
تحقيق: السعادة
تشكو كثيرٌ من النساءِ من علاقاتِها مع أهلِ زوجِها، والتي بالعادةِ تكونُ صراعاً على السلطاتِ، والعلاقاتِ، وطريقةِ الحياةِ مع تواجدِ الكثيرِ من السلوكياتِ غيرِ المحمودةِ؛ كالغيرةِ والتفرُّدِ والتعنّتِ والعنادِ، والحقيقةُ المُرّةُ أنه لن يتمكّنَ أحدٌ من التخلّصِ من المشكلاتِ العائليةِ، أو إيقافِها بصورةٍ تامةٍ؛ ولكنْ باستخدامِ مهاراتِ الذكاءِ الاجتماعي، يمكنُ للزوجاتِ الذكياتِ إدارةَ الخلافاتِ مع أهلِ الزوجِ بصورةٍ ناجحةٍ للفوزِ بعلاقةٍ مستقرّةٍ أكثرَ سلاماً وهدوءاً؛ تُجنِّبُها التوَغّلَ في صراعٍ يبدو أمامَ الزوجِ محسوماً؛ حيثُ لا يستطيعُ الوقوفَ إلى جانبِ طرَفٍ دونَ الآخَرِ.
مسلسلُ الخلافاتِ بينَ الزوجةِ وأهلِ زوجِها ليس جديداً، ولا نعرفُ بالتحديدِ مَن الجاني ومَن الضحيةُ؟ فكُلُّ طرَفٍ له أسبابُه ودوافعُه ومبرراتُه في الدفاعِ عما يراهُ صحيحاً؛ لكنّ الزوجَ هو الخاسرُ في النهايةِ، ويبقَى في حيرةٍ من أمره، فهل يضحّي بأهلِه إرضاءً لزوجتِه؟ أَم يُرضي أسرتَه على حسابِ أبنائه وشريكتِه في الحياةِ؟
للصبرِ حدود
عُلا (26 عاماً) ترى أنّ تصرّفاتِ حماتِها تُنغّصُ حياتَها باستمرار، حيثُ تقول: “كثيراً ما كنتُ أسمعُ إهاناتي من حماتي، لدرجةِ أنها كانت تفرضُ عليَّ أنْ أغادرَ المكانَ الذي تجلسُ فيه وزوجي للتحدّثِ معه على انفرادٍ، ويكونَ هذا الطلبُ أمام أبنائها، وزوجي لا يتفوّهُ بكلمةٍ واحدةٍ حتى لا يُغضبَ والدتَه؛ ما يسبّبُ لي إحراجاً كبيراً.
وتضيفُ: تحمّلتُ الكثيرَ من أجلِ زوجي، ودامَ هذا الصبرُ والعناءُ أكثرَ من (5 سنواتٍ)، ولكنْ كما يقالُ “للصبرِ حدود”، وعندما طفحَ الكيلُ؛ طلبتُ من زوجي أنْ نخرجَ من منزلِ أهلِه؛ ونستأجرَ منزلاً نعيشُ فيه مع أبنائنا من دونَ تدخُلاتٍ من أحدٍ، والحمدُ للهِ تمَّ ذلك منذُ (8) أشهر، ومن حينها وأنا أشعرُ براحةٍ نفسيةٍ على الرغمِ من أنني خسرتُ علاقاتي مع عائلةِ زوجي إلى الأبدِ؛ لكنني كسبتُ راحتي النفسيةَ وهذا يكفي.
بينما تقولُ علياء “28 عاماً”:” قد يكونُ الجفافُ العاطفي بين الزوجِ وزوجتِه، واهتمامُه الزائدُ بأهلِه، وابتعادُه الدائمُ عنها سبباً لثورتِها عليه، كما أنّ عدمَ إنجابِ الزوجةِ، وتسلُّطَ أهلِ الزوجِ وتدخُلَهم في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ في حياتِها؛ قد يدفعُها للسعي للانشقاقِ بأُسرتِها الصغيرةِ.
وتُشدّدُ: من المُهمِّ أنْ تكونَ شخصيةُ الزوجِ قويةً من غيرِ ظُلمٍ أو تساهلٍ، فالوسطيةُ في الحُكمِ على الأمورِ، والتغاضي عن التوافِه، وعدمُ التدقيقِ على كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ في مواقفِ الحياةِ أمرٌ ضروريٌّ كي تُبحِرَ سفينةُ الحياةِ الزوجيةِ.
وتضيفُ: في نهايةِ صراعي مع عائلةِ زوجي؛ اخترتُ الصمتَ أمامَ كلِّ تَدخُلاتِهم؛ لأنني للأسفِ وحيدةٌ بالمعركةِ، فزوجي يصطَفُّ إلى جانبِ عائلتِه بالكاملِ، وأنا عشتُ بما يكفي من التوتُرِ والخلافاتِ التي تزيدُ ولا تقِلُّ، ووكلتُ أموري لربِّ العبادِ.
وتُبينُ نورة عبد الواحد “24 عاماً ” (متزوجةٌ منذُ سنتينِ): إنّ بعضَ الفتياتِ يعتقِدنَ أنه بمُجردِ أنْ يتمَ عقدُ القِرانِ مع شريكِ الحياةِ؛ يصبحُ مُلكاً لزوجتِه، وتنسَى أنّ له أسرةً من أمٍّ وإخوةٍ وأخواتٍ، وهو جزءٌ من حياتِهم وذكرياتِهم، ولا يُمكِنُ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ فَصلُه عنهم، مؤكِّدةً أنّ أسرةَ الزوجةِ لها الدورُ الأكبرُ في توعيةِ ابنتِها وتوجيهِها قبلَ الزواجِ وبعدَه.
نساءٌ مع بعضِهِنَّ
وتُتابعُ: السيطرةُ في العلاقاتِ العائليةِ لا يمكنُ إلّا أنْ تجنيَ مزيداً من الصراعِ؛ لكنْ لو فكّرتْ الزوجةُ بالاندماجِ بهذهِ المنظومةِ العائليةِ؛ فحتماً مع الوقتِ ستَستطيعُ كسْبَ الكثيرِ من العلاقاتِ والمحبةِ والاهتمامِ، وفِعلياً كلُّ ما تحتاجُه الزوجةُ بعضاً من الذكاءِ الاجتماعي؛ لتكونَ بالوسطِ وليس خارجَه؛ لأنها إنْ لم تكنْ بالوسطِ؛ ستكونُ هي الخاسرةُ الكُبرى.
في حين يقولُ عبد الله “33 عاماً “: تلعبُ الغيرةُ الزائدةُ من قِبلِ الزوجةِ دوراً كبيراً في زيادةِ الخلافاتِ بينَها وبينَ أهلِ الزوجِ، فالزوجُ حينَ يهتمُ بأهلِه متجاهلاً أهلَ الزوجةِ، يُشعِلُ ذلكَ نارَ الغيرةِ في قلبِ؛ها فتزدادُ اشتعالاً وحقداً على أهلِ الزوجِ؛ ما يوَلّدُ الكثيرَ من الخلافاتِ بين الزوجةِ وزوجِها، ومن المُهمِّ توضيحُ الصورةِ كاملةً لكِلا الطرَفينِ، بحيث يُشعِرُ الزوجُ زوجتَه بأنّ هؤلاءِ أهلُه، ولهم حقُّ الزيارةِ والاهتمامِ والخدمةِ، وكذلك بالنسبةِ لها فهي أمانةٌ في عُنُقِه، وأمٌّ لأبنائه، وتستحقُّ الرعايةَ والاهتمامَ.
ومن واقعِ تجربتِه الشخصية، يقولُ بأنّ نتيجةَ الغيرةِ النسائيةِ بين زوجتِه وشقيقاتِه، فرضتْ الزوجةُ عليه العيشَ في مسكنٍ منعزلٍ عن الأهلِ، تَجنُباً لحدوثِ المشكلاتِ التي لا تنتهي، والتي يقفُ أمامَها عاجزاً عن الوصولِ إلى حلولٍ. ويتابعُ: أمتنِعُ في أحيانٍ كثيرةٍ عن التدخلِ.. باعتبارِ أنّ ما يَحدثُ مجردُ مشكلاتِ نساءٍ مع بعضِهنَّ البعضِ، وهن قادراتٌ على حلِّها، وقد يؤدي تدخُلي إلى تفاقمِ المشكلةِ؛ وهذا ما أرفضُه حتى لا تتأثرَ علاقتي الزوجيـةُ بالنكدِ والخلافاتِ، وأيضاً في الوقتِ نفسِه أحبُّ أنْ أُرضي الجميعَ.
صدَى كبيرٌ
من جانبِها تقولُ دكتور علمِ النفسِ التربوي “رائدة أبو عبيد” من جامعةِ الأقصى:” لِخلافاتِ الزوجةِ مع أهلِ الزوجِ صدى كبيرٌ جداً في الحياةِ الزوجيةِ؛ لأنها قد تؤثّرُ على علاقةِ الزوجةِ بزوجِها، خصوصاً مع التكرارِ وتَعدُّدِ المشاكلِ التي تحدثُ وراءَ هذه الخلافاتِ، فمن الطبيعي أنْ تؤثّرَ خلافاتُ الزوجةِ مع أهلِ الزوجِ في العلاقةِ بينَ الزوجينِ، فالزوجُ يقعُ في صراعٍ نفسي، وحيرةٍ شديدةٍ بينَ الطرَفينِ، فقد يخسرُ أهلَه لو أنه تعاطفَ مع زوجتِه، وقد تنزعجُ الزوجةُ وتتأثرُ كثيرًا؛ إذا لم يُقِمْ لها وزناً، ولَم يتّخذْ موقفاً يحفظُ لها كرامتَها وحقوقَها المعنويةَ.
وتضيفُ: من الأفضلِ مواجهةُ الخلافاتِ، وطلبُ نقاشِ أسبابِها مع أهلِ الزوجِ في محاولةٍ للقضاءِ على أيِّ فكرةٍ سلبيةٍ لا أساسَ لها تسبّبُ حدوثَ الخلافِ، ويجبُ أنْ تكونَ الزوجةُ على قدرٍ من الصبرِ والحكمةِ بالدرجةِ التي تمكِّنُها من السيطرةِ على الخلافاتِ، وعدمِ تركِها لتؤثّرَ على علاقتِها بزوجِها وحياتِها الزوجيةِ .
وتتابعُ أبو عبيد:” إنّ هناكَ عدّةَ طرُقٍ يمكنُها أنْ تُخلّصَكِ من هذا الصراعِ؛ أولُها لا بدَّ أنْ تَعلمي أنّ الوحيدَ القادرَ على حلِّ خلافاتِك هو أنتِ، فأنتِ من تَضَعينَ الحدودَ، ومن تقولينَ “لا” للأمرِ الذي يؤذيكِ، فلا تُقحِمي زوجَكِ في كلِّ مشكلةٍ، ولا تُرغميهِ على مواجهةِ أهلِه، وكذلكَ لا تأمَلي أنْ يتوقفوا من تلقاءِ أنفسِهم عن إزعاجِك، فإنْ كان لا مفرَ من تجنُّبِ الخلافاتِ معهم، يمكِنُكِ تقليلُ الزياراتِ العائليةِ؛ دونَ أنْ تحرمي زوجَكِ وأولادَك من زيارتِهم.
وتضيفُ: يستمرُّ الأشخاصُ في التصرّفِ بصورةٍ مؤذيةٍ لمَن حولَهم؛ إذا تمكَّنوا من الإفلاتِ بطريقتِهم كلَّ مرّةٍ دونَ مواجهةٍ؛ لذا فإنّ التجاهلَ ليس في صالحِكِ دائماً، ضعي المواقفَ في ميزانِ الحكمةِ، وتَجاهلي المواقفَ البسيطةَ؛ لكنْ اتّخذي موقفاً حاسماً من الأمورِ التي تمسُّ احترامَ الآخَرينَ لكِ، وتذكّري أنّ خلطَ المواقفِ الساذجةِ بالمشكلاتِ الحقيقةِ يُضعِفُ موقِفَكِ.
منوّهةً: إنّ توضيحَ الحدودِ الشخصيةِ، والالتزامَ بها منذُ بدايةِ العلاقةِ؛ أمرٌ لا مَفرَّ منه، لتجنُبِ عواقبِ ذلك لاحقاً، وبالطبعِ يمكنُكِ أنْ تواجهي تجاوزاً من قبلِ الآخَرين، لذلك فإنّ تمسُّكَك بها سيجعلُها أمراً طبيعياً مع الوقتِ، ويمكنُكِ أنْ توضّحي هذا لفظياً؛ حتى لا تلتبسَ الأمورُ على الطرَفِ الآخَرِ.
من جانبِه يقولُ الاختصاصي الاجتماعي محمود عبد العزيز منصور:” إنّ إقحامَ الزوجِ في الخلافاتِ مع عائلتِه لن يُجدي، فلا تضعي نفسَكِ في مقارنةٍ معهم، ولا تنقلي الخلافَ بينَكِ وبينهم، ليصبحَ بينك وبين زوجِك بالنهايةِ، ولذلك حاولي على قدرِ الإمكانِ حلَّ خلافاتِك معهم مباشرةً.
علاقةٌ مستقرّةٌ
بحسبِ دراسةٍ قام بها مركزُ الإحصاءِ الإيطالي، فإنّ فرصةَ الحفاظِ على الزواجِ تزدادُ كلما تباعدتْ المسافةُ بين عائلةِ الزوجِ وبيتِ الزوجيةِ، على الأقلِّ بقَدرِ مسافةٍ تحتاجُ إلى سيارةٍ حتى يتمكنَ الزوجانِ من الحفاظِ على خصوصيتِهما.
ويضيفُ: في حالةِ الخلافِ بين الزوجةِ وأهلِ الزوج، يجبُ ألّا تشاركَ الزوجةُ في التجمعاتِ العائليةِ معهم دونَ وجودِ زوجِها، تجنّباً لاشتعالِ الأزماتِ في غيابِه، فضلاً عن أنه الأدرَى بطباعِ أهلِه، وعلى الزوجةِ تجنّب الموضوعاتِ التي يمكنُ أنْ تسبّبَ خلافاتٍ بينَها وبينهم، فلا يتقبلُ كبارُ السنِّ الرأي الآخَرَ في أغلبِ الأوقاتِ، وأنتِ لستِ مضطّرةً لإبداءِ الرأي في جميعِ القضايا اليوميةِ، أو في أيِّ حديثٍ يُطرحُ خلالَ الجلساتِ العائلية.
ويتابعُ: على الزوجةِ التي تريدُ التخلصَ من هذه الخلافاتِ، وبناءَ علاقةٍ مستقرّةٍ؛ أنْ تحاولَ ألا تحملَ في قلبِها أيَّ ضغينةٍ تُجاهَ أهلِ زوجِها ، فليس هناك أحدٌ مثالي ولا حتى أنتِ، والخلافاتُ أمرٌ لا بدَّ منه، ولكنْ ما يهمُّ هو سلامتُك النفسية، وللوصولِ لهذه المرحلةِ يفضلُ التعبيرُ عمّا يزعجُكِ وبشكلٍ لائق، إضافةً إلى اقتناعِك التامِّ أنّ لكُلِ شخصيةٍ طريقةُ تفكيرٍ وتعاملٍ وتعاطٍ مع الأمورِ؛ لذا لا يجبُ أنْ تتكرّرَ ردودُ فعلِ عائلتِك لدَى عائلةِ زوجِك، ولا يجبُ أنْ تكونَ طريقةُ تفكيرِهم كطريقةِ تفكيرِ أهلِك ، ولا يجبُ أنْ تفكري بالمقارنةِ أبداً، فالبيئةُ والظروفُ العائليةُ، والحياةُ أنماطٌ مختلفةٌ، وعائلتُك جزءٌ منها وليس القاعدةَ .
ذكاءٌ اجتماعي
من جانبها تقدّمُ دكتور علم النفس “رائدة أبو عبيد” مجموعةً من النصائحِ للزوجةِ؛ حتى تتمكنَ من حلِّ هذه الخلافاتِ؛ أبرزُها لا تنتقدي زوجَك أمام أفرادِ عائلتِه، مَهما كانت محبةُ والدةِ زوجِك لكِ، فهي لن تسامحَكِ إذا سخرِتِ أو انتقدتِ ابنَها أمامها، وربما عليك المبالغةُ في تقديرِ جهودِه مع أسرتِك الصغيرةِ، هذه الطريقةُ ستُكسِبُك مساحةً خاصةً لدى عائلتِه.
حاولي التقربَ منهم بما يحبونه، ويمكنُك فهمُ لغةِ الحبِّ التي يتقبلونَها؛ لتتمكني من فهمِهم ومخاطبتِهم بلغةِ الحبِّ التي يفهمونَها وتحسينِ علاقتِكما، فاللينُ يمكنُه أنْ يحلَّ ما لم تتمكن حلُّه المناقشاتُ الحادةُ والخلافاتُ، وعليكِ أنْ تجدي طريقةً تحافظينَ من خلالِها على خصوصيتِك، ولا تجرحي شعورَ والدَيه، أو تُحرجي زوجَك امامَهما أيضا. اتفقي مع زوجِك على احترامِ آراءِ الأهلِ واستشارتِهم للاستفادةِ من تجاربِهم وخبرتِهم في الحياةِ، لكنّ القرارَ الأخيرَ يكونُ لكما وحدَكما. أشعِري والدَيه بأنك تقدّرينَ رأيّهما واستشيريهما من وقتٍ لآخَرَ؛ حتى لا يشعروا أنهم بعيدونَ عن حياةِ ابنِهم. بالحكمةِ والصبرِ والكلمةِ الطيبةِ؛ ستَجدينَ التوازنَ المطلوبَ بين خصوصيتِك وتدخُل أهلِ زوجِك.