“وادي المطوي” معاناةٌ متجدّدةٌ بسببِ المحتلِّ لِمَسحِ جمالِه

السعادة
لَطالما تباهتْ محافظةُ “سلفيت” بِقِممِ جبالِها الخضراءِ، وبالتنوّعِ البيئي الفريدِ الموجودِ في ثنايا وِديانِها، وعلى سفوحِ جبالِها الجميلةِ؛ فكانت منطقةُ “وادي المطوي” غربَ مدينةِ “سلفيت” مِثالاً وشاهداً حيّاً على عظمةِ اللهِ، وعلى التنوّعِ البيئي الفريدِ هناكَ؛ من أشجارٍ ونباتاتٍ برِّيةٍ متنوعةٍ، عَدا عن وفرةِ المياهِ والينابيعِ المائيةِ التي تملأُ المنطقةَ كلَّها.
لكنْ على أرضِ الواقعِ يُصِرُّ الاحتلالُ الإسرائيليّ على طمْسِ هُويةِ المنطقةِ، وعلى سَلبِها طابعَها البيئي الجميلَ، فكانت مياهُ الصرفِ الصحي الناتجةُ عن مستوطنةِ “أرئيل” الجاثمةِ في قلبِ محافظةِ “سلفيت” مِثالاَ وشاهداً حيّاً على حجمِ المأساةِ.
ولم يكنْ “خزان المطوي” بعيداً عن دائرةِ الاستهدافِ؛ حيثُ يعتمدُ في تغذيتِه على مياهِ الينابيعِ المحيطةِ، التي تلوّثتْ فعلياً؛ بسببِ ضخِّ المياهِ العادمةِ من المستوطنينَ صوبَ الوادي الجميلِ، مع الإشارةِ أنّ “خزان المطوي” يغذِّي (30% ) من حاجةِ مدينةِ “سلفيت” من المياهِ؛ بمُعدّلِ (350) متراً مُكعباً يومياً.
على مسافةٍ تُقدّرُ بعشرين كيلو متراً؛ يمشي وادي المطوي_ أحدُ أبرزِ مصادرِ المياهِ والحياةِ في محافظةِ “سلفيت”، والتابعُ لأراضي مدينةِ “سلفيت” وقريةِ “فرخة” المجاورةِ لها_ لكنه اليومَ يمشي بمياهِ الصرفِ الصحي التي تمشي بينَ البيوتِ في قريةِ “بروقين”.
وكَحَلٍّ وقائيّ لتلكَ المشكلةِ؛ تقومُ بلديةُ “سلفيت” بالتعاونِ مع وزارةِ الصحةِ الفلسطينيةِ بعمليةِ “كَلوَرةٍ لمياهِ الشربِ”؛ عبرَ إضافةِ مادةِ “الكلور” بنِسبٍ مخفَّفةٍ إلى مياهِ الشربِ داخلَ الخزانِ؛ بهَدفِ القضاءِ على الملوِّثاتِ “الميكروبيةِ” الضارّةِ؛ وهذا يكلّفُ العناءَ والمالَ في سبيلِ التخفيفِ من أثرِ تلكَ الملوّثاتِ على مياهِ الشربِ.
جنةُ “سلفيت” :
يقعُ “وادي المطوي” إلى الغربِ من مدينةِ “سلفيت” شمالي الضفةِ الغربيةِ المحتلةِ؛ فهو يُعدُّ “جنةَ سلفيت”، ومنطقةً زراعيةً، ويمثّلُ سلّتَها الغذائيةَ، ومقصداً سياحياً لهم؛ لخصوبةِ أرضِه وبساتينِه، ووفرةِ المياهِ فيه.
ولكنْ بفعلِ الاستيطانِ الإسرائيلي؛ باتَ الوادي مصدرَ وباءٍ؛ تنبعثُ منه الروائحُ الكريهةُ بفِعلِ مياهِ الصرفِ الصحي لمستوطنةِ “أرئيل”، ومنطقتِها الصناعيةِ التي تصبُّ فيه؛ ما أسفرَ عن تَركِه من قِبلِ الكثيرِ من المزارعينَ؛ حيثُ تُعدُّ “أرئيل” واحدةً من أكبرِ المستوطناتِ الإسرائيليةِ في الضفةِ الغربيةِ، وتطمحُ إسرائيلُ بضَمِّها، وهناكَ تجري مياهُ الصرفِ الصحي في مَجرى لا يبعدُ بِضعةَ أمتارٍ عن مَسربِ مياهِ “نبع المطوي” .
في لقاءٍ مع رئيسِ بلديةِ كفر الديك “جمال سلميان” يقولُ :”يعاني وادي المطوي التابعُ لأراضي مدينةِ “سلفيت” وقريةِ “فرخة”؛ فهو يتعرّضُ لتَدفُّقِ مجاري مستوطنةِ “آرائيل” في “وادي المطوي” الذي تَتدفّقُ منه العديدُ من الينابيعِ؛ يستخدمُها المزارعونَ لرَيِّ محاصيلِهم، وتستخدمُه أيضاً بلديةُ “سلفيت” لأغراضِ الشربِ؛ وهنا الخوفُ من تلوُّثِ الينابيعِ من هذه المجاري القريبةِ من الينابيعِ، وتلوّثِ المياهِ الجوفيةِ.
يتابعُ حديثَه في نفسِ السياقِ:” أدَّى ذلكَ إلى تلوّثِ الأعشابِ القريبةِ من مَجرى الوادي بهذه المجاري؛ والتي تقومُ المواشي بالرعيِّ فيها، وتتلوثُ منتجاتُها التي تصلُ إلى الإنسانِ، عَدا عن الروائحِ الكريهةِ الصادرةِ من الوادي، والتي تضرُّ بصحةِ الإنسانِ نتيجةَ تسبُّبِها بانتشارِ الحشراتِ والأوبئةِ التي تتكاثرُ على هذه المَجاري، وانتشارِ الخنازيرِ البريّةِ التي أطلقَها الاحتلالُ منذُ سنينَ، فهي تَجدُها مكاناً مناسبا.
سنواتٌ من المعاناةِ :
يذكرُ رئيسُ البلديةِ أنّ الوادي يعاني منذُ سنواتٍ طويلةٍ من سمومِ الاحتلالِ، ومخلّفاتِ مستوطناتِه، والمدينةِ التي ارتبطَ بها “سلفيت”؛ حيثُ يسيرُ مُثقَلاً بتلوُّثِه مروراً بـ”بروقين” و”كفر الديك”؛ تاركاً أثرَه على أراضي القريةِ وأجسادِ سكانِها ومزارعِهم، يستصرخُ الهِممَ طالباً النجدةَ؛ بدَلاً من وعودٍ أثقلتْ كاهِلَه طوالَ الأعوام.
وحسبَ المواطنِ ياسر العفيفي يقولُ:”المياهُ الجاريةُ من “سلفيت”؛ مروراً “ببروقين”؛ وانتهاءً بأراضي “كفر الديك”؛ يتكاثرُ فيها البعوضُ والحشراتٌ التي تُبعِدُ كلَّ من يحاولُ الاقترابَ منها؛ بالإضافةِ إلى الرائحةِ الكريهةِ المُنبعثةِ.. أمّا الأراضي الزراعيةُ الممتدةُ على جانبَي المَجرى؛ فقد هجرَها مزارعوها، وتضرّرتْ محاصيلُها بفِعلِ ما تَحملُه المياهُ من ملوّثاتٍ .
ويَعُدُّ كُلّاً من “بروقين” وكفر الديك” من محافظةِ “سلفيت”؛ هما الأكثرُ معاناةً وتضرّراً ” ؛ حيثُ يوجدُ في البلدةِ ينابيعُ مياهٍ تلوّثتْ بفعلِ المجاري؛ نظراً لوجودِ عينِ الماءِ قربَ الوادي، واختفتْ العديدُ من النباتاتِ النادرةِ من المنطقةِ، وظهرتْ الأمراضُ والحشراتُ، عَدا عن أنّ المزارعينَ في تلكَ المنطقةِ أصبحوا غيرَ قادرينَ على الوصولِ لأراضيهم المنتشرةِ على يمينِ وشمالِ مَجرى الوادي، والطريقِ الزراعي الذي يمرُّ من الوادي نفسِه”.
ويؤكّدُ على سوءِ الوضعِ؛ لدرجةٍ لا أحدَ يحتملُ المكانَ بسببِ البعوضِ والحشراتِ المنتشرةِ في المنطقةِ، ولا يمكنُ لشخصٍ أنْ يجلسَ خمسَ دقائقَ بعدَ الساعةِ الخامسةِ؛ إضافةً إلى الروائحِ الكريهةِ.
فيما يضطّرُ المزارعُ من البلدةِ “حسن علي”، للمرورِ بقريةِ “بروقين” المجاورةِ للوصولِ إلى أرضِه في “كفر الديك”، هارباً من الرائحةِ الكريهةِ، وقطعانِ الخنازيرِ المنتشرةِ في منطقةِ الوادي.
ويَصِفُ الأضرارَ التي وصلتْ إلى أرضِه التي تحتضنُ أشجارَ الزيتونِ بجوارِ مَجرى الوادي؛ فالأضرارُ كثيرةٌ وتتفاقمُ يوماً بعدَ يومٍ، فيقول:” تضرّرتْ الأشجارُ من وجودِ الخنازيرِ، ما جعلني أذهبُ إلى أرضي لأطمئنَّ عليها في موسمِ الزيتونِ .
وعن حالةَ الوادي وتاريخِه؛ يروي لنا المزارعُ المتشبثُ بأرضِه منذُ (30 )عاماً كمال عيّاش، قائلاً:” بالرغمِ من قلّةِ المزارعينَ الذين ما زالوا متمسّكينَ بأرضِهم؛ إلّا أنني صامدٌ على أرضي، ووالدي يمتلكُ دونماً ونصفاً في المنطقةِ المجاورةِ للوادي، كانت مصدرَ رزقٍ لنا؛ وتُطعِمُ عائلتَنا المكوّنةَ من (30) فرداً”.
مَكرهةٌ صحيةٌ :
لكنْ في الوقتِ الحالي اختلفَ الوضعُ اختلافاً كبيراً؛ لأنّ مياهَ المستوطناتِ وما تَحويهِ من مخلّفاتٍ دمّرتْ هذه البقعةَ الزراعيةَ؛ وما زادَ المشكلةَ خطورةً يتمثل هو ترْكُ وإهمالُ الناسِ لأراضيهِم؛ بالإضافةِ إلى أنّ الوادي أصبح مَكرهةً صحيةً تؤثّرُ سلباً على الإنسانِ، والحيوانِ، والنباتِ، بالرغمِ من أنه يطفو على بحيرةِ مياهٍ عذبةٍ”.
وعلى صعيدِ الأراضي الزراعيةِ في منطقةِ “المطوي”؛ يُحدّثُنا عنها مديرُ قسمِ البيئةِ في بلديةِ “سلفيت” أشرف زهد قائلاً: “بالنسبةِ لوادي “المطوي” يُعَدُّ سلّةً غذائيةً لمدينةِ “سلفيت”؛ عدا عن كونِه مَحميّةً مائيةً كبيرةً بالنسبةِ للمدينةِ وقراها”.
وبحسبِ “زهد”، الوادي يستقبلُ (3) أنواعٍ من المخلفاتِ (الملوِّثاتِ)؛ هي النفاياتُ الصلبةُ، والسائلةُ، والهوائيةُ، الناتجةُ عن مصانعِ المستوطناتِ القريبةِ والمحيطةِ بالمدينةِ، والتي تصُبُّ في “وادي المَطوي”.
ويضيفُ: “بالنسبةِ للمياهِ العادمةِ التي تمرُّ في “وادي المطوي”؛ مَصدرُها مجاري المستوطناتِ التي تَحملُ ملوِّثاتٍ بيولوجيةً وكيماويةً ؛ تُسبِّبُ الكثيرَ من الأمراض”.
يُذكَرُ أنّ مشكلةَ “وادي المطوي”؛ عندما تختلطُ مياهُ الوادي مع المخلّفاتِ الكيماويةِ كالرصاصِ والنحاسِ.. وغيرِها، ودخولِ مثلِ هذه المخلفاتِ للمياهِ، وانتقالِها إلى الإنسانِ عن طريقِ السلسلةِ الغذائيةِ، و تراكُمِها في النسيجِ الدهني؛ قد يسبِّبُ فيما بعدُ سرطانَ الكبدِ، أو سرطانَ البنكرياسِ، أو سرطانَ المَعدةِ .
خوفٌ وقلقٌ مُتزايِدٌ :
وعن التلوثِ الهوائي، يضيفُ زهد: “يَخرجُ من مستوطنةِ “أرئيل” القريبةِ من المدينةِ غازاتٌ كيميائيةٌ وعضويةٌ ؛تصِلُ إلى المنطقةِ الزراعيةِ المجاورةِ للوادي من خلالِ الهواءِ؛ وتؤثّرُ سلباً على الإنسانِ والنباتاتِ بشكلٍ خاصٍّ؛ وتعدُّ هذه الغازاتُ من أخطرِ مُسبِّباتِ التلوّثِ وحدوثِ الأمراضِ”.
وحولَ كميةِ المياهِ المستهلَكةِ في مدينةِ “سلفيت”، التي مصدرُها نبعُ المطوي؛ يوضّح لنا مديرُ قسمِ المياهِ والصرفِ الصحي، المهندسُ صالح عفانة، يقولُ: “تستهلكُ “سلفيت” “أَلفَي” كوبٍ من المياهِ يومياً؛ أي ما يعادلُ (15% ) من مياهِ “وادي المطوي” الصحيةِ. والمصدرُ الثاني للاستهلاكِ هو نبعُ السكةِ الكائنُ في مدينةِ سلفيت. و(70%) من شركةِ الكهرباءِ”.
ويعبّرُ “عفانة” عن خوفِه وقلَقِه من اختلاطِ مياهِ المجاري في الوادي بشكلٍ كاملٍ؛ حيثُ تبعدُ المياهُ الصحيةُ عن مياهِ المجاري متراً واحداً؛ وهذا يشعرُنا جميعاً بالخوفِ” .
وأنهَى “عفانة” حديثَه: “عملْنا جاهِدينَ لإيجادِ حلولٍ _حتى ولو مؤقَّتةً_ لإبقاءِ المياهِ صالحةً للشربِ. ولكنْ بلا جدَوى؛ فعندَ اختلاطِ المياهِ الصالحةِ للشربِ والرّي بمياهِ المجاري؛ فذلكَ يشكّلُ خطراً كبيراً على بقعةِ “المطوي” بشكلٍ كاملٍ، وفورَ اختلاطِ المياهِ مع بعضِها البعضِ؛ تُسبّبُ لنا خسائرَ كبيرةً بالنسبةِ للزراعةِ، والأراضي تصبحُ غيرَ صالحةٍ لشيءٍ..، والتربةُ تكونُ ملوّثةً “.