Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
سياحة

مُهدَّدٌ بالهدمِ  والإزالةِ

حيُّ البستانِ.. مَطمعُ الاحتلالِ لإنشاءِ مشروعٍ استيطان

 

يقعُ حيُّ البستانِ بسلوان، في وادي كدرون، بين حيّ وادي حلوة، والحديقةِ الوطنيّةِ لمحيطِ أسوارِ القدسِ غربًا، وبينَ الجزءِ القديمِ من سلوان شرقًا، وقد استخدمَ سكانُ سلوان الوادي لزرعِ أشجارِ الفاكهةِ.

وحيُّ البستانِ هو في قلبِ بلدةِ سلوان؛ ويُجاورُ المسجدَ الأقصى من الجهتينِ الجنوبيةِ والجنوبيةِ الشرقيةِ؛ ويبعدُ عن السورِ الجنوبي قرابةَ (300) مترٍ؛ ويمتدُّ على مساحةِ (70) دونمًا .

حيُّ البستانِ من الأحياءِ المجاورةِ للمسجدِ الأقصى؛ فهو محطٌّ لمطامعِ الاحتلالِ الإسرائيلي، الذي يحاولُ بكُل السبُلِ هدمَ بيوتِه، وإخلاءَ سكانها؛ تمهيدًا لهدمِ اثنَي عشرَ حيًّا آخَرَ مُجاوراً له؛ ما يتيحُ المجالَ أمامَه لإقامةِ المشروعِ التهويدي المُسمَّى “الحوضُ المُقدّس”، و”الهيكلُ المزعومُ” على أنقاضِ الأقصى.

يفيدُ دكتور “محمود عيسى”، مهتمٌّ بملفِ القدسِ، أنّ المخطَّطَ العمراني المخصّصَ لبَلوَرةِ العلاقةِ بين الصيانةِ والتطويرِ في حوضِ البلدةِ القديمةِ، بأنّ وادي البستانِ مُعرّفٌ كمنطقةٍ مفتوحةٍ يُمنعُ البناءُ فيها، ولم يجرِ في المخطّطِ ضمُّ أيِّ منازلَ؛ باستثناءِ مبانٍ معدودةٍ كانت قائمةً فيه، وعلى مرِّ السنواتِ، صُدّقتْ خرائطُ هيكليّةٌ لبعضِ أجزاءِ سلوان؛ إلا أنها لم توَفّرْ منطقةً لازمةً لتوسُّعِ الحيّ، ولم تزدْ من حقوقِ البناءِ فيه.

يقول:”مع تعاظمِ الاكتظاظِ في سلوان؛ بدأَ سكانُه بالبناءِ في الوادي، مُجبَرينَ. ويوجدُ اليومَ في البستانِ أكثرُ من (90) منزلاً سكنيًّا؛ شُيّدتْ من دونِ ترخيصٍ، غالبيّتُها بدأ تشييدُها في سنواتِ الثمانين. ويقطنُ الحيَّ نحوُّ ألفِ شخصٍ؛ يعانونَ.. لأنّ الحيَّ غيرُ معترَفٍ به رسميًّا، ويواجهونَ أوامرَ هدمٍ صدرتْ ضدَّ بيوتِهم جرّاءَ ذلك، ولا يقوَى السكانُ على توسيعِ منازلِهم، وتشييدِ بيوتٍ أخرى على أراضيهم، أو إقامةِ بِنَى تحتيّةٍ لائقةٍ، ومَبانٍ عامّةٍ.

يذكرُ د. “عيسى”  منذُ عامِ (2004)م، وأهالي حيّ البستانِ يقاتلونَ في محاكمِ الاحتلالِ ضدَّ أوامرِ الهدمِ لجميعِ بيوتِهم، لتفاجئَهم سلطاتُ الاحتلالِ بقراراتٍ طابعها “سياسي”؛ تهدفُ لإزالةِ الحيِّ عن الوجودِ. وفي تصريحٍ أعلنتْ لجنةُ الدفاعِ عن حيِّ البستانِ وسلوان في القدسِ، أنّ بلديةَ الاحتلالِ ألغتْ جميعَ الاتفاقاتِ المُبرَمةِ مع السكانِ الفلسطينيينَ في الحيِّ الملاصقِ للمسجدِ الأقصى، ورفضتْ المخططاتِ التي طلبتْها بديلًا لهدمِ منازلِهم .

في شهادةِ المواطنِ “عبد الحي الشافعي”، الذي يسكنُ حيَّ البستانِ، ويدفعُ غراماتٍ باهظةً، يقول: “البيتُ مساحتُه صغيرةٌ قرابةَ سبعينَ مترًا، ويسكنُ فيه تِسعةُ أشخاصٍ، تسلّمنا قرارًا بهدمِه! نحن لا نعرفُ للراحةِ النفسيةِ سبيلًا؛ خشيةَ أنْ يُهدَمَ البيتُ في أيِّ لحظةٍ.. ندفعُ ضريبةً لبيوتِنا ونحن أصحابُها! فكُل خمسِ سنواتٍ ندفعُ قرابةَ (70) ألفَ شيقل لبلديةِ الاحتلالِ؛ كمخالفةٍ بزعمِ “البناءِ غيرِ المُرخَّصِ”.

يضيفُ :”إلا أنه كلما انتهينا من سدادِ المخالفة؛ تُجدّدُ لنا سلطاتُ الاحتلالِ المخالفةَ؛ ما يُرهقُنا ماديًّا ونفسيًّا، وقام الاحتلال بهدمِ بيتِ شقيقي.

وبيّنَ أنّ سكانَ الحيِّ قرروا التجمعَ؛ وإنشاءَ “لجنةِ الدفاعِ عن حيِّ البستان”؛ لتقليلِ التكلفةِ على السكانِ في دفاعِهم عن منازلِهم، لافتًا إلى أنّ بلديةَ الاحتلالِ بعدَ أنْ طلبتْ من اللجنةِ إنشاءَ مخطِّطٍ تنظيميّ للحيِّ؛ فهي في كلِّ مرةٍ ترفضُ المخططَ، وتضعُ شروطًا تعجيزيةً لإقرارِه”.

وأضاف: “لكننا لن نتزحزحَ عن أرضِ الآباءِ والأجدادِ، ولن نتركَ بيوتَنا.. فمجاورتُنا “للأقصى” لا تُقدّرُ بثمنٍ، والآن هم أوقفوا تمديدَ السماحَ لنا بالبقاءِ في منزلِنا؛ ما يجعلُنا في حالةِ خطرٍ داهمٍ من أنْ يهدموا بيوتَنا في أيِّ لحظة”.

ومضى بالقول: “نحن على يقينٍ بأنهم إذا ما هدموا حيَّنا؛ فإنهم سيهدمونَ بقيةَ أحياءِ سلوان؛ للسيطرةِ على محيطِ المسجدِ الأقصى (…) سنعاودُ إيجادَ “خيمةِ التحدي والصمود”، وسنخوضُ نضالًا جماهيريًّا ضدَّ قراراتِ الاحتلالِ.

في حديثٍ مع عضوِ لجنةِ الدفاعِ عن حيِّ البستانِ وسلوان، “فخري أبو دياب” ،يقول:” إنّ بلديةَ الاحتلالِ في القدس نكثتْ بوعودِها لأهالي “البستانِ”؛ باعتمادِ المخططِ التنظيمي الذي قدّموهُ لها، مشيرًا إلى أنّ البلديةَ ألغتْ بكتابٍ رسميٍّ للمحامي ولـ”لجنةِ الدفاعِ عن البستانِ” اتفاقَها بهذا الخصوص.

يقول:”هذا الإلغاءُ يعني تنَصُلًا من الاتفاقياتِ الدوليةِ، ومقدّمةً أمامَ إزالةِ التجميدِ عن قرارِ “منعِ الهدمِ” لبيوتِ الحي؛ بسببِ الضغوطاتِ السياسيةِ التي يمارسُها اليمينُ الإسرائيليّ المتطرّفُ، الذي ينادي بتقليلِ عددِ المَقدسيينَ في المدينةِ المحتلةِ”.

ولفتَ إلى أنّ الاحتلالَ يهدفُ من هدمِ حيِّ البستانِ، وبقيةِ أحياءِ سلوان؛ لإقامةِ ما يسمَّى بـ”الحوض المقدّس” التهويدي حولَ المسجدِ الأقصى؛ مستغلًّا الظروفَ الدوليةَ الراهنةَ، والتطبيعَ العربي مع (إسرائيل)؛ ما زادَ من نَهمِ الاحتلالِ لبسطِ نفوذِه على القدسِ.

