بَلا منها “مَعلِش وبِهِمِّش” !
أتَّفِقْ جدًّا أنّ الحياةَ تحتاجُ إلى النفَسِ الطويلِ في التجاوُزِ والتجاهُلِ والتنازُلِ .. تحتاجُ إلى طولِ البالِ في التعاملِ والتصرّفِ، في مواقفَ كثيرةٍ كُنا نعتمدُ سياسةَ “المَعْلِش.. والبِهِمِّش..” يَلَّا حياة وِبدها تمشي؛ لكنْ للأسفِ كلَّفَتْنا الكثيرَ والكثيرَ من “صحتِنا، ونفسيّتِنا، وحياتِنا” ظنَّنًا أننا نبني حياةً كريمةً لنا؛ لكنّها أخذتْ مِنّا الكثيرَ.
وهنا نَرجع إلى مُربِّعِ الحدودِ الذي نَفتقِرُ إليهِ في كلِّ شيءٍ، نحن ننسَى أنفُسَنا حينَ نُحبِّ؛ فنُحبُّ بِلا حدودٍ، حينَ نُعطي نعطي بلا حدودٍ، حينَ نتَحمَّلُ الآخَرينَ نَتحَمَّلُهم على حسابِ أنفُسِنا؛ برغمِ سوءِ تصرُّفاتِهم وأنانيَّتِهم؛ إلا أننا نلتمسُ لهم الأعذارَ في كلِّ مرّةٍ من بابِ المَحبَّةِ والعِشرةِ، وحياة وبِدْها تِمشي، وبنِرجَع لكلمةِ (مَعلِش وبِهِمِّش) .
“معلش” في أحيانٍ كثيرةٍ كلَّفتْنا عُمرًا بأكمَلِه، خَسرْنا طاقتَنا وجمالَ رُوحِنا وضحِكتِنا واستمرارَنا في الحياةِ، كلمةُ (بِهِمِّشْ) كانت حاضرةً في الكثيرِ من المواقفِ، هي كلمةٌ عابرةٌ لا نَقفُ عندَها؛ لكنّها غيّرتْ فينا الكثيرَ؛ أفقَدَتْنا صَبرَنا وتَحمُّلَنا وطاقتَنا.. علينا أنْ نقفَ وقفةً جادّةً مع أنفُسِنا؛ ولا نستهينَ بها حتى مع أقربِ المُقرَّبينَ، نضعُ حدودًا لعطائِنا وحُبِّنا؛ حتى لا نَصِلَ لمرحلةٍ نكونُ استُنزِفَتْ كلُّ طاقتِنا؛ ولم يَعُدْ مُتَّسَعٌ لدَينا للحياةِ والعيشِ بسلامٍ .
جميلٌ أنْ نقدِّمَ ونَضعَ الأعذارَ والمُبرِّراتِ لغَيرِنا؛ لكنْ ليس على حسابِ أنفُسِنا، فحِينَ تُقابِلُكَ الحياةُ للتَّعامُلَ مع شخصٍ استمرَأَ تَنازُلاتَكَ وعطاءَكَ؛ وَعَدَّها استِحقاقًا عليكَ ؛ وقتَها عليكَ الانسحابَ الفَوري.. فمَن هانَ عليهِ أنْ يستبيحَ حُبَّكَ وعطاءَكَ وطِيبتَكَ وإنسانيَّتَك؛ لأنه تَعَوّدَ على الأَخذِ والراحةِ؛ فهو لم يُشغِلْ بالَه وتفكيرَه من أجلِ سعادتِكَ وراحتِكَ؛ ولم يُقدِّمُ لكَ المُمكِنَ والواجبَ؛ فهل سيُقدِّمُ لكَ المُستحيلَ حين تحتاجُ..! فهو فِعلاً لا يستحقُّ أنْ يكونَ في قائمةِ حياتِكَ .
نحتاجُ إلى أنْ نُدرِّبَ أنفُسَنا على إلغاءِ كلمةِ (مَعلِش، وبِهِمِّش، وحياة وبِدْها تمشي)؛ حتى نبقَى على قيدِ الحياةِ أحياءً لا أمواتًا؛ نعيشُ بِبقايا ما تبقَّى داخلَنا بعدَ استنزافِ تلكَ الروحِ والمشاعرِ والحُبِّ .
على هذهِ الحياةِ يجبُ أنْ نَتدرَّبَ كيف نقدّمُ؟ ومع مَن ولِمن..؟، أحيانًا نضطَّرُ إلى التجاهلِ في بعضِ المواقفِ؛ لكنْ لا يجوزُ التجاهلُ والتجاوُزُ على مواقفَ من أجلِ البقاءِ والقربِ؛ فمَن يُرِدْكَ يعرفْ كيف يحافظُ عليكَ ويحترِمَكَ ويهتمَّ بك، من يرِدْكَ يُقدّمْ من أجلِكَ.. ويَسعَ لإرضائكَ، ويشعُرْ بكَ دونَ أنْ تتحدّثَ، يقدّمْ لكَ دونَ أنْ تطلُبَ .
اجعلْ لنفسِكَ أولَوِيةً عن الجميعِ، ابْقَ في المكانِ الذي ترتاحُ فيه، ومع الأشخاصِ الذين تشعرُ معهم بالحُبِّ والوُدِّ والراحةِ بوجودِهم، لا أحدَ يُجبرُكَ أنْ تبقَى في مكانٍ لا ترتاحُ فيهِ، مكانٍ تشعرُ فيهِ بروحِكَ تنسحِبُ منكَ، اختَرْ مَن يقدّرُ شخصيَّتَكَ ويحترِمُها .
ويبقَى النصُّ الحلوُ من حياتِنا؛ حينَ نعرِفَ كيف نعيشُ “صح”؛ بالطريقةِ المُريحةِ، بالأشخاصِ “الصح”، والأسلوبِ “الصح”، إلْغِ “مَعلش، وبهمش، ويَلَّا نِمشي مع الناسِ الخطأِ الأنانيّينَ؛ إلْغِهم من حياتِك، وامسحْ وجودَهم حتى لا تخسرَ ما تبقَّى فيكَ، وتذكّرْ دائمًا أنتَ صديقُ نفسِكَ، وحبيبُها ودواؤها .