Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
سياحة

قريةُ “لفتا” تواجِهُ مُخطَّطًا إسرائيليًا لإزالةِ الأماكنِ المقدّسةِ

تراثٌ وتاريخٌ وذاكرةٌ محفورةٌ

 

مرَّ وقتٌ على تهجيرِ أهلِ قريةِ “لفتا” قَسرًا؛ لكنّ ما زالت بيوتُها تنتظرُ ساكنيها، ما زالت الأرضُ وأشجارُها بحاجةٍ إلى من يَرويها؛ فهي تتعرّضُ كلَّ فترةٍ لمُخطَّطِ ليمسحَ مَعالِمَها الفلسطينيةَ؛ لكنه يبوءُ بالفشلِ؛ فبيوتُها ترفضُ الهدمَ والمَسحَ.

قريةُ “لفتا” تقعُ غربَ وشمالَ غربِ مدينةِ القدسِ؛ وعلى ارتفاعِ (700) م عن سطحِ البحرِ، تحيطُ بها قُرى المالحةِ؛ (دير ياسين، عين كارم، قالونيا، بيت إكسا، بيت حانينا، شعفاط، الطور ومدينة القدس).

يبلغُ عددُ سكانِها (3) آلافِ نسمةٍ قبلَ عام؛احتُلتْ عامَ (1948)؛ حيثُ ارتكَبتْ العصاباتُ الصهيونيةُ المسلّحةُ مَجزرتَينِ في “لفتا” – البوابة الغربية للقدس _  كجزءٍ من عمليةِ التطهيرِ العِرقي في فلسطينَ؛ واليومَ تواجِهُ القريةُ مخطَّطًا جديدًا للسيطرةِ كُلّيًا على ما تَبقَّى من شواهدِ هذه القريةِ.

وتعدُّ قريةُ “لفتا” تاريخيًا كنعانيةً (2000 ق.م)؛ إذْ كان اسمُها “نفتوح”، وفي زمنِ الرومانِ والبيزنطيّينَ تَحوّلَ اسمُها إلى “نفتو”، واستعملَ العربُ والمسلمونَ اسمَها الكنعانيَّ “نفتوح”؛ أمّا الاحتلالُ الفرنجيّ فسَمَّاها “كلبستا”، وأمّا اليوم فهي “لفتا” حسبَ وثائقِ المحكمةِ الشرعيةِ في القدسِ قبلَ (800) عام.

منازلُ مهجورةٌ

وقبلَ النكبةِ شاركتْ “لفتا” في الثوراتِ والانتفاضاتِ الفلسطينيةِ ضدَّ الاحتلالِ البريطاني، والاستيطانِ الاستعماري للحركةِ الصهيونيةِ على أرضِ فلسطينَ؛ وذلكَ في أعوامِ (1929، 1933، 36-1939، 47-1948)؛ حيثُ قدّمتْ “لفتا” _كغيرِها من قُرى ومُدنِ فلسطينَ_ الشهداءَ والجرحى والأسرى.

عبرَ طرُقٍ ترابيةٍ تتوسّطُ منازلُ قديمةٌ مهجورةٌ، وأشجارُ صبرٍ وتينٍ وزيتونٍ.. العشراتِ من المنازلِ في قريةِ “لفتا”، التي يقولُ سكانُها الأصليّونَ إنها تعودُ لآلافِ السنينَ، ما زالت قائمةً، ولكنّها فارغةٌ من أصحابِها الذين يعيشُ الكثيرُ منهم في مدينةِ القدسِ الشرقية

واليومَ تريدُ السلطاتُ الإسرائيليةُ شَطْبَ القريةِ؛ باعتبارها شاهدًا على نكبةِ العامِ (1948)، فقدّمَ وكيلُ أهالي بلدةِ “لِفْتا” المُهجّرينَ منذُ عامِ (1948)، المحامي “سامي ارشيد”، الالتماسَ إلى المحكمةِ المركزيةِ الإسرائيليةِ في القدسِ؛ ضدَّ دائرةِ أراضي إسرائيلَ لإلغاءِ المُخطَّط.

وأوضحتْ هيئةُ حمايةِ الموروثِ الثقافي لبلدةِ “لِفْتا” المُهجّرة، في بَيانٍ: إنّ المُخطّطَ يهدفُ إلى بناءِ (259) فيلّا فخمةً، ومركزًا تجاريًّا، وفندقًا، و(120) غرفةً، ومبانيَ أخرى خدماتيةً، وطرُقًا.

لم يأخذْ المخطّط بعينِ الاعتبارِ الحقوقَ التاريخيةَ لأهالي “لِفْتا” الفلسطينيينَ المُهجَّرينَ في أراضيهم، وبيوتِهم، وذاكرتِهم، وتاريخِهم المُهدَّدِ بالمَحوِ والإزالةِ عن وجهِ الأرضِ”.

مَسحُ المعالمِ

وحذّرتْ من أنّ المخطَّطَ سوفَ يؤدّي إلى “مَحوِ وإزالةِ مَعالمِ القريةِ، والأماكنِ المقدّسةِ في “لِفْتا”؛ وهي مسجدُ القريةِ الذي يعودُ بناؤه لأكثرَ من (800) عامٍ، والمَقاماتُ، والمقبرةُ التي تضمُّ رُفاتَ الآباءِ والأجدادِ منذُ مئاتِ السنين، ومعاصرُ الزيتونِ والعنبِ، ومصاطبُ المباني، والمشهدُ الطبيعي الذي يحتوي على بقايا السلاسلِ التاريخيةِ للمدرّجاتِ الزراعيةِ، كما يهدّدُ المُخطّطُ التنوُّعَ الحيوي البيئي”.

وأشارت إلى أنّ “اهتزازاتِ وضرباتِ آلياتِ الحفرِ والتجريفِ لإقامةِ الجدرانِ المُسانِدةِ، وقواعدَ البناءِ وشقَّ الطرُقِ، ستُهدّدُ باختفاءِ منابعِ الماءِ، إضافةً إلى خطرِ تهديدِ المباني الأثريةِ التاريخيةِ فوقَ الأرضِ وتحتَها بالدمارِ والسقوط”.

ولفتتْ إلى أن “هذا المُخطَّطَ سبقَ للمحكمةِ المركزيةِ أنْ قضتْ بِبُطلانِه، وإلغاءِ مناقصتِه لبيعِ أراضي “لِفْتا”؛ إثرَ الاعتراضاتِ الكثيرةِ عليه من سكانِ القدسِ في فبراير/شباط 2012”.

ومنذُ ذلكَ الحينِ، لم يتمكنْ الأهالي من العودةِ إلى القريةِ إلّا في عامِ (1967)، بعدَ “نكسة” يونيو/ حزيران من ذلكَ العامِ؛ ومنذُ ذلكَ الحينِ، يحافظونَ على زيارةِ قريةِ الآباءِ والأجدادِ مرّةً على الأقلِّ أسبوعيًّا.

مُتمسِّكينَ رغمَ التهجيرِ

في حديثٍ مع السبعيني “أبو محمد المقدسي” _من المُهجَّرينَ من قريةِ “لفتا” المُهجّرةِ_ يشيرُ بيَدِه إلى المنزلِ الذي وُلدَ فيه، والذي دُمِّرَ بشكلٍ كاملٍ تقريبًا، والمنزلِ الآخَرِ الذي خرجَ مع عائلتِه منه في عامِ (1948.(

يقولُ:”ذاتَ يومٍ سمِعنا صوتَ إطلاقِ النارِ؛ بينما كُنا في المنزلِ؛ وراحَ أخي الصغيرُ يبكي؛ فأخذتْنا والدتي إلى زاويةٍ داخلَ المنزلِ؛ ووضعتْنا أسفلَ طاولةٍ من أجلِ حمايتِنا”.

ويتابعُ:”في يومٍ آخَرَ، كُنا مجموعةً كبيرةً في منزلٍ كبيرِ؛ تمَّ استخدامُه كمَلجأٍ يضمُّ مُسنّينَ وأطفالاً؛ فسمِعنا صوتَ إطلاقِ النارِ في الخارجِ؛ وقيلَ حينَها إنّ نيرانَ العدوِّ (الإسرائيلي) كانت تستهدفُ البيوتَ والمبانيَ في القريةِ”.

في حينِه، كان عددُ سكانِ “لفتا” نحوَ ثلاثةِ آلافِ نسمةٍ؛ وكانوا يسكنونَ في أكثرَ من (550) منزلاً؛ حيثُ تمَّ تفجيرُ القسمِ الأكبرِ من هذه المنازلِ لاحقاً، لم يبقَ من بيوتِ “لفتا” القديمةِ إلّا رُبعُها أو أقلُّ، حوالي (70) منزلاً كاملاً أو شِبهَ كاملٍ، وهم يريدونَ إزالةَ هذه المعالمِ باعتبارِها شاهدةً على الجريمةِ والنكبةِ.

ما تَبقَّى لأهلِ “لفتا” قبلَ النكبةِ (12) ألفَ دونمٍ؛ تمتدُّ على مناطقَ واسعةٍ تشملُ المنطقةَ المُقامَ عليها الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي”.

في القريةِ، كان بالإمكانِ مُشاهدةُ مسجدٍ قائمٍ على مقامِ “سيف الدين الهكاري”، الذي كان أحدَ القادةِ في جيشِ القائدِ “صلاح الدين الأيوبي”، وإلى جانبِ المسجدِ هناكَ معصرةٌ قديمةٌ للزيتونِ؛ وعلى بُعدِ مسافةٍ قصيرةٍ ثَمةُ حديقةٍ جميلةٍ مُهمَلةٍ على مقرُبةٍ من بِركةِ مياهٍ صغيرة.

في لقاءٍ مع الحاج الثمانيني “أبو خالد العواوجة”، من المُهجَّرينَ من قريةِ “لفتا”، ويعيشُ الآنَ في القدسِ الشرقيةِ، يَذكرُ ذلكَ الزمانَ الجميلَ في القريةِ، ما قبلَ العامِ (1948)، وهو العامُ ذاتُه الذي تحوّلَ فيه السكانُ _شأنُهم شأن مئاتِ آلافِ الفلسطينيينَ_ إلى لاجئينَ.

 

تهجيرٌ قَسريّ

يقولُ:” كُنا نعيشُ ملوكًا، فكُلُّ شيءٍ في قريتِنا موجودٌ، أرضُنا وحيواناتُنا.. كانت الحياةُ بسيطةً وطيبةً، وأصبحنا كأيِّ لاجئينَ في هذا العالمِ، ولكنْ دونَ أنْ نَخرُجَ من وطنِنا”.

يضيفُ: رفضْنا الخروجَ وقاوَمْنا.. ولكنّ همجيةَ المحتلِّ وغطرَستَه دفعتْنا للّجوءِ إلى مناطقَ مجاورةٍ؛ كان قسريًّا تحتَ ضغطِ العصاباتِ الصهيونيةِ، ولأنّ قريةَ “لفتا” تقعُ بجوارِ البوابةِ الغربيةِ لمدينةِ القدسِ؛ وهذا الموقعُ الاستراتيجي جعلَ العصاباتِ الصهيونيةَ المسلّحةَ تضعُها على رأسِ قائمةِ أولَويّاتِها”.

ويضيفُ: “الأحداثُ في “لفتا” بدأتْ في العامِ (1947)؛ فقد تمَّ تنفيذُ مجزرةٍ في مَقهى القريةِ؛ استُشهِدَ فيها (6) من رجالِ القريةِ، وأصيبَ أكثرُ من (7) أشخاصٍ، وفي ديسمبر/ كانون الأول (1947)؛ أحرقتْ العصاباتُ الصهيونيةُ بيتَ المختارِ “محمود صيام”؛ وبعدَ (3) أيامٍ فجّروا (20) منزلاً؛ بهدفِ إرغامِ الجميعِ على الهجرةِ، وتمَّ إحراقُ ونهْبُ البيوتِ؛ حتى لا يعودَ أحدٌ إليها؛ حيثُ تمَّ تداولُ أنباءٍ عن مجزرةِ “دير ياسين”، حيثُ ذُبحَ مئاتُ الفلسطينيينَ، فضلاً عن معلوماتٍ عن أعمالِ قتلٍ وذبحٍ واغتصابٍ في القرى المجاورةِ؛ وهذا أثّرَ سَلباً على السكانِ”.

وعلى الرغمِ من سماحِ السلطاتِ الإسرائيليةِ لسكانِ “لفتا” بزيارتِها؛ إلّا أنها لا تسمحُ لهم بترميمِ بيوتِهم، فقدْ أصبحتْ مهدَّدةً بالمَسحِ عن وجهِ الأرضِ.

ويوضّح: “تمثّلُ “لفتا” شاهدًا على النكبةِ؛ كونَها تقفُ عندَ مدخلِ القدسِ المحتلةِ، وكلُّ من يصِلُ إليها من منطقةِ الساحلِ؛ يشاهدُ المنازلَ والطبيعةَ في محيطِها؛ لذلكَ فإنَّ الصهاينةَ لا يريدونَ بقاءَ هذا الشاهدِ، وبالتالي يريدونَ مَسحَه”.

وكانت السلطاتُ الإسرائيليةُ أعلنتْ في العامِ (2004) عن مخطّطٍ لبيعِ أراضي “لفتا” بالمزادِ العلَني؛ بهدفِ بناءِ (259) فيلّا، إضافةً إلى فندقٍ يضمُّ (120) غرفةً، ومركزٍ تجاريٍّ، ومُتحفٍ ومراكزَ خدماتية.

يقولُ تحسين العواوجة ابن أبو خالد : “اعتَرضْنا على المخطّطِ في اللجنتَينِ اللوائيةِ والمحليةِ في عامِ (2010)، وبعدَ سنتينِ قرّرتْ المحكمةُ المركزيةُ الإسرائيليةُ أنّ بيعَ أراضي “لفتا” لصالحِ هذا المخطّطِ باطلٌ ولاغٍ؛ وبالتالي تمَّ تجميدُ المخطّطِ؛ لأنّ دائرةَ أراضي إسرائيلَ التي وضعتْ المخطّطَ لم تضعْ مَسحًا أثريًّا للمنطقةِ”.

ويتابعُ “في العامِ (2016)، عملتْ السلطةُ ذاتُها مَسحًا أثريًّا؛ وجاءتْ نتائجُ المسحِ إيجابيةً لصالحِنا؛ بأنّ “لفتا” أثريّةٌ ويجبُ أنْ تبقَى أثريَّةً؛ وهذا يقوّي موقفَنا”.

 

ويضيفُ: “على الرغمِ من هذا الكشفِ؛ قامت دائرةُ أراضي إسرائيل في يونيو/ حزيران الماضي؛ بأنها ستُعلنُ في (4) يوليو/ تموز عن مزادٍ علَنيٍّ لبيعِ أراضي “لفتا”؛ لكنّنا قدَّمنا التماسًا لدَى المحكمةِ المركزيةِ الإسرائيليةِ؛ ولم يتِمَّ نشرُ المزادِ حتى اليوم”.

ويبيّنُ أنّ “من شأنِ علميةِ البناءِ والحفرِ والتجريفِ؛ أنْ تُحرّكَ الأرضَ وتهزُّها؛ وهذا يهدّدُ البناءَ الأثريَّ فوقَ الأرضِ وتحتَها، وسيؤدّي ذلكَ إلى هدمِ بيوتِ الآباءِ والأجدادِ”.

ويقولُ :” أهالي القريةِ يقِفونَ ضدَّ أيِّ مخطّطٍ يهدمُ، أو يبني، أو يزوّر، أو يطمسُ هويةَ لفتا وتاريخَها، ونحن مع مخطِّطٍ واحدٍ؛ وهو تدعيمُ وتقويةُ مباني القريةِ لمنعِ هدمِها”.

يضيفُ: “لفتا ليست حَجرًا؛ وإنما تراثٌ وتاريخٌ وذاكرةٌ وناسٌ عاشوا هنا؛ وهؤلاءِ هم أصحابُ الحقِّ، وعلى الرغم من أنّ سلطاتِ الاحتلالِ اعتقلتني أنا وأبنائي؛ إلّا أنها لم تستطِعْ منعي من الحُلمِ؛ وهو ليس أضغاثَ أحلامٍ؛ وإنما هو ذاكرةٌ وتاريخٌ ووجودٌ”.

ويضيفُ: “الحياةُ المأساويةُ شكّلتْ تاريخي، وإذا لم أعُدْ أنا فسيعودُ أبنائي حتمًا”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى