
ما أنْ يطلَّ الشتاءُ حتى يبدأَ مُحِبُّوه بِممارسةِ طقوسِه المختلفةِ، وتبدأُ موائدُ الغزيّينَ تَتزيّنُ بأكلاتِه المختلفةِ والمميزةِ، إذْ تنتظرُ بعضُ العائلاتِ _بفارغِ الصبرِ_ قدومَ فصلِ الشتاءِ؛ ليَتناولوا فيه أكلاتِهم المُحبَّبةَ، والتي يَجمعُها جمالُ اللونِ الأخضرِ، وقِلّةُ تكلفتِها الماديةِ؛ إذْ لا تحتاجُ إلى لحومٍ ومكوّناتٍ باهِظةِ الثمنِ، وتعتمدُ في طبخِها على طرُقِ الأجدادِ دونَ أيِّ إضافاتٍ عصريةٍ.
العدسُ والملفوفُ والخبيزةُ والسبانخُ والحَمصيصُ والفُقاعيةُ والبصارةُ؛ هي لائحةُ الطعامِ الشتويةُ لغالبيةِ البيوتِ؛ لاسيّما العوائلُ ذاتُ الدخلِ المحدودِ؛ إذْ لا يتعدَّى سِعرُها شواكلَ قليلةً؛ فيما قد تصِلُ من أصحابِ الأراضي والمزارعِ كَهدايا.. فهي تنمو بكثرةٍ تلقائيًا دونَ تَدخُلِ الإنسانِ في أغلبِ الأوقاتِ.
شادي الحلو “23 عاماً” يقولُ لـ “السعادة”: ترتبطُ قائمةُ أُمي في الطعامِ بتصريحاتِ الراصدِ الجوّي؛ فما أنْ تسمعَ أنّ هناكَ مُنخفضًا؛ حتى تجدَ طنجرةَ العدسِ تتربّعُ على عرشِ الغازِ، بينما تتباهَى رؤوسُ الملفوفِ؛ وهي داخلَ المطبخِ بانتظارِ يومٍ ماطرٍ أخَرَ.
ويُضيفُ: للعدسِ نكهةٌ خاصةٌ مع هطولِ المطرِ؛ لاسيّما “فَتةُ العدسِ”؛ وبجوارِه البصلُ والزيتونُ والفلفلُ الأحمرُ والفِجلُ، تمدّكَ بالطاقةِ والإحساسِ بالشبعِ في البردِ الشديدِ، علاوةً على أنها تضيفُ للأجواءِ المنزليةِ إحساسًا بالحبِّ والرّضا والدفءِ.
ما أرخَصَ طبخاتِه!
ويتابعُ: كثيرًا ما تُرَدِّدُ والدتي عبارةَ “يا مَحلَى الشتا، ولا أرخَص طبخاته”! فالعدسُ مَثلاً نحصلُ عليه من “كابوناتِ” وكالةِ الغوثِ، بينما تشتري عِدّةَ رؤوسٍ من الملفوفِ مُقابلَ ثلاثةِ أو أربعةِ شواكلَ، في حين تصلُ باقاتُ الخبّيزةِ إلى أُمي كَهدايا من صديقاتهِا وجيرانِها.
أمّا “أُم أشرف ياسين” فتقولُ:” لا يَحلو الشتاءُ إلّا بالأكلاتِ الساخنةِ (العدسِ، الحَمصيصِ، الخبيزةِ، المفتولِ، الملفوفِ، البِصارةِ، فتةِ الحُمص، المُعجّناتِ، فطائرِ السبانخِ، المجَدرةِ، المسَخّنِ..)، وغيرِها من الأكلاتِ ذاتِ السُّعراتِ الحراريةِ العاليةِ .
وتضيفُ: الشتاءُ الفصلُ الوحيدُ الذي لا آمَلُ التسوّقَ فيهِ؛ ولا أشعرُ بالضغطِ المالي فيه، فأنتَ تحتارُ بينَ خيراتِ الشتاءِ غيرِ المُكلفةِ، منوّهةً: “إنّ أجملَ أوقاتِ العامِ بالنسبةِ لها فصلُ الشتاءِ؛ وتحديدًا وقتَ المُنخفضاتِ؛ حيثُ تجتمعُ كلُّ العائلةِ حولَ “كانون” النارِ، فيجلسونَ لساعاتٍ طويلةٍ مع البطاطا الحلوةِ، والكَستنةِ، ويحتَسونَ الشايَ والقهوةَ المَطبوخةَ على نارِ الحَطبِ.
