
جمال شختور (26) عامًا؛ ابنُ مدينةِ بيتَ لحم؛ تخصّص هندسةِ الأتمتةِ الصناعيةِ؛ سخّرَ طاقتَه الشبابيةَ والذهنيةَ لخدمةِ مجتمعِه أولاً، وشعوبِ العالمِ؛ لا يعرفُ الكلَلَ ولا المَللَ طريقا في حياتِه المِهنيةِ والعلميةِ، حتى خلالَ جائحةِ (كورونا) التي اجتاحتْ دولَ العالمِ؛ وقلبتْ حياةَ شعوبِها؛ استغلَّ حالةَ الإغلاقِ الذي عمَّ الأراضي الفلسطينية ليبتكرَ أجهزةً تفيدُ أبناءَ شعبِه، فأبصرَ اختراعُه الثالثُ النورَ، وهو عبارةٌ عن “ذراعٍ إلكترونيةٍ”.
نجحَ الشاب “شختور” في تسجيلِ ثلاث اختراعاتٍ طبيةٍ باسمِه؛ قبلَ أنْ يتجاوزَ السادسةَ والعشرينَ عاماً من عُمره، حملتْ اختراعاتُه بصمةً طبيةً تُسَهلُ على المصابينَ وذوي الاحتياجاتِ الخاصةِ حياتَهم اليوميةَ دونَ مساعدةٍ من أحدٍ.
الحاجَةُ أُمُّ الاختراعِ
يقولُ “شختور” الذراعُ الإلكترونيةُ يتحكّمُ فيها عن بُعدٍ روّادُ المختبراتِ التي تحتوي موادَ كيماويةً سامّةً وخطيرةً؛ لتجنّبِ دخولِ المختبراتِ في ظِل وجودِ هذه الموادِ، ففي هذه الحالةِ يضطّرُ الشخصُ إلى ارتداءِ لباسٍ خاصٍّ بالمختبرِ؛ وبالتالي يُمكنُ أنْ يعرّضَ نفسَه للخطرِ عند تعامُلِه مع هذه الموادِ، إلا أنه بواسطةِ هذه الذراعِ؛ يرتدي كفّاً بيدِه أو جهازَ تحكُّمٍ يستخدمُه من خلفِ زجاجِ المختبرِ؛ حيثُ يمكنُه رفعُ العيّنةِ ومعاينتُها من خلالِ الكاميرا الموجودةِ في الذراعِ”.
ويضيف:”تُصادفُني حوادثُ ومشاكلُ كثيرةٌ؛ بسببِ تطوّعي في الإسعافاتِ الأوليةِ للمصابينَ في بلدي، بالإضافةِ إلى أنّ تخصُّصي في مجالِ التكنولوجيا جعلني أُرسِّخُ كلَّ ما أعرِفُه لخدمةِ الطبِّ. وبعدَ بحثي في المختبراتِ ومراكزِ الأبحاثِ؛ اكتشفتُ هذه المشكلةَ؛ وهي مَخاطرُ ارتداءِ لباسٍ خاصٍّ عندَ دخولِ المختصينَ لفحصِ عينةٍ..، فعملتُ على صناعةِ الذراعِ الإلكترونيةِ لحلِّ المشكلةِ، وعلى أساسِها سأكملُ في صناعةِ الروبوت”.
ويتابع: “الحاجةُ أمُّ الاختراعِ، فلا بدَّ للإنسانِ من أنْ يبتكرَ أشياءً تُسهِلُ عليه حياتَه. صنعتُ هذه الذراعَ كاملةً من مجهودي الشخصي، بنيتُها في بيتَ لحم بفلسطينَ من خلالِ طابعةٍ ثلاثيةَ الأبعادِ، قمتُ بتصاميمَ خاصةٍ لها؛ بالإضافةِ إلى تصاميمَ رأيتُها واستعنتُ بها عبرَ إعادةِ تصميمِها على الحاسوبِ، وتطبيقِها بشكلٍ دقيقٍ؛ وقد تَواصلَ معي كثيرٌ من مبتوري الأطرافِ لشِدّةِ إعجابِهم بهذا الاختراعِ وحاجتِهم إليه”.
مواجهةُ المحتلِّ
إنجازاتُ الشاب “شختور” العلميةُ لم تحدّها قيودُ الاحتلالِ؛ بل استطاعتْ أنْ تسافرَ بتميُّزِها إلى دولِ العالمِ العربي. فشاركَ عامَ (2019) في مسابقةِ “رالي العرب لريادة الأعمال”، الذي عُقدَ في البحرين بهدفِ تنميةِ روح ِالابتكارِ والريادةِ لدَى الشبابِ العربي، وقادَ فريقاً لتصميمِ وتطويرِ “كرسي كهربائي متحرّكٍ لذَوي الإعاقةِ الحركية”.
يتحدثُ عن الكرسي قائلاً :”يمَكّنُ الشخصَ من بعضِ الوضعياتِ كالوقوفِ، والجلوسِ، والاستلقاءِ، والارتفاعِ والانخفاضِ؛ بالإضافةِ إلى أنه يمنعُ التقرّحاتِ الجلديةَ، وينشّطُ الدورةَ الدموية، ويخففُ عبئاً عن الأهلِ؛ خصوصاً أنّ هذا الكرسي عندما يودُّ المصابُ الوصولَ إلى سريرِه في المنزلِ؛ يتمكنُ من خلالِ الجهازِ من الوصولِ إليه وحدَه دونَ مساعدةِ أحدٍ؛ وبعدَ وصولِه وبواسطةِ تطبيقٍ على الهاتفِ يتوجّهُ الكرسي وحدَه إلى زاويةِ الشحنِ، أي الاستلقاءِ على السريرِ، وفي الصباحِ يستدعيهِ منها، ويتمُ الأمرُ كالسابق. كما أنّ الجهازَ يمنعُ حصولَ تخثُّراتٍ في قدَمَي المصابِ”.
حازَ “شختور” على المركزِ الأولِ في فئةِ “ابتكارات الخدمة المجتمعية” في “الملتقى الهندسي التاسع”، الذي عُقدَ في سلطنةِ عُمان، عبرَ مشاركتِه بمشروعِه الخاصِّ؛ وهو “حقيبةُ الإنقاذ” أو “حقيبةُ التنفس”؛ وهي تَحملُ قناعينِ: واحدٌ للمسعفِ والآخَرُ للمُصاب.
يقول:”اختراعُ حقيبةِ التنفسِ كان نتاجاً لحادثةٍ حصلتْ مع “شختور” أثناءَ عملِه مسعِفاً متطوِّعاً في الإسعافاتِ الأوليةِ على نقاطِ التماسِ مع الاحتلالِ؛ حيثُ تمَّ إبلاغُه ذاتَ يومٍ بضرورةِ إنقاذِ حالةِ اختناقٍ خلالَ مواجهاتٍ كانت مندلِعةً حينَها، فكان بحاجةٍ ماسّةٍ إلى حملِ أنبوبةِ “وأكسيجين” معه لإنقاذِ المصابِ.
يتابع:”لم يتمكنْ “شختور” من إسعافِ المصابِ بالاختناقِ من الغازاتِ السامةِ التي كان يلقيها جنودُ الاحتلالِ في المكانِ؛ لأنّ المسعِفينَ ممنوعونَ من حملِ أنبوبةِ “الأوكسيجين” المضغوطِ؛ خوفاً من انفجارِها برصاصةٍ أو قنبلةٍ؛ خاصةً في مناطقِ التماس مع الاحتلالِ؛ فأجبِرَ على نقلِ المصابِ وسطَ الغازاتِ السامةِ، وانقطاعِ “الأوكسيجين” عن الدماغِ؛ ما سبَّبَ أضراراً كبيرةً للمصابِ؛ حينَها وُلدَ لديه دافعٌ لاختراعِ حقيبةِ تنفُسٍ إلكترونيةٍ مزوّدةٍ بقناعَين: أحدُهما لرجلِ الإنقاذِ، والآخَرُ للمُصاب.
ابتكاراتٌ إيجابيةٌ
يقولُ شختور: “الجهازُ لا يعتمدُ على تخزينِ الهواءِ؛ إنما على فلتَرتِه، فيأخذُ الغازاتِ السامةَ والمفيدةَ؛ ويقومُ بفلترتِها.. ويضخُّ لكِلا المُسعفِ والمصابِ الغازاتِ المفيدةَ فقط؛ وبالتالي القناعُ يضخُ هواءً نقياً على وجهِ المصابِ لِطردِ الغازاتِ السامةِ، ومنعِ دخولِ المزيدِ منها لحظةَ وضعِ القناعِ على وجهِ المصابِ، ويصبحُ الضغطُ داخلَه أقوى من الضغطِ الخارجي؛ فيمنعُ دخولَ الهواءِ بعدَها يوضعُ الجهازُ بشكلٍ آمِن، ويعطي الهواءَ للمصابِ حسبَ تنفُسِه بأقلِّ ضررٍ مُمكِن، وفي حالِ تعرّضَ الجهازُ لضررٍ ناري فلا ينفجرُ”.
يضيف: “بالنسبةِ إليّ جائحةِ “كورونا”، تزيدُ من الأفكارِ والعزيمةِ لإيجادِ ابتكاراتِ إيجابيةٍ تساعدُ في إخراجِ الناسِ من الوضعِ المأساوي الذي نمرُّ به نحن اليوم؛ خاصةً جيلَ الشبابِ، موجودونَ لحلِّ المشاكلِ التي نواجِهُها، فيقول:”أنا شخصياً كُلّما رأيتُ مشاكلَ؛ زادَ الإصرارُ لديَّ في المحاولةِ لإيجادِ حلولٍ أبتكِرُها من لا شيء، ولو أنّ (5%) فقط من المشكلة حُلت؛ فأنا سعيدٌ وأكتفي بهذا. طبعاً بوجودِ أيِّ أزمةٍ “كورونا” أو غيرِها؛ فنحن نحاولُ إيجادَ حلولٍ لها، لأنه في النهايةِ كما يقالُ “إذا لم تكنْ جزءاً من الحلِّ؛ فلا تكنْ جزءاً من المشكلةِ”؛ لذا يجبُ المحاولةُ في إيجادِ حلٍّ دائماً دون إحباط”.
وعن حُلمِه يقول: “أتمنّى أنْ أمتلكَ شركةً فلسطينيةً؛ تختصُّ في تقديمِ الخدماتِ الطبيةِ؛ وتسهيلِ حياةِ ذَوي الاحتياجاتِ الخاصة؛ تتضمنُ قِسماً لصناعةِ الآلاتِ التي يحتاجُ إليها المَرضى، مثلاً صنعَ يدٍ تُسَهلُ الحركةَ لمَبتوري اليدينِ.