اللاجئةُ الفلسطينيةُ والمعاناةُ المستمرةُ
لا تزالُ المرأةُ الفلسطينيةُ اللاجئةُ تعاني اقتلاعَها وتشريدَها من أرضِها، وهذه المعاناةُ لم تخِفّ وطأتُها بعدَ ثلاثةٍ وسبعينَ عامًا على كارثةِ اللجوءِ؛ سواءٌ كان اللجوءُ خارجَ فلسطينَ، في دولِ الشتاتِ، أو داخلَ فلسطينَ في المخيماتِ، والتي لم يوفّر أيٌّ منهما مَطلبَيّ المرأةِ في الاستقرارِ المادي والمعنوي، ففقدانُ الوطنِ أثّرَ على أجندةِ المرأةِ الفلسطينيةِ وأولوياتِها، وأصبحَ النضالُ والجهادُ ضدّ الاحتلالِ أولَ مهمّاتِها، والدفاعُ عن حقِّها في الوجودِ والحريةِ والاستقلالِ هدفَها.
ويُقدّرُ مجموعُ النساءِ الفلسطينياتِ اللاجئاتِ داخلَ وخارجَ فلسطينَ(2.5) مليونَ لاجئةٍ، ويشكّلُ هذا العددُ نصفَ عددِ اللاجئينَ الفلسطينيينَ تقريبًا؛ وذلك حسبَ إحصاءِ عامِ (2015)م للاجئينَ الفلسطينيينَ.
وتشتركُ جميعُ النساءِ الفلسطينياتِ اللاجئاتِ _في الأردنَ وسوريا ولبنانَ وقطاعِ غزةَ والضفةِ المحتلةِ_ في المعاناةِ الإنسانيةِ والمعيشيةِ، أضِفْ عليها الانتهاكاتِ وتعريضَ الحياةِ للخطرِ في حالتَي مخيماتِ غزةَ والضفةِ؛ بسببِ وجودِ الاحتلالِ وممارساتِه البشِعةِ بحقِّ المرأةِ من القتلِ والأسرِ والتعذيبِ، وحتى حرماتِها من أحبابِها.. وتعيشُ حالةً نفسيةً مريرةً من الشعورِ بالفقدِ والقهرِ؛ نتيجةَ غيابِ الأخِ والزوجِ والأبِ والابنِ؛ وما يترتبُ على ذلكَ من تبِعاتٍ ومسؤولياتٍ على كاهلِ المرأةِ؛ من إعالةِ الأسرةِ، وتوفيرِ الاحتياجاتِ، وتقديمِ العونِ والتربيةِ للأبناءِ ، وكذلك معاناتُها من الإجراءاتِ الاحتلاليةِ المتمثِلةِ بالحصارِ والإغلاقِ؛ وتدميرِ المنشآتِ من خلالِ العدوانِ الإسرائيليّ المتكرَرِ.
وفي بعضِ البلدانِ تعيشُ اللاجئةُ معاناةً خاصةً؛ كمعاناتِها من المعاملةِ التمييزيةِ في لبنانَ؛ و الناجمةِ عن وجودِ قوانينَ تَحرمُ العاملاتِ من حقِّ العملِ في عددٍ كبيرٍ من المِهنِ؛ (كالطبِّ والمحاماةِ والهندسةِ والصيدلةِ) على الرغمِ من المؤهلاتِ المتقدمةِ التي تمتلِكنَها، وهذه سياسةٌ لبنانيةٌ منهجيةٌ بحقِّ اللاجئينَ الفلسطينيينَ عمومًا؛ إلى جانبَ حرمانهِنَّ من حقِّ امتلاكِ العقاراتِ، ولا شكَ أنّ هذه المعاملةَ التي تبرِّرُها الدولةُ اللبنانيةُ برفضِ التوطينِ؛ تضيّقُ سُبلَ العيشِ أمامَ المرأةِ، وتَحدُّ من إمكاناتِ تطوّرِها وتقدّمِها الحضاري الإنساني؛ أمّا في الأردن رغمَ أنها تتساوَى مع المرأةِ الأردنيةِ في الحقوقِ المدنيةِ؛ إلّا أنه وفقَ الاشتراطاتِ بينَ الحكومةِ الأردنيةِ ومنظمةِ التحريرِ؛ لا تستطيعُ تقديمَ أيِّ دعمٍ أو مساندةٍ لأهلِها في الضفةِ المحتلةِ؛ ما يَنقصُ من حقوقِها السياسيةِ، وحقِّها في التعبيرِ عن نفسِها وهويتِها الوطنيةِ ، وفي سوريا تتمتعُ المرأةُ بنفسِ الحقوقِ المدنيةِ المتوفرةِ للسورياتِ؛ إلّا أنها تُحرمُ من المشاركةِ السياسيةِ داخلَ النظامِ السياسي السوري؛ ما يجعلُها في مرتبةٍ حقوقيةٍ أدنَى؛ لا تستطيعُ تحسينَ ظروفِ معيشتِها، أوِ التعبيرِ عن احتياجاتِها، أو تلبيةِ مطالبِها الحياتيةِ.
إنّ جميعَ المعلوماتِ تؤكّدُ على أنّ الفلسطينياتِ اللاجئاتِ يعشنَ حياةَ المخيماتِ الصعبةَ؛ التي تفتقرُ إلى الحدِّ الأدنَى من شروطِ الحياةِ؛ في أماكنَ لا تصلحُ أحيانًا للسكنِ الآدَمي؛ في برَكساتِ وبيوتِ “الزينكو والصفيح” في مخيماتِ لبنانَ وغزةَ، وفي بيئةٍ تفتقرُ إلى الشروطِ الصحيةِ والمعيشيةِ، والى الخدماتِ الضروريةِ التي تُعدُّ شرطًا ضرورياً للحياةِ الإنسانيةِ، وخاصةً في ظلِّ تراجعِ الأوضاعِ في الدولِ العربيةِ المضيفةِ للاجئينَ، و تفاقُمِ أزمةِ البطالةِ.
كما تعاني المرأةُ الفلسطينيةُ اللاجئةُ من احتمالِ اللجوءِ المتكرّرِ لأسبابٍ سياسيةٍ أو أمنيةٍ؛ وهو ما شاهدناهُ مؤخّراً في قضيةِ الأسيرةِ المحرّرةِ “أحلام التميمي”.
وأخيرًا، فإنّ إيقافَ مسلسلِ المعاناةِ التي تمرُّ به المرأةُ الفلسطينيةُ اللاجئةُ؛ يمرُّ فقط من بابِ الإقرارِ بحقوقِها، كلِّ حقوقِها، وفي المقدّمةِ منها حقُّ العودةِ إلى بلدتِها الأصليةِ، وإنهاءِ معاناةِ اللاجئينَ الفلسطينيينَ، وتنفيذِ القراراتِ الأمميةِ التي تنصُّ على حقِّهم في العودةِ والتعويضِ، وقيامِ الأممِ المتحدةِ بمراعاةِ خصوصيةِ اللاجئةِ الفلسطينيةِ عندَ إقرارِها بالاتفاقياتِ الخاصةِ بالمرأةِ، والتي لم تقدِّمْ أيَّ دعمٍ أو مساندةٍ للمرأةِ الفلسطينيةِ؛ لتمكينِها في مواجهةِ الاحتلالِ الذي هو سببُ معاناتِها.