المرأة تقود سفينة إعلام المقاومة وتجدف بإدارته وتصيغ القرار

تقرير :آلاء عاطف النمر
لا يُرى ذلكَ الأفقُ الذي تسعَى السيدةُ الفلسطينيةُ للوصولِ إلى شواطئهِ؛ لتُعلنَ استراحتَها؛ لكنها تُبدي كفاحًا مع الزمنِ بظروفِه وعثراتِه كتِفاً بكتفٍ، فأمسكتْ بالقلمِ؛ ووثّقتْ وكتبتْ فأثّرتْ، وأمسكتْ بالكاميرا؛ فصورّتْ وأنتجتْ فنجحتْ، وأمسكتْ بالمايكِ وتحدّثتْ فأسمعتْ، إلى أنْ أزالتْ ستارَ الكواليسِ عن نفسِها؛ وظهرتْ على الشاشاتِ بحجابِها وأناقتِها وفكرِها الإسلاميِّ المحافظِ.
“ضرْبٌ من الخيالِ”، مُجردُ التفكيرِ بظهورِ المرأةِ الفلسطينيةِ المحجَّبةِ على الشاشةِ المقاوِمةِ المتمثلةِ بقناةِ الأقصى الفضائيةِ؛ لتقديمِ نشرةِ أخبارٍ سياسيةٍ، أو حتى لتقديمِ برنامجٍ بمحاورَ اجتماعيةٍ، لأسبابٍ تَحكمُ المجتمعَ الفلسطينيَّ من جهةِ التقاليدِ، ومن جهةِ احتكارِ الشاشةِ للمرأةِ بشروطٍ تُنافي تكامُلَ حجابِها.
لكنّ السيدةَ الفلسطينيةَ كانت أقوَى من كلِّ الظروفِ والقيودِ التي تَحكمُ عقلَ المجتمعِ، فملأتْ الشاشةَ بجلوسِها في المنتصفِ، تديرُ الحواراتِ والبرامجَ التلفزيونيةَ، وفي الكواليسِ تقفُ خلفَ الكاميراتِ؛ وتُخرجُ حُزمةً من الحلقاتِ العصريةِ على مستوى من المنافَسةِ العالميةِ.
لم تكنْ هنا نهايةَ الوصولِ، فقد حملَ عامَ(2021) مفاجأةً سارّةً قبلَ رحيلِه، لتُكلَّلَ جهودُ الإعلاميةِ الفلسطينيةِ بحيازتِها على نصيبِ الأسدِ؛ عندما توَلّتْ قيادةَ عددٍ من المؤسساتِ الإعلاميةِ البارزةِ التي تعدُّ الأذرعَ الإعلاميةَ للمقاومةِ.
جاءتْ متأخّرةً
“حماسُ لم تصنعْ امرأةً واحدةً لتصميمِها على مقاسِ مكانٍ محدّدٍ بالصفوفِ الأولى؛ إنما فتحتْ أُفقَ العملِ والاجتهادِ أمامَ المرأةِ عمومًا؛ والصحفيةِ خصوصًا، فكانت كلُّ مَن لدَيها طموحَ العملِ والجدِّ؛ تتقدّمُ لصناعةِ نفسِها بنفسِها؛ إلى أنْ تقلّدتْ ما يليقُ بجهدِها”، نائبُ رئيسِ كتلةِ الصحفيِّ الفلسطينيّ “سميرة نصّار”.
“نصار” عادتْ بذاكرتِها المُكدَّسةِ بمراحلَ ومحطاتٍ فارقةٍ في تاريخِ المرأةِ الفلسطينيةِ؛ بقولِها :”وجودُ المرأةِ في صفوفِ حماس؛ تدرّجَ بِحَسبِ الظروفِ الزمنيةِ التي مرّتْ فيها الحركةُ من استجماعِ قوَّتِها، وتمكينِ أصولِها وثوابتِها بينَ صفوفِ الشعبِ الفلسطينيّ، فكان مَنوطاً بالمرأةِ حينَها أنْ تبدأَ من بيتِها بتأسيسِه على أصولٍ دينيةٍ سليمةٍ، بالتوازي مع تَحلِّيها بالسرِّيةِ والكتمانِ؛ لكونِها زوجةَ المطلوبِ والمطارَدِ والأسيرِ”.
الصحفيةُ “نصّار” والتي نما عُودُ شبابِها بينَ التطوّعِ في جمعياتِ العملِ الخيريّ، وممارسةِ الإعلامِ مذيعةَ برامجَ لإذاعةِ الأقصى، تحكي: “مرّتْ المرأةُ الفلسطينيةُ بثلاثِ مراحلَ مُهمّةٍ في الحقبةِ الزمنيةِ لحماس؛ حملتْ ثلاثةَ عناوينَ؛ بثلاثِ كلماتٍ، وهي فترةُ الحراسةِ ثُم الغراسةِ ثُم القيادةِ؛ وهذا ما أخَّر توَلّي المرأةِ لمناصبَ متقدّمةٍ في مؤسساتِ الحركةِ الفاعلةِ؛ لكنها كانت سبّاقةً في العملِ الخيريّ والدعويّ ضِمنَ جمعياتِ الشاباتِ المسلماتِ، وبينَ أروِقةِ رياضِ الأطفالِ التابعةِ للمجمعِ الإسلامي، وكان لها صداها وقوّتُها آنَذاكَ.
“إذا صحّتْ الأقلام؛ُ صحَّ التاريخُ”، تعيدُ “نصّار” الفضلَ لأصحابِه في كلِّ ما تقولُ؛ فتُخبِرُنا أنَّ المرأةَ الفلسطينيةَ بكونِها إعلاميةً؛ تأخّرتْ في الوصولِ إلى الواجهةِ؛ ولَمّا حانَ وصولُها؛ وصلتْ قويةً واثقةً متمكّنةً؛ ولدَيها من الخبراتِ ما يكفيها للإمساكِ بزمامِ الإعلامِ؛ دونَ أنْ ترجِعَ خُطوةً واحدةً للوراءِ
تقلدتُ كلَّ المناصبِ
من الساعةِ الخامسةِ مساءً؛ وحتى الواحدةِ فجرًا؛ تقضي الصحفيةُ “سمر شاهين” في مَهمّةِ التحريرِ والتدقيقِ لصفحاتِ صحيفةِ فلسطينَ اليوميةِ، حتى إيصالِها لماكناتِ الطباعةِ؛ وهذه مَهمّةٌ تُنفِّذُها يومياً – خلفَ كواليسِ الظهورِ-بصفتِها سكرتيرَ تحريرِ الصحيفةِ التي تأسّستْ قبلَ خمسةَ عشَرَ عامًا، في العام(2007).
هذه المرّةَ تَحمِلُ “شاهين” أعباءَ الصحيفةِ على أكتافِها بكلِّ قوةٍ وثقةٍ، ولكنْ بمُسمَّى “مديرُ تحريرِ الصحيفةِ”؛ الأمرُ الذي ضاعَفَ مسؤوليتَها تُجاهَ صياغةِ صفحاتِ “فلسطين”، لكونِها المحطةَ النهائيةَ التي تحطُّ فيها المادةَ المَنوي نشرَها.
“تنقّلتُ بينَ أقسامِ الصحيفةِ قبلَ تَولِيَتي الإدارةَ، فعملتُ بالمراسَلةِ الصحفيةِ، وبقسمِ الاقتصادِ والمنوّعاتِ والدولي، والقسمِ الاجتماعي، وعملتُ على إدارةِ الموقعِ الإلكتروني؛ ما راكَمَ التجرِبةَ لدَيَّ”، تحكي “سمر شاهين”.
ووصفتْ “شاهين” ثقةَ القيادةِ الإعلاميةِ بالمرأةِ؛ بأنها غيرُ متناهيةٍ؛ بعدَ مفاجأةِ المجتمعِ الفلسطينيّ بقفزةٍ نوعيةٍ تُجاهَ مكانِ المرأةِ المناسِبِ؛ ما زادَ لدَيها السعيَّ بتعزيزِ النهضةِ بعالَمِ الصحافةِ المكتوبةِ في ظِلِّ صرْعةِ العالمِ الرقمي.
كشفُ المَستورِ
تتَبايَنُ الخبراتُ والقدراتُ لدَى الإعلامياتِ؛ كلٌّ حَسبَ ميولِها، فحظيَتْ الصحفيةُ “شيماء مرزوق” بصفحاتِ المُنتَصَفِ من صحيفةِ الرسالةِ المطبوعةِ، والتي تخصَّصتْ بكتابةِ التحقيقاتِ الدّسمةِ، وكشفِ رزمةٍ من الحقائقِ التي تضعُ المسؤولَ عندَ حدِّهِ؛ وتحتَ طائلةِ الاستجوابِ القانوني.
الشخصيةُ الإعلاميةُ الجريئةُ والمتزِنةُ؛ التي حملتْ ملامحَها “مرزوق”؛ جعلتْها واحدةً ممّن تَصَدَّرْنَ لقيادةِ مؤسسةِ الرسالةِ الإعلاميةِ تحتَ مُسمَّى “مديرُ تحريرِ” الصحيفةِ؛ جاءَ ذلكَ بعدَ تدَرُّجِها في المهنةِ لمدّةٍ لا تقِلُّ عن أربعةَ عشَرَ عاماً، داخلَ أروِقةِ الصحيفةِ، وممارستِها لكافةِ المَهامِّ التي يقومُ بها الصحفيُّ الاجتماعيُّ والسياسيُّ والإنسانيُّ والاستقصائيُّ.
تقولُ مرزوق لـ”السعادة”:” إنّ وصولَ المرأةِ لملفّاتِ الإعلامِ والممارسةِ المباشِرةِ لقضاياهُ؛ لم يكنْ متأخِّراً بقَدْرِ وصولِها للقيادةِ الإعلاميةِ لمؤسساتٍ تابعةٍ للمقاومةِ، وهذا بحدِّ ذاتِه جديرٌ بِلَفتِ النظرِ والتقديرِ في آنٍ واحدٍ.
الطابَعُ الذكوري الذي يحتلُّ واجهةَ الإدارةِ الإعلاميةِ في المجتمعِ الفلسطينيّ كَكُلٍّ؛ لم ينظُرْ بعَينِ الاستخفافِ بقُدراتِ الصحفيةِ “مرزوق” لإدارةِ مؤسسةٍ إعلاميةٍ تَتْبَعُ للمقاومةِ؛ وهذا يشيرُ إلى مِهنيةٍ عاليةٍ تتمتعُ بها مؤسَّساتُ الإعلامِ الحمساويةُ؛ وتعتمدُ باختياراتِها على الكفاءةِ_ بحَسبِ “مرزوق”_ .
وتضيفُ “مرزوق”: حولَ الرؤيةِ والسياسةِ التحريريةِ التي تتَبنّاها مؤسسةُ الرسالةِ؛ لا تتنافَى مع المبادئِ التي يتَبنّاها الكُلُّ الفلسطينيّ؛ وخاصةً قضيةَ الالتفافِ الشعبيّ حولَ المقاومةِ، وأنّ الصدامَ أولاً وأخيرًا يتركّزُ ضدَّ الاحتلالِ؛ إضافةً لتَبنّيها قضايا إنصافِ المواطنِ أمامَ المسؤولِ؛ ما عزّزَ لدَيها القدرةَ على الإيمانِ بالرسالةِ التي تَحمِلُها ضِمنَ ثوابتِ عملِها الصحفيّ المِهنيّ.
“مرزوق” الصحفيةُ ورَبّةُ البيتِ؛ تتوَلّى رعايةَ خمسةٍ من الأطفالِ الذكورِ؛ بمُحاذاةِ إدارتِها لمؤسَّسةِ الرسالةِ؛ بعدَ حيازتِها على الثقةِ، فلَولا كفاءَتُها وخبرتُها في الإدارةِ المباشِرةِ للملفّاتِ السياسيةِ والاقتصاديةِ لَما وصلتْ..
وتسعَى “مرزوق” لتَركِ بصمتِها في تعزيزِ مزايا الصحيفةِ؛ بموضوعِ القصةِ الصحفيةِ، وملفاتِ التحقيقاتِ الاستقصائيةِ؛ مُشيرةً إلى ما يميّزُ أيَّ مؤسَسةٍ إعلاميةٍ هو طابَعُ التعاملِ الإنساني مع القضايا التي تمَسُّ حياةَ الناسِ؛ وليس السبْقَ الصحفيَّ في عصرِ تسابقِ الإعلامِ الرّقمي.
لم تحصُرْ الإعلاميةُ الفلسطينيةُ نفسَها في منبرٍ مُعيّنٍ؛ إنما وضعتْ أقدامَها على كلِّ ما يخُصُّ الإعلامَ وموضوعاتِه؛ فكشفتْ الستارَ عن قضايا عالقةٍ لم يطرُقْ بابَها أحدٌ، وخرجتْ من نافذةِ إعلامِ المقاومةِ بقوةٍ وثباتٍ.