Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تحقيقاتتربوية

غيابُ الآباءِ في العملِ؛ لا يَعفيهِم من مسؤولياتِهم التربويةِ والأُسريةِ

تشتكي الكثيرُ من الزوجاتِ من تحمُّلِها المسؤوليةَ الكاملةَ في التربيةِ والتعليمِ، وتعديلِ السلوكِ تُجاه أبنائها في ظِلِّ غيابِ الأبِ عن كلِّ أدوارِه المَنوطةِ به في الأسرةِ؛ بحُجةِ العملِ وتوفيرِ المالِ، وتأمينِ احتياجاتِ الأفرادِ، في حين تَحملُ الأمُّ على عاتقِها التربيةَ، والتعليمَ، والتنشئةَ، والتعاملَ مع المشكلاتِ المختلفةِ التي يتعرّضُ لها أبناؤها، فهل يَعفي العملُ ومسؤولياتُ الحياةِ الآباءَ من أدوارِهم التربويةِ؟ وهل تستطيعُ الأمُّ تأديةُ دورُها؟ وهل يستطيعُ الأبُ معالجةَ كافةِ مشاكلِ الحياةِ؟ وما هي الآثارُ التربويةُ التي يجنيها الأبناءُ؟

وبلا شك إنّ هناك غياباً قسرِياً ومُجبراً للزوجةِ على تحمّلِ كافةِ الهمومِ والمسؤوليات؛ والكثيرُ من السيداتِ ينجحنَ في القيامِ بهذه المهمةِ الجبارةِ؛ في حالِ أنهنّ المعيلُ الوحيدُ لهذا العشِ؛ فيَمنحنَ كلَّ جهودِهنّ ووقتِهنّ واهتمامِهنّ، لكنْ في أحيانٍ أخرى يكونُ الأبُ حاضراً غائباً في منزلِه؛ يكدحُ ليعيشَ الأبناءُ؛ ويلقي بأحمالِ التربيةِ والتعليمِ على ظهرِ الزوجةِ.

أم رمزي “49 عامًا “:” تقول لـ “السعادة”: منذُ اليومِ الأولِ لزواجي؛ تقعُ كافةُ مسؤوليةِ البيتِ فوقَ رأسي؛ إذْ يعتقدُ زوجي أنّ مهمّتَه في الحياةِ العملُ وجلبُ المالِ، للأسفِ هذا النموذجُ الذي عايشَه في عائلتِه؛ حيثُ كان والدُه يعملُ داخلَ الأراضي المحتلةِ؛ ويعودُ مرّةً أسبوعياً، وبالتالي تقومُ والدتُه بكُلِّ مَهامِّ الحياةِ؛ من تربيةٍ واهتمامٍ وتعليمٍ وشراءِ مُستلزماتٍ!

Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2018-11-07 10:51:15Z | | پRذً¹°

وتضيفُ: تناقشتُ مئاتِ المراتِ معه في هذا الأمرِ؛ وأخبرتُه أنّ الواقعَ مختلفٌ؛ وأنّ عليه أن يولي أبناءَه بعضَ التربيةِ والاهتمامِ؛ لاسيّما وأنه موجودٌ في المنزلِ بشكلٍ يومي، وعملُه في القطاعِ الحكومي يعطيهِ الوقتَ لممارسةِ دورِه الأبوي بشكلٍ جيّد؛ لكنه يرفضُ.. وفى كلِّ مرّةٍ يضعُني في مقارنةٍ مع والدتِه التي استطاعت أنْ تربِّيهم لوَحدِها!

التربيةُ والاهتمامُ

وتُتابعُ: مع الوقتِ شعرتُ أنّ التربيةِ والاهتمامَ لا يُطلَبُ؛ فقرّرتُ أنْ أكونَ أنا “الكُلَّ في الكُلِّ” كما يقولونَ، أنجحُ مرّةً وأفشلُ مرّة أخرى، أستعينُ بأشقائي في بعضِ المراتِ؛ خاصةً في الفتراتِ التي مرَّ فيها أبنائي بفترةِ المراهقةِ، وتنوّه أنّ الأبَ في حياةِ أبنائي يمثّل مصدراً للمالِ؛ فلا علاقةَ تربطُهم به! على الرغمِ من أنهم اليومَ أصبحوا شباناً ولدَيهم أصدقاءُ ومعارفُ بعُمر أبيهم، إلا أنّ تخلِّيه عن مسؤوليةِ التربيةِ حفرَ في ذاكرتِهم إلى الأبدِ.

في حين يقول علاء أبو شماس ” 39 عاما “:” انه لا يجد وقت كاف للجلوس مع أبنائه بالشكل السليم والمناسب لهم في هذه المرحلة المهمة من حياتهم، ما يسبب له مشكلات أحياناً مع زوجته التي تطلب منه بعض الاهتمام والوقت لأطفاله.

ويضيف مستلزمات الحياة الكثيرة من ارتفاع أسعار السكن والسلع الاستهلاكية المختلفة، تجعلني مضطراً للعمل في أكثر من جهة، الأمر الذي يتطلب مني قضاء أغلب ساعات اليوم خارج المنزل، ولا أعود إلا بعد العاشرة مساءً مكدوداً من عناء اليوم كله فلا اكاد أجلس مع أبنائي أكثر من نصف ساعة أو ساعة في أفضل الحالات.

ويلفت أبو شماس إلى معرفته التامة بأن ذلك سيؤثر سلباً على تنشئة أبنائه في بعض النواحي، ولذا يحاول تعويض ذلك بالخروج في نهاية الأسبوع معهم إلى المتنزهات وأماكن يلعبون فيها بحريتهم، ويخرجون طاقاتهم، رغم إدراكه أن بقاءه وقت أكثر معهم سيفيدهم بشكل أفضل في كافة نواحي التربية وهو ما يأمل في الحصول عليه مستقبلاً.

شغله الشاغل

في حين يعتبر علي شعت “50 عاما ” أن أبناءه هم شغله الشاغل، وجلوسه معهم يومياً وتخصيص وقت كاف لمتابعتهم ومصادقتهم والأشراف على أغلب شؤون حياتهم هي المهمة الأساسية بالحياة والتي لابد ان يبذل فيها كل غالى ونفيس.

ويتابع تربية الأبناء مسؤولية ورسالة، وينبغي الاهتمام بكل جوانبها على الوجه الأكمل، ويحمد الله، أنه نجح إلى حد كبير في حياته وتربيته لأولاده بفضل هذا الأسلوب، حيث تخرج ابنه الأكبر الآن من كلية الطب البشري وصار طبيباً ناجحاً، والتالي صار معيداً بإحدى الجامعات ، والآخران متفوقان في دراستهما ويتوقع أن يحذوا طريق النجاح نفسه الذي سار عليه شقيقاهما، والجميع على خلق ودين وتمسك بالقيم العادية التي اكتسبها من والديه واستطاع غرسها في أبنائه من خلال فترة الاحتكاك المباشر بهم وتوجيههم المستمر إلى ما يفيدهم وينفعهم.

ويتفق معه أبو رائد مطر “60 عاما ” إذا يقول يحب الجلوس مع الأهل والأبناء أكثر من الخروج مع الأصدقاء والزملاء، مؤكداً أن ارتباطه بأبنائه يمثل لهم حائط صد قوياً ضد المتغيرات الكثيرة التي يعيشها المجتمع، كونه يعتبر صديقاً لهم ويستمع إليهم ويعرف مشكلاتهم التي يواجهونها في المدرسة أو مع الزملاء، ومن هنا يسهل عليه التعرف على أسباب هذه المشكلة أو تلك ومساعدتهم في تخطى كل صعاب الحياة.

متساوون في الأداء

من جانبه يقول اختصاصي علم الاجتماع إسماعيل أبو ركاب ان قيمة الوقت الذي يخصصه الآباء للأبناء، وضرورة جعله أسلوب حياة يجب ان ينتهجه أي أب حتى يضمن بقاء أبناءه تحت متابعته وإشرافه المستمر، وبالتالي يكون عوناً لهم في المواقف الصعبة التي قد تواجههم، وعليه ان يمدهم بزخم كبير من الخبرات من خلال تبادل الأحاديث والانصات إلى ما لديهم من أفكار ومشكلات تواكب مراحلهم العمرية المختلفة.

ويوضح أن الآباء لديهم أدوار متعددة، منها التقليدي، ومنها المتقدم المبدع، وبالنسبة للتقليدي معظم الآباء متساوون في أداء مثل هذه الدور، كتلبية الاحتياجات الجسدية من مأكل ومشرب ومسكن، وهي الأشياء المعتادة لدى الجميع، حيث ينظر أكثر الآباء إلى الاهتمامات الخارجية مثل شكل الابن، ومظهره، ونظافة غرفته، وأماكن النوم والجلوس، وهذا الدور واجب يقوم به معظم الآباء، وتأتي ضمن مسؤوليات النفقة والقوامة على الأسرة، وغيرها من الأشياء اللازمة لاستمرار الحياة.

أما بالنسبة للأدوار المبدعة والتي يمكن للأب تحقيقها بنجاح، عبر تقديره لأهمية الوقت الذي يعطيه لأسرته، فهي متنوعة، منها الدور العاطفي وله أهميته في تنشئة الصغار، وعلى الوالد أيضاً أن يدرك قيمة الدور الثقافي العلمي، الذي يقوم به، والذي لا يقتصر فقط على مجرد التسجيل للأبناء في المدرسة وشراء المستلزمات الدراسية، بل عليه اختيار مدارسهم ومتابعة تحصيلهم الدراسي، وحسن اختيار مدرسيهم، وملاحظة مستواهم الدراسي إذا كان ضعيفاً في بعض المواد.

أوضح أن تخصيص الوقت المناسب للأبناء هو الكفيل وحده بتأدية هذه المهمة على الوجه الأكمل، وهذا الدور يبدأ منذ الولادة ومستمر طوال العمر ما دام الأب على قيد الحياة، ولكنه يكون في فترة من الفترات أكثر أهمية، خاصة في المراحل الأولى لحياة الابن، وقبل ذلك اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين والخلق القادرة على إعداد جيل يتفوق في السلوك والأخلاق، ثم اختيار الاسم الذي يسهم في تنمية شخصية الابن.

وبعد ذلك يواصل الأب دوره بمتابعة ابنه وتعليمه الأدب بالاحتكاك والرؤية العملية لتصرفات وسلوكيات الوالد، حيث يقوم بتربية الابن على السمات الحميدة من صدق، والنزاهة، والاعتماد على الذات، بحيث يعمل الأب على اكتمال شخصية ابنه.

في حين يقول الدكتور ذياد مقداد أستاذ أصول الفقه بالجامعة الإسلامية:” ” إن الله عز وجل وصف الأبناء بـزينة الحياة الدنيا في قوله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ لذلك جاءت النّصوص الشرعية تؤكد على ضرورة تربية الأبناء تربية صحيحة سليمة، وتحذر من التقصير والإهمال في تربيتهم قال -سبحانه وتعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾

ويضيف يقول الإمام ابن القيم في تحفة المودود: “فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوها صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارًا”.

ويوضح المسئولون عن تربية الأولاد في الأسرة بالدرجة الأولى هما الأب والأم قال صلى الله عليه وسلم: “والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها” ولكل منهما دور ووظيفة في الأسرة تتناسب مع طبيعة كل منهما، فالأب غالباً من تكون له القوامة والسلطة والسيطرة واتخاذ القرارات وتأمين العيش الكريم للأسرة، والأم غالباً ما تقوم بالتربية والرعاية والحنان، فأي تقصير في الدور أو حدوث تداخل في الأدوار يؤدي إلى حدوث خلل في الأسرة، سواء كان التقصير من الأب أو الأم.

ويستطرد للأسف شاع في مجتمعنا انحصار دور الأب في تأمين الحاجات المنزلية لعائلته بمنأى عن انخراطه في الحاجات اليومية لأولاده من تربية وتعليم ورعاية، وذلك بسبب غيابه، وغيابه لا يعنى فقط أنه مسافر، ولكن قد يكون متواجدا مع أفراد أسرته، ويعيش معهم في نفس المنزل، إلا أنه لا يقوم بدوره الطبيعي لأسباب عديدة من بينها أن يكون مشغولاً طوال الوقت في عمله، أو أنه يتسم باللامبالاة تجاه الأسرة.

ويوكد أن غياب الأب عن دوره في الأسرة، واقتصاره على تأمين الحاجات الأساسية للأسرة آثار سلبية على الأسرة كانحراف الأبناء لعدم إحساسهم بوجود رقيب عليهم وخاصة في مرحلة البلوغ، التي تتطلب عناية ورعاية خاصة تتناسب مع التغيرات على الأبناء في هذه المرحلة، فهذا السن يتطلب جهداً مضاعفاً من المتابعة والصحبة والتوجيه والإرشاد والعقاب والثواب وغير ذلك من وسائل التربية، ويتطلب الحزم والقوة أحيانا والحكمة والقدرة على اتخاذ القرار علاوة على إحداث اختلال في توزيع الأدوار مما يؤدي إلى زيادة المسؤولية على الأم وقيامها بدورها ودور الأب، ويؤدي إلى حدوث حالة من العزلة النفسية أو الحاجز النفسي بين الأب وبقية أفراد الأسرة الذين يعتبرونه دخيلاً عليهم أو ضيفاً في حياتهم.

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى