Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اجتماعيةتحقيقات

لقطةُ شاشةٍ تُحيلُ علاقاتٍ زوجيةً وعائليةً إلى التقاعدِ بفعلِ فاعلٍ

"السكرين شوتس" الوجهُ الأسودُ لمواقعِ التواصل

 

واحدٌ من أهمِّ مساوئِ التكنولوجيا ضياعُ الخصوصيةِ؛ حيثُ نمارسُ اقتحامَ خصوصيةِ الآخَرينَ جميعًا، عبرَ حافظةٍ في معرضِ الصورِ؛ تُسمّى “السكرين شوتس”، تحتفظُ الغالبيةُ فيها بصورِ محادثاتٍ خاصةٍ مع بعضِ أصدقائهم، أو صورٍ لمنشوراتٍ كتبها بعضُ الأصدقاءِ والأقاربِ، أو صورةٍ لتعليقاتِ البعضِ على منشورٍ في أحدِ المجموعاتِ ، الاحتفاظُ فيها ليس عبَثاً؛ ونما لأسبابٍ متعددةٍ غالبيتُها تقعُ في سبيلِ التبادلِ بينَ الصديقاتِ للاستهزاءِ، أو السخريةِ، أو الاستنكارِ ، ورُبما لاستخدامِها وقتَ الحاجةِ؛ بهدفِ تدميرِ العلاقاتِ، أو خلقِ حالةٍ من عدمِ التفاهمِ بينَ صاحبِ “الشوت سكرين” والآخَرين.

رانية “30عامًا” كان “للشوت سكرين” في حياتِها تجربةٌ لن تنساها، ولن تغفرَها طيلةَ حياتِها، تقولُ لـ”السعادة”:” كنت مشتركةً في أحدِ المجموعاتِ النسائيةِ الخاصةِ، والمهتمةِ في الطبخِ والتربيةِ، وما إلى ذلك.. عندما طرحتْ واحدةٌ من المشتركاتِ سؤالاً حولَ يومِ الفرحِ؛ ما الذي تُريدين تغييرَه في يومِ زفافِك، عندما قرأتُ السؤالَ وتعليقاتِ النساءِ التي كان يغلبُ عليها الضحكُ والمزاحُ، كتبتُ تعليقَ ” العريس”.

 

إحدى المتطفلاتِ

وتضيف: تفاجأتُ بعدَ أيامٍ قليلةٍ بغضبٍ جامٍّ من زوجي، وكلماتٍ قاسيةٍ جداً؛ لم أتوقعْ سماعَها في أيِّ يومٍ من الأيامِ؛ وطلبَ مني مُغادرةَ البيتِ على وجهِ السرعةِ مع تركِ أطفالي، صُدمتُ بالذي يَحدثُ؛ وحاولتُ معرفةَ السببِ؛ لكنه رفضَ رفضاً قاطعاً إبداءَ أيِّ أسبابٍ أو الحديثَ معي.

وتتابعُ من صعوبةِ الموقفِ خرجتُ من منزلي إلى بيتِ عائلتي باكيةً؛ ولا أعرفُ ماذا أقولُ لعائلتي؛ وأبلغتُ والدي بما حدثَ؛ وبقيتُ قرابةَ عشرةِ أيامٍ في منزلِ والدي؛ دونَ أيِّ اتصالٍ منه؛ أو معرفةِ سببِ ما يحدثُ ، حتى تدخّلَ شقيقي الكبيرُ في الموضوعِ؛ ليبلّغَه زوجي بأنه تلقّى “سكرين شوت” من إحدى قريباتِه بما كتبتُ على المجموعةِ ، وهنا كانت الصاعقةُ التي أصابتْ كياني؛ فاتصلتُ بزوجي وأخبرتُه أنه منشورٌ للمزاحِ؛ وأنّ غالبيةَ التعليقاتِ كانت من بابِ المزاحِ؛ ولولا رحمةُ اللهِ وتدخلُاتُ الأهلِ والأصدقاءِ؛ لكنتُ اليومَ بعيدةً عن زوجي وأطفالي بسببِ “شوت سكرين” من إحدى المتطفلاتِ !

