Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

اتكاءَةٌ خفيَّةٌ على الواقعِ

إنّ ما يُنتِجُهُ التعارفُ والتعاونُ بينَ الناسِ، القائمُ على البِرِّ والتقوى من مكاسبَ، حتماً سيخدمُ البشريةَ جمعاءَ، فنظرةُ الإسلامِ إلى الحياةِ نظرةٌ إيجابيةٌ؛ تتَجلَّى في الحفاظِ على الوُدِّ والتكريمِ للإنسانِ، قال اللهُ تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا).

أمّا أولئكَ المُنسلِخونَ عن مبادئَ وقِيَمِ الإسلامِ؛ فنظرتُهم  للحياةِ نظرةُ منافعَ ومصالحَ شخصيةٍ، نظرةٌ لا تؤمِنُ بالتعارفِ ولا التعاونِ؛ وإنما تؤمِنُ بالاستعبادِ والاستغلالِ، حتى إنهم يرَونَ لأنفسَهم حقَّ الأمرِ والنَّهيِ، والمنعِ والعطاءِ، نظرةٌ قائمةٌ على الظلمِ والجهالةِ والازدراءِ، {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}؛ لِذَ كان غيابُ التوجيهِ الأخلاقي، ومَنطِقُ العقلِ والحكمةِ إفساداً في الأرضِ، ودماراً للبشريةِ وللعالمِ بأَسرِه، فكيف إنْ كانت هذه النظرةُ من الذكورِ إلى الإناثِ، أو من الأزواجِ إلى الزوجاتِ؟!

فقطعاً لا تُعجِبُني تلكَ النظرةُ، وبعضُ النزعاتِ الذكوريةِ الظاهرةِ في المجتمعِ، كما ولا يَعنيني كثيراً أنْ تكونَ آراءُ بعضِ الرجالِ مخالِفةً لرأيِّي ..بل وأرفضُ أنْ تُلغي المرأةُ ذاتَها وكيانَها أمامَ زوجِها؛ لتَمنحَه إحساسًا بالقداسةِ المُفرطةِ، إنما هي حياةٌ قائمةٌ ومبنيةٌ على المودّةِ والرحمةِ. قالَ اللهُ تعالى: (لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، وكذا الذين يتَغنّونَ بأنهم أصحابُ القوامةِ.. ولو عرفَ أولئكَ ما هي القوامةُ؟ وما تبعاتُها؟ لتَنازلوا عنها بطِيبِ خاطرٍ، ومع ذلكَ يُزعِجُني ويُخجِلُني أنْ لا أجِدَ نساءً ذائعاتِ الصيتِ؛ بقَدْرِ أولئكِ اللاتي يعملنَ في مِهَنٍ تنقصُ من هيبةِ المرأةِ ومكانتِها؛ مِثلَ رضوخِها وقبولِها بِعَرضِ جسدِها عن طريقِ ذاكَ اللباسِ المُلفِتِ؛ دقيقِ التفاصيلِ؛ ليأتيَ الإعجابُ؛ ويبدأَ طُوفانُ التهافتِ في المدحِ والثناءِ، كما لا أتخيّلُ غفلةَ وسذاجةَ وُلاةِ أمورِهنَّ؛ وضياعَ عقولِهم، وشتاتَ قلوبِهم، وعدمَ إنكارِهم الباطلَ؛ أي إخلالٌ للرجولةِ وطمسٌ للحياءِ، وضياعٌ للغيرةِ، واستخفافٌ بالمجتمعِ، وأيُّ إهانةٍ للمرأةِ أفظعُ..! وأيُّ ضياعٍ لحُرمتِها وكرامتِها أكبرُ من هذا الصنيعِ؟

نَعي جميعاً أنّ أولَ ما يلفتُ النظرَ هو الجمالُ الظاهرُ؛ قبلَ جمالِ الباطنِ، فهو  خطُّ اللقاءِ الأولِ، في حين أنّ جمالَ الباطنِ يحتاجُ إلى وقتٍ ليَظهرَ ونتعرّفَ عليه، فثقافةُ المرأةِ وفكرُها وذكاؤها ونظرتُها السوِيةُ للحياةِ، من أجملِ ما يلفتُ النظرَ في الأُنثى، وقَطعاً أنزعِجُ كثيراً من  أولئكَ الرجالِ الذين يرَونَ أنّ المرأةَ المثقّفةَ والطموحةَ؛ خرجتْ عن الفطرةِ السليمةِ؛ مُعتقدِينَ أنّ مكانَها ومملكتَها البيتُ والبيتُ فقط، فمِن الرجالِ من جعلَ نساءً ذكياتٍ ومجتهداتٍ بعدَ زواجِهنَّ؛ جعلَهنَّ يَختَفينَ بينَ جدرانِ البيتِ من كثرةِ الأعباءِ، وثِقلِ المسؤولياتِ، فانعدمَ طموحُهنَّ بعدَ الزواجِ؛ بل وساءَ حالُهنَّ، وانتُهِكتْ حقوقُهنَّ عند قبولِهن بذلكَ؛ ما عزّزَ فكرةَ ازدراءِ المرأةِ المثقفةِ أو الواعيةِ، التي يعتقدونَ أنها غالباً ما ستكونُ سدّاً منيعًا بينَ استقرارِ بيتِها والحياةِ الزوجيةِ السعيدة.

أرجو ألا يُساءَ فَهمي، فأنا لستُ ضدَّ أنْ تحترمَ المرأةُ زوجَها وتوَقِّرَه، وأنْ تقومَ بواجباتِها تُجاهَ بيتِها؛ فذاك سياقٌ طبيعي يُفضي إلى المودّةِ والرحمةِ والمحبةِ المتبادلةِ، والمشارَكةِ الفاعلةِ في تربيةِ الأبناءِ وإعمارِ البيتِ إعماراً معنوياً، كما أنني لا أُبرّرُ نزعةَ حبِّ السطوةِ والسيطرةِ عندَ الرجالِ، المَبنيةِ على القوامةِ التي مُنِحَها، والتي كانت قوامةَ محبّةٍ واحترامٍ متبادَلٍ قائمٍ على التشارُكِ، لا على الانصياعِ والانقيادِ للزوجِ دونَ تَراضٍ.

نَعم، لا أحبُّ أنْ تبالغَ المرأةُ في التذلُّلِ والخنوعِ لزوجِها، وتتركَ مناقشتَه في أمورِ حياتِهم ومستقبلِهم ومستقبلِ أبنائهم، ولا يُمكِنُ أنْ أتصوّرَ أنْ تكونَ العلاقةُ بينَهما ندّيةً دائمةَ التوتُرِ، وماديةً يعتريها الجمودُ.

أخيراً أُذَكِّرُ أنّ الإسلامَ قد أحاطَ المرأةَ بأسوارٍ من العنايةِ؛ وخصَّها بالتكريمِ وحُسْنِ المعاملةِ؛ أُمًّا وأُختًا وزوجةً وابنةً؛ فكُن أنتَ حارسَ هذه  الأسوارِ .. فبَيتُ الزوجيةِ مبنيٌّ على الحبِّ والرحمةِ؛ وليس من بعضِ الأحجارِ ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى