علاقة “أم جوليا” بالمطبخِ محدودةٌ؛ وأنا أعشقُ المسَخّن والكنافةَ
حبيبنا اللزم "أبو جوليا" في ضيافةِ "السعادة"

حوار/ ديانا المغربي
“مِش كُل مَن صفّ الصواني حلواني”، كُلما شاهدتُ أحدَ وصفاتِه؛ أتذكّرُ هذا المَثلَ الشعبي لأقولَ: فِعلاً، إنه مختلِفٌ بوصفاتِه، وطريقةِ عرضِها، وطريقةِ التلذُذِ في تناوُلِها فورَ الانتهاءِ من إعدادِها، جمالُ وصفاتِه يأتيكَ من المشاعرِ التي يعطيكَ إياها خلالَ المُشاهدةِ؛ بأنّ كلَّ شيءٍ بسيطٌ، ومتوَفرٌ، وله بدائلُ، هذه المشاعرُ كفيلةٌ لأنْ تصحَبَكَ إلى مطبخِكَ دونَ تخطيطٍ.
الغريبُ أنّ مُتابعي وصفاتِه وطبخاتِه من الرجالِ أكثرُ من متابعيهِ من النساءِ، فيديوهاتُه على موقعِ “فيسبوك” تُشاهَدُ قبلَ الأخبارِ العاجلةِ؛ وتصلُ المشاهداتُ في النصفِ ساعةٍ الأولى إلى عشراتِ الآلافِ، والمشارَكاتُ والإعجابُ والتعليقاتُ، ولا يقتصرُ الأمرُ على ذلك؛ فبعدَ ساعاتٍ قليلةٍ يبدأُ جمهورُ المتابعينَ بعَرضِ تطبيقِ الوصفةِ.
“حبيبنا اللزم” الوجهُ الغزاوي السجاعي المألوفُ؛ تُتابعُه من “لندن”؛ لكنكَ تشعرُ أنه يجلسُ معك في أحدِ البيوتِ الغزيةِ في ضيافةِ “السعادة”، يتحدّثُ بلهجتِك المحببةِ، يحاورُكَ “بحبايبنا اللزم”، ولا يتركُكَ قبلَ أنْ يقولَ لك “والله لنكيف”.
قصةُ جوليا
محمد اسبيته “34 عاماً” الشهيرُ بـ “أبو جوليا”، من مواليدِ عامِ (1987) في حي الشجاعيةِ، أحدِ أحياءِ مدينةِ غزةَ المعروفةِ؛ عاش فيه طفولتَه وشبابَه وجزءاً كبيراً من حياتِه؛ وتركَ هذا الحيَّ بصماتِه الواضحةَ في شخصيتِه وطريقةِ حديثِه المحبّبةِ لمتابعيهِ على موقعِ “فيسبوك”؛ حيثُ يصلُ عددُ متابعيهِ قرابةَ مليونَي شخصٍ؛ بينما يتابعُه على اليوتيوب (250) ألفَ مشترِكٍ، بينما يصِلُ عددُ المشاهداتِ على فيديوهاتِه خمسةَ ملايينَ مُشاهدةٍ؛ ما دفعَ الكثيرينَ للقولِ أنه نجمٌ صعدَ كالصاروخِ.
يقولُ لـ “السعادة”:” أبو جوليا اسمٌ محبّبٌ جداً إلى نفسي، وجميعُ أصدقائي ينادوني أبو جوليا؛ نظراً لحُبي للشخصياتِ التي سمّيتْ بهذا الاسمِ، منها “جوليا روبرتس”، و”جوليا بطرس”، والكثيرُ من الشخصياتِ التي قرأتُها في الرواياتِ.
أمّا عن سببِ إطلاقي اسم “أبو جوليا” على قناتي، أو كتعريفٍ خاصٍّ بي؛ جاء من إيماني المُطلَقِ بدَورِ المرأةِ العربيةِ، وخاصةً الفلسطينيةً، ومعاناتِها الكبيرةِ في الحياةِ في ظِلِّ الصعوباتِ التي تواجهُها في مجتمعِنا الغزي، وقد لمستُ هذه المعاناةَ عن قربٍ؛ بحُكمِ قربي من شقيقاتي وأمي وجدّتي، وكان لظروفِ والدتي الخاصةِ سببٌ في هذا القربِ، إضافةً إلى دَفعي لدخولِ المطبخِ؛ وتجريبِ طرُقِ الطبخِ التقليدي في المطبخِ الفلسطيني، من بابِ مساعدةِ أمي وعائلتي.
