تَحمّلوا وخزاتِ الناسِ بِقدر
يُقالُ إنّ القنافذَ لا يمكِنُ أنْ يلتصقَ بعضُها ببعضٍ؛ فالأشواكُ التي تُحيطُ بأجسادِها الصّغيرةِ؛ تَكونُ حِصنًا منيعًا لها، ليس عن أعدائها فقط؛ بل حتى عن أبناءِ جِلدَتِها وفصيلتِها،فإذا أطلَّ فصلُ الشتاءِ برِياحِه المتواصلةِ؛ وبرودتِه القارصةِ؛ وأمطارِه الغزيرةِ؛ اضطّرتْ القنافذُ للاقترابِ والالتصاقِ ببعضٍ؛ طلبًا للدفءِ، والحفاظِ على حياتِها، مُتحمّلةً ألَمَ الوخزاتِ وحِدّةِ الأشواكِ، وكُلّما شعرتْ بالدفءِ؛ ابتعدتْ وتناثرتْ وارتاحتْ من ألمِ الوخزاتِ النّكِد؛ ذلكَ حتى تُعاوِدَ الشعورَ بالبردِ؛ فتُعاوِدَ كذلكَ الاقترابَ من بعضِها البعضِ مرّةً أخرى؛ وهكذا تقضي ليلَها بينَ اقترابٍ وابتعادٍ، والتصاقٍ ونفورٍ.
الاقترابُ الدائمُ يكلّفُها الكثيرَ من الجروحِ والندوبِ والألمِ، والابتعادُ الدائمُ يُفقِدُها حياتَها؛ ورُبَما تموتُ من شدّةِ البردِ.
وعلى ذاتِ المِنوالِ؛ فإنّ حياتَنا ومُكابدَتِنا وعلاقاتِنا بالناسِ؛ تعكسُ مِثلَ حالِ القنافذِ إيّاها، فلا نستطيعُ الاقترابَ والالتصاقَ الدائمَ، ولا يمكِنُ الابتعادُ على الدوامِ، فكُلٌّ مِنّا تُحيطُ به وبِغَيرِه أشواكٌ وآلامٌ، ولن يَحصُلَ على الدفءِ؛ ما لم يَحتمِلْ وخزاتِ تلكَ الأشواكِ والآلامِ، وكما يقولونَ بالعاميّة: “بِدَّك تعصر على حالك ليمونة أحيانًا”.
لِذا، فإنّ مَن ابتغَى صديقًا بلا عيبٍ؛ عاشَ وحيدًا، ومن اتَّخذَ زوجةً بلا نقصٍ؛ عاشَ أعزَبَ، ومن رضيَ بأخٍ دونَ مشاكلَ؛ عاشَ باحثًا..، ومن قَبِلَ قريبًا كاملاً؛ عاشَ قاطعًا لرَحِمِه، فالمطلوبُ مِنّا هو تَحمُّلُ أكبرِ قَدْرٍ ممكِنٍ من وخزاتِ الآخَرينَ؛ حتى نُعيدَ التوازنَ إلى حياتِنا؛ وبالتالي نستطيعَ أنْ نُمضيَ هذه السنواتِ المعدوداتِ لنا على وجهِ البسيطةِ.
إذا أردتَ أنْ تعيشَ سعيدًا؛ فلا تُدقِّقْ على كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، ولا تلهثْ لتفسيرِ كلِّ شيءٍ، ولا تجتهدْ في تحليلِ نفوسِ الآخَرينَ وحركاتِهم وتحرُّكاتِهم، فالذين اجتهدوا في تحليلِ الألماسِ؛ وجدوهُ فحمًا قاتمًا أسودَ! والذين قَتلوا أنفُسَهم بحثًا في اكتشافِ الآخَرينَ؛ وجدوهم بشَرًا يُصيبونَ ويُخطئونَ، ولم يُقدِّمْ ذلك في حياتِهم شيئاً؛ ولم يؤخّرْ ، بل زادهم همّا ونكداً وانشغالا.
فَلْنَكتَفِ بظواهرِ الناسِ؛ وبالخيرِ الذي يَخرجُ منهم، ولْنترُكْ خفاياهم لِربِّهم الذي خلقَهم وسَوّاهم، وكما يقولونَ: “لو اطَّلَعَ الناسُ على ما في قلوبِ بعضِهم؛ لَما تَصافحوا إلا بالسيوفِ”، فامنَحوا أنفُسَكم مزيدًا من راحةِ النفسِ، وطمأنينةِ القلبِ، وَوُدِّ الروحِ وجمالِ الفؤادِ.