Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

مرآتي

(1) سند

تسير سيدة في خريف عمرها، متكئة على شاب دخل ربيعه للتو، تتشبث بيده كأنها وحدهت النجاة، تسير متأخرة عنه خطوة كأنما تحتمي بشبابه من وهج المشيب،

ورغم تقوس ظهرها ترفع رأسها فخورة كأنه أعظم إنجازاتها، تنظر العالم بعينين لامعتين وسط التجاعيد المحيطة بهما، وهي تقول: قد أثمر غرسي، ولم يُصَب أملي

في مقتل، ها قد اشتدّ عوده وصَلُب جذعه، حتى صار عكازاً لا يميل ولا يخون..

تُربّي الأمهات أبناءهن لهذه اللحظة، فلا تحرمونهن عيشها!

 

(2) الجنة التي لا نعرفها

لم تُفلِح كل أحاديث منكر ونكير، وقصص عذاب القبر، وثعابين الشجاع الأقرع، في تقريب فكرة الإله الحبيب القريب الواسع المجيب لعقلي! لم أتمكن من إتقان الصلاة والالتزام بها إلا بمفهوم الرغبة لا الرهبة، لم أشعر بلذة الإيمان، والصبر، والرضا، إلا بعد أن اتضحت أمامي الغاية الكبرى للحياة: “رضا الله”، غاية حِدنا عنها مع موجات الخطاب الديني القاصر الذي ربانا على الامتثال المشروط طلباً “للجنة”، واستخدم الملذات التي فيها كدافع ومحفز للوصول، وعمل على إغراق مفاهيمنا في وصف العذاب وجهنم وأهوال القيامة، حتى شَقّ على عقولنا أن تفهم “من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه”، وتاهت في قلوبنا حلاوة التسليم مع مرارة الخوف والقلق، فأصبح سعيُنا للجنة وطعامها وشرابها وقصورها وحورها، ونسينا الغاية التي وصفها د.محمد راتب النابلسي بقوله: “لا يجوز أن يصرفك عن غاية رضا الله غاية أخرى، حتى لو كانت نصرة شريعته”!

وحتى لو كانت ملذات الجنة تغرينا بالإحسان، فإن البشر اليوم، منفتحون على كل شيء، وبعضهم لديهم من الملذات -حرفياً- كل مايتمنون، ولا أظن هذا الخطاب يفلح معهم أو يسدّ حاجتهم الروحية، وجوع أنفسهم الفطري لخالق مدبر حكيم، وسوف يكون أجدى بمراحل أن يتم ربطهم بالنعيم النفسي المتحقق بحب ورضا هذا الإله العظيم المتفرد الذي يؤوينا ويرحمنا ويرشدنا ويهدينا وينقذنا ويؤدبنا ويحبنا، وتَحقُق الأمنية الأعظم برؤيته والنظر إلى وجهه الكريم..

إن محور ديننا جاء بجنة أخرى لا نعرفها.

 

(3) أخطاؤنا

نعرف أخطاءنا، لكننا لا نحبها، لا ننكرها، لكننا لسا فخورين بها، تعلمنا منها، لكننا نتمنى أننا تعلمنا من غيرنا ولم نفعلها، صنعتنا وشكلت جزءاً من شخصياتنا، لكن

الزمن لو عاد بنا لما وقعنا فيها، نتقبلها، لكننا نتبرأ منها، ونندم، ونتوب..

طبيعة البشر خطاءة، لكن طبيعتهم أيضاً أوّابة، وإلا لما كان الذي “حسبه جهنم ولبئس المهاد” هو الذي “أخذته العزة بالإثم”

 

(4) والِدان

في الطريق، تقابلت سيارتان على مفترق، توقفتا قليلاً حتى يخلو الشارع، لحظة استطعت خلالها ملاحظة الفرق الواضح بين المركبتين، إحداهما فارهة ثمينة، وأخرى

قديمة متهالكة، في الأولى أب شاب مهندم، يقود باستعجال، ويعقد حاجبيه وهو يتكلم في هاتفه الحديث، وبجواره فتاة بزي المدرسة، تنظر في هاتفها بضجر..

وفي الأخرى رجل كهل، يضغط على عينيه ليرى بشكل أوضح، يتحدث إلى ابنته التي بجواره وهو يركز في الشارع، لكن ضحكته تُظهِر مدى حبه واهتمامه بالفتاة التي

تجلس مُلتفّة بجسدها نحوه، وتمنحه كل حواسها وهي تشاركه الضحك..

مفارقة -وإن كانت صدفة أو غير حقيقية- قد توحي بالكثير من الدروس، وتقول الكثير من الكلام، للآباء، والأمهات، والعائلات، والبشر الآخذين في التحول تدريجياً إلى

آليين يلهثون راكضين بحثاً عن الحياة، فيضيعونها في الطريق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى