Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
سياحة

قريةُ “حنينا”.. سلبَ الاحتلالُ جمالَها بِعَزلِ أراضيها

 

السعادة

الزائرُ لقريةِ حَنينا يرى جمالَ الطبيعةِ وبيوتِها القديمةِ؛ يستشعرُ جمالَ البلادِ التي حُرمنا من سحرِها وجمالِها وطبيعتِها، ترى أصالةَ وتراثَ أجدادِنا، فشوارعُ وحاراتُ القريةِ تُبهِرُ كلَّ مَن دخلَها، ويتعلّقُ القلبُ بها، لكنّ الاحتلالَ أصابَها فَشوَّهَ جمالَها بتقسيمِها وتَعرُّضِها لسياسةِ التهجيرِ والاعتداءاتِ المستمرةِ .

والمعروفُ أنّ الوصولَ إلى القدسِ القديمةِ من قريةِ “حنينا” يستغرِقُ مسافةَ (10) دقائقَ؛ باتَ اليومَ يصِلُ إلى ساعتَينِ وأكثرَ؛ بسببِ محاصرةِ البلدةِ من ثلاثِ جهاتِ بالجدارِ، والحواجزِ العسكريةِ، والشوارعِ الالتفافيةِ، إذْ لم يَتبَقَّ سِوَى مَنفذٍ واحدٍ للسكانِ؛ يؤدّي إلى قريةِ “بير نبالا”.

وطاة الاستيطان

في جولةٍ “للسعادة” معَ المرشدِ السياحي “عدنان المقدسي”؛ عرَّفَنا على أجملِ وأقربِ القرى المقدسيةِ، فيقولُ:” تقعُ قريةُ “بيت حنينا” على بُعدِ (8) كيلومترٍ إلى الشمالِ من البلدةِ القديمةِ في القدسِ المحتلةِ، وتَحدُّها من الغربِ قريتا (بيت إكسا، والنبي صموئيل)، ومن الشرقِ قريتا (حزما، وشعفاط)، ومن الشمالِ قريتا (بيرنبالا، والرام)، ومن الجنوبِ قريةُ “لِفتا” .

ويتابعُ :”تعيشُ بلدةُ “بيت حَنينا” الواقعةِ شماليَّ القدسِ المحتلةِ تحتَ وطأةِ الاستيطانِ، وجدارِ الفصلِ العنصري، الذي أحاطَها من جهاتِها الثلاثِ، وحوّلَها إلى “جُزرٍ معزولةٍ” عن محيطِها الفلسطيني، ولم يتبقَّ لسكانِها سِوَى مَنفذٍ واحدٍ إلى الضفةِ الغربيةِ المحتلةِ، وبعضِ القرى المقدسية.

ويُذكّرُ أنّ “بيت حنينا” تاريخيًا أكبرُ بلدةٍ في القدسِ من ناحيةِ المساحةِ؛ إذْ لا تقِلُّ عن (16) ألفَ دونمٍ، صادرَ الاحتلالُ الإسرائيلي معظمَ أراضيها، وبعدَ احتلالِ المدينةِ عامَ  ( 1967) أقامت “إسرائيل” عليها عدّةَ مستوطناتٍ، هي “عطروت” شمالًا، و”نفي يعقوب” شرقًا، و”راموت” جنوبًا، حيثُ تمَّ مصادرةُ مساحاتٍ شاسعةً من أراضي بلدةِ “شعفاط” لبناءِ المستوطناتِ وجدارِ الضمِّ والتوسّعِ؛ حيثُ صادرتْ سلطاتُ الاحتلالِ دونماتٍ من أراضيها أي (39 %)من مساحةِ البلدةِ، كما قامت سلطاتُ الاحتلالِ ببناءِ مستوطَنتَينِ على الأراضي التي صادرتْها من بلدةِ “شعفاط”؛ بما مساحتُه (186) دونماُ من البلدةِ؛ لبناءِ مستوطنةِ “راموت” التي يقطنُها (42,250) مستوطناً و مستوطِنةً، “وريخيس شعفاط” أو “رامات شلومو” التي يقطنُها (15,350) مستوطناً.

منعَ التمدُّدَ العمراني:

ويوضّحُ أنّ الجدارَ قامَ  بعَزلِ “بيت حنينا” عن القرى المجاورةِ؛ مِثلَ (الجديرة، والجيب، وبيرنبالا)، كما عملَ الجدارُ على منعِ التمدُّدِ العمراني من الجهاتِ الثلاثِ الشرقيةِ والغربيةِ والجنوبيةِ، حيثُ أنّ سلطاتِ الاحتلالِ الإسرائيلي قامت ببناءِ جدارِ الضمِّ والتوَسُّعِ على حدودِ المناطقِ العمرانيةِ في القريةِ؛ ما أدَّى إلى زيادةِ المساحةِ المصادَرةِ من أراضيها، وهدمتْ قواتُ الاحتلالِ الإسرائيليةِ ما يقاربُ (274) بيتاً في “بيت حَنينا”؛ بحُجّةِ البناءِ بدونِ ترخيصٍ.

وتَحدَّثَ عن معاناةِ قريةِ “بيت حنينا” من مشكلةِ التسرُّبِ من المدارسِ؛ بسببِ الظروفِ الاقتصاديةِ الصعبةِ في مدينةِ القدسِ؛ يواجِهُ قطاعُ التعليمِ العديدَ من المشاكلِ في مجالاتٍ عديدةٍ؛ ومن أهمِّها الأبنيةُ المدرسيةُ؛ وهي عبارةٌ عن أبنيةٍ سَكنيةٍ مستأجَرةٍ، ونقصٌ في الغرفِ الصفّيةِ، وتقنياتِ التعليمِ والتجهيزاتِ، وتفتقرُ المدارسُ في “بيت حنينا” إلى الساحاتِ والمختبراتِ، وصفوفُها صغيرةٌ، وتقعُ في مناطقَ سَكنيةٍ مُكتظّةٍ.

ويقولُ:”تعاني قريةُ “بيت حنينا” من عدمِ وجودِ مكبّاتِ للنُّفاياتِ، أو عمّالٍ للنظافةِ، ملاعبَ أو رياضِ أطفالٍ، أو مدارسَ كافيةٍ للتّعدادِ السكاني الموجودِ في القريةِ، كما ويعاني سكانُ القريةِ من روائحِ النفاياتِ التي تتراكمُ بينَ المنازلِ؛ وتشكّلُ أكواماً كبيرةً، وفي حالِ التخلّصِ منها بالحَرقِ؛ فقد تكونُ معاناتُهم مضاعَفةً بسببِ الرائحةِ وتلوُّثِ الجوِّ بالدخانَ؛ مع العلمِ أنّ سكانَ هذه القريةِ يقومونَ بدَفعِ مبالغَ باهظةٍ “للأرنونا” والضرائبِ، والتي هي مبالغُ مقابلَ تلَقِّي هذه الخدماتِ الأساسيةِ.

هجمةٌ إسرائيليةٌ شرسةٌ:

في لقاءٍ مع د. (عمر أبو عواودة) المختصِّ بالقدسِ؛ تحدّثَ عن الهجمةِ الشرسةِ التي تتعرضُ لها القريةُ من قِبلِ الاحتلالِ؛ حيثُ يعتمدُ سياسةَ الاعتداءاتِ والانتهاكاتِ المستمرةِ لتهجيرِ أهلِها قسراً، فمنذُ احتلالِ مدينةِ القدسِ؛ والقمعُ والتهجيرُ والفصلُ العنصريّ سياسةٌ يمارسُها الاحتلالُ عبرَ سلسلةِ إجراءاتٍ، وانتهاكاتٍ بحقِّ سكانِها؛ ما يزيدُ من معاناةِ أهلِ القريةِ على كافةِ الأصعدةِ.

ويبيّنُ أنّ الاحتلالَ صادَرَ آلافَ الدونماتِ الزراعيةِ من أراضي البلدةِ؛ لبناءِ المستوطناتِ وشقِّ الطرُقِ والشوارعِ الاستيطانيةِ، ولإقامةِ مَحميّةٍ طبيعيةٍ، وكذلك للسيطرةِ على الأراضي باعتبارِها “مناطقَ خضراءَ” تمَّ تشجيرُها، كما عملَ الاحتلالُ على مدِّ خطوطِ كهرباءٍ لمنطقةِ “عطروت”، وخطوطِ تصريفِ مياهٍ للمستوطناتِ على حسابِ أراضي البلدةِ؛ بما يُنذِرُ بحدوثِ مخاطرَ صحيةٍ على السكانِ.

ويذكرُ د. “عواودة معاناةَ أهلِ القريةِ التي طالت جميعَ مناحي الحياةِ، لم تتوقّفْ على ذلكَ؛ بل تصاعدتْ في الآوِنةِ الأخيرةِ وتيرةُ الهدمِ في البلدةِ، وتحديدًا سياسةَ الهدمِ للبيوتِ والأماكنِ المقدّسةِ فيها، وأجبرتْ بلديةُ الاحتلالِ عشراتِ العائلاتِ على هدمِ منازلِها قسرًا؛ بِحُجةِ البناءِ دونَ ترخيصٍ.

صمودٌ وتَحدٍّ :

وكان “للسعادة” وقفتَها مع أحدِ سكانِ القريةِ، “خالد دهمان” فيقولُ :” تلقَّينا قراراً بالهدمِ لبيتي أنا وإخوتي؛ لكننا رفضنا استلامَ أيٍّ من تلكَ القراراتِ، ولم نُغادرْ بيوتَنا، ونتعرّضُ للاعتداءِ والشتمِ من قِبلِ المستوطنينَ بشكلٍ يومي؛ وبرغمِ ذلكَ باقونَ.. ولم نَخرجْ من بيوتِنا، ومن فترةٍ لأُخرى يقتحمُ جنودُ الاحتلالِ بيوتَنا؛ ونتعرّضُ للضربِ بالعصا لإجبارِنا على تركِ أراضينا.

ويشكو “خالد” من قلّةِ الخدماتِ التي يحاولُ الاحتلالُ أنْ يُلغيها لنا، ويمنعَنا من الحصولِ على تراخيصَ كالكهرباءِ والماءِ، حتى المدارسِ لم تَسلَمْ منهم؛ فهي معرّضةٌ للتدميرِ بشكلٍ جُزئي؛ ليُرعبوا أطفالَنا ويَحرِمونَهم من الحصولِ على التعليمِ .

ويذكرُ قائلاً:” إنّ البلدةَ تعاني تهميشًا فلسطينيًا، نحن نفتقدُ لكُلِّ مقوّماتِ الحياةِ؛ من قلّةِ المواصلاتِ وفُرصِ العملِ، وارتفاعِ نسبةِ البطالةِ، بالإضافةِ إلى إخطاراتِ الهدمِ، ومحاولاتٍ لترحيلِ السكانِ والتضييقِ عليهم، ووضْعِ الاحتلالِ يدَه على الأراضي، وحرمانِهم من استصلاحِها والبناءِ في المنطقةِ (c).

في حين كان الأقسَى والأبشعَ؛ حينَ يقومُ الخمسيني “أبو تيسير” بهدمِ منزلِه بيَدِه؛ بناءً على قراراتِ الهدمِ التي استلمَها، والذي تعرّضَ للأذَى  مِن قِبلِ المستوطنينَ هو زوجتُه وأبناؤه؛ فهو يخشَى أنْ يخرجَ من البيتِ خوفاً عليهم، ففي آخِرِ مرّةٍ أتتْ بلديةُ الاحتلالِ وأبلغتْهُ بتسليمِ بيتِه وهدمِه؛ وإلا سوفَ يدفعُ تكاليفَ الهدمِ الباهظةَ .

 

تهجيرٌ قسريٌّ :

فيما يؤكّد د. “عواودة” أنّ الاحتلالَ يمارسُ عمليةَ تهجيرٍ ممنهجةٍ ضدَّ سكانِها، من خلالَ سياسةِ الهدمِ، ومصادرةِ الأراضي لصالحِ الاستيطانِ، باعتبارِها البوابةَ الشماليةَ للقدسِ، فالاحتلالُ يسعى لبناءِ مستوطنةٍ جديدةٍ داخلَ التجمعاتِ السكانيةِ وسطَ “حي الأشقرية” بالبلدةِ، تضمُّ عشراتِ الوحداتِ الاستيطانية.

يقولُ:” يسعَى الاحتلالُ بشكلٍ كبيرٍ إلى محاصرةِ البلدةِ، وعزلِها عن بعضِها، ومنعِ أيِّ إمكانيةٍ للتوَسُّعِ العمراني فيها؛ كونَها تشكّلُ الثقلَ السكاني، ولسيطرتِها على الطرُقِ الشماليةِ المؤدّيةِ لمدينةِ القدسِ.

وتطرّقَ د.”عواودة” إلى الوضعِ الاقتصادي المُزري الذي يعيشُه أهلُ القريةِ؛ من قلّةِ دخولِ الأغذيةِ، وبعضِ الأطعمةِ، وموادٍ تستخدمُ في الزراعةِ، وأدويةٍ للحيواناتِ؛ ما أثّرَ على أوضاعِهم الاقتصاديةِ؛ بالإضافةِ إلى الجدارِ الذي قطّعَ أوصالَها؛ وفصلَها عن امتدادِها الطبيعي “بيت حنينا” الجديدةِ، وأصبح سكانُها مُقسَّمينَ ما بينَ القريتينِ دونَ أي تواصُلٍ جغرافي، وباتوا يعيشونَ في جزرٍ مفصولةٍ؛ وبالتالي أصبحتْ البلدةُ لا تعجُّ بالحياةِ كما كانت في السابقِ؛ بسببِ الجدارِ والاستيطانِ، واستمرارِ إجراءاتِ الاحتلالِ بحقِّ سكانِها، بالإضافةِ إلى سيطرةِ الاحتلالِ على أهمِّ مصادرِ المياهِ فيها، وحرمانِ الأهالي من أيِّ امتدادٍ زراعي في الجهةِ الغربيةِ للبلدة.

والكارثةُ ما يفعلُه الاحتلالُ من مساعي لتحويلِ الجهةِ الغربيةِ المُحاذيةِ لقريةِ “النبي صموئيل” إلى مَحميّةٍ طبيعيةٍ؛ بعدَما صادَرَ (5 )آلافِ دونمٍ من أراضيها.

يقولُ :”رغمَ سياسةِ الإجراءاتِ التعسفيةِ من قِبلِ الاحتلالِ؛ إلّا أنّ سكانَها لا يستسلمونَ؛ ويواصلونَ صمودَهم وثباتَهم في أرضِهم؛ ويرفضونَ استلامَ أيِّ قراراتٍ من قِبلِ الاحتلالِ لهدمِ منازلِهم؛ ويقفونَ صامدينَ في وجهِ غطرستِه؛ مُحاولينَ خلقَ فُرصٍ إنتاجيةٍ تدعمُ وجودَهم، خاصةً في ظِلِّ غيابِ مشروعٍ واضحٍ لدَعم صمودِهم.

وفي ضوءِ حديثِه يوَجّهُ كلامَه إلى المسؤولينَ والمؤسساتِ؛  بتسليطِ الضوءِ على معاناةِ القريةِ، فنحن نقفُ أمامَ كارثةٍ حقيقةٍ لطَمسِ ومسحِ قريةٍ فلسطينيةٍ، فهي بحاجةٍ إلى مشاريعَ دعمٍ جادّةٍ وعاجلةٍ للحفاظِ على صمودِ سكانِها ودعمِهم؛  لمواجهةِ الممارساتِ الاحتلاليةِ، فالبلدةُ تعيشُ وضعًا اقتصاديًا ومعنويًا واجتماعيًا وسياسيًا مدمّرًا؛ جرّاءَ اعتداءاتِ الاحتلالِ وإجراءاتِه التعسفيةِ المستمرّةِ، وعزلِها عن محيطِها الفلسطيني بفِعلِ اختراقِ الجدارِ الفاصلِ والاستيطانِ، والذي حوّلَها إلى قريةٍ مهجورةٍ ومعزولةٍ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى