أَرْخِصُوه أنتم
منذُ أيامٍ شهدتْ الأسواقُ المَحليةُ في قطاعِ غزةَ ارتفاعًا ملحوظًا في أسعارِ بعضِ السلعِ الاستهلاكيةِ الأساسيةِ بشكلٍ متصاعدٍ؛ وقد أثارَ رفعُ الأسعارِ موجةَ غضبٍ شعبيةٍ كبيرةٍ، بعدَ أنْ طالَ ما يُعرفُ بطعامِ الفقراءِ “العدس”؛ الأمرُ الذي دفعَ المواطنينَ لمقاطعةِ بعضِ السّلعِ الغذائيةِ لمواجهةِ الغلاءِ، إضافةً إلى أنّ بعضَهم مُقاطِعٌ لها منذُ زمنٍ؛ بسببِ قلّةِ المادةِ، وقسوةِ الحياةِ الاقتصاديةِ، والعَوزِ الذي يمُرّونَ به بسبِ التضييقِ والحصارِ المالي والاقتصادي المفروضِ على القطاعِ منذُ سنواتٍ من قِبلِ الاحتلالِ وأعوانِه.
هذا الارتفاعُ المتزايدُ للأسعارِ؛ يفرضُ على وزارةِ الاقتصادِ مُراقبةَ الأسواقِ، وأسعارِ السّلعِ، والتجارِ الاستغلاليّينَ، ومُحاسبتَهم على الزياداتِ، ونشرَ الوَعي الاستهلاكي بينَ المواطنينَ؛ لضبطِ الأسواقِ وتحقيقِ التوازنِ، ومنعِ حالاتِ الاحتكارِ والاستغلالِ، وليَعلمَ التاجرُ أنه لن يُسمحَ له بممارسةِ الاحتكارِ، ورفعِ الأسعارِ كما يريدُ.
– ويَعزو خبراءُ الاقتصادِ أسبابَ هذا الارتفاعِ لوجودِ خلَلٍ عالميّ بمنظومةِ الإنتاجِ في السّلَعِ الأساسيةِ بعدَ جائحةِ (كورونا)، كما أنّ تزايُدَ الطلبِ على السلعِ الأساسيةِ عالمياً؛ أدَّى إلى ارتفاعِ أسعارِها في الأسواقِ العالميةِ؛ فساهَم بزيادةِ تكاليفِ استيرادِها.
– كما أنّ ما حدثَ من رفعٍ للأسعارِ مَحلياً؛ يأتي أيضاً نتيجةً لطمعِ بعضِ التجارِ الذين استَغلّوا رفعَ السعرِ عالميًا؛ فرَفعوا أسعارَ البضائعِ المُكدّسةِ في مخازنِهم.
– لستُ خبيرًا اقتصاديًا؛ لكنْ من المنظورِ الاقتصادي أعتقدُ أنّ الحالةَ الاقتصاديةَ مرتبطةٌ ب”الدولار” لتَداوُلِه الكبيرِ في القطاعِ، فانخفاضُ سِعرِ صرْفِ الدولارِ ساهمَ بشكلٍ أو بآخَرَ بارتفاعِ الأسعاِر؛ حيثُ أنّ معظمَ معاملاتِ التجارِ والمستورِدينَ تتِمُ بالدولارِ، والقدرةُ الشرائيةُ للدولارِ اليومَ أصبحتْ أقلَّ بكثيرٍ من قدرتِه الشرائيةِ قبلَ أشهُر.
ومن المُهمِّ أثناءِ معالجةِ ظاهرةِ ارتفاعِ الأسعارِ، ضرورةُ تُضافُرِ جميعِ الجهودِ بينَ الحكومةِ، والمستهلكِ، والتجارِ؛ للخروجِ من الأزمةِ وحلِّها وعدمِ إيقاعِ الضرَرِ على المواطنِ.
نَعمْ، المسؤوليةُ تقعُ على الجميعِ؛ لكنْ يجبُ ألّا نُبرئَ دورَ الحكومةِ، وعليها أنْ تقومَ بدَورِها المسؤولِ؛ كما حدَّدَتْهُ لها صلاحياتُها في موضوعِ وضعِ التشريعاتِ، ومراقبةِ تنفيذِها، مع أنّ هناك جهاتٍ أخرى يجبُ أنْ تتعاونَ معها وتؤازرَها، وبهذا الصدَدِ يجبُ على الحكومةِ أنْ تسعَى إلى سَنِّ قانونٍ يمنعُ المُوَرِّدَ من رفعِ سعرِ أيِّ سلعةٍ، إلّا بعدَ الحصولِ على موافقةٍ من الهيئةِ العامةِ لحمايةِ المُستهلِكِ.
ومن أهمِّ الحلولِ لمشكلةِ غلاءِ الأسعارِ وفقَ شريعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ:
– تربيةُ الضميرِ على التقوى والمراقبة.
– كثرةُ الاستغفارِ والدعاء.
– التكافلُ الاجتماعي، وأداءُ الزكاةِ والصدقاتِ .
– التربيةُ على الرّضا والقناعةِ بما قَسمَ اللهُ تعالى.
– التربيةُ على الاعتدالِ ونبذِ الترَفِ والإسراف.
– مقاومةُ الاحتكارِ والاستغلالِ.
أخيراً.. جاءَ في الأثَرِ؛ أنّ الناسَ في زمنِ الخليفةِ “عمر بن الخطاب” رضيَ اللهُ تعالى عنه؛ جاؤوا وقالوا: غلا اللحمُ فسَعرْهُ لنا، فقال: (أرخِصوهُ أنتم!) فقالوا في أنفسِهم، نحن نشتكي غلاءَ السِّعرِ، واللحمِ عند الجزارينَ، ونحن أصحابُ الحاجةِ، فتقول: أرخِصوهُ أنتم! وهل نَملكُه حتى نُرخِّصَه؟! قالوا: وكيف نرَخِّصُه وليس في أيدينا؟ قال: اتركوهُ لهم. فكُلُّ واحدٍ منهم ذبحَ عشرَ أو اثنتَي عشرةَ شاةً، وذاكَ ذبحَ بعيراً.. إلخ، وكلُّهم ينتظرُ إتيانَ الناسِ ليبيعَ، فلم يأتِهم أحدٌ، فبالأمسِ كانوا يقولونَ: الأوقية – مثلاً – بريالين، واليومَ يقولون: بريالٍ ونصفِ الريال، فإذا ذهبَ نصفُ النهارِ قالوا: بريالٍ ورُبعِ الريال، فإذا أذّنَ العصرُ قالوا: بريالٍ، وسيبيعونَ ولو بنصفِ ريال، وهو أحسنُ لهم من أنْ يعفنَ اللحمُّ ويُرمَى. وماذا لو تركتُم اللحمَ يومينَ أو ثلاثةً أو أسبوعاً! وكُلوا غيرَه، فإذا علِمَ الجزّارونَ أنهم إذا رفعوا السعرَ ترَكه الناسُ؛ فلن يرفعوا السعرَ، وهكَذا بقيةُ السلعِ.
اللهمَّ ارفَعْ عَنا الغلاءَ والوَباءَ والشقاءَ، وقنِّعْنا بما رزَقْتَنا، وارزُقنا الحَلالَ وبارِكْ لنا فيه.