اشترِ منهم .. واجبُرْ خاطرَهم
في عزِّ الحرِ،ّ أو حتى في شديدِ البردِ؛ ستَراهُم أينما طرَفتْ عيناكَ أنظارَها، على جوانبِ الطرُقاتِ، وفي وسطِ الحاراتِ، وعلى رؤوسِ الشوارعِ ستَراهم يدْعونَ اللهَ سُقيا خيرٍ وبرَكةٍ. هؤلاءِ المُتعفِّفينَ الذين توَكلوا على اللهِ؛ وبَحثوا عمّا يسدُّ رَمقَ جوعِ أطفالِهم ونسائهم وشيوخِهم.
الباعةُ البسطاءُ غيرُ المتسوّلينَ، الذين يَقضونَ ثلاثةَ أرباعِ يومِهم بحثاً عن لقمةِ عيشِهم #اشتَرِ منهم ولا تجادِلُهم.. ولا تتكبّرْ عليهم ،وأرجوكَ لا تفضّلْ مساومتَهم للزيادةِ أو النقصانِ، فأرباحُهم لا تُذكَرُ، ووقفتُهم طوالَ النهارِ أكبرُ من أنْ نجادِلَهم في الأسعارِ، #اشتَرِ منهم؛ وزِدْ عليها ابتسامةً تَجبُرُ الخاطرَ، فلَعلّها ستَسبِقُكَ غداً عندَ اللهِ ..ووقتَها بيكون يا نيّالك ..
لن يَخذُلَكَ اللهُ بعملِكَ ، ولن يضيّعَ صِدقَ نواياكَ؛ عندما أخلصتَها له أبداً.
عندما اختارَ اللهُ لهؤلاءِ البسطاءِ أنْ يبتليَهم في أموالِهم، لم يَعيثوا في الأرضِ فسادًا، ولم يقنَطوا ولم يستظِلوا تحتَ ظلِّ التسوّلِ.
بائعةُ البقدونسِ السيدةُ الأرملةُ؛ اجتهدتْ في طلبِ الرزقِ الحلالِ، لتوَفّرَ قوتَ أبنائها الصغارِ، وكسوةَ حفيدتِها من ابنتِها المطلّقةِ، وتجتهدُ لتَجمعَ مبلغاً توَفّرُه ثمناً لشراءِ الدفايةِ قبلَ مجيءِ فصلِ الشتاءِ.
اشتَرِ من الخرّيجِ الجَدعِ الذي تخرّجَ بامتيازٍ من كليةِ الهندسةِ، وقد اضطّرَ لبيعِ الاكسسواراتِ على الرصيفِ، وكان قد دفنَ حاجتَه للشكوَى، مُتخِذاً اللهَ ملاذًا كُلّما ضاقت به سبُلُ الحياة.
اشتَرِ من الرجلِ الذي تبلَّلتْ لِحيَتُه؛ وتصبّبتْ جبينُه عرَقاً؛ وهو يحملُ ثِقلَ الحاجياتِ على كتفِه؛ ويطلبُ منكَ شراءَ بعضِها، اشتَرِ منه بكُلِّ الحبِّ؛ حتى لو أنّ هذه السلعةَ لم تَحْتَجْها حالياً؛ فثَمنُها الزهيدُ لن يكسِرَكَ ماليًا؛ لكنّ الحملَ قد يَكسِرُ ظهرَه، وينالُ من عافيتِه .
فرُبما إنْ لم تكنْ بحاجةِ هذه السلعةِ؛ فحَتماً ستحتاجُ دعوتَه التي ستَحصلُ عليها لتُريحَ قلبَكَ ونفسيّتَك، قبلَ أنْ ترفعَ للسماءِ فقط لأنكَ جبَرتَ خاطرَه.
بأمرِ الحبِّ والإنسانيةِ أنتَ مَدْعو للشراءِ من هؤلاءِ البسطاءِ دونَ مساومةِ أحدٍ منهم.
لأنّ اللهَ أعطانا ضِعفَ ما رزقَهم؛ فلا نَبخلْ عليهم وعلى أنفُسِنا بصَدَقةٍ تُطهِّرُ قلوبَنا، وتُطفئُ غضبَ الربِّ عنّا، فإنّ جبْرَ الخواطرِ صدَقةٌ عظيمةٌ لن يَشعرَ بها إلا فاقدَها وفاعلَها.
فقد كنتُ أعتقدُ أنّ جبْرَ الخواطرِ يقتصرُ فقط على عزاءِ أهلِ الميّتِ، وعِيادةَ المريضِ، ومواساةَ المظلومِ؛ لكني أيقنتُ أيضًا أنّ الشراءَ من الباعةِ المتجوّلينَ في حرِّ الشمسِ من أجملِ وأنبَلِ السلوكياتِ، وهو كذلك جَبْرٌ للخواطرِ .
فلَعلّي أنصحُكَ بأنْ لا تجادِلْهُ في ثمنِ سلعتِه؛ وإنْ حلَفَ لا تُكَذِّبْهُ، فأنتَ لم تَنظرْ لنفسِكَ حينما تقضي وقتاً جميلاً في المولاتِ لتَصلِ (للكاشير) واضعاً يدكَ في جيبِكَ؛ لتدفعَ فاتورةً ثلاثيةَ الرقمِ، وتبتسمَ ابتسامةً عريضةً دونَ أنْ تقدّمَ حتى استفساراً واحداً عن هذا الرقمِ؛ حفاظاً على (البرستيج) الخاصِّ بك؛ لكنّك لو نظرتَ على بوابةِ هذا المُولِ؛ سترَى ذلكَ الشابَّ الخرّيجَ؛ وبجوارِه تلكَ السيدةَ، وعلى مقربةٍ منهم الرجلَ المكلومَ الصابرَ؛ ولعلّكَ تتجاهلُهم بكلِّ بساطةٍ؛ دونَ أنْ تفكّرَ أنْ تزيدَ على فاتورتِك كسرًا عشرياً صغيراً، رُبما يكونُ سبباً في صنعِ ابتسامةٍ تَجبُرُ الخاطرَ، “بشيكل واحد بس”.
حينما ترَى من يَعرضُ سِلعًا للبيعِ؛ طابت لها نفسُك فاشتَريها منه، ولا تجادِلْ في ثمنِها هذا من الآخِرِ.
حتى تكونَ صدقةً عنكَ بنفسٍ طيبةٍ تبتغي فيها رضا الله .
صدقاً ..ظروفُ الناسِ صعبةٌ للغايةِ، وهؤلاءِ البسطاءُ الغلابا هم مِنا فينا، ولا حولَ لهم ولا قوةَ ،ومتعَشمِين فينا خير فقط بجَبْرِ الخاطرِ ..
فمنهم من كان يعتاشُ على أجرةٍ يوميةٍ في مطعمٍ؛ ولسوءِ الظروفِ قد استُغنيَ عنه بالعملِ ،وآخَرُ باتَ ينتظرُ مبلغاً مالياً من الشؤونِ الاجتماعيةِ؛ لا يُغني ولا يُسمِنُ من جوعٍ ،وهناك رجلٌ يناشدُ للاستدانةِ لشراءِ العلاجِ لابنتِه الوُسطَى ،وسيدةٌ مهدَّدةٌ بالطردِ من منزلِها لعدمِ تَمكُّنِها من دفعِ الأُجرةِ الشهريةِ ،وفتاةٌ متفوّقةٌ تركتْ مقعدَها الدراسيَّ بالجامعةِ؛ لعَدمِ توفُّرِ الإمكانياتِ لدَى والدِها؛ لدَفعِ رسومِ الفصلِ الدراسي الجديد .