أمّا ماجدة “44 عامًا ” فتقولُ:” كانت لقطةُ الشاشةِ سبباً في عراكٍ حقيقٍ بيني وبينَ عائلةِ زوجي_ وتحديداً حماتي وشقيقاتِه_، ففي أحدِ المراتِ طرحتْ عضوةٌ مشكلتَها مع بيتِ حماها؛ حولَ تدخُلِهم في حياتِها الشخصيةِ بطريقةٍ مبالَغٍ فيها، وكانت غالبيةُ التعليقاتِ مُنفِّرةً ومَهولةً؛ تحثُّ صاحبةَ المشكلةِ على إيقافِ الأمرِ؛ لذا وبحُسنِ نيّةٍ كتبتُ لها “إنّ ما يَحدثُ معها هو أمرٌ طبيعي يَحدثُ من كلِّ الحَمواتِ، وفى كلِّ البيوتِ، وعليها أنْ تتحمّلَ.. وأنّ الوقتَ كفيلٌ بتغييرِ كلِّ هذه التصرفاتِ والسلوكياتِ، وأنّ عليها امتصاصَ غيرةِ حماتِها بأيِّ طريقةٍ، والانتباهَ إلى منزلِها.

بعدَ يومينِ تحديداً، تفاجأتُ بزوجي يصرخُ بي؛ ويطلبُ هاتفي؛ ويقومُ بحذفِ حسابِ “الفيس بوك”؛ والصراخِ دونَ سببٍ! حاولتُ استفهامَ الأمر؛ ما الذي يَحدثُ؟ ما الخطأُ الذي اقترفتُه لهذه المعاملةِ وهذا الصراخِ؟  فأخبرني أنني قمتُ بشَتمِ والدتِه وشقيقاتِه دونَ الانتباهِ إلى حُسنِ معاملتِهم وأدبِهم معي في التعاملِ! وأخبرَني أنّ حماتي لا تريدُ رؤيةَ وجهي! حاولتُ أنْ أستفهمَ متى حدثَ ذلك!

وتُتابعُ: بعدَ مشادّاتٍ ومداولاتٍ وحواراتٍ؛ تبيّنَ أنّ إحدى شقيقاتِ زوجي قرأتْ تعليقي على منشورِ المجموعةِ الخاصةِ؛ فقامت بإرسالِه إلى جروبِ العائلةِ الخاصِّ بهم؛ فيصبحُ تعليقي قضيةً كبيرةً يحاسَبُ عليها زوجي وأنا وأطفالي بقطيعةٍ تامةٍ من الجميعِ استمرتْ لعدّةِ شهورٍ؛ كانت فيها حماتي ترفضُ سماع صوتي أو رؤيتي!

 

خسرتُ وظيفتي

أما طارق ” 27 عامًا” فيقول:” كانت للشوت سكرين قصةً جوهريةً بحياتي؛ حيثُ كانت تربطُني علاقةُ صداقةٍ مع شخصٍ ما، وكنا نتحدثُ دومًا عن أمورِ العملِ الذي نتشاركُ فيه، في إحدى المراتِ سألني بشكلٍ مباشرٍ عن رأيِي الشخصي في مديرِنا، والحقيقةُ أنى قمتُ بكتابةِ رأيي بشكلٍ تفصيلي عن المديرِ، والذي تربطُني فيه معرفةٌ قويةٌ تعودُ لسنواتٍ، وذكرتُ بعضَ المواقفِ التي تدلّلُ على عدمِ أهليّتِه في الإدارةِ؛ وأنه لا يتمتعُ بأيِّ مواصفاتٍ إداريةٍ، معتقدًا أنّ هذا الحديثَ سيبقَى سِرّاً بينَنا.

ويضيفُ: بعدَ أسبوعَينِ تحديداً؛ تفاجأتُ بإنذارٍ خطِّي يبلغُني فيه المديرُ بضرورةِ تسليمِ عهدتي خلالَ الشهرِ؛ لأنّ الشركةَ استغنتْ عن خدماتي، وصُدِمتُ بالخبرِ! ذهبتُ إليهِ لاستفسرَ منه؛ فأخبرَني أنّ خدماتي أعلَى من المواصفاتِ التي تحتاجُها الشركةُ؛ وعليَّ البحثُ عن إدارةٍ أخرى تتمتعُ بخبراتٍ ومؤهلاتٍ أصلُحُ للعملِ تحتَها، وخلالِ الحديثِ تبيّنَ لي أنّ موقفَ المديرِ منّي “شخصيٌّ”.

ويتابعُ: تركتُ العملَ وفى قلبي غُصةٌ كبيرةٌ؛ خاصةً وأنّ الحصولَ على عملٍ أمرٌ غيرُ هَيّنٍ؛ وجلستُ في المنزلِ ثلاثةَ شهورٍ دونَ الحصولِ على عملٍ آخَرَ، وطبعا مديري السابق بحُكمِ العلاقةِ التي تربطُني فيه؛ كان يعرفُ أنني بلِا عملٍ، اتصلَ بي بعدَ ثلاثةِ أشهر؛ وأخبرَني أنّ العِشرةَ لا تَهونُ عليه؛ كما هانت عليَّ، وانه يُعيدُني للعملِ شارحاً ما وصلَه من “شوت سكرين” من شخصٍ؛ كنتُ أحسبُ أنه صديقٌ؛ وأخبرني بالحرفِ الواحدِ أنّ الشهامةَ والرجولةَ تكفي لأن تكونَ في كلِّ المواقعِ.

رَيبةٌ وتهديدٌ

من جانبِها تقولُ الاختصاصيةُ التربويةُ سماح أبو زينة: لقطاتُ الشاشةِ تمثّلُ مشكلةً حقيقةً للغايةِ، وأحياناً مُرعبةً.. فشعورُ المرءِ بأنه يمكنُ لشخصٍ ما في مكانٍ ما أنْ يلتقطَ صوَراً لأي شيءٍ، وكلِّ شيءٍ يفعلُه على الإنترنت، ويخزّنَها للاستخدامِ في المستقبلِ، ذلكَ يعزّزُ لدَينا فقدانَ الثقةِ بالناسِ، والريبةَ منهم، والاعتقادَ بوجودِ تهديدٍ ما، لكننا نُجبِرُ أنفسَنا على نسيانِها لمتابعةِ حياتِنا في العالمِ الإلكتروني بسلامٍ، بدايةً من إرسالِ الرسائلِ النصيةِ، إلى النشرِ والدردشةِ ولقطاتِ الشاشةِ ..

وتضيفُ: “إنّ مُستخدِمَ التقنياتِ الحديثةِ الأصلِ فيه الجانبُ الأخلاقي؛ لأنّ “سكرين شوت” وغيرَها من التقنياتِ أداةٌ صمّاءُ، والقضيةُ أخلاقيةٌ بامتيازٍ لِمَن يستخدمُها؛ –موضحةً- أنه إذا كان المستخدِمُ يراعي تقوَى اللهِ، وينظرُ بالمنظارِ الأخلاقي؛ سيَلتزمُ بهذهِ الآدابِ الأخلاقيةِ، وإذا كان مُتحلّلاً من العاداتِ والأخلاقِ؛ سيُطلقُ العنانَ لشهواتِه ولإيذاءِ الآخَرينَ”.

وترى أبو زينه: “أنّ الأصلَ إنْ كانت المحادثةُ فيها خيرٌ؛، يجبُ أنْ يباهي بها الإنسانُ؛ لكنْ إنْ كانت شرّاً، يجبُ على الإنسانِ أنْ لا يُشيعَها، أو يتوعّدَ ويهدّدَ بها؛ لأنّ الأصلَ في الخُلقِ كَظمُ الغيظِ، من خلالِ قولِه تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

وتتابع: “رسالتي لمَن يتصيدونَ التقاطَ صوَرِ الشاشةِ للآخَرينَ، واعتادوا على فِعلِ ذلك؛ أنّ هذه وظيفةُ الساقطينَ أخلاقياً، الذين لا يَجدونَ ما ينشغلونَ به إيجاباً، ويبدّدونَ أوقاتَهم بالإفسادِ بين الآخَرينَ، وأقولُ لهم ابحثوا عمّا هو نافعٌ لكم ولأُسَرِكم ولمجتمعِكم، وكونوا أداةً للتنميةِ المجتمعيةِ؛ لأنّ الإنسانَ خُلقِ من أجلِ الخيرِ”.

تعديلُ السلوكِ

وحولَ الأساليبِ التي يُمكنُ أنْ نُقنعَ بها الشخصَ المُعتادَ على استخدامِ “سكرين شوت”؛ ليمتنعَ عن عادتِه؛ ذكرتْ “أبو زينه” أنّ هناك عدةَ أساليبَ قائلةً: “إنّ ذلك يقودُنا لأساليبِ تعديلِ السلوكِ؛ وهي منظومةٌ متكاملةٌ يجبُ أنْ تُراعَى في تعديلِ السلوكِ الخطأ، ومترتبةٌ على مجموعةٍ من الاعتقاداتِ الخاطئةِ حولَ الإنسانِ وأخيهِ، حيثُ يجبُ أنْ نوَضّحَ له المَخاطرَ والجوانبَ الإيجابيةَ فيما لو ابتعدَ عنها”.

وتتابعُ: “أقولُ للشخصِ المُعتادِ على نشرِ المحادثاتِ، ضعْ نفسَك مكانَ هذا الشخصِ؛ الذي تنشرُ مُحادثتَه الخاصةَ على الملأِ، وتخيّلْ إحساسَك وردَّ فعلِك؛ -لافتاً- إلى أنّ رسائلَ المحادثاتِ هي شيءٌ شخصيٌّ جدًا، مثِلَ: دولابِك أو حتى حمّامِك؛ لا يصِحُّ أبدًا أنْ تصوِّرَها وتعرِضَها للناسِ، منوّهةً أنّ نشرَ المحادثاتِ الشخصيةِ بشكلٍ عَلَني يُعَدُّ أحدَ أنواعِ إفشاءِ السرِّ، ويمكنُ أنْ يُصنّفَ تحت بندِ خيانةِ الأمانةِ -مشيرةً- إلى أنّ الإكثارَ من سردِ تفاصيلِ المواقفِ الشخصيةِ؛ هو أحدُ أعراضِ مرضِ حُبِّ الظهورِ”.

وحذّرتْ “أبو زينة” من نشرِ المحادثاتِ الخاصةِ، قائلةً: “إنّ نشرَكَ لمحادثةٍ شخصيةٍ خاصةٍ بينَك وبينَ أحدِ الأصدقاءِ بدونِ عِلمِه؛ قد يتسبّبُ في أنْ تَفقِدَه؛ خاصةً إذا كان الحديثُ يمسُّه بشكلٍ خاص، بالإضافةِ إلى أنّ تكرارَ هذا التصرفِ؛ يجعلُ الناسَ يفقدونَ الثقةَ بك، وسيتجنبونَ أيَّ علاقةٍ معكَ في المستقبلِ.

من جانبِه يقولُ الدكتور “ماهر السوسي”، أستاذُ الشريعةِ والقانونِ في الجامعةِ الإسلاميةِ بغزة: “إنّ التقنياتِ والتكنولوجية بصفةٍ عامةٍ نِعمةٌ من نِعَمِ اللهِ على الإنسانيةِ؛ ولذلك ينبغي أنْ نُحسِنَ استخدامَها؛ لأنّ كلَّ وسيلةٍ يُمكنُ أنْ تكونَ إيجابيةً أو سلبيةً، شأنُها شأنُ الكثيرِ من الوسائلِ في حياتِنا”.

ويضيفُ: تصويرُ المحادثاتِ بطريقةِ “سكرين شوت”؛ لتكونَ سبباً في الإيقاعِ بينَ الناسِ، ونشوبِ الخلافاتِ بينهم، تُعدُّ صورةً مرفوضةً جُملةً وتفصيلاً؛ لأنها صورةٌ حديثةٌ من صورِ الإفسادِ الإلكتروني، ونميمةٌ إلكترونيةٌ كمثلِ النمّامِ الذي ينقلُ الكلامَ من شخصٍ لشخصٍ آخَرَ؛ ليُفسِدَ بينَهما!”.

ونوّه السوسي إلى: “أنّ القرآنَ الكريمَ حذّرَ بوضوحٍ من هذا التصرفِ وما شابَهه، سواءً بالطرُقِ القديمةِ أوِ الحديثةِ، مُستشهِداً بالآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}، ومؤكّداً على أنّ تصويرَ المحادثاتِ ونقلَها؛ يُعَدُّ صورةً من صورِ الغيبةِ والنميمةِ الذي يندرجُ تحتَ هذا التعاملِ من حيثُ النتائجِ السلبيةِ المترتبةِ على الفردِ والمجتمعِ، والرسولُ صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضررَ ولا ضِرارَ).

أَحسنُ المَحامِلِ

وحولَ تأثيرِ تصويرِ المحادثاتِ الخاصةِ، ونقلِ محتواها لشخصٍ لم يكنْ موجوداً لحظتَها، أكّدَ السوسي: “أنها تزرعُ الحقدَ والكراهيةَ والشحناءَ بينَ أفرادِ المجتمعِ، وتُثيرُ الكثيرَ من الخلافاتِ، واللهُ سبحانَه وتعالى يقولُ: {وأصلِحوا} وليس: أفسِدوا، ومطلوبٌ منا إنْ لم نَستطِعْ أنْ نُصلِحَ؛ ألاّ نكونَ سبباً ووسيلةً للإفساد”، مشيراً أنّ الكثيرَ من الناسِ يُخطئونَ، فلا أحدَ معصومٌ من الخطأ –موضّحاً- أنّ الكارثةَ الأكبرَ من ذلكَ أنْ يُنقلَ هذا الخطأُ أو الكلامُ السيئُ لشخصٍ آخَرَ، والشريعةُ الإسلاميةُ تستنكرُ مِثلَ هذا الفِعلِ”.

وأكّد “السوسي” على أنه: “ينبغي على مُستقبِلِ “لقطةِ الشاشةِ” والذي وصلتْ إليه المحادثةُ، أنْ يكونَ حذِراً، وأنْ يَحمِلَ الكلامَ على أحسنِ المَحاملِ؛ لأنّ الكلامَ المنسوخَ الذي وصلَه، قد يكونُ مُجتَزأً -أي أُخذِ جزءٌ منه-، ورُبما لو كانت المحادثةُ التي وصلتْه كاملةً لاختلفَ معناها”، على حدِّ تعبيرِه.

ويضيفُ: “يجبُ أنْ ننتبِهَ أنه ليس كلُّ حديثٍ يصِلُنا يكونُ بالضرورةِ نحن المَقصودينَ فيه، فرُبما الكلامُ الذي وصلَ صحيحاً قد قيلَ؛ لكنْ ليس بحقِّنا، بل المقصودُ به أشخاصٌ آخَرون”.

وأردفَ قائلاً: “رُبما من المناسِبِ أيضاً أنْ يقومَ مُستقبِلُ المحادثةِ بمُعاتبةِ الشخصِ الذي أرسلَها، أو أنْ يَعُدَّ  الكلامَ الذي أُرسلَ له لا يُقصَدُ به هو ذاتُه، ويُلقيهِ وراءَ ظهرِه”.

وشدّدَ السوسي على: “أنّ الشخصَ الأولَ الذي كتبَ الكلامَ قد اغتابَ؛ لكنّ الشخصَ الثاني الذي صوّرَ المحادثةَ وأرسلَها؛ تسبّبَ في وقيعةٍ كبيرةٍ ومَفسدةٍ عظيمةٍ، وقطيعةٍ بين الأفرادِ، والمُفسِدُ الأشدُّ ليس مَن تَحدّثَ أولاً؛ بل من نقلَ الكلامَ؛ وأفشَى أسرارَ المجالسِ. –وذكرَ- أنّ تصويرَ المحادثاتِ ونقلَها؛ هو شكلٌ من أشكالِ الإيقاعِ بين أفرادِ المجتمعِ، وإذا اعتادَه الشخصُ قد يكونُ سبباً للتلاعبِ والتزويرِ؛ –مبيناً- أنه إذا علِمَ الشخصُ الذي تحدّثَ بالكلامِ السيئ أنّ كلامه قد نُقل؟ وإذا علمَ المتحدّثُ بحقِّه عمّا قيلَ عنه، فستكونُ حماقاتٍ متسلسلةً تُفسدُ العلاقةَ بينَ أبناءِ المجتمعِ.”

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى