مرآتي
مدرسة المرض
قلت لصديقتي: صباح الخير..وفي كل صباح خير..هكذا تيقنت كل يوم أفتح فيه عيني على جسد منهك، وتبعث الشمس فيه الأمل، كأن الصباح معجزة تتجدد غفلنا عنها لتكررها..
وازداد يقيني أن خسران الصحة أعظم الخسارات وخيانة الجسد كبرى المصائب..
لم أكن قادرة على الكتابة، لأن عضلات يدي لم تقوَ على ذلك، لكن النعمة الكبرى أن العقل لا يفكر بعضلة، وأن النفس لا تعتل بداء.. وحتى ما لا نقوله واعين تترجمه الأحلام..
وفي غمرة دائي، كنت أكتب لزميلي بأيدٍ مرتجفة أعزيه بموت زوجته التي غيّبها ذات الداء، وأقول: ربط الله على قلبك، وقلبي يطيش مع كل خبر موت..
تأملت الكلمة كثيراً، ودعاء التصبر بتعبير “الربط”، كأن القلب لشدة زلزلته ينخلع من مكانه ويضطرب، وليس إلا الله عندها يقدر على “ربطه”!
أخذتني نفسي في متاهات الكلمة، فوجدت الله قد عبّر بالربط في موضعين: الصبر، والخوف، وأكثرها كان عند لقاء العدو حين تنخلع القلوب من مكانها خوفاً، ونسبه في الحالتين له وحده..
فليس أكثر زلزلة للقلب من الجزع، ومن الرعب.. لذلك نفاهما الله عن المؤمنين، وكافأهم عليهما “فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون” لا خوف، ولا حزن.. ولعل من يثبت فيهما يثبت يوم الفزع الأكبر..
الأولوية لما نحتاجه..
وقعت عيني على تصميم لصورة جهاز “آيفون” حديث مثبّت على وجهه، بينما طباخ صغير بحجم عقلة الإصبع يضع بيضة في مقلاة، مستخدماً عدسة الكاميرا بدلاً من “عين الغاز”..جاء التصميم بديعاً، يسخر من احتياجاتنا غير المنطقية، ويذكرنا بقانون “أهمية الشيء تنبع من سبب احتياجك إليه”..
في هذا العالم المحموم بالتطور (الشكلي)، لسنا نحن من نحدد ما الذي نحتاجه، وفيمَ نحتاج إليه، بل الميديا والصورة النمطية التي تغرسها في عقولنا، وتبرمجها دون أن نشعر..
أذكر مرة شاهدت مقطع فيديو لطيف ومبدع، حول فتاة تبعث لوالدها الكهل ب”تابلت” كهدية، ثم تحضر لزيارته أثناء تحضيره الطعام، ويدور الحوار كله بينما الأب يقطع الخضار، ويغسل اللوح، ثم يعيد التقطيع عليه، حتى تصل إلى سؤاله عن الهدية، فيرفع لوح التقطيع مبتسماً وهو يبدي إعجابه به، ليظهر أنه ذاته التابلت، وسط صدمة ابنته..
عجوز قصتنا هذه، تماماً كالطاهي في تصميمنا ذاك، ما يهم كل منهما هو كيف يحقق ما يحتاج إليه فعلاً، وليس كيف يحقق المواصفات العالمية الحديثة لشكل الإنسان في هذا العصر..
وأنا أظن أن صاحب لوح التقطيع لو علم من البداية ماهية الهدية، لما كان في مثل سعادته وهو يستخدمه ليَسُد نقصاً ضرورياً من احتياجاته اليومية!
كتب “تقليد” وكتب “ماركة”!
لفتت انتباهي صيحة جديدة تستخدم شكل الكتب كجزء من الديكور (جيد حتى الآن)
لكنّ ما استوقفني صَبغ هذه الكتب بصبغة وأسماء علامات تجارية للأزياء!
لم أفهم ما الفكرة؟ ما العلاقة بين الكتب وماركات الملابس؟
بغض النظر عن تفريغ الكتاب من مضمونه، وتحوله إلى مجرد “ديكور” للتباهي، فإن إضافة هوس الماركات إليه بُعد آخر مستفزّ وخطير!
كأن أصحاب الأموال من علية القوم الذين لا يرتدون سوى هذا المستوى من الصناعة هم وحدهم القراء المثقفون!
في زمن غابر كان النبلاء يتباهون بمكتباتهم ويجعلون لها الجزء الأبرز من المنزل، لكنها على الأقل كانت كتباً حقيقية!
أخشى ما أخشاه هو أن تصبح الكتب أصنافاً وأنواعاً، منها “المقلد” ومنها “الماركة”