زمالة “جان جاك روسو” جبهةٌ نضاليةٌ لنصرةِ القضيةِ الفلسطينيةِ
"نجوى غانم" فلسطينيةٌ في قلعةِ العزلةِ

تؤمِنُ “نجوى غانم” أنّ نجاحَ الفلسطيني في أيٍّ من المجالاتِ الإبداعيةِ؛ هو “جبهةٌ نضاليةٌ” يجبُ توظيفُها لخدمةِ القضيةِ الوطنيةِ، والمساهمةُ في معركةِ التحرّرِ من الاحتلالِ، وهي أولُ كاتبةٍ فلسطينيةٍ تفوزُ بزَمالةِ “جان جاك روسو” التي تمنحُها مؤسسةٌ ألمانيةٌ سنوياً لـ (7 )كتّابٍ من مناطقِ الصراعِ حولَ العالمِ.
وفازت “نجوى” بجائزةِ الزمالةِ عن قصةٍ قصيرةٍ في كتابِها “أغلقت دونَها”، حيثُ تمَّ ترجمتُها للغةِ الإنجليزيةِ، بعنوانِ “45 دقيقة”؛ تروي تجربةً حقيقةً عاشتْها في إحدى الحروبِ الإسرائيليةِ على غزةَ؛ عندما لجأَ نحوُ (51) شخصًا من جيرانِها إلى منزلِها في حيِّ “الشيخ رضوان” للاحتماءِ؛ بعدَ إنذارٍ بغارةٍ إسرائيليةٍ على منزلٍ مجاورٍ استعداداً لتدميرِه.
45″ دقيقةً
وتدورُ أحداثُ القصةِ في “45” دقيقةً؛ عايَشتْها “نجوى” مع كثيرٍ من الأَعيُنِ المترَقِبةِ، والقلوبِ الخائفةِ داخلَ جزءٍ مكتظٍ من منزلِها؛ حيثُ الخوفُ وتخيّلاتُ الموتِ التي تملأُ المكانَ؛ فيما تعجُّ الكثيرُ من الأصواتِ؛ لا أحدَ يستطيعُ التفريقَ بينَها؛ كونَها تضجُّ بخوفٍ غيرِ محتملٍ، ومربوطةً بوقتٍ لا يمرُّ ولا يمشي؛ ليكتشفَ جميعُ الخائفينَ أنهم كانوا معزولينَ عن العالمِ الخارجي، دونَ أنْ يصِلَهم خبرُ التوَصُّلِ إلى تهدئةٍ، لينجوَ المنزلُ المستهدَفُ من الغارةِ المتوَقعةِ.
كتابٌ “أغلقت دونَها” الذي أصدرتْه “نجوى” مؤخّراً؛ ينافسُ حالياً على جائزةِ الدولةِ، والذي كانت إحدى قصصِه “45 دقيقةً”، علاوةً أنّ هذه القصةَ ذاتَها ستكونُ ضِمنَ كتابٍ يضمُّ (48) قصةً أبدَعها (48) كاتباً من فلسطينيِّي الداخلِ والشتاتِ، تروي حكاياتٍ فلسطينيةً تعكسُ الهويةَ الوطنيةَ منذُ ما قبلَ النكبةِ؛ مروراً بالاحتلالِ وحتى الواقعِ الحالي، وتشاركُ “نجوى” مع (24) مترجِماً في ترجمتِه للغةِ الإنجليزيةِ، وسيَصدرُ قريباً عن دارِ نشرٍ في بريطانيا.
تعتزُّ “نجوى” بحياتِها الاجتماعيةِ جداً؛ حيثُ تخصِّصُ لحياتِها الأدبيةِ وقتاً خارجَ خُطّةِ عائلتِها؛ إذْ إنّ دورَها كزوجةٍ وأمٍّ لأربعةِ أطفالِ أكثرُ أهميةً لدَيها من كونِها كاتبةً تمضي أيامًا بحثًا عن زاويةٍ خاصةٍ، وتختلي بنفسِها فيها استجابةً لإلحاحِ الإلهامِ “الذي يفرضُ نفسَه دونَ إذنٍ، وفي أيِّ وقتٍ” ، منوّهةً أنّ معاناةَ المرأةِ المبدِعةِ كبيرةٌ، فالرجلُ يملكُ نفسَه، ووقتَه، ومكانَه، ولدَيه الحريةُ الكاملةُ في اختيارِ زوايا انفرادِه بذاتِه، وتوقيتِ ذلك أيضًا، بينما النساءُ لا يمتلِكنَ هذا الترَفَ من الاختيارِ والانزواءِ لممارسةِ حياتِهنَّ بشكلٍ يعطي خصوصيةً للحالةِ الإبداعيةِ التي قد تمرُّ فيها بأيِّ وقتٍ .
قلعةُ العزلةِ
وتُتابعُ: هذا ما يجعلُنا بحاجةٍ لبَذلِ جهدٍ مضاعفٍ من أجلِ الموازنةِ بينَ مسؤولياتِنا كزوجاتٍ، وأمهاتٍ، وكاتباتٍ مبدِعاتٍ، يباغِتُنا الإلهامُ في وقتٍ لا ينتظرُ حالةَ التفرّغِ التي قد نصِلُها؛ أو لا نصِلُها من أعباءِ المنزلِ، ومسؤوليةِ الأبناءِ، وقد تغلّبتْ على هذه المباغتاتِ بوضعِ أوراقٍ وأقلامٍ وقصاصاتٍ في كلِّ مكانٍ في البيتِ؛ خاصةً المطبخَ الذي دائماً ما يشكّلُ مصنعَ إلهامي وأفكاري المبدعةِ في كثيرٍ من الأفكارِ، علماً أنّ كثيراً من الحالاتِ الإلهاميةِ المباغِتةِ تذهبُ سُدَى؛ إذا جاءت في وقتْ مخصَّصٍ للأبناءِ واحتياجاتِهم.
