
تقرير : السعادة
حينَ نكتبُ عن قصةِ معاناةِ الأسيرةِ الفلسطينيةِ “إسراء الجعابيص”؛ نشعرُ بالعجزِ التام، لا عباراتٍ تَصِفُ معاناتِها؛ تذوبُ الكلماتُ أمامَ ألَمِها وأوجاعِها وصبرِها؛ نقفُ عاجزينَ مكتوفي الأيدي؛ لكنْ من المُغضِبِ والمُعيبِ أنْ نقفَ متفرّجينَ؛ فهي تحتاجُ لتفاعلٍ وتحرُّكٍ على المستوى المَحلي والعالمي؛ لتوصيلِ معاناتِها حتى تحصلَ على حقِّها في العلاجِ؛ فهي بحاجةٍ ماسّةٍ للتدخلِ الطبي؛ فوَضعُها الصحيّ يحتاجُ إلى أكثرَ من ثماني عملياتٍ جراحيةٍ؛ لتستطيعَ العودةَ إلى ممارسةِ حياتِها بشكلٍ شِبهِ طبيعي .
“إسراء” بحاجةٍ لعمليةٍ لِفَصلِ ما تَبقَّى من أصابعِ يديها الذائبةِ والملتصقةِ ببعضِها، عمليةٍ لزراعةِ جِلدٍ ليُغطّي العظامَ المكشوفةَ، عمليةٍ لفَصلِ أُذُنَيها بعدَ أنْ ذابتا والتصقتا بفعلِ الحروقِ في الرأسِ! لم تَعدْ تقوَى على رفعِ يدَيها إلى الأعلى بشكلٍ كاملٍ؛ نتيجةَ التصاقِ الإبطينِ؛ إضافةً إلى عملياتِ تصحيحٍ للجِلدِ في محيطِ عينِها اليُمنَى، وفي الأنفِ الذي أصبح غائراً، وذاتُ الأمرِ بالنسبةِ للشفتَينِ.
إسراء جعابيص (37عاماً) أسيرةٌ فلسطينيةٌ؛ وأمٌّ لطفلٍ وحيدٍ؛ حَكمَ عليها الاحتلالُ بالسَّجنِ لمُدّةِ (11) عاماً، وغرامةٍ ماليةٍ مقدارُها (50) ألفَ شيكل؛ اعتُقلتْ بعدَ حريقٍّ شبَّ في سيارتِها؛ وأُصيبتْ على إثرِه بحروقٍ من الدرجةِ “الأولى، والثانية، والثالثة” في (50%) من جسدِها؛ وفقدتْ (8 )من أصابعِ يدَيها؛ وأصابتْها تشوُّهاتٍ في منطقةِ الوجهِ والظهرِ.
لائحةُ اتّهامٍ كاذبةٌ :
في يومِ (11 أكتوبر 2015) كانت “إسراء” في طريقِها من مدينةِ أريحا إلى مدينةِ القدسِ؛ حيثُ كانت تعملُ في مدينةِ القدسِ؛ وكانت تنقلُ بعضَ أغراضِ بيتِها إلى سَكنِها الجديدِ بالقربِ من مكانِ عملِها، وفي ذلكَ اليومِ، كانت تحملُ معها أنبوبةَ غازٍ فارغةً، وجهازَ تلفاز، وحسبَ ما ذكرتْ “إسراء” للمُحَقِّقينَ؛ كانت تُشَغّلُ المكيّفَ ومُسجّلَ السيارةِ .
اعتقلتْ الشرطةُ الإسرائيليةُ “إسراء”؛ وعقدتْ لها عدداً من الجلساتِ داخلَ المستشفى؛ لصعوبةِ نقلِها إلى المحكمةِ بسببِ حالتِها الصحيةِ الحرجةِ؛ ووَجَّهت لها لائحةَ اتّهامٍ في هذه الأثناءِ؛ بمحاولةِ تنفيذِ عمليةٍ؛ وقتلِ يهودٍ من خلالِ تفجيرِ أنبوبةِ غازٍ؛ معَ العلمِ أنّ أنبوبةَ الغازِ كانت فارغةً؛ والانفجارَ حدثَ في مقدّمةِ السيارةِ؛ وسحبَ الاحتلالُ بطاقةَ التأمينِ الصحي منها؛ ومنعَ عنها زيارةَ ذَوِيها عدّةَ مراتٍ، وفي إحداها منعَ ابنَها من زيارتِها.
وفي بدايةِ الأمرِ؛ أعلنتْ الشرطةُ أنه حادثُ سيرٍ عادي؛ ثُم ما لبِثَ الإعلامُ العبري أنْ روّجَ؛ أنّ ما حصلَ عمليةَ استهدافٍ لجنودٍ إسرائيليينَ، واكتشفَ المُحقّقونَ وجودَ التلفازِ مع أنبوبةِ الغازِ، وانفجارَ بالونِ السيارةِ؛ وليس أنبوبةَ الغازِ، وعلِموا أنّ تشغيلَ المُكيّفِ منعَ انفجارَ زجاجِ السيارةِ؛ لكنّ المخابراتِ الإسرائيليةَ ادّعتْ أنّ “إسراء” كانت في طريقِها لتنفيذِ عمليةٍ.
