رتوش قانونية
عقوبةُ الإعدامِ بينَ الرفضِ والقَبولِ
تناقلتْ وسائلُ الإعلامِ خلالَ الأيامِ الماضيةِ خبرَ حُكمِ مَحكمةِ الجناياتِ الكبرى الأردنيةِ بالإعدامِ شنقاً لطبيبٍ أردنيٍّ؛ أقدَمَ على قتلِ صديقِه الفلسطينيّ؛ ويعملُ ضابطَ إسعافٍ؛ ثُم حرْقِه وإخفاءِ جثتِه قبلَ عامينِ، ويعيدُ هذا الحكمُ النقاشَ الدائرَ منذُ عقودٍ في المجتمعِ العالمي والعربي؛ مروراً بالأوساطِ والمؤسساتِ الحقوقيةِ في قطاعَ غزةَ؛ حولَ مدَى فعاليةِ وعدالةِ تطبيقِ عقوبةِ الإعدامِ في عصرِنا الحالي؛ حيثُ ينقسمُ البعضُ ما بينَ مؤيِّدٍ ومُعارِضٍ، رغمَ أنه سبقَ وطُبّقتْ في كلِّ المجتمعاتِ تقريبًا، وعلى مرِّ العصورِ.
تُعرَّفُ عقوبةُ الإعدامِ، أو تنفيذُ حكمِ الإعدامِ بأنها قتلُ شخصٍ بإجراءٍ قضائي من أجلِ العقابِ أوِ الردْعِ العامِّ والمنعِ، وتُعرّفُ الجرائمُ التي تؤدّي إلى هذه العقوبةِ بجرائمِ الإعدامِ أو جناياتِ الإعدامِ.
ومَنشَأُ الجدَلِ كان بسببِ قيامِ الجمعيةِ العامةِ لهيئةِ الأممِ المتحدةِ؛ بتقديمِ قرارٍ غيرِ مُلزِمٍ؛ مَفادُه تعليقُ تطبيقِ عقوبةِ الإعدامِ، والتصويتُ عليه؛ حيثُ لاقَى الموافقةَ بالأغلبيةِ، بالإضافةِ لوجودِ بعضِ الاتفاقياتِ الإقليميةِ اللاحقةِ للقرارِ؛ والتي حظَرتْ عقوبةَ الإعدامِ في وقتِ السّلمِ؛ ومنها الاتفاقيةُ الأوروبيةُ لحمايةِ حقوقِ الإنسانِ، والاتفاقيةُ الأمريكيةُ لحمايةِ حقوقِ الإنسانِ، بالإضافةِ للعهدِ الدولي للحقوقِ المَدنيةِ والسياسيةِ، الذي وضعَ بروتوكولاً اختياريًا يَحظُرُ تنفيذَها؛ ويشجّعُ على إلغائها، وبالمُحصِّلةِ أسهَمتْ كلُّ هذه الاتفاقياتِ في التأسيسِ لحالةٍ من الرفضِ لتطبيقِ عقوبةِ الإعدامِ؛ حتى أضحتْ أوروبا قارّةً لا تُطبِقُ عقوبةَ الإعدامِ.
ويرى المُعارِضونَ لعقوبةِ الإعدامِ؛ أنها تتعارضُ مع أبسطِ الحقوقِ الإنسانيةِ البشريةِ؛ وأوَّلُها الحقُّ في الحياةِ، وأنها عقوبةٌ قاسيةٌ ومهينةٌ، وقائمةٌ على الانتقامِ، فعندما يُعدَمُ الشخصُ بأيِّ طريقةٍ كانت؛ فإنها تُسبّبُ _بالتأكيدِ_ الموتَ البطيءَ والمؤلِمَ؛ وهذا يُعَدُّ تعذيبًا منافيًا للإنسانيةِ. كما يرَونَ أنّ ليس لها ذلكَ التأثيرُ الرادعُ الذي يدَّعيهِ مؤيِّدوها؛ فهي غالباً لا تمنعُ الناسَ من ارتكابِ جرائمَ خطيرةٍ، ولا توجدُ أيُّ علاقةٍ بينَ عقوبةِ الإعدامِ وقِلّةِ الجرائمِ في أيِّ دولةٍ، وأنها -غالباً – ما تُفرَضُ في كثيرٍ من الأحيانِ على الفقراءِ والأقلِّياتِ الدينيةِ أو العِرقيةِ أو الطائفيةِ؛ وهذا مُنافٍ للعدالةِ، وعدمِ التمييزِ بينَ الأفرادِ، كما ويتِمُّ استخدامُها في بعضِ البلدانِ كوسيلةٍ سياسيةٍ للقضاءِ على المعارضينَ السياسيينَ، وأنّ غالبيةَ الدولِ التي تطبّقُ عقوبةَ الإعدامِ؛ لا يوجدُ فيها نظامٌ قضائيٌّ عادلٌ؛ ويفتقِرُ لوجودِ أدِلّةٍ قاطعةٍ على الحُكمِ؛ ويعتمدُ على الاعترافِ تحتَ التعذيبِ، وأنّ عقوبةَ الإعدامِ تُرَسِّخُ فكرةَ الموتِ بدَلاً من محاربتِه، ويستحيلُ تعويضُها في حالِ تَبيَّنَ وجودُ خطأٍ في العدالةِ.
ويرى مؤيِّدو عقوبةِ الإعدامِ؛ أنها عقوبةٌ تتناسبُ مع فِعلِ جريمةِ القتلِ؛ بِمَعنَى إذا قتلتَ شخصًا ما؛ فيجبُ أنْ تُقتلَ أيضًا، وأنّ قتْلَ القاتلِ سيَمنَعُه من ارتكابِ جرائمَ جديدةٍ، وأنّ الفُرَصَ الضئيلةَ لإعدامِ متَّهَمٍ بَريءٍ؛ تُقابِلُها الفوائدُ التي تعودُ على المجتمعِ في التخلصِ من المجرمينَ والقتَلةِ؛ بالإضافةِ إلى أنّ هذه العقوبةَ تَمنحُ قاضيَ التحقيقِ وسيلةَ تهديدٍ للمُتَّهَمِ؛ حتى يتمَكّنَ من تقديمِ معلوماتٍ كاملةٍ عن الجريمةِ، كما وتُشعِرُ أهالي الضحايا بالعدالةِ، وتَمنعُهم من تحقيقِ الاقتصاصِ أو الانتقامِ بأنفُسِهم؛ بالإضافةِ لتخفيفِها من اكتظاظِ السجونِ؛ بحيثُ يتمكّنُ العاملونَ فيها من التركيزِ على السُّجناءِ الذين لدَيهم فرصةٌ لإعادةِ الاندماجِ في المجتمعِ.
رأي علماء الشريعة الاسلامية
بينما قسّمتْ الشريعةُ الإسلاميةُ العقوباتِ إلى ثلاثةِ أنواعٍ، وهي: الحدودُ، والقصاصُ، والتعزيرُ، وحدّدتْ عقوبةَ الإعدامِ في جرائمِ الحدودِ والقصاصِ، فالعقوبةُ الأصليةُ لجريمةِ القتلِ العَمْدِ هي القصاصُ؛ أيْ قَتْلُ القاتلِ، إذا ما توافرتْ أركانُ الجريمةِ في حقِّه، ومع ذلكَ فقد أحاطتْ تطبيقَ هذه العقوبةِ القاسيةِ بسياجٍ من الضماناتِ، والكثيرِ من الشروطِ، أمّا إذا عَفا وَلِيُّ الدمِ؛ فإنّ العقوبةَ التعزيريةَ واجبةٌ لجريمةِ القتلِ.
ويرَى علماءُ الدِّينِ الإسلامي أنّ عقوبةَ الإعدامِ يُبيحُها الإسلامُ؛ ولا يُحَرِّمُها في حالةِ القصاصِ؛ ولكنْ للضحيةِ أو أسرتِه الحقُّ في العفوِ، وفي الفقهِ الإسلامي، فإنّ تحريمَ ما لم يُحَرِّمْهُ اللهُ يُعَدُّ حرامًا من الأساسِ.
فمِن المستحيلِ إلغاءُ تطبيقِ عقوبةِ الإعدامِ إلغاءً تامًا، والتي تؤيّدُ على نحوٍ واضحٍ؛ لأنها ضرورةٌ لرَدْعِ الجُناةِ، واستقامةِ الحياةِ في المجتمعِ؛ ولكنْ في حالاتٍ قُصْوَى.. ولا يَحكُمُ بها إلا قاضٍ؛ وهو أعلَى درجةً من المُفتي في حدودِ القضيةِ.
وقد تَقضي الشريعةُ الإسلاميةُ بضرورةِ تطبيقِ عقوبةِ الإعدامِ في حالةِ الارتدادِ عن الدِّينِ الإسلامي، وكذلكَ الرجمُ بالحجارةِ حتى الموتِ في حالةِ الزاني المُحصَنِ (المتزوّج)، بَيْدَ أنّ هناكَ اختلافًا شاسعًا بينَ الدولِ الإسلاميةِ وبعضِها؛ فيما يتعلّقُ بتنفيذِ هذه العقوبةِ فعليًا.
وهنا نَرهَنُ رأيَّنا في رأيِّ الشريعةِ الإسلاميةِ؛ فلا اجتهادَ مع وضوحِ تعليماتِها؛ مَهما تَداعتْ الهيئاتُ الحقوقيةُ، ورَوَّجتْ لفكرةِ الرفضِ المُطلَقِ لعقوبةِ الإعدامِ.