يضيفُ: غادرتُ غزةَ في ظروفٍ صعبةٍ للغايةِ، حيثُ غادرتْ زوجتي لأجلِ الدراسةِ إلى “لندن”؛ بعدَ ستةِ شهورٍ من الزواجِ، أمّا أنا فقد لحقتُ بها بعدَ ثلاثةِ أشهرٍ مع معاناةٍ شديدةٍ؛ كوني صاحبَ هويةٍ غزيةٍ، اضطّررتُ إلى قطعِ الكثيرِ من المَخاطرِ، خاصةً في منطقةِ “سيناء” التي تفصلُ بينَ فلسطينَ والقاهرةِ، وكانت في تلكَ الفترةِ منطقةً ملغومةً بالإرهابِ، وقطعُها مخاطرةٌ كبيرةٌ جداً.
شغفٌ وتجريبٌ
وصلتُ إلى لندن، حيثُ حياةُ العملِ والرتابةِ والمللِ، ومن هنا بدأتُ البحثَ عن وصفاتِ الطعامِ التي كنتُ أتناولُها في بلدي، فالجميعُ يدركُ أنّ حياةَ الغربةِ كلُّها مشاغلُ وركضٌ وتحدّياتٌ؛ حيثُ أعملُ في مجالِ الترجمةِ بأشكالِها، والتدقيقِ اللغوي، وإدارةِ إنتاجِ المُحتوى المترجَمِ عن الإنجليزيةِ.
ويتابعُ ” أم جوليا” شريكتي بالحياةِ والأحلامِ والأفكارِ؛ هي مَن دفعتْني إلى الاتجاهِ إلى (السوشيال ميديا)، وإنتاجِ فيديوهاتٍ متخصّصةٍ بالطبخِ، خاصةً أنني من منطقةٍ شعبيةٍ لدَيها بعضُ الأفكارِ والعاداتِ والتقاليدِ التي تمنعُ الرجلَ من ممارسةِ أيِّ أعمالٍ متعلقةٍ بالمرأةِ، كالتنظيفِ والطبخِ؛ لكنّ واقعَ حياتي في غزةَ جعلَني ألتمِسُ معاناةَ أمي وأخواتي في تحضيرِ الأكلِ، ورعايةِ الأطفالِ، ومتابعةِ أمورِ البيتِ، لذا اقتنعتُ من بدايةِ حياتي أنَّ مساعدةَ النساءِ في إدارةِ المنزلِ مهمةٌ إنسانيةٌ؛ يجبُ أنْ يمارسَها كلُّ رجلٍّ ينتمي إلى عائلتِه وزوجتِه وأطفالِه.
وعن علاقةِ “أم جوليا” بالمطبخِ، يقولُ إنّ علاقتَها بالمطبخِ محدودةٌ؛ فهي تميلُ إلى الأكلِ الصحي الذي يحتوي على الخضارِ في الكثيرِ من تفاصيلِه؛ وهذا الصنفُ من الأطعمةِ لا يستهويني؛ لذا تجدُها تعودُ إلى فيديوهاتي عندما تريدُ أنْ تطبخَ لي، وهي كغيرِها تستفيدُ من فيديوهاتي وطرُقِ طبخي.
ويستطردُ: حُبي لأصنافِه المختلفةِ، و شغفي لتجريبِ كلِّ ما هو جديدُ؛ يعودُ إلى كوني عشتُ جزءاً كبيراً من حياتي في مدينةِ غزةَ، في نطاقٍ محدودٍ ومنغلِقٍ، ولا يمتلكُ أفقاً واضحاً؛ وهذا ما جعلني عندَ مغادرةِ غزةَ “فضولياً وتوّاقاً” لتجربةِ كلِّ الأشياءِ، ومحاولةِ استغلالِ أيِّ فرصةٍ لتجربةِ شيءٍ جديدٍ من ثقافاتِ الشعوبِ الأخرى، وأشهرُ ثقافاتِ الشعوبِ التي من المُمكنِ أنْ تصلَ إليها في “لندن” هي المطاعمُ المختلفةُ ؛ لذا اتّجهتُ إلى تجريبِ الكثيرِ من الأكلاتِ والنكهاتِ والتركيباتِ الغريبةِ علينا كعربٍ ؛ لإيماني المُطلَقِ أنّ التجربةَ مُهمّةٌ لنُمتّعَ أنفسَنا، ونعيشَ تفاصيلَ جديدةً، ونخلقَ ذكرياتٍ حلوةً وغيرَ معتادةٍ؛ لأنّ التعارفَ بينَ الشعوبِ شيءٌ محمودٌ ومفيدٌ، واللهُ _سبحانه وتعالى_ خلقَ لدَينا فطرةَ حُبِّ التعارفِ والتواصلِ، وأنا من الأشخاصِ الذين يمتلكونَ شبكةَ أصدقاءٍ واسعةً ومحببةً.
مرتبطةٌ بالأرضِ والقضيةِ
والحقيقةُ إنّ كلَّ حضارةٍ لها ثقافتُها الخاصةُ بالأكلِ، ولا أعتقدُ أنه من الصوابِ المقارنةُ بينَ الحضاراتِ؛ لأنّ ثقافاتِ الشعوبِ تحدِّدُها عواملُ كثيرةٌ، منها الموقعُ الجغرافي، ونوعيةُ المحاصيلِ والثمارِ المتوافرةِ، والتوابلُ المستخدَمةُ، والمستوى الاقتصادي، والعاداتُ المتوارثةُ، وممّا لا شكَّ فيه أنّ المطبخَ الفلسطيني مطبخٌ متنوعٌ وعملاقٌ، ويمثّلُ ارتباطَنا كشعبٍ بالأرضِ؛ ومن هنا تأتي الأصالةُ والقيمةُ العاليةُ للأطباقِ الفلسطينيةِ المتوارثةِ .
وينوّهُ: إنّ صراعَ الشعبِ الفلسطيني من أجلِ الحريةِ؛ هو صراعٌ عظيمٌ وأسطوري، ومن هنا يكتسبُ المطبخُ الفلسطيني أهميةً أكبرَ من أهميةِ أيِّ مطبخٍ لحضارةٍ أو شعبٍ آخَرَ؛ وهذا لا ينتقصُ من الحضاراتِ الأخرى، لأنّ التعرّفَ عليها وسماعَ القصصِ من أناسٍ ينتمونَ إليها؛ يعلّمُنا احترامَ الآخرينَ، وتقديرَ تاريخِهم.
ويتابعُ: هويتُنا الفلسطينيةُ لا تنفصلُ عنا مَهما بَعدْنا، وتجلياتُها تشملُ كلَّ شيءٍ؛ ابتداءً من اللهجةِ والاهتماماتِ وطريقةِ التعاطي مع المشاكلِ والأحداثِ، والمغتربونَ دوماً لديهم “حنينٌ” إلى الوطنِ بشكلٍ كبيرٍ، لكنه يتأجّجُ في المناسباتِ العائليةِ، أو الأزماتِ، أو الحروبِ، أو عندَ المشاكلِ الشخصية؛ حيثُ نحتاجُ فيها دعمَ الأهلِ والأصحابِ الذينَ رافقونا في حياتِنا، وهذا ما حدثَ في العدوانِ الأخيرِ على غزةَ؛ شعرْنا كمغتربينَ أننا بحاجةٍ إلى التواجدِ معكم، ومعايشةِ الظروفِ التي تمرُّ بها غزةُ عن قربٍ؛ لذا لجأنا الى (السوشيال ميديا) للتعريفِ بحجمِ ما تمرُّ به غزة، وفضحِ الانتهاكاتِ الإسرائيليةِ بشكلٍ كاملٍ؛ حتى وإنْ كان محتواكَ كالطبخِ .
وحولَ دورِ المؤثرينَ والنشطاءِ في حمايةِ المطبخِ الفلسطيني، خاصةً أمامَ حركةِ التهويدِ والأسرلةِ التي يتعرّضُ لها بشكلٍ مكثّفٍ واضحٍ؛ بهدفِ السرقةِ والاقتصاصِ من التراثِ الفلسطيني ونسبِه إلى دولةِ الاحتلالِ. يقولُ “أبو جوليا”: التهويدُ حركةٌ منظمةٌ تستهدفُ كلَّ ما هو فلسطيني، خاصةً من الأكلاتِ العريقةِ التي تشكّلُ أساساتِ مطبخِنا وهويتِنا الفلسطينيةِ؛ كالمسخّن، والشكشوكة، والفلافل، وهي أكلاتٌ مشهورةٌ جداً، ومرتبطةٌ بتاريخِ وأصالةِ الفلسطيني.
ضعفُ صوتِنا
ويضيفُ: مشكلتُنا تتمثلُ في ضعفِ صوتِنا على الساحةِ الدوليةِ؛ وفشلِنا في عرضِ موروثاتِنا الثقافيةِ، كما يجبُ للشعوبِ الأخرى؛ لذا أيُّ مؤثرٍ فلسطيني لدَيهِ أيَّ قاعدةٍ جماهيريةٍ؛ تقعُ عليه مسؤوليةُ المساهمةِ في رفعِ الموروثِ الشعبي الفلسطيني، ودعمِه والتأكيدِ على حقِّ الشعبِ الفلسطيني بالحياةِ، والحقيقةُ إنّ كثيراً من المؤثّرينَ كانوا على قَدرٍ من المسؤوليةِ في كثيرٍ من المحطاتِ.
وبسؤالِه عن نجاحِه الكبيرِ الأخيرِ، هل أفضى له بخُططٍ مستقبليةٍ لها علاقةٌ بتطويرِ عملِه في الطبخِ، وخدمةِ المحتوَى الفلسطيني، يقولُ أبو جوليا:” الكثيرُ من المشاريعِ قيدُ التطويرِ؛ بهدفِ التوسّعِ على منصاتِ “يوتيوب، وإنستغرام، وتيك توك” بعدَ النجاحِ الكبيرِ على فيسبوك. وفي المستقبلِ القريبِ سيتمُ ترجمةُ بعضِ المشاريعِ على أرضِ الواقعِ، لكنْ ما أريدُه فعلاً أنْ تكونَ ذاتَ محتوى مختلفٍ؛ لا يتمُ فيه الاستيلاءُ على حقوقِ الآخرينَ الذين سبقونا في إنتاجِ هذه الوصفاتِ، وعرضِ الوصفاتِ بطريقةٍ تقليديةٍ بحتةٍ دونَ تعديلٍ أو إضافاتٍ؛ لن يثريَ معرفةَ المشاهدِ، أو يزيدَ له أيَّ جديدٍ ، فكلُّ وصفةٍ هي في الأساسِ موجودةٌ، وما نفعلُه هو عمليةُ تطويرٍ أو إضافةٍ أو تعديلٍ؛ يسحبُنا إليها التجديدُ والشغفُ والخلطُ بينَ الحضاراتِ والفنونِ المطبخيةِ فيها، منوِّها أنّ كلَّ الخياراتِ مفتوحةٌ أمامَه لتطويرِ عملِه؛ كونَ الطبخُ ليس مهنةً بقَدرِ ما هو شغفٌ ومصدرُ سعادةٍ وراحةٍ كبيرةٍ، ولا أبخلُ على نفسي في أيِّ جهدٍ من أجلِ هذا الحبِّ ، رُبما تجِدوني في برنامجٍ تلفزيوني، ورُبما في كتابِ طبخٍ، ورُبما أفتتِحُ مطعماً ، رُبما اتّجِهُ إلى التعلّمِ الأكاديمي لدمجِ موهبتي، مع علمٍ راسخٍ وثابتٍ بشهاداتٍ علميةٍ.
سرٌ صغيرٌ
ويهمسُ لقراءِ “السعادة” بسرٍ صغيرٍ؛ إنّ كلَّ الأكلاتِ التي أقدّمُها عبرَ الفيديوهاتِ؛ أجرّبها سابقاً؛ ليس ضرورياً أنْ أطبخَها ، رُبما جرّبتُها في مطعمٍ ما، أو لدَى بعضِ الأصدقاءِ، وسرعانَ ما أبدأُ في تفكيكِ مكوناتِها بالتذوقِ والاستمتاعِ بها؛ من أجلِ إعادةِ تجريبِها على طريقتي الخاصةِ، وكثيراً ما أجدُ تعديلاً بسيطاً يزيدُ المذاقَ جمالاً ؛ لكني حتماً لا أقدّمُ وصفةً غيرَ متأكدٍ من تفاصيلِها وخطواتِها ، فأنا أعتني بالمُشاهدِ، وبالخبرةِ التي سيكتسبُها مني قبلَ كلِّ شيءٍ، وأحرصُ أنْ أقدّمَ له مذاقاً يتناسبُ مع ذوقِه واهتمامِه ، وأشعرُ أنني ناجحٌ في هذا الجانبِ، فحجمُ الرسائلِ التي تصِلُني لأشخاصٍ طبّقوا وصفتي في كلِّ المراتِ مَهولٌ وصادمٌ .
ويجدُ “أبو جوليا” متعتَه في أكلةِ المسخّنِ الفلسطيني، و الكنافةِ؛ ويتراجعُ قليلاً كلُّ الوصفاتِ زاكية، أنا من الناسِ الذين يقّدرونَ الطعامَ، وجزءٌ كبيرٌ من المتابعينَ يستمتعونَ معي بطريقةِ تناولي للأطعمةِ التي أعدّها، ويدفعُهم إلى تطبيقِ الكثيرِ من الوصفاتِ ، وفى كلِّ المراتِ التي أقابلُ فيها ناساً؛ يقولونَ لي لا نعرفُ كيف نذهبُ إلى المطبخِ بعدَ كلِّ فيديو؛ فتناوُلكَ للطعامِ يشعرُنا بلذةِ الطعمِ ، ومن الفيديوهاتِ التي لاقتْ قبولاً كبيراً؛ وحققتْ ملايينَ المشاهداتِ؛ وصفةُ “الدجاجةِ المشويةِ بالزبدةِ والأعشابِ”، و”البسبوسةِ بالقشطةِ”، وبقلاوةِ الكبابِ” والحقيقةُ أنا فخورٌ بكلِّ وصفاتي، وحبُّ الناسِ لها ولي.