حرمانٌ من الزيارةِ
وبعدَ مداولاتٍ ونقاشاتٍ داخلَ محاكمِ الاحتلالِ الإسرائيليةِ؛ حُكمَ عليها بالسَّجنِ لمدّةِ (11) عاماً، وغرامةً ماليةً مقدارُها (50) ألفَ شيكل، وكانت المُداولاتُ قبلَ الحُكمِ قد استمرّتْ لمدةِ عامٍ، وصدرَ الحُكمُ في (7) أكتوبر (2016). وإثرَ ذلك؛ سحبَ الاحتلالُ بطاقةَ التأمينِ الصحي منها؛ ومنعَ عنها زيارةَ ذَوِيها عدّةَ مراتٍ، وفي إحداها منعَ ابنَها من زيارتِها.
وفي بيانٍ لنادي الأسيرِ الفلسطيني؛ بأنّ إدارةَ سجونِ الاحتلالِ تُواصلُ اعتقالَ (11) أُمّاً، وهنّ من بينِ ( 40) أسيرةً يَقبَعُ غالبيَّتُهنَّ في سجنِ “الدامون”، ويُحرَمْنَ من أطفالِهنَّ؛ عَدا عن ظروفِ الاحتجازِ القاسيةِ التي يواجِهْنَها”.
وأوضحَ النادي في بيانٍ له؛ أنّ إدارةَ سجونِ الاحتلالِ تَحرمُ أطفالَ وأبناءَ الأسيراتِ الأمهاتِ من الزياراتِ المفتوحةِ، ومن تَمكينِهِنَّ من احتضانِ أطفالِهنَّ وأبنائهِنَّ، وتَضاعفَ الحرمانُ منذُ مطلعِ العامِ المُنصرِمِ مع بدايةِ انتشارِ فيروس “كورونا”؛ جرّاءَ عدمِ انتظامِ الزياراتِ.
ويَقبعُ داخلَ سجونِ الاحتلالِ الإسرائيلي (4500) أسيرٍ فلسطينيّ؛ بينَهم (140) طفلاً قاصراً، و(41) امرأةً، وِفق جهاتٍ حقوقيةٍ فلسطينيةٍ .
معاناةٌ لا تنتهي
وبحسبِ مؤسّسةِ الضميرِ لرعايةِ الأسيرِ، وحقوقِ الإنسانِ؛ تتعرّضُ الأسيراتُ الفلسطينياتُ _منذُ لحظةِ اعتقالِهنَّ على أيدي قواتِ الاحتلالِ الإسرائيلي_ للضربِ والمَهانةِ والسبِّ والشتمِ؛ وتتصاعدُ عملياتُ التضييقِ عليهِنّ حالَ وصولِهنّ مراكزَ التحقيقِ؛ حيثُ تمارسُ بحَقِّهِن كافةُ أساليبِ الضغطِ، سواءً النفسيةً منها أوِ الجسديةَ، كالضربِ، والحرمانِ من النومِ، والشبْحِ لساعاتٍ طويلةٍ، والترهيبِ، والترويعِ، دونَ مراعاةٍ لأنوثَتِهِنَّ واحتياجاتِهنَّ الخاصةِ.
وتُحتجَزُ جميعُ الأسيراتِ الفلسطينياتِ في سجنِ “الدامون” الذي أقيمَ في عهدِ الانتدابِ البريطاني كَمُستودعٍ للدخانِ، بحيثُ تمَّ مراعاةُ توفيرِ الرطوبةِ لحِفظِ أوراقِ الدخانِ عندَ تشييدِه؛ فبعدَ عامِ (1948) وضعتْ إسرائيلُ يدَها عليه؛ وحوّلتْهُ إلى سجنٍ؛ وقد أُغلِقَ هذا السجنُ لفترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ؛ ثُم أُعيدَ فتْحُه عامَ (2001).
يفتقرُ سجنُ “الدامون” إلى أبسطِ مقوّماتِ الحياةِ الإنسانيةِ؛ فغالبيّةُ الغُرفِ فيه سيئةُ التهويةِ؛ وتنتشرُ فيها العديدُ من الحشراتِ والرطوبةِ؛ بسببِ قِدَمِ البناءِ؛ كما إنّ أرضيّتَه من الباطون؛ ما يجعلُها باردةً جداً في أيامِ الشتاءِ؛ وحارةً جداً في أيامِ الصيفِ.
في ظِلِّ تفَشّي وباءِ فيروس “كورونا”؛ لم تَتخِذْ إدارةُ سجونِ الاحتلالِ الإسرائيلي_ بما فيها سجنُ الدامون_ أيَّ إجراءاتٍ وقائيةٍ حقيقةٍ ضدّ فيروس “كورونا”؛ بل منعتْ الأسرى من شراءِ (170) صنفاً من الكَنتين؛ من ضِمنِها موادُ التنظيفِ؛ الأمرُ الذي يُهدّدُ صحةَ الأسيراتِ، وكافةَ الأسرى؛ ويجعلُها في دائرةِ الخطرِ.