Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

مرآتي

على حرف

كُنت أعدّ طعاماً استخدمت فيه ليموناً، قطعت الليمونة نصفين، وأخذت أحدهما لأعصر منه قطرات، تأملت شكل نصف الليمونة الأصفر الطازج، فرأيت بعض بذوره بارزة نافرة للخارج، بالكاد تتمسك باللّب الحامض، بمجرد أن لمستها بيدي سقطت، ثم ضغطت على الليمونة بأصابعي لأستخرج عصارتها، فخرجت بعض البذور سريعاً، وبعضها بعد ضغط شديد، وبعضها ظلّ ملتصقاً في اللُب لم تفلح في طردها كل محاولات الضغط..

إنها صورة مصغرة للناس في هذه الحياة؛ بعضهم عند أقل شقّ في دائرته يهوي مستسلماً، وبعضهم يُرديه القليل من الضغط، وآخرون ينهزمون إذا عصرتهم الفتن أكثر، بينما أكرمهم لا يسقط مهما انكشف للأيام..

ما أصدق قوله تعالى: “ومن الناس من يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمئن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين”، بعض النماذج تشعرك تماماً بمعنى أن يُعبَد الله على “حرف”، تشعر أنه يعيش على الحافّة فعلاً، لا يحتاج سوى دفعة لينقلب..

وفي غمرة ذلك المعنى أيضاً، صورة مصغرة للأمل؛ فإن بعض إمكاناتك وإنجازاتك، لا تظهر إلا بالضغط، بل إن أكثرها مفاجأة يكون في أقصى درجات “العصر”!

 هبوط

لم يكن الشارع مختلفاً عن أي يوم آخر، لكنه كان مختلفاً عن نفسه، فهو لم يعد ما كان قبل قذائف الحرب الأخيرة، ومنذ تبدّلت الأرض غير الأرض هناك، اعتدنا على وجهها الجديد، وإن كان مشوهاً، ذلك اليوم، كنت قد اعتدت على الاختناق المؤقت الذي يصيبني كلما عبرت الطريق، لكنني لاحظت اختلافاً جديداً في ذلك الوجه الجديد للشارع الشهير الشهيد، المسمّى بالوحدة، كان يبدو عندما تقف على رأسه مقوساً من المنتصف كحدبة في ظهر رجل شاب، أو كهاوية في ملعب للأطفال! وسَطُ الشارع كان في وضع يشبه هبوط القلب لحظة سماعه هبوط الصاروخ.. ويبدو أننا لن نعتاد التغيير، مهما مرّت الأيام والأشهر.

 تربية

طفلة في سنواتها الأولى، طالبة في المرحلة الابتدائية، تسير محملة بالأمل في الطريق إلى المدرسة، كانت تأكل تفاحة تسليها في الدرب، أو تسدّ جوعاً لم يسعفها الوقت لتطعمه وجبة غنية، كانت تسير والتفاحة تتضاءل، حتى انتهت ولم يبق منها سوى “القمعة” التي يجب أن تُرمى، فأبقتها في يدها، وظلت تسير حتى وصلت مجمعاً للقمامة فألقتها فيه، استوقفني مشهدها وسط جموع الطلاب الذين يلقون على الأرض كل شيء، وإن لم يجدوا شيئاً مزّقوا كراساتهم ليلقوها! فكلّمتها وسألتها عن سبب فعلها ذلك، فشرحت كيف أنه من الضروري الحفاظ على النظافة..

حدّثني والدي ذلك المشهد البهيج اللطيف، الذي قد يبدو عادياً جداً، أو بديهياً جداً، أو مفترضاً جداً، لكنه دليل واضح على أن الثقافة العامة للأجيال تحتاج الكثير من التهذيب، وأن التنشئة والمبادئ منبعها البيت، وأن التطبيق شرطه الاقتناع، لأن البيئة المحفّزة على الإهمال حينها لن تفلح معه.

   أصحاب زمان

التقينا في عُرس أصغر أبناء عمّ حميم من أصدقاء الغربة الذين صاروا أهلاً، اجتمعنا بلهفة أخوة فرقتهم البلدان، وتقابلنا بقلوب عائلة يلتم شملها، تحدثنا كأن الزمن لم يمرّ والسنين لم تمضِ، سألنا عن الآباء والأمهات، واستدعينا الإخوة والأخوات، أعدنا تعريف أنفسنا وبعث الطفولة من جديد.. وقفت بنا الدقائق في عالمٍ آخر، تبادلنا فيه أسماءنا الأولى المجردة دون أبو فلان وأم علان، لأننا نسينا العمر جانباً، حين رأينا بعضنا بصورة البراءة يوم كنا في عمر أبنائنا..

انفضّ الجمع مضطراً، وودّعنا تلك الومضة الخاطفة من عالمٍ كالأحلام كنّا فيه أولئك الأطفال اللاهين الذين لا يعرفون من فلسطين في غربتهم سوى أخوّتهم فيها..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى