Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تحقيقاتتربوية

الأهالي : أطفالُنا يوضَعونَ في مواقفَ مُحرجةٍ وسلوكياتٍ عدوانيةٍ

مواقعُ التواصلِ الاجتماعي أثّرتْ سَلبًا على الأبناءِ

 

يعاني الكثيرُ من الآباء والأمهاتِ من تصرّفاتِ أطفالِهم، التي تَخرجُ عن إطارِ الأدبِ والسلوكياتِ الصحيحة، فيَشكونَ من أنه دائمُ الضربِ لأصدقائه، ويأخذُ ألعابَهم، ولا يتوقفُ عن العراكِ وافتعالِ المشاكلِ، ويستمتعُ بنَصبِ المكائدِ لإيذاءِ أقرانِه وزملائه، وإذا عُوقبَ زاد هيجاناً!

أمامَ هذه التصرفاتِ العدوانيةِ تجدُ الحيرةَ تتسلّلُ لقلوبِ الوالدَين، وتبدأُ التساؤلاتُ؛ كيف أتصرّفُ مع طفلي العدواني؟ وهل سلوكُه بدافع طبيعي؟ أَم أنه حالةٌ مَرضيةٌ تحتاجَ لعلاجٍ؟

تحقيق: السعادة

خالد العربيد (40) عامًا، أبٌ لأربعةٍ من الأطفالِ، يقول: “ابني البكر “جمال” الذي يبلغُ من العمرِ أربعَ سنواتٍ؛ دائماً يضربُ أخاهُ الأصغرَ منه، ويتدخلُ في المشاكلِ التي لا تخصُّه، لدرجةِ أنه يتجرّأُ عليَّ وعلى والدتِه بالألفاظِ السيئةِ “!

ولتأديبِه ومنعِه من هذه التصرفاتِ؛ يحاولُ والدُه أنْ يتعاملَ معه بهدوءٍ، وحينما لا يرتدِعُ يضطَّرُ إلى استخدامِ أسلوبِ التهديدِ بالضربِ، والتهديدِ بإطعامِه “الفلفل”. ويقول: “عندما يشعرُ أني جادٌّ في ذلكَ؛ يخافُ ويهدأُ ويتوقفُ عن عملِه العدواني”.

تخالفُه “ريهام عبد الكريم” الرأي فتقول :”بأنّ بعضَ الأطفالِ تصدرُ منهم سلوكياتٌ عدوانيةٌ نتيجةَ مشاعرَ مكبوتةٍ داخلَهم؛ ونتيجةً للأوضاعِ التي يعيشونَها؛ لذلك يلجأُ الطفلُ لهذا التصرفِ للتفريغِ عما بداخلِه، فمن المستحيلِ أنْ ألجأَ للقوةِ في تعامُلي معهم، وأحاولُ أنْ أتقرّبَ من الطفلِ بتحفيزِه مادياً ومعنوياً، أو بهديةٍ بسيطةٍ للحدِّ من هذه الأفعالِ”.

فيما تعاني أم محمود (43) من تصرّفاتِ ابنِها؛ حيثُ يضعُها في مواقفَ مُحرجةٍ في كلِّ مكانٍ يتواجدُ فيه، فتقول “أعاني كثيراً من سلوكياتِ ابني المشاكسِ، الذي لا يتوقفُ عن جذبِ المشاكلِ وكأنه مغناطيسٌ! فهو لا يتوقفُ عن أذى أولادِ الحارةِ، وكذلك زملائه في المدرسةِ، ولا يسلَمُ منه حتى أصدقاؤه!

تُتابع :”كنتُ أجعلُه يجلسُ على الجوالِ لفتراتٍ طويلةٍ؛ حتى أرتاحَ من غلبتِه؛ وتجنُّبًا للمشاكلِ مع إخوتِه؛ فأصبح يقلّدُ ما يشاهدُه؛ وزادتْ عدوانيتُه.. وعندما أمنعُه من الجوالِ يبدأُ بالصراخِ وضربِ إخوتِه؛ وحتى يهدأَ أقومُ بضربِه وأعاقبُه؛ ولكنْ أجدُ نتيجةً وقتيةً، وبعدَ ذلك يعودُ للمشاكلِ! .

الطفلةُ دعاء (11عاماً) كانت تتشاجرُ مع فتاةٍ تقاربُ سنَّها، وارتسمتْ على وجهها ابتسامةُ المنتصِرِ؛ بعدَ أنْ جعلتْ الفتاةَ الأخرى تبكي! وأجابتْ عن سببِ تصرُّفِها بهذا الشكلِ بقولِها: “أنا ألجأُ للضربِ لأدافعَ عن نفسي؛ وهذا من حقي؛ وإلّا سيستمرُّ الجميعُ في أذيّتي إذا لم أضربْهم، كما أني أضربُهم عندما يرفضونَ مشاركتي ألعابَهم”!

أمّا الطفل “محمد حلاوة” ، تسعُ سنواتٍ، تبدو عليه ملامحُ القوةِ والجرأةِ فيقولُ للسعادة :”لا أضربُ ولا أشتمُ أحداً إلّا إذا اعتدَى عليَّ، وإذا بقيتُ ساكتًا ولم أفعلْ شيئاً سوفَ يتطاولُ عليَّ ويضربُني؛ولهذا لن أتنازلَ عن حقي”.

بالفطرةِ أَمِ اكتسابٍ 

وقد ينتجُ السلوكُ العدواني عندَ الطفلِ؛ كما تقول الأخصائيةُ النفسيةُ “عروب الجَملة”:” من الناحيةِ الوراثيةِ كنتيجةٍ لسلوكِ الأم العدواني أثناءَ فترةِ الحملِ؛ وهذا يعملُ على تغيُّر في كمياتِ الدمِ، وهذا التغيّرُ يؤثّرِ على الطفلِ؛ وبهذا يصبحُ لدَيهِ استعدادٌ للسلوكِ العدواني، وتظهرُ عليه بعضُ الأعراضِ كالعصبيةِ، وضربِ الرأسِ في الحائطِ، والقلقِ المستمرِّ. كما أنّ البيئةَ بإمكانِها المساهمةَ في أنْ يتخلَّى الطفلُ تدريجيًا عن السلوكِ العدواني”.

وتضيفُ الأخصائية: إنّ الطفلَ يلجأُ للسلوكِ العدواني في عدّةِ حالاتٍ منها: عندما لا تُلبي حاجاتِه الأساسية، مثلَ المالِ والملبسِ والدُّمى، بالإضافةِ إلى الحاجاتِ النفسيةِ مثلَ الحبِّ والعاطفةِ والاهتمامِ من قبلِ الوالدينِ، وعندَ تعرُّضِه للإحباطِ والضغوطاتِ والصراعاتِ والشجارِ بين الوالدين، وعندما يكونُ في البيتِ مَن يشجِّعُه على السلوكِ العدواني؛ كأنْ يكونَ الأبُ قدوةَ الطفلِ؛ يمارسُ السلوكَ العدواني ضدَ الأمِّ، أو ضدّ إخوتِه، فيقلّدُ سلوكَه.

وتتابع: “ويمكنُ للبيئةِ المدرسيةِ أنْ تساهمَ في ظهورِ السلوكِ العدواني لدَى الطفلِ؛ من خلالِ تقليدِ المدرسِ أو المديرِ أو بعضِ زملائه، وأيضاً سوءُ التغذيةِ يؤدي إلى الضعفِ العام؛ ما يجعلُه يضعفُ الجهازَ العصبي المركزي أو المُخيخ؛  فيتسبّبُ في حركةٍ زائدةٍ عند الطفلِ، وهي كذلك تسبّب القلقَ، وعندَ شعورِ الطفلِ بتهميشِ الآخَرينَ له، وعدمِ الاهتمامِ به؛ يحاولُ أنْ يشدَّ انتباهَ الآخَرينَ إليهِ عن طريقِ السلوكياتِ العدوانيةِ”.

وتوضّحُ  أنّ الذكورَ أكثرُ عدوانيةً من الإناثِ؛ نتيجةً للتربيةِ والعاداتِ والتقاليدِ، فالبنتُ تكونُ دائمًا هادئةً؛ أمّا الطفلُ فيفعلُ ما يريدُ ويشجِّعُه على ذلكَ الوالدانِ.

وتؤكّد أنّ من أفضلِ الطرُقِ لترويضِ الطفلِ العدواني؛ هي استخدام (السايكودراما) أي استخدامُ التمثيليةِ النفسيةِ؛ بهدفِ استنباطِ المشاعرِ الكامنةِ عن طريقِ أدوارِ المسرحِ؛ وهذا شيءٌ مُحبَّبٌ للطفلِ، كما أنّ اللعبَ يعدُّ أفضلَ طريقةٍ للتفريغِ؛ ويعدُّ مع (السايكودراما) وسيلةً للتشخيصِ والعلاجِ؛ ومن خلالِهما يستطيعُ الطفلُ التخلصَ من المشاكلِ؛ إضافةً إلى الرسمِ والفنِّ التشكيلي، وألعابِ الفكِّ والتركيبِ؛ وغيرِها من الألعابِ المحبّبةِ للأطفالِ، كما أنّ الرحلاتِ والترفيهَ تساهمُ في التخفيفِ من السلوكياتِ العدوانيةِ للطفلِ.

وتلفتُ إلى أنّ العقابَ الجسدي مرفوضٌ؛ لأنه يولد عداءً شديداً لكُلِّ من يعاقبُ الطفلَ عقاباً جسدياً.

وترى أنّ الأسرةَ والمدرسةَ شريكان في المهمةِ، “فترويضُ الطفلِ العدواني لا يقعُ على كاهلِ الأسرةِ فقط؛ وإنما تلعبُ المدرسةُ أيضاً دوراً في ذلك، وعلى المدرسةِ أنْ لا تستهينَ بالحصصِ غير المنهجيةِ؛ فهي تساعدُ الطفلَ على التفريغِ، وضرورةُ إعطائه حقَّه في الترفيهِ والقصصِ المفيدةِ.

وتضيفُ: “يجبُ على الوالدينِ أنْ يلجآ لأخصائي نفسي لعلاجِ سلوكِ طفلِهم العدواني؛ عندما يتكرّرُ في كلِّ حينٍ ووقتٍ، ويصبحُ أسلوباً يتّخذُه الطفلُ في مواقفِ حياتِه اليوميةِ، ويتكرّرُ في جميعِ المواقفِ المختلفةِ بصورةٍ زائدةٍ عن الحدِّ، وعلى الوالدَينِ والمقرّبينَ؛ وبمشاركةِ الطفلِ نفسِه المشاركةُ في حلِّ المشكلةِ”.

أبجدياتُ التربيةِ :

وعن أثرِ وسائلِ التكنولوجيا يقول د. “منير رضوان”، المستشارُ الأسري والتربوي، يقولُ:” وسائلُ التواصلِ الاجتماعي شاركتْ في بلوَرةِ شخصيةِ الطفلِ العدواني؛ فهي تشاركُ في تحفيزِ السلوكِ العدواني عندَ الأطفالِ؛ خصوصاً أنها أصبحتْ إعلامَ الإثارةِ لأنها تُمجّدُ شخصيةَ المقاتلِ أو المشاكسِ أو المتمرّدِ، وتُدخلُ في عقليةِ الطفلِ مفاهيمَ وقيَمًا تختلفُ عن أبجدياتِ التربيةِ الصحيحةِ والسليمة”.

ويضيفُ: “لأنّ مواقعَ التواصلِ الاجتماعي لا رقيبَ ولا حسيبَ لها؛  فهي الأداءُ الأكثرُ تأثيرًا على شخصيةِ الأبناءِ، وعلى سلوكِهم بشكلٍ أكبرَ من تربيةِ الوالدينِ، أو حتى المدرسةِ. وللأسفِ في منطقتِنا العربيةِ نستخدمُ وسائلَ التواصلِ الاجتماعي  بدونِ سيطرةٍ، حيثُ أننا نستقبله بخَيرِه وشرِّه؛ نظراً لأنه يظهرُ وبشكلٍ واضحٍ أنّ تقنيةَ الإعلامِ الغربي أكثرُ تطوّراً من الإعلامِ العربي؛ بالإضافةِ لضآلةِ الإنتاجِ المَحلي العربي لأفلامِ الكرتون؛ وبالتالي فإنّ قِيمَ المجتمعاتِ الغربيةِ المختلفةِ تطغَى على ثقافتِنا العربيةِ وقِيمِنا في وسائلِ الإعلام”.

ويتابعُ حديثه: “كما أننا لا يجبُ أنْ نَغفُلَ عن دورِ الوضعِ السياسي الذي يعيشُه الطفلُ الفلسطيني؛ وهو ما يميّزُه عن بقيةِ الأطفالِ، حيثُ أننا نلمسُ في كلِّ مكانٍ انتشارَ لعبةِ “اليهود والعرب”؛ وهي ألعابٌ تعتمدُ على العنفِ والضربِ. وقد تركَ الاحتلالُ آثاراً قاسيةً وصعبةً؛ بحيثُ أصبح الأطفالُ أكبرَ شريحةٍ متضرّرةٍ، وخلقتْ ظروفُهم جيلاً يتكلّمُ بلغةٍ لا يعرفُها كثيرٌ من الكبارِ؛ وهي لغةُ الدباباتِ والأباتشي والهيلوكبتر والإف16”.

ويرى بأنّ تكرارَ مَشاهدِ القتلِ والدماءِ والشهداءِ والعنفِ؛ كلها تغذي الاضطرابَ والتوتُرَ النفسي عندَ الأطفالِ، ولا يقفُ الأمرُ عندَ هذه الحدودِ؛ بل يتعدّاها  بالتعودِ على العنفِ وتسهيلِ اقترافِه.

ويقول :” يقعُ على الإعلامِ دورٌ كبيرٌ في التخفيفِ من حدّةِ السلوكِ العدواني؛ ولكنّ هذا الأمرَ من وجهةِ نظرِه لا يتعلقُ بالإعلامِ وَحدَه؛ و”لكنّ المطلوبَ منظومةٌ متكاملةٌ تتعلقُ بالإعلامِ وبإعادةِ صياغةِ التربيةِ”.

ويقول: “علينا أنْ نستغنيَ عن الإعلامِ المستورَدِ؛ لنراعي قِيمَنا وأخلاقَنا؛ وننقلَها لجيلِنا؛ بدَلاً من الأفلامِ الغربيةِ التي تركّزُ على العنفِ، وهي مسؤوليةٌ كبيرةٌ تحتاجُ إلى موازناتٍ ودعمٍ مالي ومبادراتٍ”.

ويرى د. “منير” بأنّ هناك مسؤوليةً مُلقاةً على أولياءِ الأمورِ؛ إذْ يجبُ عليهم مراقبةُ ما يشاهدُه الطفلُ في وسائلِ الإعلامِ، فيقول: “قد لا يلاحظُ الآباءُ أثرَ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي، التي تركّزُ على العنفِ في شخصيةِ ابنهِم في الوقتِ الحالي؛ ولكنّ آثارَها السلبية تظهرُ لاحقاً، وسنسمعُ عن أطفالٍ انتحروا، أو شنقوا أنفسَهم؛ تقليداً لِما رأوهُ في التلفازِ”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى