تشويهُ جمالِ المتنزَّهاتِ العامةِ.. بينَ إهمالِ بلديةِ غزةَ وعبَثِ المواطنينَ !

تحقيق السعادة:
بائعُ مشروبِ القهوةِ “أبو فارس” الذي يتواجدُ يومياً في حديقةِ الجنديّ المجهولِ وسطَ مدينةِ غزة، يقضي أوقاتاً طويلةً – على فتراتٍ متقطّعةٍ – في تنظيفِ ساحةِ الحديقةِ؛ التي يرتادُها الأهالي لاحتساءِ المشروباتِ الساخنةِ التي يُعِدُّها بنفسِه.
بعدَ أنْ يضعَ “أبو فارس” القمامةَ داخلَ “كرتونة”؛ يُلقيها بنفسِه داخلَ مكبِّ النفاياتِ القريبِ من المنتَزهِ؛ حتى لا تتراكمَ أكوامُ القمامةِ؛ ما يتسبّبُ في زيادةِ عزوفِ المواطنينَ عن القدومِ إلى المُنتزَهِ !.
ويقولُ بائعُ القهوةِ الخمسيني لـ”السعادة”:” في السابقِ كانت الحديقةُ ممتلئةً بالمواطنينَ طوالَ الوقتِ، لا ينقطعونَ أبداً، ويتواجدونَ لساعاتٍ متأخرةٍ من الليلِ، ولكنْ اليومَ الأعدادُ قليلةٌ، وإنْ لم تكنْ الحديقةُ مقابِلةً لعددٍ من المؤسساتِ والبنوكِ؛ لكان الإقبالُ عليها معدوماً، فغالبيةُ الزائرينَ من موظّفي البنوكِ وأصحابِ المعاملاتِ، وقليلٍ من العائلاتِ التي تأتي هرباً من انقطاعِ الكهرباءِ والحرِّ، فهناك مواطنونَ يَقدُمونَ.. لكنهم سرعانَ ما يَخرجونَ!، فلا يجِدونَ مقاعدَ مناسِبةً للجلوسِ عليها، كما أنهم يُصابونَ بالكآبةِ من مناظرِ القمامةِ المنتشرةِ في أركانِ المنتزه” !.
ويضيفُ:” لا أستطيعُ تنظيفَ كافةِ ساحاتِ الحديقةِ وحدي؛ فهي مرهِقةٌ بسببِ انتشارِ القمامةِ في كلِّ أنحاءِ المنتزهِ، وأنظِّفُ فقط في المكانِ المحيطِ للبسطةِ التي أعملُ عليها، وفي أماكنَ قريبةٍ منها،
ويتابعُ أبو فارس:” أثناءَ عمليةِ التنظيفِ التي أقومُ بها بمُفردي؛ هناك من يُلقي القمامةَ من المواطنينَ، وهناك من يُلقي بها بعدَ التنظيفِ!، إذ يُلقونَ مخلّفاتِ الطعامِ على الأرضِ، وفي ذاتِ الوقتِ نَعذرُهم؛ لأنه لا يوجدُ حاوياتٌ صغيرةٌ بسببِ تحطيمِها، وحاليّاً من النادرِ أنْ تتوفّرَ سلّةُ مُهملاتٍ بالقربِ من المقاعدِ، بفعلِ عبثِ المواطنينَ، وفي ذاتِ الوقتِ لم تهتمْ البلديةُ بتوفيرِ بديلٍ لها، ليبقَى الحالُ كما هو عليه”.
ويوضّحُ “أبو فارس” أنه يضعُ بالقربِ من المقاعدِ “كراتين”؛ ليُلقي المواطنونَ القمامةَ فيها، لافتاً إلى أنّ القليلَ من المواطنينَ من يلتزمُ بذلك.
ويلفت إلى أن طواقم بلدية غزة تأتي في أيام قليلة خلال الشهر الواحد، وبشكل مفاجئ لتصادر الكراسي البلاستيك التي يضعها بائعي القهوة ليجلس الموطنين بدلا من المقاعد المهترئة والمحطمة في المنتزه.
هذه صورة مختصرة لحالة الإهمال والعبث التي تعاني منها كافة المنتزهات العامة التابعة لبلدية غزة، بالإضافة إلى معاناة مدينة غزة من قلة المساحات الخضراء وزيادة الكثافة السكانية.
تذمر المواطنين
لتسليط الضوء أكثر على هذه المعضلة العامة، أعدت “السعادة” تحقيقا يكشف أبعاد المشكلة، ويتوصل إلى الحلول المناسبة لإنهائها.
تواجدت “السعادة” داخل ساحات حديقة الجندي المجهول الممتدة من المجلس التشريعي حتى ميدان فلسطين في شارع عمر المختار، حيث الصورة متطابقة تماما في كافة الساحات، فالأشجار الكبيرة لم تعد بزينتها التي اعتاد عليها الأهالي، أما الأشجار الصغيرة فأصبح بعضها مقعدا للمتنزهين يسندون ظهرهم عليها، بعد أن سرقت بعض المقاعد الرخامية والبلاستيكية وتكسر عدد آخر منها، أما العشب الأخضر فقد ضاع لونه اليانع، وتحول إلى أرض قاحلة بنية اللون تكسوها القمامة التي يلقيها المواطنين لعدم توفر سلال قريبة من المقاعد، ولذات السبب تحولت نوافير وأحواض المياه التي كانت تزخر بالحيوية إلى مكبات للقمامة.
اقتربنا من عائلة قدمت إلى حديقة الجندي المجهول مع غروب الشمس، حيث كان يجلس أفرادها يجلسون على حافة المنتزه الملاصق لرصيف الشارع، وذلك لعدم تمكنها من وجود مقاعد مناسبة للجلوس عليها.
ويقول أبو أحمد الطناني ممتعضا:” أتينا لم نجد مكانا مناسبا، والأرض مليئة بالقمامة، بالإضافة إلى انتشار الشباب وجلوسهم على أرض بطرق غير لائقة مما دفعني للابتعاد عن الساحة الداخلية، ولكن في ذات الوقت كنت مضطرا للجلوس للترفيه عن أبنائي، فلا يوجد لدينا سبل أخرى للتنزه سوى هذه الحدائق العامة التي من المفترض أنها وجدت من أجل العائلات والترفيه عنها”.
ويضيف:” هذا يستوجب من البلدية الاهتمام بالحدائق، والاعتناء بمرافقها وأشجارها، ففي السابق عند قدومي إلى حديقة الجندي المجهول كنت أشاهد طواقم تعتني بالأشجار، وتقص الزائد من أوراق الأشجار لتسر الناظرين، ولكن هذه الصورة أصبحت جزءا من الماضي”.
ويلفت إلى غياب المسؤولية من قبل المسئولين في بلدية غزة للالتفات إلى الأحوال المتردية التي باتت عليها المنتزهات العامة، ووضعها على سلم الأولويات.
ويقول الطناني:” صحيح أن هناك عبث من قبل المواطنين بالمتنزهات العامة، وعدم الاعتناء بمرافق الحدائق، مما يتسبب بخراب وتشويه معالمها، ولكن هذا لا يلغي مسؤولية طواقم البلدية، ولا يمنحها الحق بأن تبرر عدم إصلاح المتنزهات بأن المواطنين غير مهتمين ويتعمدون الخراب، فمسؤوليتهم غير مرتبطة بعبث المواطنين، هذه مسؤولية وأمانة يجب القيام بها يوميا، وليس كأنهم يتصدقوا على المنتزهات بالأيام القليلة التي يحضرون فيها إليها لأوقات قصيرة”.
ويضيف:” بدلا من أن تلقي البلدية المسؤولية عن كاهلها، وتحملها كاملة على المواطنين، هناك خيارات عديدة ممكن أن تنفذها لتعتني بالحدائق، منها، أن يضع المسؤولون قوانين رادعة لمن يعبث بمرافق المنتزهات، بالإضافة إلى إقامة لوحات تحذيرية وإرشادات، فهناك من يلتزم بالتعليمات التي تتضمنها اللافتات، لأن غالبية من يتردد للحدائق هم من المثقفين والطلبة، بمعنى أنهم يقرأون ويدركوا ما يقرئونه”.
في ساحة حديقة الجندي المجهول المقابلة تماما لبنك فلسطين يتجمع عدد من الموظفين والشباب العاطلين عن العمل، حيث يتبادلون الحديث في هموم البلد، معاناتهم المتعددة، ولكنهم يضطروا إلى الجلوس تحت ظل الأشجار غير المقلمة ليستندوا عليها، عندما لا يجدون مقاعد فارغة وصالحة للجلوس عليها.
الشاب عادل مسعود أحد الخريجين الذين لم يجدوا فرصة عمل مناسبة يقول لـ”السعادة”، :” أحضر إلى منتزه الجندي المجهول بعد أن أقضي وقتا طويلا في البحث عن عمل، أو هربا من انقطاع الكهرباء، وفي أوقات أخرى نتجمع أنا وأصدقائي لنخفف عن بعضنا البعض، ولا نجد مكانا نجلس به مجانا سوى حديقة الجندي المجهول، ونحتسي أكوابا من القهوة التي يعدها عاطلون عن العمل مثلنا بأسعار زهيدة، وأشاهد يوميا حالة العبث، وإلقاء القمامة دون مراعاة واحترام لقوانين الحدائق العامة والمواطنين المتواجدين فيها”.
ويضيف:” أشاهد عمليات التحطيم على مرأى كل من يتواجد في الحديقة، وهناك من يستغل تحطيم المقاعد ويسرقها يسرق البلاستيك والحديد الملتصق بها ليبيعها في الأسواق الشعبية، كما يسيئني مشهد نوافير وأحواض المياه بمظهرها البائس حيث أصبحت حاوية للقمامة، ومعلما من معالم الخراب، بعد أن كانت أهم مصادر الراحة النفسية في الحديقة
ويتابع مسعود قوله:” أحاول في بعض المرات منع العابثين من القيام بذلك، ولكنهم سرعان ما يهربون، ومن أتمكن من الالتقاء به أقدم النصيحة له، وأرشده إلى طرق الحفاظ على نظافة المنتزه، وعلى ممتلكاته التي أوجدت من أجل إسعاد الجميع”.
ويوضح أن “الاعتناء في نظافة حديقة عامة ليس بالأمر الصعب، فذلك أبسط ما يكون، فالعملية تبدأ من الفرد نفسه، فإذ ألقى القمامة في مكان مخصص لها، أو وضعها في كيس بلاستيكي وبقي معه ليلقيه في مكان بعيد بعد مغادرته المنتزه، فإن كل من يشاهده سيشعر بالذنب، ويتبع ذات الطريقة”.
انتقلت “السعادة” إلى منتزه البلدية الواقع في منتصف مدينة غزة مقابل ساحة السرايا، الشكل العام للمنتزه أفضل حالا من حديقة الجندي، وذلك لكونه محاط بأسوار حديدية وجدران إسمنتية، بالإضافة إلى كون الدخول إليه بواسطة بطاقة ورقية تدفع مسبقا وهذا ما يعني وجود حراس دائمين للمنتزه.
ولكن من يتجول بين أروقة المنتزه يكتشف حقيقة العبث الذي يقدم عليه رواد الحديقة، وكارثة إهمال طواقم البلدية، فمثلا ألعاب الأطفال مهترئة، ونصفها محطم، وعدد آخر منها غير آمن للعب الأطفال نتيجة فقدانها للأغطية البلاستيكية التي عبث بها الأطفال في السابق، ولم يتوفر لها البديل من قبل البلدية.
دور بلدية غزة
وللحديث عن دور البلدية في الاهتمام بالمنتزهات العامة والاعتناء بمرافقها، التقت السعادة مدير دائرة الحدائق في بلدية غزة المهندس منتصر شحادة، حيث يقول:” إن مدينة غزة من قلة المساحات الخضراء وزيادة الكثافة السكانية، حيث تبلغ مساحة المدينة نحو (55) كيلو متر مربع ويعيش فيها نحو (700) ألف مواطن، هذه المعطيات انعكست على عدد الحدائق في المدينة، حيث تبذل البلدية جهودا مستمرة لزيادة عددها وتطوير القائم منها وإنشاء حدائق جديدة لتوفير بيئة نظيفة وزيادة أماكن الترفيه والتنزه في المدينة.
ويشير إلى أن البلدية تمتلك 24 حديقة رئيسة في المدينة، حيث تسعى لتطويرها وزراعتها وتهيئتها لاستقبال الزوار من المواطنين لاسيما في فصلي الربيع والصيف، لافتا أن جميع الحدائق يسمح للمواطنين الدخول لها مجانا باستثناء حديقتي البلدية الرئيسة في شارع عمر المختار والحيوان جنوب حي الزيتون والتي يتم الدخول لها برسوم رمزية.
ويذكر شحادة عدد من المنتزهات الرئيسية في غزة، وهي حديقة البلدية، والجندي المجهول، وحديقة الأمم المتحدة، والرشيد، والجامعة، وكذلك حدائق، الزهراء وعزالدين القسام، وحديقة الحيوان في الزيتون، وحديقة أرض السرايا، بالإضافة إلى حديقة برشلونة في منطقة تل الهوا، وحديقة الشجاعية، والنصر الشرقي.
وفيما يتعلق بعزوف المواطنين عن الإقبال على المنتزهات العامة، يقول مدير دائرة الحدائق في بلدية غزة:” من أسباب عدم إقبال المواطنين على المنتزهات العامة هو إقبال عدد كبيرة منهم خاصة في فصل الصيف على المنتجعات الكبيرة والشاليهات مدفوعة الأجر، بالإضافة إلى افتتاح عدد من المولات التجارية والتي شكلت عامل جذب لترفيه العائلات”.
ويضيف:” هناك بعض العائلات تحضر إلى المنتزهات للشواء واستخدام الأراجيل خاصة في المنتزه القائم على شاطئ بحر الشيخ عجلين بالقرب من النادي البحري، وهذا يشكل تجاوز لقرب الحدائق من التجمعات السكنية، بالإضافة إلى أن هناك عائلات تأتي لتتنفس هواء نظيفا وليس ملوثا، ومن يأتي ويشاهد تلك المشاهد سيرفض دخول المنتزهات والجلوس فيها”.
ويهيب مدير دائرة الحدائق بالمواطنين في مدينة غزة بضرورة المحافظة على الأشجار والأشتال في المنتزهات العامة، وعدم العبث بممتلكاتهم، وذلك بهدف خلق بيئة صحية ونظيفة.
استهداف الاحتلال
من جهة أخرى يوضح مدير عام الهندسة والتخطيط نهاد المغني في بلدية غزة أن استهداف الاحتلال خلال الحرب الأخيرة في صيف 2014 والاعتداءات التي تعرضت لها المنتزهات خلال الحروب الماضية أثقل كاهل البلدية في صيانة المتنزهات، وإمدادها بالخدمات المطلوبة.
ويشير إلى أن الاحتلال استهدف العديد من المنشآت والمرافق التابعة للبلدية خلال العدوان لاسيما مرافق المياه والصرف الصرف الصحي، لافتا إلى أن البلدية أعادت إعمار العديد منها.
وفيما يتعلق بمشروع إعادة إعمار وصيانة الحدائق التي تعرضت لأضرار خلال العدوان الأخير، أوضح مدير عام الهندسة والتخطيط أن البلدية شرعت بتنفيذ مشروع لإعادة إعمار حديقة القبة شرق حي الشجاعية والتي دمرها الاحتلال الإسرائيلي خلال العدوان الأخير في صيف العام 2014.
ويضيف:” أن مشروع إعادة إعمار الحديقة شمل بناء السور الخارجي للحديقة والمدراجات وتبليط الممرات الداخلية وإعادة تركيب الألعاب، وتمديد شبكات الكهرباء والإضاءة الداخلية، وزراعة الأشجار والمسطحات الخضراء في الحديقة .
ويوضح المغني أن إعادة إعمار حديقة القبة هو جزء من مشروع متكامل لصيانة الأضرار التي تعرضت لها حدائق المدينة خلال العدوان وتشمل صيانة حدائق التوفيق في حي الشجاعية، ومنتزه البلدية الرئيس وحديقة إسعاد الطفولة، وحديقة الكتيبة، ومشتل البلدية وحديقة الحيوان جنوب حي الزيتون .
وتعد حديقة القبة من الحدائق الرئيسة في مدينة غزة وأنشأتها بلدية غزة في العام 1998 وتخدم بشكل أساسي سكان حي الشجاعية شرق المدينة، حيث في المنطقة الشرقية من حي الشجاعية وتبلغ مساحتها الإجمالية نحو (7) دونمات وقام الاحتلال بتدميرها خلال العدوان في صيف العام 2014.
خدمات غائبة
دائرة الحدائق في الإدارة العامة للصحة والبيئة في بلدية غزة أعلنت في تصريح لها في منتصف شهر سبتمبر، أنها زرعت خلال شهر آب / أغسطس الماضي نحو 1460 شتلة في الحدائق العامة وجزر الشوارع والمؤسسات المختلفة في المدينة ضمن جهود تحسين جودة البيئة والمظهر الجمالي للمدينة .
وتوضح الدائرة في تقريرها الشهري أن الأعمال شملت زراعة 356 شتلة في منتزه البلدية الرئيس، وفي حديقة الصداقة بحي التفاح، وحديقة الحيوان بحي الزيتون، ومربعات في حي الشيخ رضوان، وكذلك زراعة (401) شتلة في جزر عدة شوارع وهي: شارعي الطواحين والرياض بحي الشجاعية، وشارع النخيل في منطقة الشعف، وشارع عمر المختار، والمغربي، وشارع الكرامة شرق المدينة .
وقالت دائرة الحدائق في بلدية غزة أن طواقهما نقلت خلال شهر أغسطس 20 مقعداً من الباطون من منطقة ” كورنيش” البحر إلى حديقة الجندي المجهول وذلك بهدف زيادة عدد المقاعد في الحديقة واستيعاب عدد أكبر من المواطنين الوافدين إليها.
فور قراءة هذا التقرير الشهري توجهت “السعادة” فورا إلى حديقة الجندي المجهول بتاريخ 19 سبتمبر 2017، لرصد حقيقة ما إن نقلت فعلا مقاعد إسمنتية جديدة غير التي شاهدناها خلال الأسابيع الماضية منذ شهر يوليو داخل ساحات منتزه الجندي والتي تعاني من الإهمال والعبث.
ولم نجد سوى المقاعد القديمة، وهي مقاعد إسمنتية قد خلع ظهرها وقواعدها الحديدية، وأكوام القمامة منتشرة فوق وتحت الطاولات الإسمنتية التي تعاني هي أيضا من الخراب، وفي الممر المقابل لتلك المقاعد أكوام من القمامة وأوراق الأشجار في إحدى زوايا الأحواض الزراعية لم تجد مكانا لوضعها في سلة القمامة التي خلعت ولم يركب بديلا عنها، أما الأشجار فكان عدد منها متساقط الأوراق وسيقانها محطمة، فيما تحولت إلى اللون البني القاحل.
وخلال جولتنا في حديقة الجندي المجهول التقينا الشاب أحمد إكي وهو بائع قهوة في الحديقة، حيث يتواجد يوميا منذ ساعات الصباح الباكر وحتى ساعات متأخرة من الليل، وسألناه عن سبب وجود أكوام القمامة دون نقلها داخل سلال القمامة.
أجاب البائع الشاب قائلا:” إن هذه الأكوام أنا جمعتها بعد تنظيف ممرات ساحة الحديقة بعد تراكم القمامة وأوراق الأشجار في كل مكان، ولكنني لم أتمكن من نقلها بسبب تحطيم حاويات القمامة الصغيرة، وتبقى هذه الأكوام لصباح اليوم التالي حيث تأتي طواقم البلدية لمرة واحدة يوميا في ساعات الصباح الباكر وتنقلها، ولكنني أكون قد نظفت الساحة وجمعت لهم أكوام القمامة”.
ويوضح أن طواقم البلدية ينظفون الساحة مرة واحد فقط، أما بقية النهار فلا يعودون خلالها أبدا، مضيفا:” من المعروف أن أوقات الذروة هي خلال دوام البنوك وبعد غروب الشمس حتى ساعات الليل، ولكن طواقم البلدية يجمعون فقط القمامة المتناثرة والأكوام التي أجمعها أنا وعدد من بائعي القهوة، وما يدفعنا لذلك هو الحفاظ على نظافة المكان وجذب المواطنين للجلوس وبيع أكوابا من المشروبات الساخنة”.
وفي سياق متصل، التقت السعادة المهندس المدني عوض زقوت، حيث يقول:” إن واقع الحدائق العامة في غزة مزر للغاية، حيث تهاني هذه الحدائق من العياب التام للمرافق العامة، ودورات المياه التي غالبيتها مغلق تماما حاليا، وكذلك غياب الصيانة كما أن خدمات الحماية فيها ليست بالمستوى المطلوب، على الرغم من وجود حراس من قبل البلدية تعمل حماية هذه الحدائق”.
ويضيف:” بجب إنشاء حدائق خاصة بالعائلات بشكل دائم، وفي المنتزهات الأخرى تخصص أيام معينة في الأسبوع للأسر، مما يشجعهم على الذهاب إلى هذه المنتزهات، لأن غالبية العائلات الغزية تعزف عن الذهاب إلى الحدائق العامة لعدة أسباب منها الإهمال وعدم النظافة، وتحطيم المقاعد بسبب عبث المواطنين، وعدم إيجاد بديل لها من قبل البلدية”.
إذا يتضح من تحقيقنا السابق وجود تناقض بين ما يصرح به المسؤولين في بلدية غزة، وما تعلن عنه من تقارير شهرية عن أعمال طواقمها وأقسامها المختلفة، وبين التطبيق على أرض الواقع، فالقادم إلى المنتزهات العامة في مدينة غزة تنكشف له حقيقة الإهمال داخل مرافقها وضد ممتلكاتها التي هي من المفترض أن تكون ملك للجميع، ويجب الحفاظ عليها وعدم العبث بها.