
تحقيق/السعادة
الزواجُ ارتباطٌ وثيقٌ؛ عندما يُقدِمُ عليه الطرَفانِ؛ يجبُ أنْ يكونَ لدَيهِما الشجاعةُ لتَحَمُّلِ كلِّ مسؤولياتِه وتَبِعاتِه، فالزوجانُ شخصانِ مختلفانِ، لكُلٍّ منهُما شخصيةٌ تختلفُ عن الآخَرِ، جمعَهما الحبُّ والمَودّةُ والرحمةُ؛ ولكنْ هذا لا يعني أنْ تكونَ حياتُهما خاليةً من المشكلاتِ؛ فالطبيعيُّ أنْ تُوجَدَ مشكلاتٌ..؛ كي يتعرّفَ الطرَفانِ على بعضِهما أكثرَ من الداخلِ؛ وهو ما يجعلُ العلاقةَ تستمرُّ أو تنتهي؛ ولكنْ هل وجودُ المشكلاتِ يعني تدَخُّلَ الأهلِ؟ متى يتدَخّلُ الأهلُ بينَ الزوجينِ؟ وما الحدودُ التي يجبُ أنْ يقفَ عندَها التدخُّل؟
التقينا مع ميسون (33) عامًا؛ وهي ضدُّ تدَخُلِ الأهلِ في المشاكلِ الأسريةِ؛ مَهما كانت الأسبابُ، فتقولُ:” الزوجانِ هما الأقدَرُ والأجدَرُ على حلِّ خلافاتِهما دونَ أنْ تتفاقمَ وتتشاركَ الأسرةُ الممتدّةُ بالآراءِ؛ ويُصبِحا حديثَ الساعةِ؛ ما يجعلُ المشكلةَ صعبةَ النسيانِ؛ ويَكثرُ الحديثُ عنها؛ حتى ولو تَصالحَ الزوجانِ لاحقاً.
تضيفُ :”في حالِ كان هناك ضرورةٌ لتَدَخُّلِ الأهلِ؛ فلابدَّ من اللجوءِ إلى الأشخاصِ الأكثرِ حكمةً وعقلانيةً وثِقةَ؛ وطرْحِ المشكلةِ ومحاولةِ الوصولِ إلى حلٍّ أو مساعدةٍ تُخفِّفُ من المشكلةِ .
طَيُّ الكِتمانِ
وبينما تؤكّد أسماء جبر (29) عامًا، أنّ الخلافاتِ الأسريةَ يجبُ أنْ تبقَى طيَّ الكتمانِ؛ خاصةً حين تكونُ شخصيةً وتَمسُّ الحياةَ الخاصةَ لأحدِ الطرَفينِ، فتقولُ:”إنَّ كثيراً من المشكلاتِ تتفاقمُ وتتَطوّرُ؛ ثُم تَخمدُ في لحظةٍ بينَ الزوجينِ؛ وينسَى كلٌّ منهما أساسَ المشكلةِ؛ وتعودُ المياهُ إلى مجاريها، في حين أنّ العائلةَ الكبيرةَ والأقاربَ لا ينسَونَ التفاصيلَ؛ ويتركُ ذلك أثراً في نفسيّاتِهم.
تتابعُ:”كثيراً من الزيجاتِ انقلبتْ كرهاً وعداوةً بينَ العائلاتِ؛ بسببِ مشكلاتٍ صغيرةٍ تعرّضَ لها الزوجانِ؛ وشارَكاها في لحظةِ انفعالِ مع الأهلِ؛ ما شوَّهَ صورةَ الزوجِ أو الزوجةِ مدَى الحياةِ في عيونِ الآباءِ والأمهات.
وتَعُدُّ رائدة العيسوي (40) عامًا، أنّ تدَخُّلَ الأهلِ في تفاصيلِ الحياةِ الزوجيةِ؛ يعودُ سلبًا على الحياةِ اليوميةِ؛ ويفتحُ الأبوابَ لتدَخُّلاتِ أطرافٍ كثيرةٍ؛ ما يُعمِّقُ الصراعَ بينَ الزوجينِ؛ ويزيدُ حِدّةَ الخلافِ بسببِ افتضاحِ المشكلةِ، وتعدُّدِ الآراءِ حيالَها؛ وهو أمرٌ مرفوضٌ تمامًا؛ ويُعدُّ تعدّيًا على الخصوصيةِ .
تدَخُّلٌ مشروطٌ
كان للسعادةِ وقفتها مع الأزواجِ، فيقولُ خالد (40) عامًا:” تدخُّلُ الأهلِ بشكلٍ محدودٍ ومدروسٍ أمرٌ إيجابيّ، وليس سلبيًا، خاصةً بالنسبةِ للزوجةِ؛ إذ يحفظُ ذلكَ حقوقَها بلا شكٍّ، لافتاً إلى أنّ المشكلةَ يجبُ أنْ تُطرحَ كاستشارةٍ لحلِّ الخلافِ، ويَتمُّ اختيارُ أفرادٍ مؤتَمَنينَ من العائلةِ؛ حتى لا يتحوّلَ الموضوعُ إلى قصةٍ متَداوَلَةٍ .
يبيّنُ: في حالِ تطلّبَ الأمرُ تدَخُلَ الأهلِ؛ يجبُ اختيارُ من هم قادرونَ على استيعابِ مشاكلِ الأبناءِ خاصةً بعدَ الزواجَ؛ لأنهم خاضوا التجربةَ وعلى معرفةٍ بشخصياتِ أبنائهم، فيُمكِنُ أنْ تؤدي النصيحةُ دورَها في تيسيرِ الحياةِ على الطرَفينِ، وتفادي المشاكلِ.
يرفضُ “أحمد عبد العال” أنْ تخرجَ مشاكلُ وأسرارُ بيتِهم خارجَ جدرانِ البيتِ، فيقولُ:” منذُ بدايةِ الزواجِ اتفقتُ مع زوجتي على عدمِ البوحِ لأحدٍ من أهلِها وأهلي بحياتِنا؛ فنحن قادرونَ على حلِّ خلافاتِنا، وإيجادِ الحلولِ لها؛ وبالفعلِ التزَمْنا نحن الطرَفَينِ بذلكَ، وعندَ أيِّ مشكلةِ تعترِضُنا؛ نحاولُ السيطرةَ عليها والتعامُلَ معها .
ويضيفُ :” أيُّ خلافٍ بينَ الأزواجِ؛ يتِمُّ فيه تدَخُلُ أطرافٍ أخرى من الأهلِ أحيانًا كثيرةً؛ تَكبرُ المشكلةُ؛ وتتشعّبُ؛ ونصبحُ في القيلِ، والقالِ، والتحليلاتِ، والاستنتاجاتِ، التي تَعدِمُ الحياةَ الزوجيةَ .
التقينا أم محمود العمري (54) عامًا؛ فهي تُوصي بناتِها باستشارتِها في حالِ تعرَّضْنَ لمشكلةٍ ما خلالَ حياتِهنَّ مع أزواجِهنَّ؛ لتكونَ الطرَفَ الذي يحتوي المشكلةَ؛ ويُبَسَّطُها ويُليّنُ الأمورَ؛ ويوجِّهُها بطريقةٍ صحيحةٍ، مُبرِّرةً أنّ ذلك أفضلَ من أنْ تتَّجِهَ الفتاةُ لاستشارةِ صديقتِها أو الغُرباءِ.
في حين ترى أم رائد عجور:” في بدايةِ الحياةِ يكونُ كِلا الطرَفَين بحاجةٍ إلى النصيحةِ وكيفيةِ التصرّفِ في بعضِ المواقفِ، فتقولُ:” إنّ بعضَ المشاكلِ تَستدْعي تدَخُلَ الأهلِ، خاصةً حينَ يتعلّقُ الأمرُ بكرامةِ ابنتِهم وسلامتِها؛ على أنْ يكونَ التدخُلُ عقلانيًا وبشروطٍ..، إذ إنّ كثيراً من الظروفِ التي تعيشُها بعضُ الفتياتِ تبقَى طيَّ الكتمانِ؛ بِحُجّةِ الخصوصيةِ، في حين أنها تكونُ تَعدِّياً على المرأةِ وحقوقِها.
حِفظُ ماءِ الوجهِ
وأوضَحتْ المستشارةُ الأسريةُ الدكتورة “ختام أبو عودة”:” إنّ تدَخُلَ الأهلِ في الخلافاتِ الزوجيةِ _دونَ طلبِ الزوجينِ_ هو استباحةٌ لخصوصيتِها؛ لأنّ حلَّ المشاكلِ بينَ الزوجينِ يكونُ أسهلَ، وطريقَ الرجوعِ عنها بسيطٌ ما دامت بينَهما، أمّا إنْ أصبحتْ علانِيةً؛ فإنها تُشكّلُ عبئاً نفسياً على الزوجينِ للحفاظِ على الكرامةِ، والردِّ على الإساءةِ، وحِفظِ ماءِ الوجهِ أمامَ العائلةِ الكبيرة.
فتقول”: الاستعانةُ بخِبراتِ الأهلِ، والاستفادةُ من نصائحِهم فيما يتعلّقُ بمشاكلِ الحياةِ الزوجيةِ؛ هو حلٌّ نظريٌّ؛ أمّا على أرضِ الواقعِ فلا يمكنُ للأهلِ أنْ يكونوا حياديِّينَ بشكلٍ كامل؛ إذْ إنّ نصائحَهم مبنيةٌ على صِلتِهم بالأطرافِ، وتَستنِدُ إلى تجارِبِهم الشخصيةِ، وواقعِ حياتِهم وشخصياتِهم؛ وبالتالي لا تكونُ الحلولُ المطروحةُ من قِبَلِهم مُلائمةً لِظروفِ الزوجينِ والتفاصيلِ التي تَجمعُهما؛ بل في الغالبِ يكونُ تأثيرُها سَلبياً.
وتابعتْ :”تدخُلُ الأهلِ يكونُ صحياً وإيجابياً؛ حينَ لا يَحكمُه ضابطُ القربِ من الزوجينِ؛ بل درجةُ الوَعي، وذلك بأنْ يتّفِقَ الزوجانِ على انتقاءِ شخصٍ حكيمٍ ذي شخصيةٍ مُنفتِحةٍ، وصاحبِ ظرفٍ مُشابهٍ لظروفِهما؛ مع التأكيدِ على أنْ يكونَ متعلّماً وواعياً ومشهوداً له بالحكمةِ والثقةِ، ولدَيهِ الخبرةُ في إسداءِ النصحِ، دونَ فرضِ الرأي، والأهمُّ من هذا أنْ يكونَ اختيارُه بالاتفاقِ بينَ الزوجينِ.
بدائلُ وحلولٌ
وفي لقاءٍ مع دكتور “منير رضوان” _المستشارِ الأسري والتربوي_؛ يحذّرُ من تدخُلِ الأهلِ في المشاكلِ الزوجيةِ على كلِّ كبيرةٍ وصغيرةٍ، ومشاركةِ الأسرارِ الزوجيةِ مع الأقاربِ والأهلِ؛ ما ينعكسُ سلباً على العلاقاتِ الأسريةِ، ويشوّهُ السمعةَ الطيبةَ للطرَفينِ، حيثُ تنصلِحُ الأحوالُ بينَ الزوجينِ؛ ويستمرُّ الخلافُ بين الأهالي.
ويوضّحُ د. “رضوان” :” إنّ هناك بدائلَ عن تدخُلِ الأسرةِ الكبيرةِ بمشاكلِ الأزواجِ، وهي الاستعانةُ بالتوعيةِ قبلَ الزواجِ، وقراءةُ الكتبِ، واللجوءُ إلى خدماتِ الاستشارةِ المتوافرةِ من الجهاتِ الحكوميةِ إلى جانبِ المتخصِّصينَ، لأنهم وبشكلٍ خاصٍّ يملكونَ الوَعيَ والعلمَ والقدرةَ على عدمِ إصدارِ الأحكامِ، ويعطونَ النصيحةَ بناءً على قِيَمِ طالبِ الاستشارةِ وضِمنَ القدراتِ النفسيةِ للحالةِ، حيثُ تكونُ الحلولُ أقربَ للحيادية.
وحولَ متى يتدخّلُ الأهلُ بينَ الزوجينِ؟ يجيبُ د. رضوان قائلاً :”الشكلُ الطبيعيُّ لحلِّ المشكلاتِ الزوجيةِ؛ يكونُ دونَ تدخُلِ أيِّ شخصٍ دونَكِ أنتِ وزوجِكِ، ولكنْ في حالاتٍ بعَينِها تزيدُ المشكلةُ؛ وتَصلُ إلى وقتٍ يجب فيه تدخُلُ الأهلِ، وهي حالاتٌ بسيطةٌ جدًا، ولا يمكنُ أخذُها كذريعةٍ للتدخُلِ الدائمِ في مشاكلِ الأزواجِ”.
وعن أهمِّ الحالاتِ التي يمكنُ للأهلِ التدخُلُ فيها بينَ الزوجينِ؛ في حالةِ طلبِ الزوجينِ ذلكَ يقولُ :”حالاتُ الانفصالِ بينَ الزوجينِ؛ حيثُ يواجِهُ بعضُ الآباءِ والأمهاتِ مشكلةً كبيرةً في مقاومةِ التدخُلِ؛ في حالِ وصولِ المشكلةِ بينَ الزوجينِ إلى الطلاقِ أو الانفصالِ؛ وهي حالٌ خطيرةٌ بالفعلِ؛ يجبُ تدَخُلُ الأهلِ فيها؛ ولكنّ التدخُلَ هنا يجبُ أنْ يكونَ في حدودٍ معينةٍ، ولا يجبُ تخَطّيها بأيِّ حالٍ من الأحوالِ، ويُمكِنُ طلبُ النصيحةِ من الأهلِ في حلِّ المشكلةِ المُسبِّبةِ للطلاقِ، وفي حالةِ عدمِ التوَصّلِ إلى حلٍّ بينَ الزوجينِ، واستحالةِ العِشرة بينهما؛ يكونُ دَورُ الأهلِ هو وضعُ أطُرٍ ومبادئَ للانفصالِ بشكلٍ راقٍ؛ لا يؤثّرُ على الأطفالِ، ولا يؤثّرُ على الزوجِ والزوجةِ أيضًا، ويراعي القوانينَ الموجودةَ، والحقوقَ المحفوظةَ لكُلٍّ منهما، ويلعبُ الأهلُ في هذه الحالةِ دورَ الحكيمِ في القصةِ، وليس دورَ القاضي الذي يَحكمُ على الطرَفينِ.
يوضّح د. “رضوان”: من المُهمِّ أنْ يعرفَ الأهلُ الحالةَ المَرضيةَ للزوجِ أو الزوجةِ؛ حسبَ نوعِ الأهلِ، وطريقتَهم في التعاملِ مع هذا النوعِ من التحدياتِ، ووجودَ الأهلِ بالجوارِ إنْ كانوا داعمينَ فعلًا؛ يؤثّرُ بالإيجابِ في حالةِ المريضِ، مساعدتَهم ووجودَهم الداعمَ له تأثيرٌ كبيرٌ.
ويتّفقُ كلٌّ من د. (أبو عودة ود. رضوان) على أنّ كلَّ الحالاتِ التي يُمكِنُ للأهلِ التدخُلَ فيها بينَ الزوجينِ؛ هي الحالاتُ الشديدةُ التي تَخرجُ فيها المشاكلُ عن السيطرةِ، ويتطلّبُ الأمرُ تدَخُلَ رأيٍ ثالثٍ، وطرَفٍ آخَرَ؛ ولكنْ من المُهِم أنْ يكونَ هذا الطرَفُ عادلاً وحكيمًا ومُتزِنًا، ودخولُه في المشكلةِ لا يزيدُ منها، أو يزيدُ من نتائجِها السلبيةِ، ولهذا أنتِ وزوجُكِ أدرَى بأهلِكُما، ولذلك تدخُلُهم يكونُ بالقدْرِ الذي ترَينَه أنتِ وزوجُكِ مناسبًا، ونتمنَّى ألّا تَصلي أبدًا إلى مرحلةِ التدخُلِ من الأهلِ، فالأفضلُ دائمًا أنْ تكونا قادرَينِ على حلِّ مشاكلِكُما دونَ تدخُلِ أطرافٍ خارجيةٍ .
وتُبيّنُ د. “أبو عودة” سلبياتِ تدَخُلِ الأهلِ في مشاكلِ الزوجينِ في بعضِ العلاقاتِ الزوجيةِ؛ حيثُ يكونُ الأهلُ أكثرَ تدخُلًا في تربيةِ الأبناءِ، وفي طريقةِ التعاملِ بينَ الزوجينِ، وحتى في طريقةِ إدارةِ المنزلِ، وهو أمرٌ غيرُ صحيٍّ؛ ويُعرّضُ الحياةَ الزوجيةَ لكثيرٍ من المشكلاتِ.
تقولُ:”وجودُ الأهلِ في المعادلةِ؛ يَجعلُ وِجهاتِ نظرٍ مختلفةً تتدخّلُ في أمورٍ تفصيليةٍ وحياتيةٍ تخُصُّكِ أنتِ وزوجَك فقط؛ لذلك احرِصي دائمًا على وضْعِ خطوطٍ عريضةٍ مع زوجِك لتدَخُل الأهلِ في حياتِكما، وكوني قويةً وحكيمةً عندَ تدخُلِ الأهلِ في حياتِكما، دونَ التسبُّبِ في جرحِهم أو التقليلِ منهم.