وحولَ زمالةِ مؤسسةِ “جان جاك روسو”، تقولُ نجوَى لـ ” السعادة”:” الجائزةُ عبارةٌ عن مِنحةٍ للكُتابِ في مناطقِ الصراعِ في العالمِ، انطلقتْ عامَ (2011)؛ بحيثُ يتمُ اختيارُ سبعةِ كتّابٍ لدعمِ مشاريعِهم الأدبيةِ بنوعَينِ من المِنحِ: إمّا بتمويلِها مالياً، أو عبرَ زمالةِ المؤسسةِ التي توفّرُ منحةً كاملةً للفائزينَ بالإقامةِ (4) شهورٍ في قلعةِ العزلةِ بألمانيا، مع تمويلِ منتجِهم الأدبي.
وتقومُ فكرةُ العزلةِ على فلسفةِ نزعِ الكاتبِ من الحياةِ الصاخبةِ التي يعيشُ فيها؛ بحيثُ يرتدُّ إلى الطبيعةِ التي تعيدُ له عافيتَه وصحتَه النفسيةَ والذهنيةَ؛ فيكونُ قادراً على التفكيرِ السليمِ من دونِ أيِّ مؤثراتٍ خارجيةٍ؛ لينتجَ أفضلَ ما لدَيهِ من حالةٍ أدبيةٍ صافيةٍ.
بدأتْ “نجوَى” رحلتَها مع الكتابةِ القصصيةِ باللغةِ الإنجليزيةِ منذُ أنْ كانت طالبةً على مقاعدِ الدراسةِ في تخصُّصِ آدابِ اللغةِ الإنجليزيةِ عامَ (1997)، ثم جرّبتْ الانتقالَ للكتابةِ باللغةِ العربيةِ؛ وحينَها اكتشفتْ أنّ اللغةَ العربيةَ الأمَّ، هي الأجملُ في مفرداتِها وأوصافِها؛ حيثُ تُضفي قوةً في التعبيرِ لا تتوفّرُ في أيِّ لغةٍ أخرى.
انطلقتْ “نجوى” فعليًا ككاتبةٍ عامَ (2005)م؛ عندما بدأتْ تنشرُ ما تكتبُه في صحيفةِ صوتِ النساءِ، وفي عامِ( 2011) وجدتْ الجرأةَ لإرسالِ مخطوطةٍ قصصيةٍ بعنوانِ “أجنحةُ الخوفِ” لـ مركز “أوغاريت” في رامَ الله لنشرِها، ليأتيها الردُّ سريعًا: “ستكونُ ضمنَ مطبوعاتِ الدارِ”، وهو ما عدّتْهُ “نجوى” اعترافًا رسميًا بولادتِها ككاتبةٍ وقاصّةٍ، حيثُ تمتلكُ إصدارَينِ باللغةِ العربيةِ، وقد شاركتْ في تحريرِ وترجمةِ (48) قصةً لكُتابٍ وأدباءٍ فلسطينيين، ضِمنَ مشروعِ كتابٍ سيصدُرُ قريبًا.
الضوضاءُ الأدبيةُ
تعدُّ “غانم” نفسَها أنها نجحتْ في غرسِ بذورِ الإبداعِ لدَى أطفالِها، فأنجبتْ طفلتينِ مبدِعتَينِ تشاركانِ في العديدِ من المسابقاتِ، وقد حقّقتا إنجازاتٍ جميلةً، مضيفةً: “أعتمدُ في التربيةِ على روايةِ القصةِ، فأنا لا أكادُ أملُّ من تأليفِ قصصٍ تربويةٍ لتعديلِ سلوكياتٍ، وتعزيزِ أخرى لدَى أطفالي، وأتمنّى لو أنني أتمكّنُ من جمعِها في كتابٍ يكونُ عونًا للأمهاتِ في تربيةِ وتقويمِ سلوكياتِ أطفالهِنّ”.
وحولَ واقعِ الثقافةِ في قطاعِ غزةَ تقولُ: القطاعُ غارقٌ في إنتاجاتٍ ونصوصٍ أدبيةٍ مليئةٍ بالأخطاءِ في الشكلِ والمضمونِ والمحتوى والجمالياتِ، وللأسفِ هذا عائدٌ لعدمِ وجودِ رقيبٍ أو متخصّصٍ يُجيزُ أو يمنعُ إصدارَها بسببِ الحاليةِ الفلسطينيةِ البائسةِ في كلِّ مناحي الحياةِ؛ إضافةً إلى هوسِ استخدامِ (السوشيال ميديا) والنشرِ الإلكتروني الذي أتاحَ للجميعِ أنْ ينشرَ أخطاءَه؛ بينما يصفّقُ له البعضُ ، في حين يغيبُ اهتمامُ بعضِ دورِ النشرِ عن جودةِ المحتوى المنشورِ؛ مقابلَ عددِ الإصداراتِ التي تسجّلُ تحتَ تصنيفِه؛ وهذا فِعليًا ما يزيدُ الطينَ بِلَّةً، ويدفعُنا لتحمُّلِ مزيدٍ من الضوضاءِ الأدبيةِ التي تميّزُ حالتَنا الفلسطينيةَ .