مرآتي
أفكار مسمومة
في فيلم سينيمائي شاهدته، طَرَق موضوع الإساءة للزملاء والأقران في عمر مبكر، وأثره على حياتهم في الكبر، طريقة العرض كانت ذكية، أوصلت المُشاهد للاقتناع بفكرة أن التنمر ونشر الأباطيل عن الرفاق يمكن أن يدمر حياتهم على المدى البعيد، ويجعل منهم أشخاصاً غير أسوياء، يضرّون بمن حولهم، وأول من يقع عليه ضررهم هم بالتأكيد الأشخاص الذين أساؤوا إليهم من البداية، وكان لهم الأثر الأكبر في معاناتهم.
وهذا مفهوم مهم وضروري، وذو اتجاهين، اتجاه يقتضي أن نعلم أبناءنا ونربيهم على احترام الآخرين، وعدم التعدي عليهم، أو استضعافهم، واتجاه معاكس يقتضي متابعة وملاحظة أبنائنا لحمايتهم من أن يقع عليهم هذا التعدي أو ذاك الاستضعاف، والأساس في كليهما الثقة؛ الثقة في أن يعترف الابن بخطئه حين يخطئ، ولا يتوانى عن إخبار والديه والتراجع عنه، والثقة في نفسه إذا تعرض للأذى أن يواجهه ويتحدث عنه ولا يستسلم.
في قصة الفيلم خصص الموضوع الإساءة بنشر شائعات وافتراءات كاذبة، وهو أمر لا يستهان به، إذ حين تطفو حكاية ما، تنتشر كالنار في الهشيم، ويتناقلها الجميع، ويصعب نسيانها أو محوها من ذاكرة الأجيال، خاصة إذا تعلقت بقَدح أخلاقي، وهنا نعود إلى التربية، وتعزيز مبادئ التثبت، والتروي، وعدم تكرار كل ما يقال من قبل الأبناء، وتعليمهم ذلك.
في نهاية القصة، ينتقم الطفل المضطهد الذي أصبح رجلاً، ممن تسبب في الإساءة إليه وتدمير حياته، لكنه يفعل ذلك بذكاء، موجّهاً إليه شكوك ودلائل تزعزع ثقته بأكثر مناطقه أماناً، وتزرع الاهتزاز في عقله، وتنزع عنه اليقين في مبادئ حياته، مُرسلاً تحياته له في قصاصة صغيرة كتب فيها: “هذا هو بالضبط ما يحدث عندما تسمم عقول الناس بالأفكار السيئة”.
نساء للاستهلاك!
تنادي النساء بضرورة نزع النظرة الاستهلاكية عنهن، وينتقدن الكم الهائل من “تشييء” المرأة، واستخدامها كمادة للترويج فقط، ويفتحن النار على شركات الدعاية، وأرباب الإعلانات الذين يُقحمون صورتها في تسويق أي منتج كان، متعلق أو غير متعلق بها.
وهو تحرك محمود ومطلوب، لكن الغريب أن هؤلاء النساء أنفسهن، تقوم بعضهن –من حيث تدري أو من حيث لا تدري- بممارسة تلك المنهجية بنفسها، وبملء إرادتها، فتجدها تنشر محتوى مفيداً –على اختلاف درجة الفائدة منه- مصحوباً بصورة منمقة لها، أو تضع الحديث تصميماً موزعاً على عدة صور تُظهرها في أفضل صورة متوقعة أو غير متوقعة! فتسوّق ما تريد من أفكار من خلال صورتها، كأداة ترويج وعنصر جذب، “فتُشَيّؤُ” نفسها، وتُصبح أسوأ حالاً من صاحب الشركة الدعائية ومختصّ الإعلان!
مغامرة الموت
قرأت عبارة لعمرو الجندي يقول فيها: إن الموت هو المغامرة الكبرى، لأننا لا نعرف شيئاً عنه.
فكرت في أن الإنسان في الدنيا عندما يقرر أن يخوض مغامرة إلى مكان جديد، يحب أن يرافقه فيها أحب الناس إليه، وأخلصهم له، ليكون له عوناً في الحاجة، ومعه أنيساً في المتعة..
لكن مغامرات الدنيا -مهما بلغ مقدار غموضها- لابد أن نعلم عنها شيئاً عاماً يهيئنا لما سوف نراه، نلقاه، نعيشه، ونتوقعه..
أما الموت فهو مجهول مطلق! يحتمل آلاف الاحتمالات، وملايين الأشكال، ومهما علمنا عنه من سِيَر ومواعظ فهي إطار عام غير مؤكد ولا محدود، ويمكن أن يكون خارج كل حدود الخيال والتوقعات..
ومهما كانت أمنية الرفقة في هذا المجهول محببة ومطلوبة، ومُخفِفة قليلاً من وحشة المفهوم، إلا أنه لا أحد يدري ما إذا كانت حقاً كذلك! فرحلة الموت قد تشهد انفصالنا عمن صحبناه في الموت، أو اختلاف مصائرنا، أو تباين درجاتنا، أو تحدث أشياء غريبة تمنع التقاءنا، فنتجرع الموت والوحشة معاً، ولا يكون هو الحل للبعد، ولا محلّ اللقاء..
وعالم الأرواح لا ندري عن تفاصيله ولا قوانينه شيئاً.. وقد لا يكتب اللقاء إلا في الجنة بعد انتهاء كل شيء، فلا يكون ما نأمله ونتمناه، فنخسر الحياة، ويبقى الانتظار!
وهنا ليس لنا أن نسلّم بقول “الموت مع الجماعة رحمة” ففي الموت مفهوم الواحد هو المسيطر: تدفن وحدك وتسأل وحدك وتبعث وحدك..
ولذا ليس مسلماً به أيضاً حظ الذين يموتون معاً، وربما لا يكون ما نغبطهم عليه سوى تزامن وقتي لا فائدة منه..