
تحقيق:السعادة
” بدّي أشوف الحكومة، شو بناسب الحكومة، الحكومة مش راضية علينا، الميزانية بإيد الحكومة” لماذا يُطلِقُ الزوجُ على زوجتِه هذا اللقبَ؟ وهل ينقصُ من شخصيةِ الزوجِ ومكانتِه؟ وهل هي جديرةٌ بهذا اللقبِ؟ فهي تُعَدُّ شريانَ الحياةِ، والدينمو الأساسَ الذي يحرّكُ البيتَ، ويحميهِ من أيِّ مُنعطفٍ قد يؤثّرُ على سفينتِها، وتُسيِّرُها حسبَ ما تشتهي الرياحُ، ووِفقَ ما ترتئيهِ بحِكمتِها وحكنتِها؛ فهي وزيرةُ التربيةِ والتعليمِ، وزيرةُ الاقتصادِ والتخطيطِ والتدبيرِ، وزيرةُ الاتصالِ والمواصلاتِ، وزيرةُ العلاقاتِ الأسريةِ والاجتماعيةِ، فهي تتقلّدُ كلَّ المناصبِ في منزلِها، “السعادة” كان لها جولتُها بينَ الأزواجِ.. هل الزوجةُ هي حكومةُ المنزلِ ؟
بضحكاتٍ عاليةٍ اعترفَ “نائل عيد 40 عاماً”، أنّ زوجتَه يليقُ بها لقبُ “الحكومة”؛ فهي القائمةُ بكلِّ المسؤولياتِ والواجباتِ، ولدَيها القدرةُ على التصرفِ في كلِّ المواقفِ، يقولُ:” أرجِعُ لها في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ من بابِ الأخذِ برأيها، وفي الغالبِ أُرجِّحُ كلامَها؛ فهي تزِنُ الأمورَ بحكمةٍ وعقلانيةٍ، ولدَيها حلولٌ سريعةٌ وبديلةٌ لأيِّ مشكلةٍ؛ لذلك أعتمدُ عليها في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ”
ويصارِحُنا بقولِه :” كثيراً ما أكونُ في العملِ؛ واتّصلُ عليها؛ فأَسمعُ جُملةً من التعليقاتِ: ” يا عمي لازم تأخذ رأي الحكومة، ما بنفع اتصل على الحكومة، أو لَمّا أكون مضايق؛ بيقولوا شكل الحكومة غضبانة اليوم عليك.. وهكذا من التعليقاتِ التي لا تضايقني ما دام الأمرُ لا يُقلِّلُ من شأني، ولا يلغي شخصيتي، ما دام في حدودِ التشاورِ والأخذِ بالرأي.
في حين يرى “أبو أحمد 19 عاماً، أنّ التفاهمَ بينَ الزوجِ والزوجةِ، والأخذَ بِمَشورتِها، والاعتمادَ علي شخصيتِها؛ يُرجِعُه الأقاربُ والمقرّبونَ بأنّ ذلك يلغي شخصيةَ الرجلِ، بالعكسِ فأنا عندما أذهبُ إلى عملي أكونُ مطمئناً أنّ زوجتي سوف تهتمُ بكُل أمورِ البيتِ والأولادِ، وسوفَ تتصرفُ حينَ يطرأُ أيُّ طارئٍ، وتَحلُّ الأمرَ، ثُم تُخبرُني بما حدثَ؛ فهي بكلِّ معنَى الكلمةِ تنطبقُ عليها كلمةُ “حكومة”؛ وكثيراً ما أكونُ في جلسةٍ، ونتّفقُ على الخروجِ مع الأصدقاءِ، أو عزومةٍ؛ فتلقائياً مِني أُخبِرُهم أني سوفَ اتّصِل على الحكومةِ وآخذُ رأيَها.. فتتحولُ الجلسةُ إلى ضحكٍ ونكشةِ راس، حيثُ يُسقِطُ كلٌّ منهم ما في نفسِه من بابِ الضحكِ .
بكلِّ فخرٍ بادرَ” يوسف أبو لولو 36عاماً”، بالاعترافِ قائلاً :”زوجتي لا يليقُ بها إلا لقبُ “حكومةِ المنزل” وأفتخرُ بذلك؛ فهي تترأسُ كلَّ الوزاراتِ: (من تعليمٍ وتربيةٍ وتخطيطٍ وتدبيرِ أمورِ الميزانيةِ)؛ فهي اقتصاديةٌ من الدرجةِ الأُولى، وكثيراً ما أمازِحُها: “واللهِ لو كنتِ رئيسيةَ الوزراءِ؛ كان وضْع البلد اتصلّح”.
يضيفُ :” زوجتي موظفةٌ.. وبرغمِ ذلك كلُّ أعباءِ البيتِ، وتدريسُ الأبناءِ وتربيتُهم، وتحمُّلُ مسؤوليتِهم عليها، وعندَ عودتي تجهّزُ لي الطعامَ، وتُخبِرُني بتفاصيلِ يومِها، ومشاكلِ الأبناءِ، وكيف تصرّفتْ؟ وماذا فعلتْ؟ فأجِدُها كالمَكّوكِ في البيتِ.
ولا يهتمُ لكلامِ أهلِه وأصدقائهِ؛ حينما يقولونَ له (إرجعْ للحكومةِ، وشوف شو رأيها) فأُؤكِّدُ على كلامِهم بأنّ حياتي بدونِ الحكومةِ كالأكلِ بدونِ ملحٍ؛ فلا أكترثُ لتعليقاتِهم ما دمتُ أشعرُ بالراحةِ والسعادةِ، لأنها تَرجِعُ لي في كلِّ الأمورِ؛ عندما تعجزُ عن التصرّفِ، ودائماً المرأةُ أكثرُ من الرجلِ حكنةً وتصرُّفاً في الأمورِ الحياتيةِ .
في حين يرفضُ “أمير عبدالله 40 عاماً”، يعملُ تاجراً، أنْ يُلقّبَ زوجتَه بالحكومةِ؛ حتى ولو بطريقةِ المزحِ؛ فهذا يعني أنه محكومٌ، وزوجتُه مرجعيتُه؛ وهذا مرفوضٌ عُرفاً ومجتمعاً، فيقولُ :”هذا لا يعني أنه لا يَثِقُ بقدراتِها على تحمُّلِ المسؤوليةِ، وتحمُّلِ إدارةِ الأولادِ والبيتِ، فواجبُها الاهتمامُ والعنايةُ بالأولادِ والبيتِ، والمحافظةُ عليه، ولكنْ بدونِ لقبِ “حكومة”، فهناك الكثيرُ من الأمورِ التي لا تستطيعُ التصرّفَ فيها أيُّ زوجةٍ؛ فتلجأُ إلى زوجِها.. ولا أَقبلُ على نفسي أنْ أكونَ تابعاً لزوجتي، ويكونَ في يدِها التصرُّفُ بكلِّ شيءٍ، فهذا يرجعُ إلى شخصيةِ الزوجِ، وقدرتِه على اتخاذِ القراراتِ الصائبةِ، والتصرُّفِ كيفما يشاءُ .
خلالَ حديثِه معنا بيَّنَ أنه تعوّدَ على أنْ لا يُخبرَ زوجتَه بشيءٍ، ولا يستشيرُها بأيِّ موقفٍ؛ فهو يتصرفُ على أساسِ ما يراهُ صحيحاً، وبعدَها يمكنُ أنْ يُحدّثَها بما فعلَ من بابِ العلمِ؛ لا لأخذِ رأيِها يقولُ:” في البدايةِ كان هذا لا يعجبُها، وتخلقُ لي المشاكلُ؛ ولكن مع الأيامِ والمواقفِ تعوَّدتْ وتقبّلتْ الأمرَ الواقعَ .
ولم يختلفْ “إسلام ياسين 36 عاماً”، كثيراً عن سابقِه؛ حيثُ يَعُدُّ أنّ إطلاقَ “الحكومة” على زوجتِه يقلِّلُ من شأنِه؛ حتى ولو في إطارِ الفُكاهةِ،يقول:” هذا ما سبَّبه لي من المشاكلِ مع إخوتِي؛ حينما كنتُ أُخبرُ زوجتي بخروجي أو شرائي احتياجاتِ للبيتِ، فأصبحتُ نكتةً في مجالسِهم بينَ الصغارِ والكبارِ( أَجا زوج الحكومة”، وراح زوج الحكومة)؛ ما تسبّبَ لي بمشكلةٍ مع أخي.. وتخاصمْنا إلى ما يقاربُ العامَ.. ومن بعدِها لا أتحدثُ مع زوجتي على الجوالِ أمامَ أحدٍ أو أستشيرُها بأيِّ شيءٍ حفاظاً على كرامتي بينَ الأهلِ والأصدقاءِ .
في حديثٍ مع الأخصائيةِ النفسيةِ والأسريةِ “عروب الجَملة”، تؤكّدُ أنّ الزوجةَ تستحقُ لقبَ “الحكومة” على مملكتِها؛ فهي تتولَّى زمامَ أمورِها من الألفِ إلى الياء، فلم تَعُدْ الزوجةُ وظيفتُها الأساسيةُ هي البيتُ والطبخُ وتربيةُ الأطفالِ فقط، الآن نَجدُها المرأةَ العاملةَ، وفي نفسِ الوقتِ المُربّيةَ والمعلمةَ والمدبّرةَ والمسؤولةَ عن كلِّ كبيرةٍ وصغيرةٍ؛ حتى وهي موظفةٌ لم يمنعْها ذلك عن واجباتِها الأخرى: من ترتيبِ البيتِ، وتدريسِ الأبناءِ ومتابعتِهم في الروضاتِ والمدارسِ، وحتى الجامعاتِ، والاعتناءِ بهم، والسؤالِ عنهم وعن همومِهم ومشاكلِهم، وما يؤرِّقُهم، وما يحتاجونَ، وفي نفسِ الوقتِ عليها أنْ تُلبِّي زياراتِها وعلاقاتِها الاجتماعيةَ، وترعَى زوجَها، وتهتمَ به، وتتولّى كافةَ أمورِه.. فهي كالمكّوكِ داخلَ بيتِها وخارجه .
وتوضّح: مع تقدُّمِ وتطوّرِ الحياةِ، والانفتاحِ الذي نعيشُه؛ أقلمتْ المرأةُ نفسَها لاتخاذِ القرارِ، وإيجادِ الحلولِ لأيِّ مشكلةٍ تواجِهُها في ظِلِّ غيابِ زوجِها؛ لتُخبرَه بعد عودتِه من عملِه بما حدثَ معها للعلمِ والمعرفةِ بالأشياءِ، وأنها استطاعت تدبيرَ الأمورِ؛ وهذا ما دفعَ الزوجَ في أحيانٍ كثيرةٍ إلى الأخذِ بمشورتِها ورأيها، لحنكتِها وسرعتِها البديهةِ في إيجادِ الحلولِ السريعةِ، وأحياناً تُعطي زوجَها أكثرَ من حلٍّ؛ وهذا لا يعني أنّ الزوجَ عاجزٌ أو شخصيتُه ضعيفةٌ؛ بل لأنه وجدَ زوجةً تتمتعُ بشخصيةٍ قويةٍ، وتستطيعُ التصرفَ في أيِّ شيءٍ يواجِهُها حتى في أصعبِ الظروفِ .
وتوضّحُ أنه حينما يتحولُ لفظُ “حكومة” من بابِ الفكاهةِ إلى الجدّيةِ، ويُلقي على عاتقِ الزوجةِ كلَّ مسؤولياتِ الحياةِ وضغوطاتِها، بالتالي يؤثّرُ سلباً على مكانةِ وشخصيةِ الأبِ، ويفقدُ سيطرتَه وهيبتَه أمامَ أبنائه، وتصبحُ الأمُّ هي المرجعيةَ لهم بكلِّ أمورِهم.. وهنا يقعُ الخلَلُ في بنيانِ الأسرةِ وكيانِها.
وتُبيّنُ: على النقيضِ الآخَرِ نجدُ أزواجاً يَعدُّونَ لقبَ “الحكومةِ” على الزوجةِ يَمسُّ بكرامتِهم ورجولتِهم؛ فيَرفضونه بشكلٍ قاطعٍ خوفاً من أنْ يَنعتَه أصدقاؤه وأقاربُه بالمحكومِ، وذي شخصيةٍ ضعيفةٍ لا يستطيعُ اتخاذَ القرارِ، أو قليلِ الحيلةِ.. وهذا النوعُ من الأزواجِ يحاولونَ أنْ يمنعوا أيَّ تَدخُلٍ لزوجاتِهم؛ وخصوصاً إذا كانت شخصيتُها قويةً، وصاحبةَ رأيٍّ، فهو يقلِّلُ من شأنِها وآرائها؛ حتى لا تطغَى شخصيتُها عليه .
وتقولُ :”ليس عيباً أو نقصاً لو كانت القيادةُ في الأسرةِ للشخصِ الأكفأِ، سواءٌ كان الزوجَ أو الزوجةَ، مع مراعاةِ خصوصيةِ كلٍّ منهما للآخَرِ، بالمواصفاتِ الذاتيةِ التي تتناسبُ مع كلٍّ منهما على حِدَة؛ هذا الأمرُ تَفرضُه الأيامُ والمواقفُ، وكيف يتصرفُ كلُّ واحدٍ منهما؛ وهذا لا يعني إلغاءَ شخصيةِ الطرَفِ الآخَرِ؛ بل عليه دَعمُه والأخذُ بِيَدِه للعيشِ براحةٍ وسعادة.
وتقولُ :”أحياناً كثيرةً يكونُ لَقبُ “الحكومة” للمرأةِ في بيتِها؛ أدَقَّ لقبٍ لها؛ حين تقعُ على عاتقِها كلُّ المسؤولياتِ، وتتولّى الكثيرَ من الأمورِ المنزليةِ؛ لأنها لم تَجِدْ مَن يأخذُ بيَدِها ويساعدُها.. وهذا يَرجعُ بالأساسِ إلى ضعفِ شخصيةِ الزوجِ وتراخيهِ أمامَ زوجتِه، وتَعوُّدِه على ترْكِ كلِّ أمورِ المنزلِ لزوجته .
كثيراً ما يُتداوَلُ هذا اللقبُ من بابِ المزاحِ؛ ولكنْ قد ينقلبُ السِّحرُ على الساحرِ؛ وتشعرُ المرأةُ بالفخرِ والعظَمةِ في بدايةِ الحياةِ، وتتحملُ الزوجةُ سفينةَ الحياةِ برُمَّتِها حتى في أدَقِّ التفاصيلِ؛ وهذا ما أوضحتْهُ المستشارةُ الأسريةُ “الجملة” فتقولُ :”شخصيةُ المرأةِ وتفكيرُها وتَحمُّلُها وتضحياتُها وطريقةُ تَعامُلِها مع المواقفِ والحياةِ ؛ تختلفُ عن شخصيةِ الرجلِ، فدائماً تَجِدُ المرأةَ تأخذُ بجانبِها؛ فتكونُ امرأةً عاملةً كزوجِها، وعليها أنْ تُجهزَ الأبناءَ للمدرسةِ والحضانةِ، وتَعودَ من عملِها لتُحضّرَ الغداءَ لهم ولزوجِها، وتُديرَ أمورَ البيتِ وتدرّسُهم، وتجلسُ مع زوجِها، وتفكّرُ ماذا ستطبخُ غداً؟، وكيف ستَخرجُ من عملِها لتزورَ مَدرسةَ أبنائها وتطمئنَ عليهم؟ طفلُها الثاني عندَه مشكلةٌ مع أصدقائهِ في المدرسةِ؛ ستذهبُ إليهِ أيضاً، وفي المساءِ عليها زيارةٌ لبيتِ أقاربِها، أصدقاءُ زوجِها سوفَ يأتونَ لتناولِ العشاءِ.. كلُّ هذا مطلوبٌ منها، والزوجُ يعودُ من وظيفتِه لينتظرَ الغداءَ؛ ثُم ينامُ ويخرجُ ليسهرَ مع أصدقائه، وهنا تتساءلُ الأخصائيةُ: ألَم يَخطرْ ببالِ الأزواجِ أنهم يُحمّلونَ زوجاتِهم كلَّ المسؤولياتِ؟، ألَم يَخطرْ ببالِهم من أين يأتينَ بهذهِ الطاقةِ والتحمُّل للقيامِ بهذه المَهامِ؟، لذلك بعدَ مرورِ الأيامِ والسنينَ نسمعُ شكاوَى المرأةِ؛ تعبتُ ولا أستطيعُ التحمُّلَ، وتطلبُ من زوجِها المشارَكةَ والمساهَمةَ في تحمُّلِ المسؤوليةِ، الوضعُ اختلفَ عن السابقِ؛ الأطفال كبروا وزادتْ الأعباءُ، وهنا تكونُ قد وصلتْ لطريقٍ مسدودٍ؛ لأنها عوّدتْ زوجَها على أن تقومَ هي بكلِّ شيءٍ دونَ أنْ تشكوَ أو تَطلبَ المساعدة .
في حين توضّحُ مستشارةُ الأسرةِ والتربيةِ “عُلا النوري” أنّ المرأةَ تتحملُ في زمنِنا المُعاصرِ كثيرًا من المسئولياتِ والأعباءِ التي تُشكّلُ عليها ضغوطًا نفسيةً وبدَنيةً: من عملٍ خارجَ المنزلِ؛ يبدأُ بخروجِها يومياً وإدارةِ عملِها؛ وينتهي بتحمُّلِ مسئوليةِ العملِ نفسِه، وما يتطلّبُه من جهدٍ ذهنيٍّ وبدَنيٍّ، ثُم يأتي دورُها وعملُها الأساسُ الذي خُلقتْ من أجلِه، والتي لا يُمكِنُها الفكاكَ منه أو الإخلالَ به، وهو تَحمُّلُ مسئوليةِ وأعباءِ الزوجِ والمنزلِ والأولادِ، وما يتطلبُه ذلك من جهدٍ وصبرٍ وقوةِ تحمُّلٍ لترعَى أولادَها دراسيًا، وبدَنيًا، ونفسيًا، وترعَى بيتَها، وزوجَها نفسيًا، وبدَنيًا أيضًا، وتحتَ كلِّ هذا الضغطِ تَنظرُ الزوجةُ إلى زوجِها، وتأمَلُ فيه أنْ يَشعُرَ بآلامِها، وتطلبُ منه أنْ يساهمَ معها في بعضِ أعبائها، ويتحمّلَ معها بعضَ مسئولياتِها.
وتُوَجِّهُ حديثَها لكُلِّ زوجةٍ: من بدايةِ حياتِك عوِّدي زوجَك على تقديمِ المساعدةِ؛ خصوصاً لو كنتِ امرأةً عاملةً؛ أشرِكيهِ بكلِّ التفاصيلِ، واترُكي له حريةَ التصرفِ، والاختيارِ، وحلِّ المشاكلِ التي تُصادِفُك؛ حتى لا تجعليهِ بعيداً عن مُعترَكِ الحياةِ الأسريةِ؛ وفُجأةً تَطلُبي منه أنْ يشاركَ بعدَ أنْ تعوّدَ على أنْ تقومي أنتِ بكلِّ شيءٍ، وفُزتِ بلَقبِ أنتِ الحكومةُ، وأنتِ الناهيةُ والآمِرةُ في هذا البيت .
وتُبيّنُ: في أوقاتٍ كثيرةٍ يكونُ تَساهُلُ الزوجةِ مع زوجِها، وتعاطفُها مع وضْعِه النفسيِّ سبباً كافياً ليتمادَى بلا مبالاةٍ، ويتركَ لها كافةَ المسؤولياتِ، وهنا يعتمدُ عليها رُبما لظروفٍ خارجةٍ عن إرادتِه، أو بسببِ البيئةِ المحيطةِ به، وقد لا يكونُ الزوجُ ضعيفَ الشخصيةِ؛ ولكنه وجدَ مَن تَحلُّ مكانَه في الكثيرِ من المواقفِ؛ لتفتحَ بيدِها بابَ “الاتّكاليةِ” لزوجِها، ومن هنا يُطلَقُ عليها “الحكومة”، وتتمادَى الزوجةُ في ظِلِّ هذا الخنوعِ حتى تتحولَ “الاتّكاليةُ” إلى ممارسةٍ يوميةٍ في كلِّ شؤونِ الحياةِ.
في دراسةٍ حديثةٍ أثبتتْها البحوثُ العلميةُ ذكرتْها الأخصائيةُ وقالت: “الخطورةُ تكمُنُ في مسألةٍ يَغفُلُ عنها معظمُ النساءِ؛ وهي استمرارُ قيامِ المرأةِ بواجباتِ الرجالِ؛ حتى وإنْ كانت مُضطّرةً لذلك، حيثُ بطريقتِها تلكَ تساهمُ في رفعِ مستوى هرمونِ الذكورةِ “التسترون” الذكوري؛ ما يؤدّي إلى اكتسابِ صفاتِ الذَّكرِ في التعاملِ، والتخلّي عن صفاتِ الأنوثةِ، عندها تكتسبُ بعضَ صفاتِ الرجولةِ”، وحتى تنضَبِطَ الأمورُ في الحياةِ الزوجيةِ لابدَّ أنْ يقومَ الزوجُ بدَورِه المُناطِ به بوَظائفَ تُناسِبُه؛ مِثلَ الإنفاقِ والإدارةِ في المنزلِ، وتوَلِّي كافةِ شؤونِه، ومتى تَنازلَ أحدُ الطرَفينِ عن دورِه؛ فإنّ هذا إيذانٌ بانهيارِ هذه الأسرةِ وتَزعزُعِها، وتَسرُّبِ الضعفِ إلى أفرادها.
كان “للسعادة” حديثها مع أستاذِ الشريعةِ في جامعةِ النجاحِ “عصام بدران”الذي قال:” لا مانعَ من أنْ يُطلِقَ الزوجُ على زوجتِه لقبَ “الحكومة” من بابِ الملاطفةِ والمداعبةِ وتلطيفِ الأجواءِ؛ لكنْ بعيداً عن تَحمُّلِها كافةَ الواجباتِ والمسؤولياتِ المنزليةِ، فالحياةُ بينَ الأزواجِ مشارَكةٌ، ومن واجبِ الزوجِ مساعدةُ زوجتِه في الأعمالِ المنزليةِ؛ فذلكَ له أثرٌ إيجابيٌّ في استقرارِ وسعادةِ الحياةِ الزوجيةِ؛ لقولِ الرسولِ صلّى اللهُ عليه وسلّم:” خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي”، فلا تُلقِ عليها العبءَ، وتطلبْ منها أنْ تُنجِزَ الأعمالَ المنزليةَ على أكملِ وجهٍ! مُد يدَك لمساعدتِها، ولا تخجلْ، فقليلٌ من اللياقةِ يكفي كثيراً من الحُبِّ والوُدِّ، وشيءٌ من التنازلِ يمنحُكَ السعادةَ الحقةَ .
ويقولُ: علينا أنْ نتعلّمَ من مُعلّمِ البشريةِ وهاديها محمدٍ _صلّى اللهُ عليه وسلّم_، كيف كان يُعاملُ أهلَ بيتِه، فلَنا في رسولِ اللهِ أُسوَةٌ حسَنةٌ؛ حيثُ كان صلّى اللهُ عليه وسلّم يساعدُ زوجاتِه في أعمالِ المنزلِ؛ إذْ كان عليه الصلاةُ والسلامُ لا يعتمدُ عليهِنَّ في كلِّ شئونِه الخاصةِ به، فقد كان يَخيطُ ثوبَه ويحيكُ نعلَه.
يؤكّدُ دكتورُ الشريعةِ “بدران” أنّ من واجبِ الزوجِ مساعدةُ زوجتِه في الأعمالِ المنزليةِ؛ ما دامت تساعدُه في العملِ بالخارجِ، وتشارِكُه في مصروفِ المنزلِ، وأفضلُ طريقةٍ للتعاونِ بينَ الزوجينِ؛ هي تقسيمُ الأعمالِ المنزليةِ دونَ إجبارٍ من الزوجةِ؛ بل يجبُ على الزوجةِ أنْ تُشجّعَ زوجَها باستمرارٍ، وتوضّحَ له مدَى امتنانِها من مجهودِه وإنجازاتِه المنزليةِ، كما يجبُ أنْ تتغاضَى الزوجةُ عن الأخطاءِ التي قد يقعُ فيها الزوجُ بسببِ عدمِ تأَقلُمِه على الأعمالِ المنزليةِ؛ حتى تتجنّبَ تَوتُرَ أعصابِه وغضبَه .