لا تفقدوا أحبابكم أحياء
يعتقد الكثيرون بأن الفقدان يكون بموت حبيب ، أو عزيز على قلوبنا ، ورغم تحقق ذلك في مواطن كثيرة إلا أن الفقدان الحقيقي أن تفقد أحبابك وهم حولك ، أن تشعر بغيابهم وهم موجودون ، أن تجد برودة مشاعرهم وأنتم في غرفة واحدة ، فالفقدان الحقيقي أن تشعر بموت أحدهم وهو حي يرزق ، يتنفس بلا روح ، هو موجود ولكنه غير حاضر ، أتعلمون وجع قلب أعمق من ، أن لا يتلمس الحبيب حبيبه ، أن يفتقد دفء أنفاسه وجميل همساته ، أن يجوب الصمت لحظات الخلوة ، ويغيب الأمان عن المكان والزمان ، أن لا تجد ما يقال .
أن تموت الذكريات وتوأد الحكايات ويموت الحب حيث ولد وترعرع بأيدي من زرعوه وسقوه من دمائهم قبل عرقهم ، ياه أتذكر تلك الفتاة الناعمة والأنيقة كلماتها الدافئة همساتها الخجولة خطواتها ، تقتل كل اللحظات بوحشية وتنسى كل الود والمودة .
وفارسها الهمام يتقدم بعيونه الذابلة ورجولته الدافئة ، ناظم الكلمات ومفجر الآهات ، يأتي اليوم مكسور الخاطر ذليل النفس ، يستجدي حباً قديما ، يلهث وراء ابتسامة مصطنعة مزيفة .
نسوا الفضل بينهما وساعات السهر الجميلة وليالي الأنس التي جمعتهم ولحظات مناجاة النجوم والتغني بجمال القمر ونزوله على الأرض يوم حضرت أو يوم زينت البيت بنورها وداست أقدامها جنبات البيت لتزيده بركة على بركة .
ليتجدد موسم القسوة والنكران ، الوجع والعصيان ، وكشف العورات ونبش المستور تحت عنوان العتاب والمعاتبة ، من يُحب يغفر ويتجاوز ، من عاش لحظات ود عليه أن يصونها .
ولا تعطوا مجالاً لتبدأ محطة فقد أولى ، فقدان لذات ونكران ، ويسود الضيق والصمت مكان السعة وجميل الكلمات ، ويغيب الحب او يُغيّب ، لتزداد الفجوات وتذرف العبرات في نهار وظلمات ، حزنا على ما قد سلف أو قل على ما قد قتل بأيدينا .
الفقدان بقدر الله وحكمه لا اعتراض عليه فالموت حق لا ننكره ، وواقع موجع أثره ، لكن الوجع الحقيقي من نصنعه نحن ، نضيع لحظات حب ودفء بانشغال ، بتعمد أو اهمال ، صونوا الحب بينكم وحافظوا على الود معكم .
بُنيتي :حافظي على بيتك بابتسامة ناعمة كجمال ثغرك ، وبريق عينيك ونعومة انفاسك ، وانت يا ولدي حافظ على حياتك الأولى –حبيبة القلب – وحياتك ومعاشك التي فيها واليها تسكن ، وارسم معالم حياة مملوءة بالعطاء المتبادل والتواصل ، كن رجلاً وأبأً ودوداً ، كوني له وطناً ترسو سفينته على شواطئك ، اياكم والفقد المتعمد فلا يدري أحدكم متى يكون الفقدان الأكبر ، والخسران المبين حيث لا رجعة ولا تراجع ، فماذا تصنع قبلة باردة على جبين ميت ، فمازال هناك وقت للعودة والاعتذار ، ولا تنسى أنك عبُد لكريمٍ اسمه الغفّار .