الذكاءُ الاجتماعي بينَ الأزواجِ :
للذكاءِ أنواعٌ.. ومن أنواعِه الذكاءُ العقلي ، العاطفي ، الُّلغوي ، الموسيقي، والذكاءُ الاجتماعي؛ ولأنّ الإنسانَ خُلقَ ككائنٍ اجتماعي بطبعِه؛ أصبح من الضروري جداً أنْ يمتلكَ الأزواجُ هذا النوعَ من الذكاءِ في التعاملِ فيما بينَهما، ويُمكنُ أنّ يُعبَّرُ عن الذكاءِ الاجتماعي باختصار؛ بأنه ” مهارةُ كسْبِ القلوبِ بين الناسِ “. وقبلَ أنْ أخوضَ بمَعنى مصطلحِ الذكاءِ الاجتماعي؛ كان لابدَّ من سردِ هذه القصةِ التي من شأنِها أنْ تُوصلَ المعنَى الحقيقَ للذكاءِ الاجتماعي بينَ الأزواجِ، والذي يمكنُ أنْ يوظِّفُه المرءُ في أفضلِ وأصعبِ المواقفِ التي يمرُّ بها؛ لدَورِه في القدرةِ على التصرفِ مع المواقفِ، وحلِّ المشكلاتِ الحياتيةِ التي تطرأُ على الحياةِ الزوجيةِ والاجتماعيةِ بينَ الناسِ .
إليكم قصةُ الصحابيةِ “أمِّ سليم”؛ هذه الصحابيةُ كانت زوجةَ الصحابي “أبي طلحة”؛ وكان لها منه طفلٌ يبلغُ من العمرِ عشرَ سنواتٍ؛ وقد مرضَ هذا الطفلُ مرضاً شديداً؛ وفي يومٍ من الأيامِ خرجَ أبو طلحة للعملِ؛ وقد زادَ المرضُ على هذا الطفلِ؛ حتى تُوُفِّيَ في تلكَ الليلةِ قبلَ عودةِ والدِه؛ وكان طبعًا من الصعوبةِ أنْ يُدفَنَ ليلاً؛ وبالتالي سوفَ يظلُّ الطفلُ ميتاً في البيتِ طوالَ الليلِ؛ وقد فكّرتْ الزوجةُ المؤمنةُ الذكيةُ التي تعرفُ معنَى الزواجِ؛ أنها لن تخبرَ زوجَها!
رجعَ الزوجُ إلى البيتِ؛ وسألَ عن الطفلِ؛ فأخبرتْهُ زوجتُه أنه قد سَكنَ؛ وكلمةُ “سكَن” يُفهَمُ منها أنه نامَ، وأيضاً يُفهَمُ منها أنه ماتَ؛ ولكنّ الزوجَ فَهِمَ أنه سكنَ بمَعنَى نامَ؛ وهذا هو المطلوبُ.. وقد فرِحَ الزوجُ لأنّ الطفلَ قد نامَ؛ فطلبَ من زوجتِه أنْ تَتزيّنَ لهَ..
هذه اللحظةُ ما أصعبَها علي الزوجةِ؛ ولكنها وافقتْ وتزيّنتْ لزوجِها؛ وعندما جاءَ الصباحُ قالتْ له الزوجةُ :”
يا أبا طلحةَ، ترَى لو كان لجارِك عندكَ وديعةٌ له؛ ألا تَرُدَّها له؟ قال نَعم، قالت لكنّ الوديعةَ لها عشرُ سنواتٍ، قال وهذا أولَى أنْ تُرَدَّ فورًا، قالتْ:” يا أبا طلحةَ إنّ اللهَ قد استَردَّ وديعتَه؛ عنها فهمَ أنّ طفلَه قد ماتَ؛ وغضبَ من زوجتِه غضباً شديداً؛ لأنها أخفتْ عنه موتَ ابنِه؛ وتركتْهُ حتى الصباحِ؛ ثُم ذهبَ لرسولِ اللهِ _صلّى اللهُ عليه وسلّم_ وهو غاضبٌ جداً؛ وأخبرَه ما فعلتُه زوجتُه معه؛ فتَبسّمَ النبيُّ وقالَ: من أجلِ هذا رأيتُها الليلةَ في الجنةِ ، باركَ اللهُ لكُما في ليلتِكما..
“أُمُّ سليم” حملتْ في تلكَ الليلةِ؛ ورُزقتْ بولدٍ؛ هذا الولدُ كبرَ وتزوّجَ ورُزقَ بعشرةِ أولادٍ ذكورٍ؛ كُلِّهم من حفظةِ القرآنِ الكريمِ .
هذا نوعٌ فريدٌ من النساءِ؛ قلَّ وجودُه في عصرِنا الحالي؛ رغمَ التطوراتِ التي نعيشُها؛ إلّا أنّ ما حدثَ من “أمِّ سليم” هو بالضبطِ توظيفٌ للذكاءِ الاجتماعي، الذي يُعرِّفُه العلماءُ بأنّه “القدرةُ على التواصلِ مع الآخَرينَ، وبناءُ علاقاتٍ تَسودُها المحبّةُ والالتزامُ، حيثُ يتشَكّلُ نتيجةَ فَهمِ الإنسانِ لنفسِه، وقدرتِه على التحكُّمِ بعواطفِه، بالتالي فهو يرتبطُ جداً بالذكاءِ العاطفي، إذ يُغطّي الذكاءُ العاطفي عِدّةَ جوانبَ متعلّقةٍ بالوَعي العاطفي، وكيفيةِ إدارةِ الشخصِ لحياتِه قبلَ مشاركةِ الآخَرينَ بها، بينما يبدأُ دورُ الذكاءِ الاجتماعي بالتواصلِ معَ الآخَرينَ؛ حيثُ يحتاجُ الشخصُ لتوظيفِ مهاراتِ الذكاءِ الاجتماعيّ؛ كالتعبيرِ، والحوارِ، والاستماعِ، والمصالحةِ .”
والجديرُ ذِكرُه أنّ الذكاءَ الاجتماعي ذكاءٌ مُكتَسَبٌ؛ يُمكِنُ اكتسابُه وتطويرُه مع مرورِ الوقتِ؛ ومن خلالِ اتّباعِ مجموعةٍ من الطرُقِ لتطويرِ مهاراتِ الذكاءِ الاجتماعي منها :
توَفُّرُ الوَعي العاطفي ._
تقديرُ و احترامُ الآخَرينَ ._
_وضعُ الشخصِ نفسَه مكانَ الآخَرين .
الدبلوماسيّةُ في التعاملِ ._
القدرةُ على تحليلِ لغةِ الجسدِ._
لذلكَ يجبُ أنْ تحرصَ كلُّ أسرةٍ على ممارسةِ الذكاءِ الاجتماعي بينَ الأزواجِ، والمُساهَمةِ في تنميةِ هذه المهارةِ عندَ الأبناءِ منذُ الصغرِ؛ حتى تستمرَّ الحياةُ بينَهما بسعادةٍ وهناءٍ؛ وتصبحَ بيوتُنا مُعمَّرةً بالحُبِّ .