يوضّح: إنّ هدمَ البستانِ سيؤدي لهدمِ بقيةِ الأحياءِ في سلوان، ويحيطُ به حاليًّا الأنفاقُ التي تحفرُها (إسرائيل)؛ لتغييرِ واقعِ المسجدِ الأقصى؛ الذي يبدأُ بهدمِ البستانِ، وإبعادِ الناسِ عن مدينةِ القدسِ، فالاحتلالُ يهدفُ طرْدَ الناسِ من الأحياءِ في سلوان؛ الذين هم خطُّ الدفاعِ الأولُ عن “الأقصى”، ولتغييرِ الواقعِ في المدينةِ المقدسةِ، فهي مقدّمةٌ لتهويدِ “بطنِ الهوَى” المجاورِ للبستانِ من الجهةِ الشرقيةِ، ووادي حلوةِ من الجِهتينِ الغربيةِ والغربيةِ الشماليةِ.

ويقولُ أبو دياب: “يدَّعي الاحتلالُ بأنّ المنطقةَ إرثٌ حضاريٌّ وتاريخيٌّ للشعبِ اليهوديّ قبلَ ثلاثةِ آلافِ عامٍ للمَلكِ “داود”، فيريدُ بناءَ حديقةٍ توراتيةٍ بدَلًا منها؛ اسمُها “حديقةُ الملكِ داود”، فأرسلتْ بلديةُ الاحتلالِ أوامرَ هدمٍ لجميعِ البيوتِ في عامِ (2004)م؛ صادرةً من مكتبِ رئيسِ وزراءِ الاحتلالِ”.

وبيّنَ أنه بعدَ الهجمةِ على البستانِ؛ تمَّ اتخاذُ خطواتِ دفاعٍ عن حيِّ البستانِ؛ بإقامةِ خيمةٍ لدعمِ صمودِ أهلِه، وإذا ما نجحَ الاحتلالُ في هدمِ الحيِّ؛ سيَتحوّلُ من هدمِ البيوتِ لهدمِ الأحياءِ؛ حيثُ “لجأتُ للمسارِ القانوني مع عدمِ ثِقتِنا بالقضاءِ الإسرائيلي؛ لأنه جزءٌ من المنظومةِ الاحتلاليةِ، كما لجأنا للمؤسساتِ الدوليةِ لهذا الغرضِ، ما أدّى لإيقافِ أوامرِ الهدمِ”، لافتًا إلى أنّ الضغطَ القانوني والدولي جعلَ البلديةَ توافقُ على تجميدِ الهدمِ؛ بشرطِ “استصدارِ خرائطَ هيكليةً تنظيميةً” للمنطقةِ من قِبلِ أهلِ الحيِّ لمنحِهم تراخيصَ للبناءِ.

ويوضُحُ:” إنّ بيوتَ البستانِ عرضةٌ للهدمِ، فيقولُ:” أصبحنا دونَ غطاءٍ قانونيّ، وسيَتحَيّنُ الاحتلالُ الفرصةَ للانقضاضِ على البيوتِ؛ وسنُعيدُ الخطواتِ التصعيديةَ والحراكَ الجماهيري، وسنُعيدُ خيمةَ الاعتصامِ للاعتراضِ على القرارِ، ونتواصلُ مع المؤسساتِ الدوليةِ ضدّ هذا القرارِ المُخالفِ للقانونِ الدولي (…) فهَدْمُ البستانِ يأتي ضِمنَ مخطّطٍ لقواتِ الاحتلالِ؛ لإحلالِ (25) ألفَ مستوطنٍ في المنطقةِ الجنوبيةِ للأقصى حتى عامِ (2030)م.

“نادر أبو دياب” واحدٌ ممّن تَسلّموا هذا القرارَ؛ قال إنّ أمرَي هدمٍ يسريانِ على منزلِه؛ أحدُهما يتعلقُ بقانونِ “كامينتس”، والآخَرُ بمُخطَّطِ “الحديقة القومية”، ويعتقدُ “أبو دياب” أنّ هدمَ منزلِه ذاتياً هو أكثرُ ما يُنهِكُه نفسياً، متسائلاً “كيف يُجبَرُ إنسانٌ على هدمِ أحلامِه ومستقبلِه بيَدِه؟”.

ويعيشُ في منزلِ أبو دياب (10) أفرادٍ -بينَهم طفلانِ- ينتظرونَ جميعاً مصيراً قاتماً بعدَ انتهاءِ المهلةِ التي حدّدتْها البلديةُ.

وليس بعيداً عنه، تعيشُ المقدسيةُ “أماني عودة” حالةً من القلقِ الشديدِ على منزلِها المكوّنِ من غرفتينِ، والذي يأويها وزوجَها وطفلَيهِما “آدم وسلوان”.

أصبحتْ “عودة” مُجبَرةً على تهيئةِ طفلَيها بقربِ تهجيرِهم قسراً من دفيأتهم التي وُلدوا وترَعرعوا في أكنافِها، وقالت “أخبرتُهما أننا قد نتعرضُ خلالَ الأيامِ المقبلةِ لأذىً نفسيٍّ وجسديٍّ، وأننا سنرابطُ في خيمةِ الاعتصامِ، ولن نتراجعَ عن حقِّنا في العيشِ بسلوان”.

في الوقتِ ذاتِه تعملُ عودة -وهي طبيبةُ أسنانٍ وإحدى الناشطاتِ بحيِّ البستانِ- مع مجموعةٍ من الشبابِ على تشكيلِ حملةِ ضغطٍ ومُناصَرةٍ لمنعِ تنفيذِ الهدمِ، أو تجميدِه على الأقلِّ.

وتقولُ: “أنا متضرِّرةٌ بشكلٍ كبيرٍ؛ لكنني أرفضُ فكرةَ الاستسلامِ؛ وأحاولُ إيجادَ مَخرجٍ مناسبٍ لنا من هذه الأزمةِ والكارثةِ الوشيكةِ”.

ورغمَ مرضِها الشديدِ، وقلَقِها العميقِ على مصيرِ منزلِها ومستقبلِ أطفالِها؛ فإنّ الابتسامةَ لم تفارقْ وجهَ هذه الشابةِ المقدسيةِ؛ التي ودّعناها وهي توصي طفلَها آدمَ (11 عاما) بالتوَجِّه يومياً إلى خيمةِ الاعتصامِ في حيّ “بطنِ الهوى” المُجاورِ؛ بمجردِ انتهاءِ امتحاناتِ العامِ الدراسي الحالي.

وخرجْنا من منزلِ عائلةِ “عودة” الذي كتبَ على الجدارِ المقابلِ له “هنا باقون.. حي البستان.. حي الشيخ جراح”، وسِرْنا صعودًا للقاءِ إحدى أكبرِ مُسِنّاتِ العائلةِ “حربية عودة”، التي رحّبتْ بنا بهدوءٍ؛ لكنها سرعانَ ما انفعلتْ وقالت “ليس لليهودِ أيُّ أملاكٍ في سلوان.. يسرقونَ منازلَنا وتعبَ أبنائنا وأحفادِنا في بناءِ منازلِهم”.

وتذكرُ المُسِنّة أم “يحيى عايش” في حيّ البستانِ قديماً، فتقول:” إنه جنةُ البلدةِ؛ إذ نعُمَ السكانُ على مدارِ عقودٍ بثمارِ أشجارِ التينِ ذاتِ الطعمِ الاستثنائي؛ لمجاوَرتِها لعينِ الماءِ التاريخيةِ الجاريةِ، وكانت الخضرواتُ بأنواعِها تُزرعُ هنا؛ وتباعُ في أسواقِ القدسِ؛ قبلَ أنْ يضيّقَ الاحتلالُ على الأهالي تدريجًا، ويُحوّلَ حياتَهم إلى جحيم.

تقول :”سنبقَى هنا في حيّ البستانِ، وبلدةِ سلوان، وحيّ الشيخ جراح، سنبقَى هنا في جبلِ صبيح، وفي بيتا، باقونَ في القدسِ، وفي كلِّ بقعةٍ في فلسطينَ.. هذه الأرضُ الفلسطينيةُ حصرًا للفلسطينيينَ، أمّا الاحتلالُ فسوفَ يزول”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى