Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تحقيقاتتربوية

الأشخاصُ المتطفِلونَ نماذجُ متعِبةٌ؛ نصادفُها في العملِ والمنزلِ والعائلةِ

يصنعُ الأحداثَ وينبشُ الماضي

تحقيق / السعادة

“من تدَخّلَ فيما لا يَعنيه؛ نالَ ما لا يُرضيه”، كثيرٌ من الناسِ لم يأخذوا بالحكمةِ الكامنةِ خلفَ هذه المقولةِ الشعبيةِ؛ رغمَ بساطتِها كان من المُمكِنِ أنْ تُجنّبَ الأفرادَ العديدَ من المُنغّصاتِ والإشكالاتِ التي يسبِّبُها هذا النوعُ من (الحِشريّينَ أو المتطفلينَ) الذين يحاصرونَ الأفرادَ بوابلٍ من الأسئلةِ الفضوليةِ التي لا تنتهي.

إذْ تزدادُ الحياةُ صعوبةً مع هذا النوعِ من البشرِ، ولِتجنّبِ حالةِ الاستنزافِ النفسي والعصبي التي يعكِسُها حضورُهم في الأماكنِ التي يتواجدونَ؛ يجبُ معرفةُ أسبابِ هذا النوعِ من التصرفاتِ غيرِ السويةِ، وكيفيةُ التعاملِ مع هؤلاء الذين يثيرونَ الإزعاجَ بدايةَ الأمرِ، إلّا أنهم يثيرونَ الشفقةَ على طريقةِ التفكيرِ التي يمارسونَها؛ وتجعلُهم غيرَ مرغوبينَ من الزملاءِ والأقاربِ المتواجدينَ في محيطِهم.

لا يكترثُ “المتطفلون” أحياناً بسلبياتِ سلوكِهم واختراقِهم خصوصيةِ الآخرينَ؛ إذْ يمنحونَ لأنفسِهم الحقَّ في تَتبُّعِ شؤونِ الآخَرينَ؛ بحُكمٍ أو باسمِ القرابةِ، أو الجِوارِ، أو الزمالةِ في العملِ أو الجامعةِ، أو الصداقةِ وغيرِها.

يتناسونَ أنهم يُزعجونَ الآخَرينَ بفعلتِهم هذه، ويتساءلُ العديدُ من الأشخاصِ عن أسبابِ هذا السلوكِ، هل هو ناجمٌ عن البيئةِ التي خرجَ منها (المتطفّلُ) أَم هي عاداتٌ مكتسَبةٌ ومتطورةٌ؟

النبشُ في الماضي

أم محمد “45 عاما” تقولُ لـ “السعادة”: ” تربّيتُ في منزلٍ يتمتعُ بخصوصيةٍ عاليةٍ يقدّرُها ويحترمُها؛ ما جعلَ ارتفاعَ خصوصيتي كإنسانةٍ عاليةً جداً؛ وهذا جعلَني أواجِهُ مشاكلَ كثيرةً على صعيدِ حياتي مع عائلةِ زوجي، ومع زميلاتي بالعملِ؛ وهذا دفعَ بعضَ الفضولياتِ للنبشِ في حياتي عن قصصٍ ومواقفَ باعتبارِها السببَ في ارتفاعِ خصوصياتي.

وتضيفُ: في عائلةِ زوجي نبشتْ إحدى المتطفّلاتِ عن ماضي عائلتي كاملاً؛ ليتبيّنَ أنّ أمي كانت مخطوبةً لأحدِ أقربائها قبلَ الزواجِ بأبي، وأنا شخصيًا لم أكنْ أعرفُ هذه المعلومةِ! ونشرَتْها لدَى جميعِ النسوةِ في العائلةِ والحيّ، وأنني أخفى الكثيرَ من هذه المعلوماتِ.

أمّا على صعيدِ عملي، فقد رزقَني اللهُ زميلةً رغمَ طيبتِها الواضحةِ؛ إلّا أنها متطفلةٌ بدرجةٍ كبيرةٍ لا يمكنُ لشخصٍ تَحمُّلها، هذا التطفلُ ينغّصُ حياتَها كاملةً؛ قبلَ أنْ ينغّصَ حياةَ مَن تتطَفلُ عليهم، إذْ أنها تصابُ بحالةٍ من الحزنِ والتوترِ؛ إذا ما استطاعتْ أنْ تعرفَ ما لدَى الآخَرينَ من أخبارٍ أو مشاكلَ أو قصصٍ؛ ما جعلها عرضةً للانتقادِ والاستبعادِ من الكثيرينَ.

“فضولُها أفسدَ علاقاتي بنسوةِ الحيِّ”؛ بهذه الكلماتِ عبّرتْ سوزان “33 عاماً ” عن غضبِها من إحدى جاراتِها التي سعتْ وبحثتْ واجتهدتْ في الحصولِ على معلوماتٍ خاصةٍ عن زواجِها السابقِ؛ وإنجابِها طفلاً يربّيهِ والدُه.

تقولُ لـ”السعادة”:” انفصلتُ قبلَ ستِ سنواتٍ لأسبابٍ خارجةٍ عن إرادتي؛ والآنَ أنا متزوجةٌ من رجلٍ رائعٍ؛ ولدَينا طفلانِ، أهتمُّ ببيتي وزوجي وأبنائي، وعلاقتي طيبةٌ مع جميعِ المحيطينَ بي، وللأسفِ هذا الأمرُ لم يَرُقْ لجارتي المتطفلةِ، فهي من السيداتِ اللواتي لا يتردَّدنَ في معرفةِ كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ تخصُّ الأُخرياتِ”.

تحضّر الإنسان

تضيفُ: فوجئتُ في إحدى الجلساتِ مع جاراتي بأنّ إحداهنّ بادرتْ بالسؤالِ عن ابني من زوجي السابقِ، وبدتْ على وجهي علاماتُ التعجُّبِ والاستفهامِ “من أخبرَها عنه”! ليتبيّنَ أنّ جميعَ السيداتِ في الجلسةِ يعرِفنَ عنه من جارتي صاحبةِ الفضولِ، التي اتّهمتْني بأنني فضّلتُ تركَ ابني في مقابلِ الزواجِ الحالي.

ترى “روان الحديدي” احترامَ خصوصيةِ الآخَرينَ من أكثرِ الأمورِ التي لابدّ أنْ يهتمَّ لها الفردُ في المجتمعِ؛ لأنها تعبّرُ عن مدَى تحضُّرِ الإنسانِ؛ وهي انعكاسٌ على قيَمِه في الحياةِ، ومدى مستوى البيئةِ التي خرجَ منها، فهناك الكثيرونَ ممّن يعطونَ لأنفسِهم الحقَّ في تتبّعِ أحوالِ الآخَرينَ؛ إمّا باسمِ القرابةِ، أو الجوارِ، أو الزمالةِ في العملِ، أو رُبما الصداقةِ؛ حتى أصبحَ الفردُ يشعرُ بتضييقِ الحصارِ عليه في مجتمعِه.

متحدّثةً عن قصةِ قريبتِها التي بلغتْ من العمرِ أربعينَ؛ ولم تتزوجْ.. ومازال الكثيرُ من الناسِ يبحثُ في أسبابِ عزوفِها عن الزواجِ؛ على الرغمِ من العروضِ الجيدةِ التي قُدّمتْ لها، فالكثيرُ من المحيطينَ بها يسألُها عن سببِ رفضِها الدائمِ؛ حتى وصلَ الأمرُ سوءًا في التطفلِ على خصوصياتِها؛ أنْ أصبحتْ تصلُ إليها رسائلُ على جهازِها الخلوي؛ تطلبُ منها مراجعةَ نفسِها، وتطبيقَ سُنةِ اللهِ في خلقِه؛ بتحصينِ نفسِها بالزواجِ والتوبةِ إلى اللهِ؛ دونَ أنْ يعرفَ أحدٌ أسبابَها الحقيقةَ؛ ما دفعَها إلى التفكيرِ بجدّيةٍ للانتقالِ بسكنِها وعملِها إلى منطقةِ أخرى بحثاً عن احترامِ خصوصياتِها .

ويلتقطُ منها أطرافَ الحديثِ أبو علاء حسونة “58 عاماً “، والذي يصِرُّ على أنّ الخصوصيةَ واحترامَها لابدَّ أنْ تنطلقَ من التربيةِ والبيتِ، فالأمُّ تربّي في طفلِها الفضولَ من عدَمِه منذُ الصغرِ؛ وذلكَ ما تلاحظُه الكثيرُ من السيداتِ في تعاملِ بعضِ الأمهاتِ مع أطفالِهنّ، فهناك بعضُ نماذجَ من الأمهاتِ يربّينَ الطفلَ على اختراقِ خصوصياتِ الآخَرينَ من بعضِ السلوكياتِ التي تعتقدُ الأمُّ بأنها طبيعيةٌ ولا تؤثرُ في عقليةِ الطفلِ وتركيبةِ شخصيتِه، فهناك من الأمهاتِ مَن تتركُ طفلَها في بيتِ إحدى أقاربِه ليلعبَ مع أطفالِهم، وحينما تأتي لاصطحابِه إلى البيتِ تحاصرُه بأسئلةِ “نشرةٍ موجزةٍ” عمّا شاهدَ وسمعَ، وحدثَ في ذلكَ البيتِ، كمَن جاء لزيارتِهم؟، وماذا قال أبوهم؟، وماذا اشتروا للمدرسةِ؟

نشرةٌ موجزةٌ

تفصيلٌ لكُلِّ الأحاديثِ الأسريةِ التي دارتْ في ذلكَ المنزلِ، فجميعُ تلكَ الأسئلةِ تعوّدُ الطفلَ على أنْ ينموَ باحثاً عن خصوصياتِ الآخَرينَ، ومتطفلاً على كلِّ ما يراهُ ويسمعُه، فيتحوّلُ إلى فردٍ يسيءُ احترامَ خصوصيةِ الآخَرينَ؛ لذلك لابدّ من تدعيمِ مفهومِ الخصوصيةِ أسرياً وسلوكياً منذُ الصغرِ لدَى الطفلِ، والعلاجُ لابدَّ أنْ يبدأَ من الأم.

من جانبِها تبيّنُ استشاريةُ العلاقاتِ الزوجيةِ والتربويةِ الدكتورة “ختام أبو عودة”، أنّ لكُلِّ إنسانٍ مجموعةً من الأمورِ الخاصةِ التي لا يحبُ أنْ يطَّلِعَ عليها الآخَرونَ أو بعضُ الناسِ، ولا بدّ من احترامِ خصوصيةِ الأشخاصِ والحفاظِ على أسرارِهم؛ لأنّ من شأنِ ذلكَ زيادةَ الثقةِ بينَ الناسِ، وتوثيقَ الروابطِ الاجتماعيةِ؛ لأنّ عدمَ احترامِ الخصوصيةِ يؤدّي إلى نشوبِ المشكلاتِ، وضعفِ الثقةِ، والتعدي على حقوقِ الآخَرينَ.

وترى “أبو عودة” أنه من الضروري عدمُ السماحِ، أو إعطاءُ الفرصةِ للأشخاصِ الذين ينتهكونَ خصوصيةَ أو أسرارَ الآخَرينَ؛ في الحديثِ وعدمِ سماعِ أقوالِهم، وإشعارِهم بأنّ هذا السلوكَ مرفوضٌ وغيرُ مُحبّبٍ.

ولا بدّ من تأكيدِ حرمةِ مِثلِ هذه التصرفاتِ، وآثارِها الاجتماعيةِ المدمّرةِ؛ خصوصاً في العلاقاتِ بين الزوجينِ، وقد نهَى الدِّينُ عن ذلكَ.

وتضيفُ: للأسفِ نجدُ بعضَ الناسِ ينتهكونَ بعضَ الخصوصيةِ على نطاقٍ واسعٍ؛ من خلالِ استغلالِ بعضِ وسائلِ التواصلِ الاجتماعي؛ ما يفاقمُ من المشكلاتِ، ويزيدُ من صعوبةِ حلِّها.

وتلفتُ إلى أنّ الفضولَ حالةٌ توجدُ بشخصياتٍ مضطربةٍ نفسياً، وتعودُ إلى التربيةِ وعدمِ وجودِ اهتماماتٍ لدَى الأسرةِ؛ ما يدفعُ الفضولي للتدخُلِ بأمورِ الآخَرينَ؛ ومن هنا يبدأُ الفضولُ ينمو ليصبحَ مشكلةً بالشخصيةِ، وهو يشكّلُ حالةً مزعجةً للآخَرينَ؛ فهو يريدُ أنْ يعرفَ كلَّ شيءٍ لمُجردِ اقتحامِ خصوصياتِ الناسِ، وهم يمتازونَ بكثرةِ الأسئلةِ للآخَرينَ عن خصوصيتِهم، وأفضلُ طريقةٍ للتعاملِ معهم ردُّ السؤالِ بسؤالٍ.

الفضولُ أنواعٌ

وتتابعُ: يشملُ الفضولُ أموراً عدّةً؛ منها فضولُ النظرِ، فتجدُ بعضُهم يقلّبُ نظرَه بالداخلِ والخارجِ، ويشغلُ نفسَه بمراقبةِ الآخَرينَ، ومنها فضولُ الاستماعِ، وهذا يسترِقُ السمعَ لأيّ شخصينِ؛ حتى لو كانا يهمسانِ همساً! ومنها الفضولُ المباشرُ؛ كأنْ يبحثَ في حاجاتِ الآخَرينَ دونَ إذنٍ منهم، وهناك فضولُ السؤالِ، فتجدُه يسألُ عن أمورٍ خاصةٍ، ولا علاقةَ له بها، وأيضاً يمنحُ نفسَه الحقَّ في التدخلِ بحياةِ الآخَرينَ بشكلٍ مزعجٍ.

أما أنواعُ الفضولِ، فمنه السلبي ومنه الإيجابي؛ ويكونُ إيجابياً عندما يدفعُ صاحبَه للتعلمِ والاكتشافِ والبحثِ عن حقيقةٍ علميةٍ، والسلبي هو تَدخُلُ الشخصِ فيما لا يعنيهِ، وإزعاجُ الآخَرينَ، والتدخُلُ بخصوصيتِهم.

وتوضّح: إنّ عدمَ احترامِ خصوصيةِ الآخَرينَ نابعٌ من خطابِ مستوى الوَعي لدَى أفرادِ المجتمعِ بشكلٍ عام، فأفرادُ المجتمعِ يعتقدونَ دائماً أنه من السهلِ جداً التدخُلُ فيمالا يعنيهِم، وإبداءُ آرائهم تجاهَ ما يشاهدونَ، ويسمعونَ ممن حولَهم، حتى إنْ لم يكونوا مَعنيينَ بالموضوعِ؛ ولو من بابِ الفرجةِ والفضولِ، ورُبما يتطورُ ذلك لدَى البعضِ فينتجُ عنه أسبابٌ متعلقةٌ بإشباعِ الغرائزِ الذاتيةِ “المكبوتة”، وليس من مُنطلَقِ الفضولِ فقط وتجاوزِ احترامِ خصوصيةِ الآخَرين.

ويؤكّدُ: إنّ مفهومَ الخصوصيةِ من منظورٍ اجتماعي هو احترامُ حقوقِ الآخَرينَ، وعدمُ التدخلِ فيها؛ طالَما أنها في حدودِ الحقوقِ الشخصيةِ، فلا تتعدّى للحقِّ العام أو حقَّ الآخَرينَ، داعياً إلى احترامِ تلك الخصوصيةِ، إلاّ أنّ ما يَحدثُ خلافَ ذلك، مشيرةً إلى أنّ الكثيرَ ممن لا يلتزمُ بمبدأِ احترامِ خصوصيةِ الآخَرينَ؛ لا يفسّرُ ذلك على أنه فضولٌ؛ بل يضعُه في إطارِ التناصحِ والتآخي، والحرصِ وصناعةِ الألفةِ؛ وقد لا يكونُ في حقيقتِه على ذلك المَحملِ.

المرأةُ أكثرُ انتهاكاً

توضّحُ: إنّ المجتمعَ يميلُ إلى التطفلِ على خصوصيةِ المرأةِ أكثرُ من الرجلِ؛ بسببِ حساسيةِ وضعِ المرأةِ الاجتماعي، فمازال هناك نظرةٌ تُجاهَها بأنها الضعيفةُ التي تنقادُ إلى عواطفِها بشكلٍ سريعٍ، مؤكّدةً على أنّ الفضولَ الاجتماعي والتلصُّصَ على خصوصياتِ الآخَرينَ موجودٌ في الأماكنِ العامةِ والأسواقِ؛ ولذلك فإنّ تعزيزَ مفهومِ احترامِ خصوصيةِ الآخَرينَ لابدّ أنْ يكونَ من خلالِ التربيةِ والتعليمِ، وللأسفِ إنّ المناهجَ الدراسيةَ تقومُ على التلقينِ والتعبئةِ؛ فلا توجدُ فيها هذه القيَمُ، فالتعليمُ قائمٌ على التلقينِ دونَ تعزيزِ هذه الأخلاقياتِ، أمّا التربيةُ فتتّضحُ في تعاطي الأبِ والأمِّ مع الأبناءِ، فالأحاديثُ التي تدارُ؛ تقامُ على الفضولِ تجاهَ الآخَرينَ، وقد يكونُ الطفلُ موجوداً؛ ويتربّى على تلكَ السلوكياتِ بطريقةٍ غيرِ مقصودةٍ، ورُبما ذلك يجعلُ البعضَ يسعدُ ويرحّبُ بالشخصِ الفضولي في المجالسِ، والذي ينقلُ أخبارَ الآخَرينَ أكثرَ من الشخصِ الذي لا يحبُّ التدخلَ في خصوصياتِ الآخَرينَ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى