادقةٍ، وتعاطفٍ جميلٍ ونبيلٍ، وشعورٍ بالآخَرِ ومُعاناتِه.

رأينا كيف فازت معاني الإنسانية ومعاني الرحمة في أبهى معانيها .. ففي تعاطف من نوع آخر مع “ريان” من قلبِ فلسطين، أدّى فلسطينيونَ صلاةَ الغائبِ على الطفلِ “ريان”، في مبادرةٍ تعبِّرُ عن حجمِ التعاطفِ والحُبِّ والحزنِ أيضًا على وفاتِه، كما أُضيئتْ بعضُ أبراجِ العاصمةِ القطريةِ * الدوحة*، بصورةِ “ريان”، وقامَ صاحبُ أحدِ المطاعمِ القطريةِ، بتخصيصِ أرباحِه ليومينِ؛ صدَقةً جاريةً عن الطفلِ “ريان”، كما أطلقَ فلسطيني من سكانِ مدينةِ خانيونس، اسمَ “ريان” على مَولودِه، الذي رُزقَ به تيَمُنًّا بالطفلِ “ريان”.

ما أجملَها من صورةٍ جسّدتْ روحَ الأخوّةِ، والتضامنِ، والتعاونِ، والتعاضدِ، والتعاطفِ، والتلاحمِ؛ رغمَ كلِّ الفروقاتِ، والمعيقاتِ، والاختلافاتِ، والمسافاتِ؛ مع أنّ الحادثةَ جلَّت أيضًا حالةَ الانفصامِ في شخصيةِ الأُمةِ الإسلامية، فقبلَ أيامٍ قليلةٍ تَجمَّدَ أطفالٌ مسلمونَ حتى الموتِ بسببِ تهجيرِهم وظلمِهم، ونومِهم في خيامٍ  تَفتقِرُ لأدنَى مقوّماتِ الحياةِ، وسطَ أجواءٍ من البردِ الشديدِ، والعواصفِ الثلجيةِ، وتَجَبُرِ الطواغيتِ عليهم، ولم نحرّكْ ساكنًا لإنقاذِهم.

لكنْ رُبما جاءت حادثةُ “ريان” لتُذكّرَنا بأننا أمةٌ واحدةٌ، وهَمَّنا همٌّ واحدٌ، ومن الواجبِ علينا أنْ ننتبِهَ لأبنائنا، وأنْ نصنعَ المستحيلَ لإنقاذِهم من كلِّ خطرٍ داهِمٍ، إنْ كان من الغزوِ الفكري، أو من الفضاءِ الإلكتروني، ووسائلِ السيطرةِ غيرِ المباشِرةِ على سلوكياتِهم وقيَمِهم وأخلاقِهم، فقضايا أطفالِ المسلمينَ تحتاجُ منّا وقفةً جادّةً خاصةً قضيةَ اللاجئينَ المسلمينَ في أوربا؛ فَهُم مُستهدَفونَ بالدرجةِ الأولى من قِبلِ عصاباتٍ تدَّعي نفسَها أنها تعملُ وفقَ القانونِ لحمايةِ ورفاهيةِ الأطفالِ، فتأخذُ أبناءَ المسلمينَ من أهلِهم وتَفصِلُهم عن ذَويهِم، وتَفتِنُهم في دِينِهم، بحُجةِ حمايتِهم من التقصيرِ أو العنفِ الذي يقعُ عليهم من أهليهِم.

وتنتشرُ في الدولِ الأوروبيةِ العديدُ من المؤسَّساتِ الحكوميةِ المختصّةِ بمتابعةِ حالاتِ العنفِ ضدّ الأطفالِ، والتأكُّدِ من نموِّ الطفلِ داخلَ بيئةٍ صحيةٍ، وحصولِه على كاملِ حقوقِه من التغذيةِ والصحةِ.

وتأتي في صدارةِ تلكَ المؤسّساتِ التي أثارت جدَلاً من وقتٍ لآخَرَ مؤسَّسةُ “يوغندأمت” (Jugendamt) الألمانيةُ لرفاهيةِ الطفلِ، ومنظمةُ “كافكاس” (Cafcass) البريطانيةُ لدعمِ حقوقِ الطفلِ، ومركزُ “السوسيال” السويدي (Socialstyrelsen) المختَصُّ بالخدماتِ الاجتماعيةِ داخلَ السويد.

فحالاتُ أخذِ الأطفالِ العربِ والمسلمينِ عَنوةً من أهلِهم في ازديادٍ مستمرٍّ، فقد بلغَ عددُ الأطفالِ الذين نُزِعوا من أهليهِم؛ وسُحبتْ حضانتُهم من عوائلِهم أكثرَ من عشرينَ ألفِ طفلٍ في “السويد” وحدَها؛ ما تَسبَّبَ ذلك في إثارةِ الذُّعرِ لدَى أهلِ الأطفالِ من ممارساتِ تلكَ المؤسَّساتِ؛ وخاصةً أنهم حَديثو عهدٍ بالقوانينِ الأوروبيةِ.

في الختامِ.. شُكرًا لكَ يا “ريان”، فقبلَ رحيلِكَ قرّبتْ الملايينَ إلى خالقِهم بالذِّكرِ والدعاءِ، وأحييتَ فينا معنَى الأُمّةِ الواحدةِ، والبنيانِ الواحِد، وتركتَ رسالةً للعالمِ بأنّ المسلمينَ باتِّحادِهم أقوَى من مَكرِ الأعداءِ الساعينَ لِفُرقتِهم والهيمنةِ عليهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى