من الحَجرِ للهاشتاق .. تغيّرتْ حماس

السعادة_ آلاء عاطف النمر
لا يمكنُ حصرُ مصطلحِ السلاحِ على مُجسَّمِ البندقيةِ المُعبأِ بيتُها بحبّاتِ النارِ، فيمكنُ لجدارٍ تأسّسَ بنيانُه على مفرقِ طريقٍ رسميّ؛ أنْ يكونَ سلاحاً أيضاً، في مشهدٍ يعودُ بنا إلى أكثرَ من خمسةٍ وثلاثينَ عاماً، لِثُلةٍ من الشبانِ المُلثمينَ بالكوفيةِ الحمراءِ الفلسطينيةِ؛ وهم يختلسونَ وقتاً مظلماً من الليلِ؛ يمكّنُهم من خطِّ البيانِ العسكري الذي ينصُّ على تبنِّيهم لتنفيذِ عمليةٍ فدائيةٍ ضدَّ الاحتلالِ الصهيوني.
“صحافةُ الجدرانِ” ؛هي أولَى الوسائلِ الإعلاميةِ التي بدأتْ بها حركةُ “حماس” كواحدةٍ من سُبلِ حقِّ انتزاعِ حقوقِ الشعبِ الفلسطيني بمواجهةٍ مباشِرةٍ مع المحتلِّ الصهيوني، في الوقتِ الذي لم يكنْ فيه للإعلامِ الفلسطيني حضوراً قوياً يعبّرُ عن التوجُّهِ الفلسطيني تحتَ مظلةِ “ما أُخِذَ بالقوةِ لا يُسترَدُّ إلاّ بالقوةِ”.
الكاتبُ والمحلّلُ السياسي “مصطفى الصواف”، الذي امتهنَ في شبابِه الصحافةَ والإعلامَ للدفاعِ عن قضايا شعبِه الفلسطيني، يقول لـ”السعادة”:” إنّ بدايةَ العملِ الإعلامي لحركةِ “حماس” كان يتماشى مع الواقعِ، فكانت صحافةُ الجدرانِ هي صحافةُ “حماس”؛ لإيصالِ المعلوماتِ، ولتبَنّي العلمياتِ الفدائيةِ؛ ثُم انتقلَ بها لتطورِ الآلةِ العاملةِ في وسائلِ الإعلامِ، وإذا بإذاعةِ الأقصى تبدأ كذراعٍ إعلاميٍّ لحماس.
على مدارِ العقودِ الثلاثةِ الماضيةِ؛ استخدمتْ “حماس” أدواتِها الإعلاميةَ البسيطةَ؛ مقابلَ ما تملكُه اليومَ من منظومةٍ إعلاميةٍ متكاملةٍ؛ تمثّلتْ بإعلامٍ مكتوبٍ ومَرئيٍّ ومسموعٍ، وهذا كَّلفَها جهداً ووقتاً وميزانيةً ماليةً مخصَّصةً، يقولُ الصوافُ.
تطورُ المنظومةِ الإعلاميةِ لحركةِ حماس، وانفتاحُها على المنصاتِ الإعلاميةِ المتنوعةِ لم يغيِّرْ حماس أبداً؛ وإنْ تغيّرتْ الوسيلةُ، “ولو كان الشيخ “أحمد ياسين” حيّاً، والدكتور ا”لرنتيسي” لفعلوا مِثلَما فعلتْ قيادتُها اليومَ، فالواقعُ بأدواتِه يفرضُ نفسَه على المشهدِ، بما لا يغيّرُ المنهجَ؛ وإنْ تغيّرَ الأسلوبُ”، يضيفُ الصواف.
يؤكّد “الصواف” على انتهاجِ حماس على مدارِ عملِها في سلكِ المقاومةِ لأدبياتٍ وثوابتَ لم تتغيّرْ، نظراً لأنها حركةٌ يتّسعُ لدَيها الأفقُ بالانتشارِ على أساسِ أنه لا يَحكمُها قائدٌ بقدْرِ ما يحكمُها منهجٌ ومبدأٌ ورسالةٌ ومضمون ثابتٌ لا تغيّرُه العلاقاتُ الدوليةُ ولا العربيةُ ولا الفلسطينيةُ.
الإعلامي “مصطفى الصواف” قبلَ أنْ يصبحَ كاتباً ومختصاً بالشأنِ الفلسطيني؛ عملَ كأيِّ شابٍّ فلسطينيّ في المجالِ الصحفي؛ بعدما أنهَى دراسةَ الصحافةِ والإعلامِ في جامعةِ القاهرةِ؛ ومارَسَ التحريرَ والمراسلةَ الصحفيةَ مع عددٍ من الشبكاتِ الإعلاميةِ الدوليةِ؛ إلى أنْ أصبحَ رئيسَ تحريرِ أولِ صحيفةٍ يوميةٍ تَصدرُ من قطاعِ غزةَ تابعةٍ لحماس.
ويتّصفُ “الصواف” بأنه خبيرٌ بالشأنِ الفلسطيني؛ بعدَ تقلُّدِه لعددٍ من المناصبِ المتقدّمةِ والمؤثّرةِ بصناعةِ القرارِ الفلسطيني؛ وهو صوتٌ فلسطينيّ حمساويّ تدرّجَ في ممارسةِ رسالتِه الإعلاميةِ بحسبِ مراحلِ عُمرِه المتعاقبةِ؛ ويرى بأنّ على حماسٍ تطويرَ لغتِها الخطابيةِ بعددٍ من لغاتِ العالمِ؛ لتسهيلِ تواصلِها مع العالمِ الغربي بقوةٍ أكبرَ وأثرٍ أبقَى.
منظومةٌ ضخمةٌ
رئيسُ مجلسِ إدارةِ مركزِ الشبابِ الإعلامي “إياد القرا”، أخبرَ “السعادة” بأنّ حماسَ باتت الآنَ تتربعُ على عرشِ إمبراطوريةٍ إعلاميةٍ عملاقةٍ؛ كابدتْ لتأسيسِها على مدارِ ثلاثةِ عقودٍ مضتْ.
يوضّح “القرا” _والذي عملَ رئيسًا لتحريرِ صحيفةِ فلسطينَ اليوميةِ سابقاً_:” مرورُ “حماس” بثلاثِ مراحلَ لصياغةِ أدواتِها الإعلاميةِ، وفي كلِّ مرحلةٍ عملتْ واستفادتْ وأثّرتْ بحسبِ مُعطياتِ الواقعِ، فكانت الأدواتُ في البدايةِ تقتصرُ على صحافةِ الجدرانِ، والمناشيرِ الورقيةِ، والمسيراتِ الاحتجاجيةِ، والتي امتدّتْ منذُ بدايةِ انطلاقتِها إلى السنواتِ الخمسِ الأولى بعدَ انتفاضةِ الأقصى.
وفي مرحلتِها الإعلاميةِ الثانيةِ كان أكبرَ تَحدٍ لها؛ هو إطلاقُ قناةٍ تلفزيونيةٍ تبثُ عبرَ الشبكةِ المحليةِ على مستوى الضفةِ وقطاعِ غزة؛ وهي مَرئيةُ الأقصى التي تمثلتْ بنصفِ الإعلامِ الفلسطينيّ، الذي بدأَ بنقلِ المَشاهدِ والأحداثِ الفلسطينيةِ محلياً بالصوتِ والصورةِ عامَ (2005)، كما يقولُ “القرّا”.
أمّا المرحلةُ الثالثةُ فقد خرجتْ حماسُ بنفسِها إلى الفضاءِ الدولي بفتحِها لقناةِ الأقصى الفضائيةِ، والتي لم تَسلمْ من الاستهدافِ الصهيوني على مدارِ ثلاثِ حروبٍ مضت، وامتلكتْ عددًا لا بأسَ به من المؤسساتِ الإعلاميةِ المنتميةِ لها، والتي تَحملُ جزءًا من منهجِها ضِمنَ السياسيةِ التحريريةِ التابعةِ لها.
يقولُ “القرا”:” إن العشرَ سنواتٍ الأخيرةِ في عمرِ حماس؛ كانت فارقةً جدًا؛ فقد عملتْ على توظيفِ المنصاتِ الإلكترونيةِ، وشبكاتِ التواصلِ الاجتماعي، ضِمنَ منظومتِها الإعلاميةِ المقاوِمةِ؛ رغمَ محاربةِ محتواها الفلسطيني المقاومِ، وسجّلتْ أيضاً نقلةً مميّزةً في مجالِ الإعلامِ الرقمي، وأصبح لديها خبراءَ مختصّينَ..
فِعليًّا لا تكشفُ حماسُ عن عددِ المنضمينَ لصفوفِ جيشِها الإلكتروني المنظّمِ؛ فهي في غِنى عن كشفِها الدقيقِ بالأرقامِ حولَ ما تُحشدُه خلفَ كواليسِ منصاتِ الإعلامِ الرقمي، ضِمنَ عملٍ مُنظّمٍ مؤَطَّرٍ يَجمعُ بينَ التطوّعِ والانتماءِ، وبينَ الوظيفةِ الرسميةِ الثابتةِ؛ لكنها وضعتْ نفسَها عنصراً مُهماً لخطابٍ إعلامي دولي مدروسٍ، يقولُ “القرا”.
يصفُ “القرا” الجيشَ الإلكتروني الذي توظِّفُه حماس في سبيلِ نشرِ رسالتِها، ومجابهةِ الخصومِ بـ”جيشٌ ذو مخالبَ حادةٍ”؛ وهو الجيشُ ذاتُه الذي يعملُ على ترويجِ الروايةِ الفلسطينيةِ بأساليبَ وطرُقٍ متعدّدةٍ عبرَ خطابٍ معقولٍ؛ يوقظُ تضامُنَ الشعوبِ مع الفلسطينيين، وهو ترسانةُ قوةٍ تملكُها حماس كما قوةِ سلاحِها تماماً.
ليس شرطاً أنْ تربحَ
رئيسُ شبكةِ الأقصى الإعلاميةِ، والكاتبُ الفلسطيني “وسام عفيفة”، تحدّث لـ”السعادة” بقولِه إنّ خطابَ حماس الإعلامي كان يتناسبُ مع المحطاتِ التي مرّتْ فيها منذُ نشأتِها، فكان خطابُها يتّسمُ بالتعبئةِ من جانبٍ، والبعدِ الديني الإسلامي من جانبٍ آخَرَ، والعنوانُ الأبرزُ لها كان موضوعَ الثوابتِ الذي حظيَ باللونِ الأحمرِ مُطلقاً.
“عفيفة” والذي شغلَ سابقاً رئيسَ تحريرِ صحيفةِ الرسالةِ، والتي تعدُّ من أبرزِ الأذرعِ الإعلاميةِ لحماس، يقولُ: “بعدَ خوضِ حماس مراحلَ وعقودَ في صياغةِ ظهورِها الإعلامي وطبيعةِ خطابِها، أصبح لها دورٌ بإبداءِ رأيِّها ودعمِها لثوراتِ الربيعِ العربي؛ ما عرَّضَها للخسارةِ في بعضِ الأحيانِ؛ وليس شرطاً أنْ تربحَ دائماً بانسياقِها لمطالبِ السياسةِ”.
“حماس لا تعملُ في إطارِ ما يطلبُه المستمعون”، وهي في بعضِ المراتِ خسرتْ بسببِ مواقفِها السياسيةِ الحاسمةِ، واحداً منها؛ وقتَما أُغلقَ مقرُّها الرئيسُ في سوريا؛ بعدما رفضتْ دعمَها لسياسيةِ “بشار الأسد” ضدَّ الشعبِ السوري ومخيّماتِ اللاجئينَ، بحسبِ “عفيفة”.
يُعزي “عفيفة” تقدُّمَ حماس إعلامياً، ومواكبتَها للمنصاتِ العصريةِ بقوةٍ؛ نظراً لتراكمِ الخبراتِ لديها، والاستعانةِ بالمؤسساتِ الإعلاميةِ الخارجيةِ، واستعانتِها بأساليبَ خطابيةٍ تحشيديةٍ تطرُقُ أبوابَ التضامنِ الدولي والعالمي والعربي مع محورِ القضايا الفلسطينيةِ.
ويؤكّدُ “عفيفة” على أن حركةَ حماس تستطيعُ أنْ تناورَ إعلامياً؛ وتصدرَ روايتَها من خلالِ استثمارِها لقوةِ الالتفافِ الشعبي حولَ قوّتِها العسكريةِ؛ وهي بذلكَ تُثبِتُ نجاحَها كما فعلتْ في معركة “سيف القدس” الأخيرةِ.
حَجرُ الأساسِ وُضعَ منذُ الولادةِ الأولى لحماس، والجدرانُ بكُلِّ ما تَحمِلُه من طابعٍ ثوريّ؛ بقيتْ حاملةً لذاتِ الخطابِ المُعادي لكيانِ الاحتلالِ؛ لكنّها جدرانٌ إلكترونيةٌ تطلُّ على العالمِ بأسرِه، وتَحملُ بينَ سطورِها رسالةَ شعبٍ يسيرُ على نهجِ التحريرِ دونَ خياراتٍ أخرى.