أمّا سعاد الشمالي “52 عامًا”، من شَمالَ القطاعِ، تقولُ لـ “السعادة”: الشتاءُ فصلُ الخيرِ الجميلُ؛ أطبخُ فيه كلَّ الأطعمةِ التي تُنتِجُها الأرضُ؛ حيثُ تمتلكُ عائلتي أراضيَ زراعيةً واسعةً؛ تمتلئُ بالخيراتِ التي تُنتِجُها الأرضُ دونَ زراعةٍ.
وتضيفُ: مع سوءِ الأوضاعِ الاقتصاديةِ في السنواتِ الأخيرةِ؛ بدأتْ هذه الأكلاتُ الشتويةُ تُشكّلُ مصدرَ رزقٍ لي ولعائلتي؛ حيثُ نبيعُ الخُبيزةَ والحَمصيصَ لأكبرِ المولاتِ في مدينةِ غزةَ.
مَصدرُ رزقٍ
وتضيفُ:” تَتّجِهُ العائلاتُ إلى تلكَ الأكلاتِ؛ نتيجةَ التعوُّدِ أولاً، والتجاربِ التي أكّدتْ نجاحَها في مواجهةِ البردِ، ومدِّ الجسمِ بالطاقةِ والحرارةِ المفقودةِ، عدا عن أنّ أسعارَها قليلةٌ، وبإمكانِ شريحةٍ كبيرةٍ من الناسِ توفيرَها دونَ عَناءٍ.
من جانبِها تقولُ أخصائيةُ التغذيةِ منال منصور:” الأكلاتُ الشتويةُ الشعبيةُ؛ بعضُها جزءٌ لا يتَجزأُ من النباتاتِ العشبيةِ، فيُقبِلُ عليها الناسُ لأغراضٍ استطبابيةٍ وغذائيةٍ؛ فلَها أهميةٌ كبيرةٌ لاحتوائها على عناصرَ مُهِمةٍ”.
وتضيفُ “منصور” : تَكمُنُ أهميةُ تناولِ هذه الأغذيةِ؛ في أنها تؤدّي إلى زيادةِ الطاقةِ في الشتاءِ، ويُفَضَّلُ إضافةُ بعضِ الخَضرواتِ للتخفيفِ من السعراتِ الحراريةِ، وكثيرًا منها يحتوي على الفيتاميناتِ والعناصرِ المَعدنيةِ؛ مِثلَ الخبيزةِ؛ فهي تؤكَلُ مطبوخةً مع إضافةِ بعضِ المكوّناتِ إليها؛ كالبصلِ والليمونِ الذي يحتوي على فيتامين (ج)، الذي من شأنِه أنْ يساعدَ على امتصاصِ الحديدِ، ويقيَ الجسمَ من نزلاتِ البردِ والأنفلونزا.
وتُتابعُ: “وللخبيزةِ فوائدُ كثيرةٌ وعديدةٌ؛ فهي تحافظُ على نضارةِ البشرةِ، وتساعدُ على إدرارِ البولِ؛ وكذلك الجرجيرُ الذي يحتوي على نسبةٍ عاليةٍ من فيتامينَي (ج) و(أ)، والكالسيوم بمُعدلِ (250) ملغم، والفسفور والحديدِ، وهو مُهِمٌّ للوقايةِ من نقصِ هذه العناصرِ الغذائيةِ، وهو مُنَقٍّ للدمِ، ومُلَيِّن للمعدة، ويزيلُ النمشَ والبُهاقَ”.
مطلوبٌ صحيًّا
وأشارت إلى ضرورةِ الاهتمامِ في فصلِ الشتاءِ بالشورباتِ الساخنةِ؛ كشوربةِ الخضارِ والعدسِ؛ لأنها تمدُّ الجسمَ بالطاقةِ والدفءِ، فشوربةُ العدسِ غنيةٌ بالبروتيناتِ، وشوربةُ الخضارِ والفريكةُ تحتوي على الأليافِ التي تَقي من الإصابةِ بالإمساكِ، وتحتوي على كميةٍ من السوائلِ، خاصةً أنَّ الإنسانَ في فصلِ الشتاءِ لا يمدُّ الجسمَ بالكميةِ المناسبةِ من الماءِ. وأكّدتْ أهميةَ تناوُلِ المشروباتِ الساخنةِ؛ لأنها تساهمُ في التخفيفِ من حِدّةِ الاحتقانِ، وترفعُ حرارةَ الجسمِ الداخليةَ والخارجيةَ، وتُمِدُّه بالطاقةِ، وتعالجُ بعضَ الأمراضِ، كالبابونجِ (مُخفّفٍ للسُّعالِ)، والزعترِ (معالجِ لالتهابِ الحلقِ واللوزتينِ)، والسحلبِ (يزوّدُ الجسمَ بالطاقةِ مدّةً أطولَ؛ خاصةً أنه يضافُ إليه السكّرُ، ويحتوي على (180) سُعرًا حراريًّا في الكوبِ).